الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في العفو عن القصاص والقود فيما دون النفس)
وَيجب بعمدٍ القَوَدُ أو الدِّيَة، فَيُخَيَّرُ وليٌّ
(1)
، وَالعَفوُ مجَّاناً أفضلُ
(2)
. وَمَتى اختَار الدِّيَةَ أو عَفا مُطلقاً أو هلك جَانٍ تعيّنتِ الدِّيَةُ
(3)
.
(1)
أي: يجب بالقتل العمد العدوان: إما القود وإما الدية، فيخيّر ولي الدم بينهما، وشُرع التخيير تخفيفاً ورحمة، وهو من محاسن هذه الأمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُرفع إليه أمر فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو، رواه الخمسة إلا النسائي. وقيل: إن اليهود لم يشرع لهم إلا القصاص ولم يكن عندهم عفو ولا دية، وأن النصارى لم يشرع لهم إلا الدية ولم يكن عندهم قصاص.
(تتمة) أولياء الدم: هم من يرث المقتول بفرض أو تعصيب، فلا يدخل فيهم محجوب ولا ذو رحم.
(2)
ولا يعزر الجاني إذَن.
(3)
فلو قال ولي الدم: اخترت الدية، أو قال: عفوت عن القود، أو: عفوت لوجه الله، وسكت ولم يقل: على دية أو: على مال، وكذلك لو هلك الجاني، فإن الدية تتعين في كل هذه الأمور.
(تتمة) لو اختار الولي القود، فله بعد ذلك أن يقتص، أو يأخذ الدية، أو أن يصالح على أكثر منها حتى يترك القصاص. وقد بلغ الصلح على دم العمد في زماننا مبالغ عالية جداً تقدر بعشرات الملايين، والله المستعان.
وَمنْ وكَّلَ ثمَّ عَفا وَلم يعلم وَكيلٌ حَتَّى اقتصّ، فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا
(1)
.
وإن وَجب لقِنٍّ قَوَدٌ أو تَعْزِيرُ قذفٍ، فَطَلَبُهُ وإسقاطُهُ لَهُ
(2)
، وإن مَاتَ فلسيدِهِ.
والقودُ فِيمَا دون النَّفس
(3)
كالقود فِيهَا
(4)
، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أحدُهما: فِي الطَّرَف
(5)
، فَيُؤْخَذ كلٌّ من عينٍ وأَنف وأُذُنٍ وَسِنٍّ وَنَحْوِهَا
(1)
أما الموكِّل، فلكونه محسناً بالعفو، وأما الوكيل، فلكونه غير مفرط، وفعله لا يمكن استدراكه.
(2)
لا لسيده.
(3)
بعدما تناول الماتن أحكام القود في النفس، انتقل إلى القود في ما دون النفس. ويشمل القود فيما دون النفس: الجروحَ، وقطعَ الأطراف دون كسرها، فلا قصاص في كسر إلا كسر السن. ولا قصاص على من أَذهَب منفعة عضو إنسان، ولا في اللكمة والضربة والصفعة، أما شيخ الإسلام فيوجب فيها القصاص، لكن يصعب في الحقيقة تقدير القود في مثل ذلك. كذلك لا قصاص في الشتم: كقوله لغيره: يا حمار، أو: يا حيوان، أو: ياكذاب، أو يا مرائي ونحو هذا، لكنها محرمة ويجب فيها التعزير، وكل ما لا يجب فيه القصاص يجب فيه التعزير.
(4)
أي: إذا جاز أن يُقتص من الجاني في النفس لو قتل المجنيَّ عليه - وذلك بتوفر شروط وجوب القصاص الأربعة المتقدمة - جاز أن يُقتص منه فيما دون النفس إذا جنى عليه بما يوجب القود، وإلا فلا؛ فلو جنى الأبُ على ولده فيما دون النفس لم يقتص منه؛ لأنه لا يُقتل به لو قتله، وكذا لا يُقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس كما لا يقاد به في النفس.
(5)
القود فيما دون النفس نوعان: (النوع الأول) القود في الأطراف: والمراد: قطعها لا كسرها، كما تقدم، إلا كسر السن فيُقاد به. والطرف - كما قال الشيخ عثمان -: هو ما له مَفْصِل - على وزن مسجد - أو له حد ينتهي إليه كمارن الأنف. والمَفْصِلُ - كما قال البعلي -: (هو ما بين الأعضاء، كما بين الأنامل، وما بين الكتف والساعد)، فإذا قَطَع يدَ شخصٍ من المفصل اقتُص منه، بخلاف ما لو قطع يده من وسط ساعده فلا قصاص؛ لأنه ليس قطعاً من مفصل.
بِمثلِهِ
(1)
، بِشَرْطِ مماثلةٍ
(2)
، وأَمْنٍ مِنْ حَيْفٍ
(3)
،
واستواءٍ فِي صِحَةٍ وَكَمَالٍ
(4)
.
(1)
أي: بمثل العضو المتلف؛ فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف وهكذا، والأصل في القود في الأطراف والجروح قوله تعالى:{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروحَ قصاص} [المائدة، 45].
(2)
يشترط للقصاص في الأطراف ثلاثة شروط: [الشرط الأول] المماثلة في: 1 - الاسم، كاليد أو الرجل، 2 - والموضع، كاليمنى أو اليسرى، فتقطع اليد اليمنى باليد اليمنى، وهكذا.
(3)
[الشرط الثاني] الأمن من الحَيْف - بوزن بَيْع - وهو: الجور والظلم كما في المطلع، فيشترط للقصاص في الأطراف: أن نأمن من الزيادة على ما فعله الجاني بالمجني عليه، ولا يكون الأمنُ إلا بأن يكون القطعُ من مفصل، أو يكون للقطع حد ينتهي إليه كمارن الأنف، وهو: ما لَان منه. فإن لم يُؤمن الحيف فلا قصاص كما لو قطع الجاني نصف ساق المجني عليه، فلا قصاص؛ لأنه لو اقتُص منه ربما أُخذ أكثر من الذي قطعه الجاني ..
(4)
[الشرط الثالث] الاستواء في الصحة والكمال: أما الاستواء في الصحة فبوجود المنفعة في العضو، وأما في الكمال فبأن تكون عين العضو مكتملة، فلا تؤخذ يد صحيحة بيد شلاء، ولا يدٌ كاملة الأصابع بيد ناقصة الأصابع.
(تتمة) تابع الماتنُ الإقناعَ في الاقتصار على هذه الشروط الثلاثة، وزاد في المنتهى - ومثله الغاية -:(شرطاً رابعاً)، وهو: أن تكون الجناية عمداً محضاً، فلا قصاص في شبه العمد والخطأ، وذكره في الإقناع قبل الشروط الثلاثة.
الثَّانِي: فِي الجروحِ، بِشَرْطِ انتهائِها إلى عَظْمٍ
(1)
كموضحةٍ
(2)
وجُرْحِ عَضُدٍ وسَاق وَنَحْوِهمَا
(3)
.
(1)
(النوع الثاني) من نوعي القود فيما دون النفس: القود في الجروح، ويُشترط للقصاص في الجروح: 1 - أن تكون الجناية بالجرح عمداً محضاً، كما في الإقناع، أما الخطأ وشبه العمد فلا قصاص فيهما، 2 - وأن ينتهي الجاني في جرحه للمجني عليه إلى عظم، وإلا فلا قصاص، فلو جرحه في فخذه ووصل الجرح إلى العظم جاز القصاص؛ لإمكان الاستيفاء بلا حيف ولا زيادة لانتهائه إلى عظم، وإن لم يصل الجرح إلى العظم فلا قصاص؛ لاحتمال أن يُجرح الجاني جرحاً أزيد من جرحه للمجني عليه، وحينئذ ففيه الأرش.
(2)
وهي جناية تكون في الرأس أو الوجه بحيث توضح العظم فيراه الناس، فيجوز القصاص فيها؛ لانتهائها إلى عظم.
(3)
العضد: هو ما بين الكتف والمرفق، ويسمى أيضاً: الساعد من أعلى. والساعد: هو الذي بين المرفق والرُّسغ ويسمى ذراعاً أيضاً. وفي نسخة الأخصر المفردة: (وجرح عضد وساعد ونحوهما)، والمراد: لو جرح في عضُدِهِ أو ساعده أو ساقه أو غيرهما ففيه القصاص إن وصل الجرح إلى العظم وإلا فلا.
(تتمة) المعتبر في قدر الجرح: المساحة دون كثافة اللحم.
وتُضمنُ سرَايَةُ جِنَايَةٍ لَا قَودٍ
(1)
، وَلَا يُقْتَصُّ عَن طرفٍ وجُرحٍ، وَلَا يطلبُ لَهما دِيَةٌ قبلَ البُرْءِ
(2)
.
(1)
السِّراية: تطور واستفحال تأثير الجناية على العضو، أو تعدي أثرها إلى غير العضو المجني عليه؛ فإذا سرت جنايةُ الجاني إلى النفس مثلاً، كأن كسر يد المجني عليه عمداً فمات من ذلك، فإنه يُقتل به كما لو قتله عمداً، أما السراية التي تترتب على استيفاء القصاص فلا تضمن، كما لو اقتُص منه في طرف فمات من ذلك، فهو هدر.
(2)
أي: لا يقتص المجنيُّ عليه في طرف ولا في جرح، ولا يطلب لهما دية قبل برئه؛ لأن الجناية قد تسري إلى أكثر من عضو، أو إلى نفسه، فيكون الانتظار من مصلحته، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح، رواه الدارقطني. وقد أبهم الماتن الحكم، والذي في المنتهى أن المطالبة محرمة على المجني عليه، بل يحرم على الحاكم أن يستجيب له، فإن اقتص المجنيُّ عليه قبل البرء فالسراية هدر.
(تتمة) حكم إرجاع العضو بعد قطعه في القصاص: لو قطع شخص يد إنسان مثلاً، فقُطعت يده قصاصاً، فهل له أن يعيدها إلى موضعها بواسطة زراعة الأعضاء؟
خلاف في المذهب: ففي المنتهى - وتبعه الغاية - لو أعادها اقتُص منه مرة أخرى، وذهب الإقناع إلى أنه لا يقتص منه. (مخالفة)
وقد أفتت اللجنة الدائمة بعدم جواز ذلك في السرقة، ومثله عند المجمع الفقهي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي. أما القصاص، فذكروا أن الأصل عدم جواز إعادة العضو إلا أن يرضى المجني عليه، وكذا لو أعاد المجني عليه عضوه فللجاني زراعة عضوه أيضاً. وإذا نُفذ حكم القطع قصاصاً أو حداً، ثم تبين براءة المقطوع جاز إعادة عضوه.