الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النفقات
(1)
وعَلى زوجٍ نَفَقَةُ زَوجتِهِ من مَأكُولٍ ومشروبٍ وَكِسْوَةٍ وسُكنى بِالمعْرُوفِ
(2)
، فيفرضُ لموسرةٍ مَعَ مُوْسرٍ عِند تنَازعٍ من أرْفَع خبزِ البَلَدِ
(3)
(1)
النفقات: جمع نفقة، وهي لغة: الدراهم ونحوها من الأموال، والنفقة شرعاً: كفاية من يمونه خبزاً وأدماً، وكسوة - بكسر الكاف وضمها -، ومسكناً، وتوابعها. والقصد من هذا الباب: بيان ما يجب على الإنسان من النفقة وما يتعلق بذلك. وأسباب النفقة ثلاثة: النكاح، والقرابة، والملك، وبدأ الماتن بنفقة الزوجة؛ لأنها أقوى أسباب النفقة، ولها خصائص متعددة منها: عدم سقوطها بمضي الزمن، بخلاف نفقة الأقارب.
(2)
أي: يجب على زوج - لأن «على» للوجوب - أن ينفق على زوجته ولو كانت معتدة من وطء شبهة ما لم تكن مطاوعة للواطئ. والواجب عليه أن ينفق عليها بما يصلح لمثلها بالمعروف بين الناس، وهذا في حال عدم النزاع بينهما. وأما مقدار النفقة: فالواجب عليه أن يأتيها بما يكفيها سواء كان موسراً أو معسراً، وسواء كانت موسرة أو معسرة، فلا يختلف المقدار باختلاف حال الزوجين؛ للحديث:«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» . أما جنس ما ينفق عليها: فيُعتبر - في المذهب - بحال الزوجين يساراً وإعساراً.
(3)
فإن تنازع الزوجان فرض الحاكم جنس النفقة بحسب حالهما، وجعل الماتن ذلك خمسة أقسام:(القسم الأول) الموسرة مع الموسر، فيفرض لها الحاكم من أرفع - أي: أفضل - خبز في البلد.
وأُدْمِهِ
(1)
عَادَةَ الموسرين
(2)
، وَمَا يَلبَسُ مثلهَا
(3)
ويَنامُ عَلَيْهِ
(4)
.
ولفقيرةٍ مَعَ فَقيرٍ كفايتُها من أدنى خبزِ البَلَدِ وأُدْمِهِ وَمَا يَلبسُ مثلُهَا ويَنامُ وَيَجْلسُ عَلَيْهِ
(5)
. ولمتوسطةٍ مَعَ متوسطٍ وموسرةٍ مَعَ فَقيرٍ وعكسُها مَا بَين ذَلِك
(6)
، لَا القيمَةُ
(1)
الأُدم - بضم الهمزة -: ما يؤتدم به، تقول: أدمت الطعام وأدمته إذا جعلت فيه إداماً، والمراد به: ما يؤكل بالخبز، ولا يشترط كون ما يأتيها به من لحم أو دجاج ونحوه مطبوخاً، لكنه يوفّر لها ما تطبخ فيه ذلك، أما الخبز فاشترطوا أن يأتيها به جاهزاً.
(2)
أي: حسب عادة الموسرين في ذلك البلد.
(3)
والمراد: لباس البيت، فيأتيها بجنس ما تلبس مثل امرأته في بيت أهلها أو عند قومها، ولا يجب عليه أن يحضر لها ما تلبسه للخروج (العباءة)؛ لأنها ممنوعة من الخروج لحق الزوج.
(4)
فيفرض لها الحاكم ما ينام عليه مثلها من فراش ولحاف ومخدة.
(5)
(القسم الثاني) الفقيرة تحت الفقير: فيفرض لها الحاكم كفايتها - أي: المقدار الذي يكفيها - من أرخص خبزٍ ولحمٍ في البلد، وكذلك الزيت والأرز؛ ويفرض لها ما يلبس مثلها، وما ينام ويجلس عليه مثلها من فرش وغير ذلك.
(6)
ففي (القسم الثالث) المتوسطة مع المتوسط، و (القسم الرابع) الموسرة مع الفقير، وعكسها (القسم الخامس) الفقيرة مع الموسر، فيفرض الحاكم في هذه الأقسام الثلاثة ما بين ذلك، أي: نفقة المتوسطين، فيجب على الزوج إذن أن يأتيها بما كان متوسط الجودة من الخبز واللحم وغير ذلك.
إلا برضاهما
(1)
.
وَعَلِيهِ مُؤنَةُ نظافتِها
(2)
، لا دواءٌ وأجرةُ طَبِيبٍ
(3)
وَثمنُ طيبٍ
(4)
.
وَتجبُ لرجعيةٍ
(5)
وبائنٍ حَامِل
(6)
، لا لمتوفى عَنْهَا
(7)
.
(1)
أي: لا يفرض الحاكم قيمة الأكل واللباس وغير ذلك بنقود يسلمها الزوج لامرأته إلا أن يتراضيا على ذلك، وإلا فالأصل: أن الزوج يأتي بنفس الطعام واللباس والفراش وغيره.
(2)
أي: يجب على الزوج مؤنةُ نظافة امرأته كالصابون، والشامبو، والسدر، وما تدهن به.
(3)
فإذا مرضت لم يلزمه أن يشتري لها دواءً ولا أن يدفع لها أجرةَ الطبيب؛ لأن ذلك ليس من حاجاتها الضرورية المعتادة، بل هو عارض.
(4)
فلا يلزمه ثمن الطيب والحناء والخضاب إلا إذا أراد أن تتزين له بذلك، فيكون ثمن ذلك عليه لا عليها.
(5)
أي: تجب النفقة - من أكل، وكسوة، ومسكن - للرجعية؛ لأنها زوجة.
(6)
المفارقة البائن - سواء كانت بائناً بفسخ أو طلاق - لا تجب لها النفقة إلا إن كانت حاملاً، والنفقة للحمل لا لها من أجله، فتجب بوجوده وتنقضي بعدمه، فلو مات في بطنها انقطعت؛ لأنها لا تجب لميت، كما قال الشيخ منصور في شرح المنتهى.
(7)
فلا نفقة للزوجة المتوفى عنها ولو حاملاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «لا نفقة لك ولا سكنى» متفق عليه، أما حملها إن كانت حاملاً فله نصيبه من تركة أبيه يجب أن ينفق عليه منه.
وَمَن حُبِسَتْ
(1)
أو نشزَتْ أو صَامت نفلاً، أو لكفارةٍ، أو قَضَاءِ رَمَضَانَ وَوَقتُهُ مُتسعٌ
(2)
، أو حَجَّت نفلاً بِلَا إذنِهِ
(3)
أو سَافَرت لحاجتِها بِإِذنِهِ سَقَطت
(4)
.
وَلها الكِسْوَةُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فِي أوَّلِهِ
(5)
.
وَمَتى لم يُنْفِقْ تبقى
(1)
ولو ظلماً.
(2)
أي: تسقط نفقتها إن صامت قضاء رمضان بلا إذنه حال كون وقته متسعاً، وإلا لم تسقط، أما صومها رمضان أداءً، فلا تسقط نفقتها به.
(3)
فتسقط نفقتها، بخلاف حج الفرض، فلا تسقط فيه، لكن لا يجب على الزوج أن يحجج امرأته، بل يعطيها من النفقة مثل ما تستحقه في الحضر، وما زاد فهو عليها. وقوله: بلا إذنه: يرجع على جميع ما تقدم من صيام النفل وغيره.
(4)
فلو سافرت لحاجتها، أو لزيارة، أو نزهة حتى لو كان بإذنه فإن نفقتها تسقط إلا أن يسافر معها ويتمكن من الاستمتاع بها، فلا تسقط نفقتها إذن؛ لأن الزوجية علاقة استمتاع، فمتى أمكنه الاستمتاع بها وجبت عليه نفقتها وإلا فلا.
(5)
أي: يجب على الزوج أن يأتيها بالكسوة في أول العام - وأوله: من التسليم أو من بذلها للتسليم - فلو قبضتها ثم تمزقت أو بليت لم يلزمه بدلها، ولو انقضى العام والكسوة باقية، فإنه يجب عليه أن يأتيها بكسوة للعام الجديد.
(تتمة) ظاهر كلام الأصحاب هنا في أحكام النفقة مبناه على العرف، قال في المنتهى: في أول كتاب النفقات: (وعلى زوج ما لا غَنَاء لزوجة عنه .. من مأكول، ومشروب، وكسوة، وسكنى بالمعروف)، وعليه فالذي يظهر: أنه يلزم الزوج - بالنسبة للكسوة - أن يأتي زوجته بالكسوة مرتين في العيدين: الفطر، والأضحى كما هي عادة الناس اليوم في السعودية، وهل يلزمه أن يأتي لها بكسوة في كل مناسبة زواج ونحو ذلك؟ الظاهر: لا؛ لأنها أمور زائدة على النفقة الواجبة. والله أعلم. (تحرير)
فِي ذمَّتِهِ
(1)
.
وإن أنفقَتْ من مَالِهِ فِي غيبتِهِ فَبَان مَيِّتاً رَجَعَ عَلَيْهَا وَارِثٌ
(2)
.
وَمن تسلَّم من يلزمُهُ تَسْلُّمُهَا، أو بذلتْهُ هِيَ أو وَلِيُّهَا، وَجَبت نَفَقَتُهَا
(3)
وَلَو مَعَ صِغَرِهِ ومرضِهِ وعُنَّتِهِ وجَبِّهِ
(4)
.
وَلها منعُ نَفسِهَا قبل دُخُولٍ لقبضِ مهرٍ حَالٍّ وَلها النَّفَقَةُ
(5)
.
(1)
أي: متى لم ينفق الزوج على امرأته فإن النفقة لا تسقط، بل تبقى في ذمته، أما نفقة الأقارب، فإنها تسقط سواء ترك النفقة لعذر أو غير عذر إلا ما يستثنى، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله. (فرق فقهي)
(2)
أي: رجع عليها وارث الزوج بما أنفقته بعد موت زوجها.
(3)
فمن عقد على امرأة لم تجب عليه نفقتها إلا في حالتين:
1 -
أن يتسلم من يلزمه تسلمها، وهي التي يوطأ مثلها، 2 - وكذا لو بذلت، أو بذل وليُها التسليمَ للزوج، كأن يقول له أبوها: خذ زوجتك فلن نمنعك منها، فتجب عليه حينئذ النفقة ولو لم يتسلمها.
(4)
أي: تجب النفقة في الحالتين ولو مع وجود مانع الصغر، أو المرض، أو العنة، أو الجب - وهو قطع الذكر -.
(5)
فللمرأة أن تمنع نفسها قبل الدخول إلى أن تقبض المهر الحال، ولها النفقة في تلك المدة. أما لو كان المهر مؤجلاً، فليس لها أن تمنع نفسها؛ لأنها رضيت بتأخيره.
وإن أعسر بِنَفَقَةِ مُعسرٍ أو بَعْضِهَا
(1)
لا بما فِي ذِمَّتِهِ
(2)
أو غَابَ وتعذَّرت باستدانةٍ أو نَحْوِهَا، فلهَا الفَسْخُ بحاكمٍ
(3)
، وَترجِعُ بِمَا استدانَتْهُ لَهَا
(1)
أي: إذا عجز الزوج عن النفقة فلا يخلو الحال: 1 - أن يعجز عن نفقة المعسر أو بعضها - سواء كان الواجب عليه نفقة موسرين، أو متوسطين، أو معسرين - كأن لم يجد قوت معسر أو بعضه، فتخير الزوجة بين: الفسخ، أو المقام معه. فإن اختارت المقام معه فلا يخلو: إن مكّنته من نفسها فتبقى نفقة معسر فقط ديناً في ذمته - ويسقط ما زاد عن نفقة معسر -، وإن لم تمكنه من نفسها لم تبق نفقة معسر لها ديناً في ذمته. 2 - أن يعجز عن نفقة الموسرين إلى المتوسطين، أو المعسرين، أو يعجز عن نفقة المتوسطين إلى نفقة المعسرين، ففي هذه الحالة ليس لامرأته الفسخ، وتبقى نفقة ما عجز عنه ديناً في ذمته، فإن كان - مثلاً - الواجبُ عليه نفقةَ المتوسطين، وعنده نفقةُ المعسرين فيبقى في ذمته ما بين نفقة المعسرين والمتوسطين، وهكذا.
وإن علمت وقت العقد عجزه عن نفقة المعسرين أو حَدَث ذلك ورضيت به، لم يسقط حقها في الفسخ، ولها أن تطالب به بعد ذلك؛ لأن النفقة تتجدد كل يوم. (بحث وتحرير مهم)
(2)
لم أجد هذا الاستثناء في المنتهى ولا الإقناع ولا الغاية ولا شروحها، ولعل المراد: أنها لا تُمكَّن من الفسخ بسبب نفقة ماضية بقيت ديناً في ذمة الزوج. والله أعلم.
(3)
أي: إن غاب عنها وتعذرت النفقة عليها فلها الفسخ بإذن الحاكم، فيفسخ الحاكم بطلبها، أو تفسخ هي بأمره، وفسخ الحاكم تفريق لا رجعة فيه، كما في الإقناع. ويكون تعذر النفقة: 1 - بتعذر الاستدانة، بأن لا تجد من يقرضها بما ترجع به على زوجها، 2 - أو غير الاستدانة، كما قال الشيخ عثمان، بأن لا تجد ما يمكن بيعه من مال الزوج كعقارٍ يملكه.
أو لولدِها الصَّغِيرِ مُطلقاً
(1)
.
(1)
أي: ترجع بما استدانته لها أو بما استدانته لولدها الصغير مطلقاً، سواء كان بإذن الحاكم أو بغير إذنه.
(تتمة) ضابط الأحوال التي يجوز فيها للمرأة أن تفسخ نكاحها من أجل النفقة: أن يتعذر الإنفاق عليها من جهته، ويدخل في ذلك صورتان: 1 - إذا لم ينفق بالكلية، ولم تقدر له على مال، وهو بخيل موسر. أما إن قدرت له على مال أخذت منه كفايتها وكفاية ولدها بالمعروف؛ لحديث هند بنت عتبة رضي الله عنها، فإن لم تقدر أجبره الحاكم وحبسه إن امتنع، أو أخذها الحاكم ودفعها للزوجة، فإن لم يقدر فلها الفسخ. 2 - أو إذا كان غائباً، ولم يترك لها نفقة، وتعذرت الاستدانة عليه.