الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
(1)
يُسنُّ مَعَ شَهْوَةٍ لمن لم يَخفِ الزِّنَا، وَيجب على من يخافُهُ
(2)
. وَيُسنُّ
(1)
النكاح لغة: الوطء المباح، واصطلاحاً: عقد التزويج. والأصل في مشروعية النكاح: الكتاب والسنة والإجماع، أما من الكتاب فقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء، 3]، ومن السنة أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» ، متفق عليه، وحكى ابن المنذر الإجماعَ على مشروعية النكاح.
(2)
للنكاح أربعة أحكام: (الحكم الأول) السنية: فيسن لمن عنده شهوة ولا يخاف الوقوع في الزنا؛ للحديث المتقدم، واشتغال ذي الشهوة به أفضل من التفرغ لنوافل العبادة. (الحكم الثاني) الوجوب: فمن كان عنده شهوة وخاف الوقوع في الزنا إذا ترك النكاح - ولو ظنًّا - وجب عليه أن يتزوج رجلاً كان أو امرأة، ويجب أيضاً بنذر. وذكر في الإقناع أنه لا يكفي للخروج من عهدة الوجوب أن يتزوج مرة واحدة ويُطَلِّق، بل يكون التزويج في مجموع العمر، وكذلك لا يكفي مجرد العقد بل يجب الاستمتاع؛ لتندفع خشية الوقوع في المحظور. (الحكم الثالث) الإباحة: فيباح لمن لا شهوة له كالعنين، ولمن ذهبت شهوته لمرض أو كبر السن. (الحكم الرابع) التحريم: فيحرم النكاح لغير ضرورة في دار الحرب، فإن فعل صح العقد.
نِكَاحُ وَاحِدَةٍ
(1)
حسيبةٍ
(2)
ديِّنةٍ
(3)
أجنبيةٍ
(4)
بكرٍ
(5)
ولُودٍ
(6)
، ولمريدِ خطبَةِ
(1)
يسن على المذهب الاقتصارُ على زوجة واحدة، وهو أفضل من التعدد. وقد تابع الماتن في هذا زاد المستقنع، ولفظ الإقناع:(يستحب ألا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف)، أما المنتهى - ومثله الغاية - فلم يذكر هذه المسألة، وإنما ذكرها البهوتي في شرحه عليه، وقال ابن النجار في شرحه على المنتهى:(ولا يسن الزيادة على واحدة). ويفهم من كلام الإقناع: أنه إن لم يحصل الإعفاف بواحدة فلا يستحب الاقتصار عليها، بل يعدد. والله أعلم. (بحث)
(2)
أي: يستحب أن تكون حسيبة: وهي النسيبة، أي: طيبةَ الأصل؛ ليكون ولدها نجيباً، فلا ينبغي أن يتزوج بنت زنا ولقيطة وهي: من لا يُعرف أبوها، كما في الإقناع.
(3)
أي: يستحب أن تكون صاحبة دين؛ للحديث: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» .. وينبغي ألا يسأل عن دين المرأة حتى يُحْمَدَ له جمالُها - كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله، فيسأل عن الجمال أولاً ثم عن الدين، فإن كان فيه خلل ردها لأجل الدين، أما لو سأل عن دينها وارتضاه ثم سأل عن جمالها ولم يرتضه وردها بسببه، فربما قيل فيه: إنه يهتم بالجمال لا بالدين.
(4)
أي: لا تقرب له في النسب؛ لأن ولدها يكون أنجب - كما يذكرون -، ولأنه لا يأمن فراقها فيفضي ذلك إلى العداوة وقطيعة الرحم.
(5)
أي: غير ثيب؛ للحديث: «فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك» ، متفق عليه، لكن قيده في الإقناع فقال:(إلا أن تكون المصلحةُ في نكاح الثيب أرجحَ، فيقدمها على البكر).
(6)
أي: يستحب كونها ولوداً بأن تكون من نساء يُعْرَفْنَ بكثرة الولادة؛ للحديث: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ، رواه الإمام أحمد. وفي الزاد:(بلا أم): أي كونها بلا أم، وهي غير موجودة في المتون كما ذكر العلماء؛ لكنها منقولة عن الإمام رحمه الله.
(تتمة) وفي الإقناع أيضاً: ويستحب أن تكون جميلة، وذات عقل.
امرأةٍ مَعَ ظن إِجابةٍ نظرٌ
(1)
إلى مَا يظهَرُ مِنْهَا غَالِباً بِلَا خلوَةٍ إن أَمِنَ الشَّهْوَة
(2)
،
وَله نَظَرُ ذَلِكَ ورأسٍ وسَاقٍ من ذَوَاتِ مَحَارمِهِ
(1)
فلمن أراد أن يخطب امرأة أن ينظر إليها، واللام في قوله «ولمريد» تفيد الإباحة، تابع في ذلك المنتهى - كالتنقيح - والغاية، وهو المذهب؛ لورود الأمر بعد حظر النظر، كما في شرح المنتهى. أما الإقناع فقدم سنية النظر إلى المخطوبة، ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم رجالاً من الصحابة بالنظر، وقوله:«إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» رواه الإمام أحمد وأبو داود. والله أعلم. (مخالفة الماتن)
(2)
فيشترط لإباحة النظر للمخطوبة: 1 - أن يظن إجابته، 2 - وأن ينظر إلى ما يظهر منها غالباً، وهي أربعة أشياء: الوجه والرقبة واليد والقدم لا الساق ولا غيره، 3 - وأن يكون بلا خلوة، ذكره صاحب المنتهى دون الإقناع، فيكون معها وليها، 4 - وأن يأمن ثوران الشهوة إذا نظر إليها.
ويكرر النظر ولو بلا إذن المرأة، وفي الإقناع:(ولعله أولى)، أي: عدم استئذانها في النظر إليها، فإذا كَرِه النظرَ بعث إليها امرأةً ثقةً تتأملها ثم تصفها له؛ ليكون على بصيرة، نص عليه، كما في الإقناع أيضاً.
(مسألة) وهل تكفي الصورة إذا نظر إليها الخاطب؟ قد يؤخذ من المسألتين السابقتين - وهما: جواز النظر بلا أذن، وبالوصف - جوازَ النظر للصورة وأنها تكفي؛ لأنه إذا كفى الوصف فالصورة أَولى، فليحرر. (تحرير)
(تتمة) يذكر الحنابلة أحكام النظر في هذا الموضع من كتب الفقه، ومن المسائل المتعلقة بذلك كشف المرأة وجهها، وقد ذكر صاحب الإقناع: أن من جاز البروز له جاز عدم الاستتار منه، ومفهومه: أن من لم يجز البروز له وجب الاستتار منه.
قال ابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام ص (41): (ويجب على المرأة سترُ وجهها عن نظر الرجال)، وفي كتاب النكاح ص (356) قال:(ويجب - وفاقا للأئمة الثلاثة - عليها ستر وجهها إذا برزت).
وَمن أمةٍ
(1)
.
وَحَرُمَ تَصْرِيحٌ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ
(2)
على غيرِ زوجٍ
(1)
أي: للرجل أن ينظر من محارمه إلى ستة مواضع: الأربعة المتقدمة - أي: الوجه والقدم والرقبة واليد - وكذا الرأس والساق، ومحارم الرجل: من يحرمن عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كرضاع ومصاهرة. وله أن ينظر بلا شهوة إلى هذه الأمور الستة من الأَمَة سواء أراد شراءها أم لا، تبعاً للإقناع - وتابعه الغاية -، بينما جوّز المنتهى - كالتنقيح - النظرَ للأشياء الستة من الأمة التي يريد شراءها فقط، والمذهب ما في الإقناع. (مخالفة الماتن)
(2)
التصريح: الإتيان بلفظ لا يحتمل إلا النكاح، كقوله: أريد أن أنكحك، وأما التعريض: فهو الإتيان بلفظ يفهم منه النكاح ويحتمل غيرَه، كقوله: إني في مثلك لراغب. والمعتدة هنا تشمل: 1 - المعتدة البائن: وهي التي لا يستطيع زوجُها مراجعتَها في عدتها كالمخالعة والمطلقة ثلاثاً، ومثلهما المتوفى عنها زوجها، فيحرم التصريح بخطبة واحدة منهن ما دامت في عدتها، ويفهم من كلام الماتن: جواز التعريض بخطبتهن، وهو كذلك، فيجوز التعريض لهن بالخطبة في العدة. 2 - المعتدة الرجعية: وهي التي طلقها زوجها ويملك رجعتها في عدتها، وهذه زوجةٌ يستطيع زوجُها مراجعتَها في أي وقت شاء ما دامت في عدتها؛ فيحرم التصريح بخطبة الرجعية تصريحاً، وكذا يحرم تعريضاً، وذكر الماتن التعريض بقوله:(وتعريض بخطبة رجعية).
تَحِلُّ لَهُ
(1)
، وتَعريضٌ بِخِطْبَة رَجْعِيَّة
(2)
،
وخِطبةٌ على خِطْبَةِ مُسلمٍ أُجيبَ
(3)
.
(1)
أي: يحرم التصريح بخطبة المعتدة البائن التي لا يستطيع زوجها أن يراجعها في عدتها على غير زوجها الذي أبانها، أما زوجها الذي أبانها فلا يخلو حاله: 1 - إن كانت إبانته لها بغير الثلاث، وغير اللعان فهي تحل له - أي: يحل له أن يعقد عليها عقداً جديداً - كالمختلعة والمفسوخة بالعيب ونحوهما، فيجوز لمن أبانها أن يخطبها في عدتها تصريحاً وتعريضاً. 2 - وإن كانت إبانته لها بالثلاث، أو باللعان فهي لا تحل له إلا بعد زوج، أو لا تحل له أبداً كما في اللعان، وعليه فلا يجوز له خطبتها في عدتها لا تصريحاً ولا تعريضاً.
(2)
فيحرم التعريض بخطبة الرجعية ما دامت في العدة، والتصريح محرم من باب أَولى ..
(3)
أي: إذا خطب مسلم امرأة فأُجِيْب تصريحاً أو تعريضاً حرم على غيره خطبتها؛ للحديث: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذَن له الخاطب» ، رواه البخاري؛ فإن خالف الثاني فخطبها وتزوجها صح النكاح مع الإثم؛ لأن الخطبة ليست شرطاً ولا ركناً في العقد، فالنهي فيها متعلق بأمر خارج عن العقد، أما الخطبة على خطبة الكافر فلا تحرم.
(تتمة) ويستثنى من تحريم الخطبة على خطبة المسلم: 1 - ألا يعلم الخاطبُ الثاني أن الأول قد أجيب، أي: يعلم بالخطبة لكن لا يعلم بإجابة المخطوبة أو وليها له، والتعويل في الرد والإجابة عليهما، فلا يحرم على المذهب أن يخطب المرأة إذَن. أما الشيخ ابن عثيمين فيحمل الحديث على إطلاقه، ولا يجوّز خطبة امرأة خطبها غيرُه ولو لم يُجب الأول. 2 - أن يترك الأول الخطبة. 3 - أن يأذن الأول- ابتداءً - في الخطبة، أو يسكت إذا استأذنه الثاني.
وَسُنَّ عقدُهُ يَوْمَ الجمُعَةِ مسَاءً
(1)
بعد خُطْبَة ابْن مَسْعُود
(2)
.
(1)
والمساء في المذهب: ما بعد الزوال، لكن المراد هنا آخر ساعة من الجمعة قال في شرح المنتهى: (والإمساء به أن يكون من آخر النهار
…
لأن في آخر يوم الجمعة ساعة الإجابة، فاستحب العقد فيها لأنها أعظم للبركة وأحرى لإجابة الدعاء لهما).
(2)
وهي الخطبة المشهورة: «إن الحمد لله
…
»، يخطبها العاقد أو غيرُه قبل الإيجاب والقبول.
(تتمة) ذكر صاحبا الإقناع والغاية قبل أركان النكاح فصلاً في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ما اختص به عن غيره من الناس، وهي أكثر من مئتين، كما في الإقناع. وهذه الخصائص عبارة عن كرامات وواجبات ومحظورات ومباحات، منها: ألا تجتمع أمته على ضلالة، وصلاة ركعتين بعد العصر، ووجوب السواك عليه صلى الله عليه وسلم
…
ومعرفة هذه الخصائص مفيد جداً، وقد دلل البهوتي في حاشيته على الإقناع لكل خاصية، وقال:(وخالفت طريق الحواشي فيها بذكر الدليل؛ رجاء أن يحيى بها قلبي العليل، وينور بها بصري الكليل)، فينبغي للفقيه ألا يهمل الأدلة، وأن يحفظ القرآن الكريم، ومتناً في الحديث.