الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في الحجر)
(1)
(1)
الحَجْرُ لغة: التضييق والمنع، وشرعاً: منعُ المالك من التصرف في ماله، أو في ماله وذمته. والحجر قسمان: 1 - الحجر لحظ الغير، وهو المراد بالمنع من التصرف في المال - في التعريف السابق - كالحجر على المفلس، 2 - والحجر لحظ النفس، وهو الحجر على الصغير والمجنون والسفيه، وهو المراد بالمنع من التصرف في المال والذمة. والأصل في الحجر قوله تعالى:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء، 5]، والمقصود: أموالهم، وإنما أضيف إلى الأولياء؛ لأنهم قائمون عليها مديرون لها، ومن السنة حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل رضي الله عنه مالَه، وباعه في دين كان عليه، رواه الدارقطني والحاكم وصححه الذهبي، ورواه أبو داود مرسلاً.
(تتمة) متى يجب على المدين أن يؤدي دينه؟ لا يجب على المدين أن يؤدي الدين الذي عليه إلا بطلب الدائن، فلا يترخص من سافر قبل الوفاء وبعد الطلب، وهذا باتفاق بين التنقيح والمنتهى والإقناع والغاية، وفي الحديث:«مطل الغني ظلم» ، متفق عليه، وإنما يكون مطلاً بعد المطالبة. وزاد الإقناعُ حالةً أخرى يجب فيها الأداء، وهي: إن حَلَّ الدينُ المؤجل ولو لم يطالب به الدائن، وظاهر المنتهى والتنقيح خلافه - وهو المذهب -، وإن كان الحجاوي تعقب المنقح في اقتصاره على الحالة الأولى والتي هي الطلب فقط، وصرح الغاية بالمخالفة فقال:(بطلب ربه، فلا يجب بدونه ولو عُيِّن وقت وفاء، خلافاً له). (مخالفة)
(تتمة) المدِينون ثلاثة: 1 - الغني: وهو من ماله بقدر دينه أو أكثر منه، 2 - والمفلس - وهو المراد غالباً في باب الحجر -: وهو مَنْ دينُهُ أكثرُ من ماله، وله أحكام أربعة سيأتي ذكرها، 3 - والمعسر: وهو من لا مال له، فتحرم مطالبته لقوله تعالى:{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة، 280]، ويحرم أيضاً حبسه، والحجر عليه.
(تتمة) أجرة المحامي: لو تحمل الدائن تكلفة لأخذ ماله من المدين - كأن يوكل محامياً -، فإن التكلفة تكون على المدين، هذا هو المذهب والمعمول به الآن نظاماً.
وَمن مَالُه لَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ حَالًّا وَجب الحجرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ بعضِ غُرَمَائِه
(1)
.
وَسنَّ إظهارُه
(2)
، وَلَا ينفذ تصرفُه فِي مَالِه بعد الحجرِ
(3)
وَلَا إقرارُه
(1)
فالمفلس الذي لا يفي مالُه بالديون الحالة التي عليه يحجر عليه الحاكم بطلب غرمائه أو بعضهم ويمنعه من التصرف في ماله. أما ديونه المؤجلة فلا يطالب بها.
(2)
أي: الحجر على المفلس، وذلك ليحذر الناس من التعامل معه.
(3)
المفلس له أربعة أحكام: (الحكم الأول) تعلق حق الغرماء بماله، أي: ارتباط حق الغرماء بالأموال الموجودة عنده والحادثة بنحو إرث، فلا ينفذ ولا يصح تصرفه في ماله ببيع أو شراء بعد الحجر. ويستثنى لو تصرف بوصية، فتصح؛ لأنه لا تأثير لذلك إلا بعد الموت وخروجها من الثُّلث. ومفهوم ذلك - وهو المذهب -: صحة تصرفه قبل أن يُصدر القاضي حكماً بالحجر عليه، أما شيخ الإسلام فيرى عدم جواز وعدم نفوذ تصرفه في ماله ولو لم يحجر عليه.
(تنبيه) المراد بالتصرف الذي لا ينفذ: التصرف المستأنف كالبيع والهبة والإصداق، أما التصرف غير المستأنف كالفسخ لعيب فيما اشتراه قبل الحجر أو الإمضاء، أو الفسخ فيما اشتراه قبله بشرط الخيار فيصح.
عَلَيْهِ
(1)
، بل فِي ذمَّتِه فَيُطَالَبُ بعد فكِّ حجرٍ
(2)
.
وَمن سَلَّمَهُ عينَ مَالٍ جَاهِلَ الحجرِ أخذَهَا
(3)
إن كَانَت
(1)
فلو أقر مثلاً بعين عنده لآخر لم يُقبل.
(2)
فيقبل تصرفه - كأن يشتري مثلاً بثمن في ذمته فيصح -، وإقراره في ذمته - كأن يقر أن لفلان عليه ألف ريال في ذمته فيصح -، ويطالب به بعد فك الحجر عنه.
(تتمة) المحجور عليه لحظ الغير لا ينفك حجره إلا بحاكم، بخلاف المحجور عليه لحظ نفسه. (فرق فقهي)
(3)
(الحكم الثاني) من أدرك عين ماله عند المفلس فهو أحق بها. وقوله: سلمه عين مال: كأن باعه أو أقرضه ذلك، ودليل الحكم الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به» ، متفق عليه. وإنما يكون أحق بمتاعه بسبعة شروط وهي:[الشرط الأول] أن يكون جاهلاً بالحجر، وإلا لم يطالبه بها حتى ينفك حجره.
بِحَالِهَا
(1)
، وعِوضُها كُلُّه بَاقٍ
(2)
وَلم يتَعَلَّق بهَا حقٌّ للغَيْر
(3)
، وَيبِيع حَاكمٌ مَالَه ويقسمُه على غُرَمَائِه
(4)
.
وَمن لم يقدرْ على وَفَاءِ شَيْءٍ من دينِه، أو هُوَ
(1)
[الشرط الثاني] أن تكون العين بحالها، بأن لا تنقص صفاتها وماليتها.
(2)
[الشرط الثالث] أن يكون العوض كله باقيا في ذمة المفلس، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود:(«أيما رجل باع متاعه فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به)؛ فلو قبض البائع بعضَ قيمة العين لم يكن له الرجوع فيها.
(3)
[الشرط الرابع] ألا يتعلق بالعين حق للغير، فلو اشترى المفلس العين ورهنها، فليس لصاحبها الرجوع فيها، ويكون أسوة الغرماء.
[الشرط الخامس] ألا تزيد العين زيادة متصلة كسِمَن، [الشرط السادس] كون المفلس حياً إلى أَخذِها، [الشرط السابع] كون كل السلعة في ملك المفلس لم يزُل ملكه عن بعضها بتلف ولا غيره كبيع أو هبة، [الشرط الثامن] زاده الإقناع: أن يكون البائع حياً إلى حين الرجوع، وتعقبه البهوتي بما يفيد عدمَ اشتراطه، ولورثة البائع أخذ السلعة.
(4)
(الحكم الثالث) أن يبيع الحاكمُ مالَه ويقسمه على الغرماء، والحكم مبهم هنا، والمذهب: وجوبُ بيع الحاكم مالَه، كما صرح به في الإقناع والمنتهى، وتجب عليه أيضاً قسمة المال على الغرماء الذين حل دينهم، ولا يُوقَف شيء لمن ديونهم مؤجلة.
وكيفية قسمة دين المفلس كما يلي:
1 -
إما على طريقة النسبة: فلو أن مفلساً له 500 ريال، وعليه 1000 ريال ديناً: 500 من محمد و 500 من صالح، فيكون لمحمد نصف المال، أي: 250 ريالاً، ومثل ذلك لصالح.
2 -
أما الطريقة الحسابية فهي كما يلي: 1 - نجمع الديون التي على المفلس، 2 - ثم نقسم المال الذي عنده على مجموع ديون الغرماء، 3 - ثم نضرب الناتج في مقدار دين كل غريم لنحصل على مقدار ما يأخذه من المال.
فلو أن مفلساً له 2000 ريال، وعليه ديون: 2500 ريال من علي و 1000 ريال من أحمد و 500 ريال من سفيان، فطريقة العمل كما يلي:
1 -
نجمع الديون فنجد: 4000 ريال.
2 -
نقسم ماله على مجموع الديون فنجد: 0، 5.
3 -
نصيب كل غريم هو الناتج مضروباً في مقدار دينه، فنصيب علي: 0، 5 × 2500 = 1250 ريالاً، ونصيب أحمد: 0، 5 × 1000 = 500 ريال، ونصيب سفيان: 0، 5 × 500 = 250 ريالاً. وهذه طريقة مطَّردة، ولله الحمد.
وهل تبرأ ذمة المفلس بعد سداد بعض دينه بقسمة الحاكم؟
الظاهر: لا؛ لأنهم قالوا: يلزمه التكسب حتى يوفي ما بقي عليه.
(تتمة)(الحكم الرابع) انقطاع الطلب عنه - ولم يذكره المؤلف -، فمن أقرضه أو باعه شيئاً حال كونه محجوراً عليه لم يملك المطالبة به - قال الخلوتي: أي بثمنه أو بدله - حتى ينفك الحجر سواء كان المعامِلُ له جاهلاً أو عالماً. وأما مَن وجد عين ماله الذي أقرضه للمفلس أو الذي باعه للمفلس، فله الرجوع إن جهل حجره، وإلا فلا. فتنبه لهذا فإنه مهم، نبه عليه البهوتي في حاشيتَيْه على المنتهى والإقناع، وكذا الخلوتي في حاشية المنتهى. (فرق فقهي)
متى ينفك الحجر عن المفلس؟
إما بالحاكم فيرفع عنه الحجر، وهذا إن بقي عليه شيء، وإما بالوفاء بحيث لا يبقى عليه شيء، ولو بلا حكم حاكم.
مُؤَجلٌ تحرم مُطَالبَتُه وحبسُه، وَكَذَا ملازمتُه
(1)
.
وَلَا يحل مُؤَجلٌ بفلسٍ
(2)
وَلَا بِمَوْتٍ إن وَثَّق الْوَرَثَةُ برهنٍ مُحرَزٍ أو كَفِيلٍ مَلِيءٍ
(3)
، وإن ظهر غَرِيمٌ بعد القِسْمَة
(1)
فمن ليس عنده ما يؤدي به دينه - وهو المعسر -، أو كان دينُهُ مؤجلاً ولم يحلَّ بعدُ حرم مطالبته، وقد تقدم ذلك، وكذلك يحرم حبسه، وتحرم ملازمة الدائن له.
(2)
أي: لا يحل دينٌ مؤجل بفلس المدين، وثمرة ذلك: أن مال المفلس لا يُقسم إلا على الغرماء ذوي الديون الحالة دون مَنْ ديونهم مؤجلة، ولا يُبَقَّى لهم شيء من مال المحجور عليه ليأخذوه عند حلول الأجل.
(3)
أي: من مات وعليه ديون مؤجلة، فإنها تحل بمجرد موته إلا إذا وثق الورثة الدين المؤجل بواحد من أمرين: 1 - إما برهنٍ محرز، أي: يمكن استيفاء جميع الدين من الرهن، 2 - وإما أن يأتي الورثة بكفيل مليء، أي: قادر على السداد.
(تنبيه) ظاهر كلام المؤلف أن التوثقة تكون بكل الدين، وعبارة الإقناع والمنتهى مقيدة بكون التوثقة بالأقل من التركة أو الدين، فإن كانت التركة أقل من الدين فيلزم الورثة أن يوثقوا برهن أو كفيل مليء بالقدر الذي يقابل التركة لا الدين، وإن كان الدين أقل من التركة وجبت التوثقة بالقدر الذي يقابل الدين لا التركة. فإن لم يوثق الورثة الدين المؤجل على مورثهم ولا غيرُهم، أو لم يكن للميت وارث: حل الدين المؤجل، وكل هذا إذا لم يكن الدين موثقا من قبل المورث قبل موته، فإن كان كذلك فلا حاجة للتوثقة بعد الموت ولا يحل، أشار إليه الشيخ عثمان النجدي. (تحرير مهم)
رَجَعَ على الْغُرَمَاء بِقسْطِهِ
(1)
.
(1)
أي: لو قسم الحاكمُ مالَ المفلس على الغرماء، ثم ظهر غريم له دين حالّ على المفلس، فإنه يأخذ نصيبه بأن يرجع على الغرماء بقسطه. ولذلك طريقة حسابية.