الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكواهم، عزل العلاء، وولى عليهم أبان بن سعيد، وزوده بوصيته قائلًا:((استوصي بعبد القيس خيرًا)) واستعمل مرة رجلًا على الصدقات، فلما رجع حاسبه فقال: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ، فقال النبي:((ما بال الرجل نستعمله على العمل بما ولانا الله فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فنظر أيُهدَى إليه أم لا؟ ثم قال: من استعملناه على عمل، ورزقناه رزقًا، فما أَخذ بعد ذلك فهو غلول)).
ومن توجيهات الفكر الإداري الإسلامي أيضًا: ما يتصل بإدارة الأفراد، ونشير هنا إلى بعض توجيهات الفكر الإسلامي في مجال إدارة الأفراد وهي تعكس قيمًا إنسانية سامية، استهدفها الإسلام تكريمًا لآدمية الإنسان، وفق منهجه السلوكي السوي.
العلاقات الإنسانية في العمل الجماعي
نتحدث عن العلاقات الإنسانية والعمل:
الإسلام دين الفضيلة، ودعوة الأخلاق الكريمة، وقد أشاد سبحانه وتعالى بأخلاق رسوله الكريم إذ يقول:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (القلم: 4) ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وحسبنا أن نورد جانبًا من توجيهات الإسلام في هذا الصدد، والتي تؤكد السلوك الإداري السوي، سواء في مجال العلاقات الإنسانية، أو العلاقات العامة:
أولًا: العلاقات الإنسانية:
ونعرض فيما يلي أهم الصفات الذاتية للأفراد، والتي تشكل أسمى أخلاقيات سلوكهم الاجتماعي في كافة صور النشاطات البشرية الجماعية: الأمانة، والعدالة،
من أولى الأمور التي نتحدث عنها فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية هي: الأمانة والعدالة؛ فالأفراد أمناء على ما يعهد إليهم بمباشرته من أعمال -أي: وظائف وحرف- فالموظف مؤتمن على مصالح الجمهور الذي يتعامل معه؛ مؤتمن على ما تحت يده من أموال، وما في عهدته من من أصناف السلع والمواد؛ مؤتمن على صحة ما يعرضه من بيانات ومعلومات وأراء على الرؤساء؛ مؤتمن على مرءوسيه بإسداء النصح والتوجيه السديد إليهم، وتعهدهم بما يلزمهم من مران وتدريب، وتوخي العدالة في معاملتهم، وفي تقييمهم، وتقويمهم.
والعامل مؤتمن على الآلة التي يديرها، وعلى الأدوات والخامات التي يستخدمها؛ لذلك تشدد الإسلام في الأمر بأداء الأمانة، وتوخي العدالة، إذ يقول سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58) ويصف الله المؤمنين فيقول- سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون: 8) ويقول تبارك وتعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} (القصص: من الآية: 26).
أما الهدي النبوي في هذا الصدد فيتمثل في قول الإمام علي: ((كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رجل من أهل العالية -والعالية: اسم مكان- فقال: أخبرني يا محمد، عن أشد شيء في هذا الدين وألينه، فقال: يا أخا العالية، ألين شيء في هذا الدين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأشده يا أخا العالية: الأمانة، ألا إنه لا دين لمن لا أمانة له، وإن صام وصلى)) والغش بكافة صوره وأنواعه يتنافى مع الأمانة كإخفاء عيوب المعروضات، وإظهار محاسنها، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يبيع الطعام، فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه، فوجد فيه بللًا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته
السماء يا رسول الله -أي: نزل عليه المطر- فقال صلى الله عليه وسلم: فهل أبقيته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا)).
كما يأمرنا الله سبحانه وتعالى في الآية الأسبق بالعدل في الحكم بين الناس؛ وهو ما يقتضي توخي العدالة في تصرفاتنا، وسائر معاملاتنا مع الآخرين، وفي إيصال الحقوق إلى ذويها، فلا محاباة تحركها قربى، ولا انتقام يثيره غضب؛ ولذا يقول ربنا سبحانه وتعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (الأنعام: الآية: 152) كما يقول- تبارك وتعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية: 8) وروي عن الرسول الكريم قوله: ((ما من أمير عشرة إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولًا لا يفكه إلا العدل)).
ويحذرنا جل جلاله من إيثار اتباع الهوى على توخي العدالة، أيًّا كانت الصلات والاعتبارات، فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: الآية: 135) ويقول البعض في تفسير هذه الآية الكريمة: يا أيها الذين آمنوا كونوا مواظبين على العدل، مجتهدين في إقامته، تؤدون شهادتكم لوجه الله، ولو على أنفسكم، أو والديكم، أو أقاربكم، وإن يكن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا فلا تمتنعوا عن أداء الشهادة؛ ميلًا إليه لغناه، ولا رحمة به لفقره؛ فالله أولى بالنظر إلى حال الغني والفقير منكم، فلا تتعبوا أهواءكم؛ كراهة أن تعدلوا، وأن تلووا بألسنتكم لإخفاء معالم الحق أو تمتنعوا عن إقامة الشهادة فإن الله خبيرًا بما تعملون؛ يجازيكم عليه بما أنتم أهله.
ويقتضي التزام العدل في المعاملات: الوفاء في الكيل والميزان، وهو ما يأمرنا به في قوله سبحانه وتعالى:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (الإسراء: 35) وينذر المطففين بالويل والثبور، إذ يقول سبحانه وتعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 1 - 3).
وهكذا يدعونا الإسلام إلى التزام جانب العدل في سائر تصرفاتنا قولًا وفعلًا؛ وفي كل الأحوال أيًّا كانت الاعتبارات والظروف، وهو ما يضمن الحياد والموضوعية في أقوالنا وأفعالنا، ويجردها من النزوع إلى المحاباة أو الانتقام.
ومما يتصل بالعلاقات الإنسانية في مجال العمل: التعاون والرحمة، فالعامل مطالب بتحقيق التعاون في سائر علاقاته بالمحيطين به، سواء في داخل الجماعة أو خارجها، من زملاء، ورؤساء، ومرءوسين، أو جمهور يتعامل معه، وذلك ابتغاء تحقيق الصالح، والخير المشترك للجماعة وأعضائها، وهو ما أمرنا به الإسلام، إذ يقول- سبحانه وتعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: من الآية: 2).
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((من نفسّ عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفسّ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة؛ ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة؛ ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)) كما يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم -يعني: لم يقض هذه الحاجات- فقد عرّض تلك النعمة للزوال))
ويسمو هذا التعاون في الإسلام محققًا التكافل الاجتماعي في أجلى صوره الإنسانية؛ والتي لم يرق إليها الفكر البشري بعد في أي من مذاهبه الاجتماعية؛ عندما يأمر من عنده فائض أو وفرة في أي شيء بالمبادرة إلى تلبية حاجة الآخرين منه؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: ((من كان عنده فضل ظهر -أي: دابة- فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)).
ويرتبط التعاون بالرحمة، بل ويستند إليها وهي أساس رسالة الإسلام، إذ يخاطب المولى سبحانه وتعالى رسولنا -عليه أفضل الصلاة والسلام- فيقول:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} (الأنبياء: من الآية: 107) ويصف الحق تبارك وتعالى نفسه بأنه الرحمن الرحيم، ويقول جل جلاله:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} (الأعراف: من الآية: 156).
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) كما يقول: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) ويسبغ التعاون والرحمة سلوك الفرد بطابع إنساني يتسم بالرفق، سواء مع الإنسان أو مع الحيوان، فهما -أي: التعاون والرحمة- من أسمى القيم الإنسانية في الإسلام التي تحقق ترابطًا اجتماعيًّا فعالًا؛ وعلاقات عمل بناءة.
ومما يتصل بالعلاقات الإنسانية في مجال العمل والتي وجهها الفكر الإداري الإسلامي: القصد والاعتدال:
إذ يقتضي السلوك السوي الذي يدعو إليه الإسلام القصد والاتزان في العمل والانضباط؛ والرشد في التصرف، فلا تهاون، أو تعنت، ولا تقطير، أو إسراف، ولا سلبية أو جمود، ولا انطلاق بلا ضوابط أو حدود.
وقد وضع لنا القرآن الكريم القاعدة السليمة في هذا الصدد، حين يصف سبحانه المؤمنين فيقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ
ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67) كما يقول تبارك وتعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} الإسراء الآية: 29) ولا شك أن هذه القاعدة الرشيدة تتنافى مع الإسراف الذي يؤدي إلى كثرة الفاقد، والضائع من المال، والجهد، والوقت، والمواد، وكذا المبالغة في استخدام الإجراءات والمكاتبات دون مقتض، وتجاوز الاعتمادات المالية، وعدم القصد في استخدام المقصود منها؛ ولذلك نهى القرآن الكريم أكثر من آية عن الإسراف، إذ يقول سبحانه:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: من الآية: 21)، كما ينهانا عن الاستجابة لأمر المسرفين، فيقول تبارك وتعالى:{وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} (الشعراء:151، 152).
ومن توجيهات الهدي النبوي في ذلك: قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((كل، واشرب، والبس، وتصدق في غير سرف، ولا مخيلة)) إن التزام القصد والاعتدال فكرًا وسلوكًا يؤدي إلى اتخاذ القرار الرشيد، والتصرف السديد في مختلف المواقف والظروف المتطورة، التي تواجه الفرد في سائر نشاطاته.
ومن الأمور أيضًا التي رعاها الإسلام في العلاقات الإنسانية بين الذين يعملون في عمل مشترك: الصدق والإخلاص:
ويعني الصدق: التزام الحقيقة وتحريها في القول والفعل، وهو ما يؤدي إلى صحة البيانات، ودقة ما يقدم من المعلومات والتقارير في شتى الشئون، ومن ثَمَّ تكون خطتنا ونشاطاتنا على أسس واقعية سليمة؛ ولذا أشاد القرآن الكريم بالصدق والصادقين، فيقول في شأن أنبيائه- صلوات الله وسلامه عليهم-: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ
مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (مريم: 50) كما يقول تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (مريم: 54) ويأمر سبحانه المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119) والكذب يتنافى مع الإيمان إذ يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النحل: 105).
وأيضًا يتنافى النفاق مع الصدق، وقد بشّر الله الصادقين بثوابه، وأنذر المنافقين بعذابه، إذ يقول سبحانه:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 24) وعدد الرسول الكريم خصال المنافق فقال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) كما روي عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال للحسن بن علي رضي الله عنهما: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الكذب ريبة، والصدق طُمأنينة)).
وينبغي ألا نخشى قول الحق إظهارًا للحقيقة، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((لا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه)).
كما يتنافى مع الصدق اختلاف الأقوال عن الأفعال؛ ولذا يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3) وهو أمر له أهميته البالغة، خاصة في بيانات ومعلومات تقارير الإنجاز فيما يتصل بالعمل،