الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الشروط المختلف فيها:
اتحاد الراعي أي: عدم اختصاص أحدهما براع، يعني: أن يكون الراعي واحدًا، يرعى غنم هذا، وغنم هذا.
وأيضًا: اتحاد الفحل أي: أن تكون الفحول مرسلة في ماشيتهما، لا تختص إحداهما بفحل معين.
وأيضًا: اتحاد الموضع الذي تحلب فيه الماشية، وهو شرط كاتحاد المراح.
وأيضًا: اتحاد الحالب وهو الشخص الذي يقوم بحلب الماشية أي: لا ينفرد أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية الآخر.
وأيضًا: اتحاد الإناء الذي يحلب فيها أي: أن تكون المحالب شائعة بينهم، فلا ينفرد أحدهما بمحلب أو محالب، تمنع عن الآخر.
ثم بعد ذلك توافر نية الخلطة لدى الخالطين أو الخلطاء.
إذن: هناك شروط متفق عليها، وهناك شروط مختلف فيها.
أي: إن البعض قال بها، أو قال بأنها شروط لازمة، والبعض قال بعدم لزومها.
موقف الفقهاء من تأثير الخلطة في الزكاة
نذهب إلى الفقهاء، ونعرف موقف الفقهاء بالنسبة لتأثير هذه الخلطة في الزكاة:
ولو ضربنا مثالًا لهذا: نفترض أن إنسانًا عنده عشرون شاة، ورجلًا آخر عنده عشرون شاة، ثم حدثت بينهم خلطة جَوار -على سبيل المثال- وكان هناك راع واحد لهم، فإذًا مجموع هذه الأغنام هو: أربعون، ونحن نعرف أن نِصاب الغنم يبدأ من أربعين، ففي هذه الحالة: هل تجب الزكاة في هذه الأغنام؟ على اعتبار أننا جمعنا نصيب أحدهما إلى الآخر وبالتالي نظرنا إلى المال كله أو إلى الخلطة في
مجملها؟ ففي هذه الحالة نقول: تجب الزكاة؛ أم أننا لا ننظر إلى ذلك؟ وأن كل مالك على ملكه وبالتالي فلا تجب الزكاة؟
لو نظرنا إليهما بدون خلطة فصاحب العشرين لا تجب عليه الزكاة، والآخر لا تجب عليه الزكاة، لماذا؟ لأن كلًا منهما لم يصل إلى النصاب؛ لأن نصاب الغنم التي تجب فيه الزكاة أن تصل إلى أربعين شاة فأعلى، وكل واحد منهم على انفراد، لم يصل إلى هذا النصاب.
فلو قلنا: هناك تأثير للخلطة، في هذه الحالة يجب عليهم إخراج الزكاة؛ لأننا سوف نجمع عشرين مع العشرين الأخرى، وبالتالي يحدث عندنا نصاب، وهن تجب الزكاة.
وعلى ذلك فالذين قالوا بأن للخلطة تأثير في الزكاة يقولون: يجب على هذين المالكين إخراج الزكاة؛ لأن اجتماع مالهما وجد النصاب.
وأما الذين يقولون بأنه: لا تأثير للخلطة في الزكاة، يقولون بأنه: لا زكاة على واحد منهما؛ لأن مال كل واحد منهما لم يصل إلى نصاب الزكاة.
هذا تصور عام لموضوع الخلطة في الأنعام حتى تتضح؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والمثال هو بمثابة تصوير للموضوع.
موقف الفقهاء حول تأثير الخلطة في الزكاة:
هناك مواقف عديدة للفقهاء حول هذه المسألة، وهي كما يلي:
1 -
موقفهم من ثبوت التأثير للخلطة. 2 - موقفهم من أنواع الخلطة التي لها تأثير، وهذا على القول بثبوت هذا التأثير.
3 -
موقفهم من المحل الذي تؤثر فيه الخلطة على القول بثبوت هذا التأثير أيضًا؛ أهو قدر الواجب فقط؟ أم هو قدر الواجب والنصاب معًا.
4 -
موقفهم من أنواع الأموال التي تؤثر فيها الخلطة على القول بثبوت هذا التأثير أيضًا؛ هل له تأثير في جميع أنواع المال؟ أم في الأنعام فقط؟
هذه صور معينة اختلف فيها الفقهاء، سوف نرى -إن شاء الله- ونحاول أن نوضح موقف الفقهاء في هذه الصور:
أولًا: موقف الفقهاء من ثبوت التأثير للخلطة:
اختلف الفقهاء حول هذه المسألة إلى رأيين:
الرأي الأول ويقول: إن الخلطة لها تأثير في الزكاة بمعنى: أنه يجعل مال للرجلين أو أكثر كمال الرجل الواحد في الزكاة، وهذا هو مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد ابن حنبل.
فبناء على رأي جمهور الفقهاء: لو أن إنسانًا عنده عشرون شاة، والآخر عشرون شاة، وحدثت بينهم خلطة -بالشروط التي ذكرناها- ففي هذه الحالة يجب عليهم إخراج الزكاة، لماذا؟ لأن للخلطة تأثير، وبالخلطة وصل مال الرجلين إلى نصاب الزكاة وهو أربعون شاة، وبذلك تُخرج الزكاة من هذا النصاب، ومعنى ذلك: أن كل واحد منهم سوف يتحمل نصف شاة، هذا هو أثر التأثير في الزكاة.
الرأي الثاني: وهو للأحناف، يقولون بأن: الخلطة ليس لها تأثير في الزكاة بحال -يعني: مطلقًا- لا في قدر الواجب، ولا في النصاب، سواء ملك كل واحد من الخلطاء نصابًا، أم دون النصاب، وإن كان مجموع مال الخلطاء أكثر من نصاب، فإذا ملك كل واحد منهم ما دون النصاب لم تجب عليه زكاة، وإن كان مجموع مالهم أكثر من نصاب، كأن يكون مال الخالطين ستين شاة لكل منهم ثلاثون، وذلك لأن ملك كل واحد دون النصاب، فلم تجب عليه زكاة، كما لو لم يختلط بغيره.
خلاصة القول في هذا بأنه لا تأثير للخلطة مطلقًا لا في قدر الوجب ولا في النصاب بمعنى: لو قلنا بأن شخصين كل واحد منهما عنده عشرون شاة، وحدثت بينهم خلطة بشروطها، بناء على رأي الأحناف: لا تجب الزكاة في هذا المال -على الرغم من أن مجموع المالين يصل إلى النصاب وهو: أربعون شاة، ونصاب الغنم -كما قلنا- يبدأ من الأربعين -بناء على رأي الأحناف يقولون لا زكاة في هذا المال- لماذا؟ قالوا: لأن مال كل واحد منهم على انفراد لم يصل نصابه، وهذا إذًا بعكس ما رآه جمهور الفقهاء.
فجمهور الفقهاء يقولون تجب الزكاة في هذا المال لماذا لأنهم يجعلون للخلطة تأثيرًا في الزكاة أما الأحناف فيقولون لا زكاة في هذا المال لماذا قالوا لأنهم لا يجعلون للخلطة تأثيرا في الزكاة.
هذا هو موقف الفقهاء من ثبوت التأثير للخلطة.
إذن: الجماعة -الأحناف- الذين منعوا تأثير الخلطة في الزكاة، لا يتحدثون بعد ذلك في مقدار النصاب، أو غيره، فهم منعوا الأمر منعًا باتًّا، وانتهى الأمر، وقالوا: لا ينظر إلى هذه الخلطة إطلاقًا، وإنما ينظر إلى مال كل واحد على حدة.
هذا بالنسبة لموقفهم من ثبوت التأثير للخلطة على وجه العموم.
ويقول الأحناف: وأما إذا اختلط في نصابين بحيث يملك كل واحد منهما نصابًا، فإن الزكاة تجب فيه، كأن يكون مال الخَلِطين ثمانين، لكل منهما أربعون، فوجبت فيها شاة؛ لأن في كل أربعين شاة شاة.
هذا -كما قلنا- رأي الجمهور، ورأي الأحناف بالنسبة لتأثير الخلطة بالنسبة للزكاة.
جمهور الفقهاء استدلوا على ما ذهبوا إليه وهو أن للخلطة تأثير في الزكاة؟
استند أصحاب هذا الرأي إلى النصوص الواردة في هذه المسألة، ودلت دلالة واضحة على ثبوت التأثير للخلطة في الزكاة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع؛ خشية الصدقة، وما كان من خلِطِين فإنهما يتراجعان بالسوية)) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن: مِلك الخلطين كملك رجل واحد، وهذا حديث مخصص لقوله صلى الله عليه وسلم:((ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)).
وبناء على ذلك في المثال الذي ذكرناه: لو كان لكل واحد منهما عشرون شاة، ثم حدثت بينهم خلطة، فبناء على رأي جمهور الفقهاء: عليهم أن يخرجوا شاة؛ لأن باجتماع المالين وجد النصاب، لكن عندما يخرجون شاة: كل واحد يرجع على صاحبه، فكل واحد منهم إذًا سوف يتحمل نصف شاة كما ذكرنا.
واعترض أصحاب الرأي الثاني -وهم الأحناف- على ما استدل به أصحاب الرأي الأول -وهم الجمهور- بقولهم: إن الشريكين قد يقال لهما: خالطان،
ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع)) إنما هو نُهي للسعاة أن يقسموا ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصدقة مثل: أن يكون لرجل مائة وعشرون شاة، فيقسموه عليه إلى أربعين ثلاثة مرات، أو يُجمع مِلك رجل إلى رجل آخر حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة، قالوا: وإذا ثبت هذا الاحتمال في هذا الحديث وجب ألا يخصص به حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) ومعنى هذا: أنهم يرون أن الجمع بين المتفرق، والتفريق بين المجتمع إنما يكون على الملك فقط، وبالتالي لا دليل في ذلك على ثبوت التأثير للخلط.
وأيضًا في اعتراضهم على الدليل يقولون: يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع)) إنما هو نهي للسعاة يعني: احتمال أن النبي -صلى الله عليهم وسلم- يريد بكلامه السعاة، ويوجه هذا الحديث إلى السعاة؛ ونقصد بهم: عمال الزكاة الذين كانوا يقومون بجمع الزكاة من الناس، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: لا تجمعوا بين متفرق، ولا تفرقوا بين مجتمع؛ حتى لا تضروا بأصحاب هذه الأموال.
فإذن: الحديث ليس خاصًّا بالملاك، وبالتالي فلا يكون دليلًا على ثبوت تأثير الخلطة في الزكاة.
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: لا تفعلوا هذا، خذوا شاة واحدة عن المائة والعشرين، ولا تفرقوا هذا المال؛ لا تجعلوه: أربعين، وأربعين، وأربعين؛ لأنهم لو جعلوه: أربعين، وأربعين، وأربعين، سوف يأخذون ثلاث شياهٍ بدل شاة واحدة، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء العمال، أو السعاة أن يفرقوا بين مجتمع، يعني: بين شيء في الجملة المائة والعشرين، لا يصح أن يجعلوها أو
يوزعوها على ثلاث، بحيث يصير المجموع ثلاث شياهٍ يُخْرجها الرجل، بدل شاة واحدة.
مثل: أن يكون لرجل مائة وعشرون شاة فيقسموها عليه إلى أربعين ثلاث مرات، أو يُجمع ملك رجل إلى رجل آخر، حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة، أيضًا نهي للسعاة، لا يصح لهم أن يقولوا بأن: فلان هذا الذي يسكن بجوار فلان عنده عشرون من الإبل، وجاره الآخر عنده عشرون من الإبل فنجمع الاثنين معًا، ونجعلهم أربعين، وبالتالي نأخذ زكاة من هذه الأربعين؛ لأن بالجمع هذا حدث النصاب، وبالتالي نأخذ زكاة، هذا ممنوع منه السعاة.
هذا، وقالوا: هذا هو معنى الحديث: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة يعني: من أجل الصدقة، كأن السعاة يريدون أن يأخذوا الزكاة من الناس بأي وسيلة؛ ولهذا كان نهي من النبي صلى الله عليه وسلم.
إذن: مادام الأمر كذلك فالحديث مقصود به السعاة، وهو موجه إلى السعاة، وبالتالي فليس موجهًا إلى الملاك، وبالتالي فلا شأن له بتأثير الخلطة في الزكاة.
هذا الرد جاء من الجماعة الأحناف؛ ولذلك يقولون: وإذا ثبت هذا الاحتمال في الحديث فلا يعمل به؛ لأن هناك قاعدة تقول: الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال صدق به الاستدلال؛ ولذلك يقولون: مادام هذا الاحتمال في الحديث وجب ألا يخصص به حديث رسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) ومعنى هذا أنهم يرون: أن الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع إنما يكون على الملك فقط، وبالتالي لا دليل في ذلك على ثبوت التأثير للخلطة، يرجع في ذلك إلى (بداية المجتهد ونهاية المتصل) لابن رشد الجزء الأول صـ238 وما بعدها.
وقد أجاب أصحاب الرأي الأول على هذا الاعتراض، أو تلك المناقشة التي حدثت من الأحناف بأن: لفظ الخلطة أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان الأمر كذلك فإن قوله- صلى الله عليه وسلم:((فإنهما يتراجعان بالسوية)) مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأنه يدل أيضًا على أن الخلطين ليس بشريكين؛ لأن الشريكين لا يتصور بينهما تراجع، إذ المأخوذ هو من مال الشركة؛ لأن الشركة تعتبر شخصًا معنويًّا له ذمة مستقلة عن المساهمين، وهنا تجب الزكاة في مال الشركة ككل، وبالتالي لا يتصور رجوع أحد الشركاء على باقي الشركاء بشيء.
وهذا التفسير للحديث هو ما رآه كثير من العلماء، واختاره أبو عبيد حيث قال: والوجه عندي في ذلك ما اجتمع عليه هؤلاء الذين يرون أن الحديث نهي للملاك والسعاة معًا؛ لأن العدوان لا يؤمن من المصدق -المالك- كما أن الفرار من الصدقة لا يؤمن من رب المالك.
والمصدق المقصود به هنا: هو عامل الزكاة، أو الذي يقوم بجباية الزكاة، كما أن الفرار من الصدقة لا يؤْمن من رب المال فأوعز النبي- صلى الله عليه وسلم إليهما جميعًا.
ثم يقول أبو عبيد: وهو بيِّن في الحديث الذي ذكرناه عن سويد بن غفلة، حين حدث عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إن في عهدي ألَاّ أفرق بين مجتمع، ولا أجمع بين متفرق)) فقد أوضح لك هذا أن النهي للمصدق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((حذار الصدقة)) أي: خشية الصدقة، كما في رواية البخاري بين لك أن النهي لأرباب الأموال.
إذن: هذا نوع أيضًا من الجمع بين الحديث هل المقصود أنه نهي للسعاة فقط ولا شأن له بالملاك؟ أم أنه نهي للملاك فقط؟ ولا شأن له بالسعاة؟ فإن قلنا بأنه نهي
للسعاة فقط فهذا يدل -كما قال الأحناف- على أنه لا تأثير للخلطة في الزكاة، وإن قلنا بأنه موجه للملاك، فيدل ذلك على أن للخلطة تأثير في الزكاة كما يرى جمهور الفقهاء.
لكن هناك أيضًا من جمع بين الاثنين وقال بأن: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع)) من الممكن أن يكون موجهًا إلى السعاة، وموجه إلى الملاك أيضًا.
موجه إلى السعاة حتى لا يريدون أخذ أكثر مما هو مطلوب، وموجه إلى الملاك -أرباب الأموال- حتى لا يتهربون من الزكاة عن طريق جمعها مع بعضها البعض، أو تفريقها حتى تسقط الزكاة، أو تقل الزكاة، وهذا التفسير هو الذي ارتضاه أبو عبيد في كتابه (الأموال) صـ 484 486 وقال: إن هذا يصلح أن يكون حديث النبي صلى الله عليه وسلم موجه إلى أرباب الأموال، كما هو موجه إلى السعاة، أي: الذين يقومون بالجبايا.
وبالتالي بناء على هذا التفسير الذي اختاره أبو عبيد يكون الحديث متمشيًّا مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو أن: للخلطة تأثيرًا في الزكاة أي: أنها تجعل مال الرجلين كمال رجل واحد في الزكاة -كما بينا ذلك.
وخلاصة هذا كله أن الجمهور يرون أن هذا الحديث يفيد نهي الملاك والسعاة معًا عن ذلك كله، كما يرون أن ذلك يكون على المخالطة وعلى الملك أيضًا، وليس على الملك فقط، كما رآه أصحاب الرأي الثاني، فهو بهذا يريد ثبوت تأثير للخلطة.
ونحن نرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من ثبوت تأثير الخلطة في الزكاة، أي: أنه إذا اختلط شخصان أو أكثر فإنهم يجمعون مالهم في الزكاة، ويزكون زكاة مال
الرجل الواحد، وذلك لقوة أدلة الجمهور فيما ذهبوا إليه، وتفيندهم لأدلة الرأي المخالف لرأيهم، وإذا ثبت أن للخلطة تأثيرًا في الزكاة -كما يرى جمهور الفقهاء كما أوضحنا- فأي نوع من أنواع الخلطة ثبت له هذا التأثير؟ وسنجيب على ذلك فيما يلي:
موقف الفقهاء من أنواع الخلطة التي لها تأثير:
ذكرنا فيما سبق أن الخلطة على نوعين خلطة اشتراك، وخلطة جوار، وذكرنا أيضًا أن جمهور الفقهاء يرون أن للخلطة تأثيرًا في الزكاة أي: جعل مال الرجلين كمال رجل واحد يعني: يجمعون مالهم في الزكاة ويزكون زكاة مال الرجل الواحد كما رأينا؛ والفقهاء القائلون بهذا لا يختلفون في ثبوت هذا التأثير لنوعي الخلطة، سواء كانت خلطة أعيان، أو خلطة أوصاف، بل إننا نجد أن الشيخ أبي حامد الإسفراييني قد نقل في تعليقه إجماع المسلمين على أنه لا فرق بين الخلطتين في الإيجاب.
إلا أن بعضهم يشترط لثبوت هذا التأثير: أن يكون مال كل واحد من الخلطاء نصابًا فصاعدًا، بينما لم يشترط ذلك البعض الآخر وهم جمهور القائلين بثبوت تأثير الخلطة؛ فللخلطة تأثيرها، سواء كانت خلطة أعيان، أو خلطة أوصاف، وسواء كان يملك كل واحد من الخلطاء نصابًا، أو لا، واستندوا إلى الأحاديث المطلقة في هذا الشأن -والتي ذكرناها فيما سبق- حيث أنها لا تفرق بين نوعي الخلطة، كما أنها لا تفرق بين ما إذا كان مال كل واحد من الخلطاء نصابًا، وبين ما لم يكن نصابًا، ويرجع في ذلك إلى (المجموع شرح المهذب) للنووي الجزء الخامس صـ406 وما بعدها وأيضا (المغني) لابن قدامة الجزء الثاني صـ481 وما بعدها.
ثالثًا: موقف الفقهاء من المحل الذي تؤثر فيه الخلطة:
ويقصد بذلك: هل تؤثر الخلطة في قدر الواجب فقط؟ أم تؤثر في قدر الواجب والنصاب معًا؟
بالنسبة لهذه المسألة نجد أن الفقهاء قد اختلفوا إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى أن الخلطة إنما تؤثر في قدر الواجب فقط.
الفريق الثاني: يرى إنما تؤثر في قدر الواجب والنصاب معًا.
فأصحاب الرأي الأول بعد أن ثبت لديهم تأثير الخلطة في قدر الواجب بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما يتراجعان بالسوية)) وقفوا عنده، ولم يقيسوا عليه النصاب، ورأوا أن الخالطين إنما يزكيان زكاة الرجل الواحد، إذا كان لكل واحد منهما نصاب، بينما لم يقتصر على ذلك أصحاب الرأي الثاني، وإنما راحوا يقيسون النصاب على قدر الواجب، ورأوا أن الخلطين أو أكثر نصاب الرجل الواحد، كما أن زكاتهما زكاة الرجل الواحد، وتبعًا لهذا الاختلاف اختلف المعنى المفهوم من قوله- صلى الله عليه وسلم:((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع)) وحمل كل من الرأيين هذا الحديث على ما ذهب إليه.
خلاصة القول في هذا أن الرأي الراجح في المسالة أنه: لا يشترط أن يكون مال كل واحد من الخلطين على حدة قد بلغ نصابًا، حتى نقول بتأثير الخلطة في الزكاة، وإنما يكفي -كما قلنا- أن يوجد النصاب من مجموع المالين فقط.
ونحن نختار ما عليه أصحاب الرأي الثاني، عملًا بالقياس حيث إن القياس معتبر شرعًا، طالما ليس هناك نص يخالفه، ومسألتنا هذه قد دل النص كما تقدم على ثبوت تأثير الخلطة في قدر الواجب، فيقاس عليه النصاب، وبذلك يكون المحل الذي تؤثر فيه الخلطة هو قدر الواجب والنصاب معًا.