الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وحرية تأليف الجمعيات.
ويقصد بحرية الاجتماعات: حق الأفراد في أن يتجمعوا في مكان ما فترة من الوقت؛ ليعبروا عن آرائهم سواء في صورة خطب، أو ندوات، أو محاضرات، أو مناقشات جدلية
…
إلى آخره.
أما حريّة تكوين الجمعيات فيقصد بها: تشكيل جماعاتٍ منظمةٍ لها وجود مستمر، تستهدف غاياتٍ محددةً، ويكون لها نشاط مرسوم مقدمًا، وتتضمن هذه الحرية أن يكون للشخص حرية الانضمام إلى ما يشاء من الجمعيات، ما دامت أغراضُها سليمةً، وعدم جواز إكراهه على الانضمام إلى جمعية بعينها، ولا مانع في النظام الإسلامي بطبيعة الحال من تقرير هذه الحريات للأفراد، ما دام هدفها لا يتعارض مع النظام العام؛ لكونه يصطدم بنصٍّ شرعيٍّ، أو قاعدة كلية في الشريعة، فإن كان التجمع لغرضٍ دينيٍّ، كأداء الجمعة، أو العيد، أو الصلاة في جماعة
…
ونحو ذلك؛ فإنه يأخذ الغرض الذي يحصل من أجله، وإن كان التجمع لغرض غير معتبر شرعًا، كلعب القمار، أو التواطؤ على الشر
…
ونحو ذلك، فإنه يكون حرامًا؛ لكونه يتعارض مع النظام العام الإسلامي -كما ذكرنا.
الحريات الاقتصادية
رابعًا: الحريات الاقتصادية:
وهذا في النظام الدستوري يقصد بها: حرية العمل والكسب، وحرية التملك، وإنما تقرّرت هذه الحريات للإنسان؛ لينطلق بكل جهده وطاقته للعمل البنّاء المثمر، الذي يعود نفعه عليه وعلى مجتمعه الذي يعيش فيه:
1 -
حرية العمل والتكسب:
الإسلام دين العمل، دعا الناس إليه، وحثهم عليه، ولم يفرِّق بين عمل وآخر ما دام في إطار المشروعية، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (المُلك: 15).
فقد امتن سبحانه وتعالى على عباده بأن جعل لهم الأرض سهلة لينة يستقرون عليها، ولم يجعلها خشنة، بحيث يمتنع عليهم السكون فيها والمشي عليها، ثم رتّب على ذلك الأمر بالمشي في الأرض، على وجه الإباحة؛ ليأكل الإنسان مما رزقه الله وخلقه له في الأرض.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب العبد المؤمن المحترف)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل ابن آدم طعامًا خيرًا من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)) وقوله عليه السلام: ((من بات كالًّا في طلب الحلال بات مغفورًا له)) قوله صلى الله عليه وسلم: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)).
وإذا كان الإسلام قد دعا الناس إلى العمل على هذا النحو، فإنه قد ترك لكل فرد مطلق الحرية في اختيار العمل الذي يناسبه؛ لأن الناس متفاوتون في ذلك، وما يصلح لفردٍ لا يصلح لآخر، ويجوز لأي فرد أن يختار لنفسه العمل الذي يعود نفعه عليه. ويجوز للدولة بطبيعة الحال أن تفرض من القيود على حرية الأفراد في اختيار أعمالهم ما تضمن به الحفاظ على المصلحة العامة في المجتمع، فتنظم الزراعة بغرض زراعة بعض المحاصيل التي تحقق الربح، فينتعش اقتصاد الدولة، أو تحتاج إليها الأمة في غذائها
…
ونحو ذلك، ولها أن تمنع زراعة المحصولات المضرة بالمصلحة العامة، كزراعة الحشيش، والقات
…
ونحو ذلك، ولها أن تنظم الصناعة على هذا النحو، وكذلك التجارة، وليس هذا فقط، بل على الدولة
للأفراد أن توفر لهم فرص العمل المناسبة، وتسهل لهم أسباب العيش الكريم، وتقضي على البطالة، وتقي المجتمع من شرورهم.
2 -
حرية التملك:
بينما نجد المذهب الفردي يطلق العنان للملكية الفردية، ويسمح للمالك بأن يتصرف في ملكه كيفما يشاء بغير قيد أو حد، ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالآخرين، اعتمادًا على السلطة المطلقة التي يخولها حق الملكية لصاحبه، فإننا نجد في الطرف الآخر المقابل ذلك المذهب الجماعي الذي يلغي الملكية الفرية إلغاءً مطلقًا، ويعتبر القائم عليها مجرد موظف لدى الدولة يتصرف فيها تصرف الوكيل عن موكله.
أما في النظام الإسلامي فالموازنة حاصلة بين الملكية الفردية والملكية الجماعية؛ لأن الإسلام الذي أقرّ الملكية الفردية، واعترف بها بصريح نصوصه، قد وضع عليها من القيود والتحديدات لمصلحة الجماعة، فلا يجوز للملكية الفردية أن تنمو بشكل يلحق الضرر بالمصالح الجماعية، كالاحتكار، والغشّ، والاستغلال
…
ونحو ذلك مما حرمه الإسلام، وجعله كالقيود التي يمكن أن تحد من حرية إطلاق المالك في ملكه، بالإضافة إلى الحقوق الأخرى التي جعلها للفقراء في مال الأغنياء.
أما فيما يتّصل بإقرار الإسلام للملكية الفردية، فهو أمر يكاد أن يكون معلومًا من الدين بالضرورة، ويتجلى ذلك في آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، التي تنسب الملك إلى الإنسان، كقول الله تعالى:{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} (محمد: الآية: 36) وقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: الآية: 24 - 25).
في السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((ألا إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربكم ليسألكم عن أعمالكم، ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم)).
وأما إقرار الشريعة الإسلامية للملكية الجماعة، فإننا نجد أبرز مظاهره في المساجد، فهي ملك لله تعالى بنص القرآن الكريم:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (الجن: من الآية: 18).
وإضافة الملك إلى الله سبحانه وتعالى تعني أنها ملك لجماعة المسلمين، يؤدون فيها عبادتهم وشعائرهم.
وكذلك يظهر معنى الملكية الجماعية في نظام الوقف، الذي هو قربة خاصة بالمسلمين، حيث تحتبس العين على ملك الله تعالى -أي لجماعة المسلمين- ويقتصر حق الموقوف عليهم على اجتناء الغلة أو الثمر فقط، دون التصرف في العين الموقوفة.
ويظهر معنى الملكية الجماعية أيضًا فيما حماه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأرض لخيل المسلمين الذين يحملون عليها حين يغزون في سبيل الله تعالى، وهذا هو شأن الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس.
وأما تقييد الشريعة في حق الملكية الفردية، بما يضمن لها أداء وظيفتها الاجتماعية، في نفع صاحبها وعدم الإضرار بالآخرين، فقد تكلفت الشريعة الإسلامية بهذه القيود، فإذا كانت الشريعة تقر حق الملكية إلا أن هذا الحق ليس مطلقًا، وإنما هو مقيد بقيود، هذه القيود تهدف ألا يخرج صاحب الملكية عن الحدود الشرعية، وأن يكون تصرفه وفق الحدود الشرعية.