الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ما عرضت عليه مسألة من المسائل فإنه يبحث عن حكمها أولًا في القرآن الكريم، فإن وجد ما يقضي به فإنه يحكم به، وإن لم يكن في القرآن حكم لهذه المسألة رجع إلى السنة، فإن وجد حلًّا لها فيها كان به، فإن أعياه الوصول إلى حكم المسألة من القرآن أو السنة، سأل الناس هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بقضاء، فإذا أرشده واحد منهم إلى حكم من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة قضى به، وإلا جمع الناس فاستشارهم فإذا اجتمعوا على رأي قضى به.
ونفس الطريقة كان يلتزم بها عمر بن الخطاب، إلا أنه كان يضيف إلى القرآن والسنة ما كان يسلكه أبو بكر رضي الله عنه، فإن لم يجد حكمًا للمسألة في هذه المصادر استشار الناس واتبع ما ينتهي إليه المتشاورون، وكان يأبى أن ينفرد بالرأي في أي مسألة تعرض له، وإنما كان يجمع لها كبار الصحابة من أهل بدر، ويشاورهم فيها.
وقد سار عثمان رضي الله عنه على هذا المنهج فكانت الشورى لها مكانتها خلال ست سنين من خلافته إلى أن تم لبني أمية الاستيلاء على مقادير الأمور في عهده، الأمر الذي أدى إلى عدم مراعاة هذا الواجب، وظل الأمر كذلك حتى قتل عثمان رضي الله عنه، وبعد استشهاده وتولي علي الخلافة بمقتضى البيعة العامة للمسلمين عادت للشورى مكانتها، فعمل على كفالة هذا الواجب.
تحديد أهل الشورى والشروط الواجب توافرها فيها
ثم نتحدث الآن عن تحديد أهل الشورى والشروط الواجب توافرها فيها، نقول أهل الشورى يجب أن تتوفر فيهم مجموعة من الشروط، وقد بين الفقهاء هذه الشروط وذلك حينما تكلموا عن أهل والعقد، وما يجب أن تتوفر فيهم من شروط، وأهم هذه الشروط ما يلي:
الإسلام وهو شرط حتمي وذلك؛ لأن الدولة الإسلامية مؤسسة على وحدة العقيدة ولا يجوز أن يشارك في تسيير دفة أمورها أو في كفالة تحقيق مقاصد الشارع من الخلق من لم يؤمن بالإسلام، وهذا الشرط مجمع عليه ويعد من الشروط المتعلقة بالنظام العام في الدولة الإسلامية.
الشرط الثاني: العقل وهو شرط بدهي في كافة التكاليف الشرعية كما أنه شرط لكافة الولايات العامة أو الخاصة على السواء.
الجنس: ويرى جمهور الفقهاء أنه تشترط الذكورة في أهل الحل والعقد، ومنهم أهل الشورى، غير أننا لا نرى ذلك؛ لأن المنع قاصر على منصب الخلافة، ولا يجوز أن يكون في سائر الولايات.
العلم: بمعنى أن يتوفر في أهل الشورى درجة معينة من العلم تؤهلهم لأن يكونوا أهلا للشورى، وتوفر لديهم القدرة على التمييز الآراء المختلفة في نطاق الأمر المتشاور فيه.
الرأي والحكمة: وفضلًا عن العلم، فإنه يجب أن يتوفر في أهل الشورى الرأي والحكمة لكي يتوصل برأيه وحكمته إلى أنسب القرارات التي تحقق مقصود الشارع، ومصلحة المجتمع الإسلامي.
العدالة: وهي تعني التقوى والورع وتحقق بالاستقامة والأمانة والمحافظة على شعائر الإسلام والتمسك بأهدافه؛ لذلك ينقل القرطبي عن سفيان الثوري ضرورة توفر التقوى، والأمان في أهل الشورى، إلا أنه يلاحظ أنه ليس معنى تقرير وجوب الشورى أنه يجب إعمالها في كل مسألة من المسائل أيًّا كانت طبيعتها بحيث يتحتم أن يستشار جميع أهل الحل والعقد، وإنما الوجوب ينصرف إلى مشاورة المختصين في المسألة المعروضة، وهو ما وضحه القرطبي
حيث يذكر رأيًا مؤداه: بأن الولاة يجب عليهم مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وما أشكل عليهم من أمور الدين، والمختصون بأمور الجيش والحرب في المسائل العسكرية، والمختصين بالنواحي الإدارية في المسائل المتعلقة بها.
يقول القرطبي: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وما أشكل عليهم من أمور الدين ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجهوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها، كما يقرر القرطبي، بأن صفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلًا مجربًا وادًّا في المستشير، كما يجب أن يكون من أهل الفتوى والأمانة وكان الفقهاء يستعينون بمجالس تضم العلماء في الفقه والفلسفة والعلوم والتاريخ وأهل الخبرة في المجالات المختلفة.
أما إذا كانت المسألة محل الشورى تتعلق بالمسلمين جميعًا ولا تحتاج إلى نوع من الخبرة والتخصص في ناحية من النواحي فلا مناص من الرجوع إلى المسلمين جميعًا، فدائرة من يستشارون يتسع نطاقها كلما تعلق موضوع الشورى بأمر يتعلق بمصلحة أساسية من مصالح المسلمين، وهذا الرأي يجد سنده فيما سلكه عمر رضي الله عنه حينما استشار المهاجرين والأنصار في قسمة ما أفاء الله به على المسلمين من أرض العراق والشام.
والسؤال الآن هل يشترط الإسلام في أهل الشورى؟ أجملنا فيما سبق الشروط التي يجب أن تتوفر في أهل الشورى وقلنا: إن من المسلم به أن شرط الإسلام من الشروط الضرورية التي يجب توفرها في أهل الحل والعقد، كما أنه أيضًا من الشروط الحتمية المطلوبة في كل من يمارس الولاة العامة