الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا التهرب، ونحن نعرف أن القضاء على التهرب من أداء الجزية معناه أن يساهم جميع أهل الذمة، الذين توافرت بالنسبة لهم شروط وجوب الجزية، أن يساهموا في الأعباء المالية المقررة عليهم في الدولة دون استثناء، وبالتالي تتحقق المساواة الكاملة بين المكلفين بأداء الجزية في تحمل عبئها.
مراعاة ظروف المكلفين بالجزية
ونريد أن نتحدث عن مراعاة ظروف المكلفين بالجزية فنقول:
الذكور البالغون العاقلون القادرون من أهل الذمة، والمكلفون بأداء الجزية، إنما يساهمون في الأعباء المالية عن طريق دفع الجزية، كل حسب مقدرته المالية، فالتكليف يكون بما في الوسع والطاقة؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولذلك لا يجوز ظلمه ذلك في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذه منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة)) فالمقدار الذي يؤخذ منهم في الجزية يجب أن يراعي فيه مقدرتهم المالية، وكافة ظروفهم العائلية، وهذا المقدار يختلف من فرد لآخر، بل يختلف من الفرد الواحد من زمن إلى زمن آخر، كما يختلف تبعًا للبيئة، لذلك ينبغي ألا يحدد مقدار بعينه، فإذا كثر مال ممول زيد عليه مقدار الجزية، وإن قل ماله نقص مقدارها، ونجد ذلك واضحًا فيما أشار به معاذ بن جبل على أبي عبيدة بن الجراح، في صلح "الرها" إذ يقول:
إنك إن أعطيتهم الصلح على شيء مسمى فعجزوا عنه، لم يكن لك أن تقتلهم، ولم نجد بدًّا من إبطال ما اشترط عليهم من التسمية، وإن أيسروا أدوه على غير الصغار الذي أمر الله به فيه، فاقبل منهم الصلح، وأعطهم إياه على أن يؤدوا الطاقة، يعني بمقدار ما يستطيعون، وحسب مقدرة المكلف المالية، فإن
أيسروا أو أعسروا لم يكن لك عليهم إلا ما يطيقون، وتم لك شرطك، ولم يبطل، فقبل ذلك أبو عبيدة.
فهذا يدل على أنه الأفضل ألا تحدد الجزية مبلغًا معينًا كل سنة على الجميع، وإنما ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف كل شخص، تبعًا لمقدرته المالية.
وأيضًا نجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاوت في مقدار الجزية، تبعًا لمقدار المال الذي يملكه الممول، فإذا كثر ماله زيد عليه مقدارها، وإن قل ماله نقص مقدارها، فقد زاد هذا المقدار على أهل الشام، وأهل العراق؛ لغناهم، وخفض هذا المقدار على أهل اليمن؛ لقلة مقدرتهم المالية.
والتفاوت في مقدار الجزية تبعًا للمقدرة التكلفية للممول، يعتبر من أرقى المبادئ التي تحاول أن تصل إليها النظم المالية الحديثة، بالنسبة للضرائب، وهو العدالة في الضرائب، فالتفاوت في المقدار الواجب إنما يؤدي إلى مراعاة المقدرة التكلفية للممولين، ويعتبر أساس فكرة المساواة التي روعيت فيها العدالة؛ لأن المساواة بين غير المتماثلين ظلم.
وقد روعيت ظروف المكلف بالجزية في نواح عدة، نتناول أهمها فيما يلي:
إعفاء غير القادرين من أداء الجزية:
إذا كنا قد رأينا من خلال الكلام عن المساواة في الزكاة أن ما دون النصاب يعفى من الزكاة، فإن الأمر لا يختلف بالنسبة للجزية، فهي لا تؤخذ من كل مال، بل أعفي منها المال اليسير الذي لا ينفي عن صاحبه صفة الفقر، ولا يثبت له وصف الغنى، فالجزية تؤخذ من عفو مال الذمي، وفي هذا يقول عبد الله بن عباس: ليس في أموال أهل الذمة إلإ العفو، يعني ما يزيد على ما يحتاجون إليه.