الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول: هذا أمر زائد عن الحاجة؛ إذ يكفي -في رأينا- أن يكون الإمام صائب الرأي بالمعنى الذي وضحناه آنفًا عند الكلام على شرط الرأي؛ حتى يفوض عنه أمور الحرب إلى القادة الأكفاء الذين يثق في مقدرتهم على القيام بما هو موكول إليهم من التخطيط للحرب وخوض المعارك، فمصالح الأمة قد تعددت وتنوعت وكل ناحية فيها تحتاج إلى متخصصين متفرغين للقيام بالواجب في شأنها، وإذا كان الأمر كذلك فباستطاعة الإمام أن يفوض إلى القادة المشهود لهم بالكفاءة ما يتصل بأمر الحرب من تجهيز الجيوش، وخوض المعارك وغير ذلك، وأن يفوض ما يتصل بالقصاص وإقامة الحدود إلى سلطات خاصة، كما هو متبع الآن في العقوبات، إذ تقوم بها وتشرف علي كل ما يتصل بها السلطات القضائية والتنفيذية في الدولة.
ولكن ليس معنى ذلك جواز تولية من يعتريه الجبن أو ينتابه الخور عندما يصبح لزامًا عليه أن يقدم على إصدار أوامر تحتاج إلى رباطة الجأش، كإعلان الحرب على عدو مثلًا مع تحمل تبعاتها، بل إن هذا الوصف لو كان فيه لكان كافيًا لإقصائه عن منصب الإمامة، حتى لو توافرت فيه الشروط الأخرى؛ إذ إنه بجبنه وضعفه يكون عاملًا من عوامل طمع الأعداء في دولة الإسلام، في حين أن من المفروض على الإمام الحفاظ على الدين وعلى أرض المسلمين.
وسوف ندرس هذه المذاهب بأدلتها في المحاضرات القادمة -إن شاء الله.
ونكتفي بهذا القدر من هذه المحاضرة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 -
شروط رئيس الدولة (3)
شرط القرشية، وتولية الأفضل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرات السابقة عن شروط الإمام الأعظم أو رئيس الدولة، وبينا أنه يشترط فيه الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، والاجتهاد، والعدالة، وصحة الرأي في السياسة، والإدارة، والحرب، والكفاية الجسمية، والكفاية النفسية، وبقي شرطان نتحدث عنهما الآن، وهما شرط القرشية، وشرط تقديم الأفضل.
فبالنسبة لشرط القرشية، بمعنى أن يكون الإمام من قريش، فنقول -وبالله التوفيق:
هذا الشرط هو أحد الشروط الذي اختلف العلماء فيها اختلافًا كبيرًا، حتى أن فرقة مشهورة من فرق المسلمين هي فرقة الخوارج، صار أحد ما يشتهر به هو
قولها بعدم وجوب هذا الشرط، وسنبين آراء العلماء في ذلك، ثم نبين الأدلة الذي استندوا إليها.
آراء العلماء في اشتراط القرشية:
يرى أهل السنة، وأكثر العلماء، أنه يشترط في الإمام أنه يكون من قريش، وذهب الخوارج إلى أن الإمامة تجوز للقرشي، وغير القرشي، لا فرق في ذلك بين أحد وأحد؛ لنسبه، أو لجنسه، أو للونه، فالكل سواء في صلوحه لها، مادام ملتزمًا بكتاب الله، وسنة رسوله، ومادام يستطيع القيام بها.
وبالنسبة للأدلة نقول:
استدل أهل السنة على شرط النسب القرشي، بالسنة، والإجماع.
فأما السنة: فقد استدلوا بأحاديث كثيرة، مذكورة في كتب السنة المتعددة، في كتب الأحكام، وأبواب الإمارة، والمناقب، وغيرها، من هذه الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)) وفي رواية أخرى: ((الناس تبع لقريش في الخير والشر)) وفي رواية ثالثة: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان)) ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين)).
وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل أن أبا بكر، وعمر، لما ذهبا إلى سقيفة بني ساعدة، حيث اجتمع الأنصار لاختيار خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم أبو بكر، ولم يترك شيئًا أُنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو سلك الناس واديًا، وسلكت الأنصار واديًا، سلكتُ وادي الأنصار)) ولقد علمت -يا سعد- أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم قال -وأنت قاعد-: ((قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم، فقال له: صدقت نحن الوزراء، وأنتم الأمراء)).
وبهذا يتبين أن السنة قد أوجبت هذا الشرط بروايات متعددة، هذا فضلًا عن الإجماع، فقد انعقد الإجماع في زمن الصحابة، وكذلك بعدهم على أن الأئمة من قريش.
هذا هو ما استدل به أصحاب الرأي الأول، وهم جمهور العلماء القائلون بأنه يشترط في الإمام أن يكون من قريش.
ولو نظرنا إلى أدلة الرأي الآخر، وهم الخوارج، القائلون بأنه لا يشترط هذا الشرط، فلهم أدلة على ما ذهبوا إليه.
فقد احتجوا في عدم اشتراط القرشية بأحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقولٍ منسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبدليل عقلي.
فأما الأحاديث التي تثبت أن القرشية ليست شرطًا من شروط الإمامة، فمنها ما رواه مسلم، عن أبي ذر، قال:((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا مجدع الأطراف)) أي أن أسمع وأطيع، ولو كان عبدًا خسيسًا، قد قطعت أطرافه، فما دام هو ولي الأمر فطاعته واجبة، وروى مسلم أيضًا عن يحيى بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)) وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)).
فهذه الأحاديث تفيد أن القرشية ليست شرطًا في الإمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة العبد حين يكون وليًّا للمسلمين، ومعروف أن قريشًا ليس بهم رقيق يتصل نسبهم بها، بل في أحدها -أي في أحد هذه الأحاديث- وجوب السمع
والطاعة للعبد الحبشي، فدل ذلك على أن الإمام قد لا يكون قرشيًا، وهو ما يدعيه أصحاب الرأي القائلون بأنه لا يشترط أن يكون الإمام من قريش.
وأما استدلالهم بالقول المنسوب إلى عمر رضي الله عنه فقد روي عنه أنه لما طُعن طلب المسلمون منه أن يستخلف عليهم من يرضاه لهم، حتى لا يختلفوا بعده، فقالوا له: بين لنا من يلي أمورنا، فقال رضي الله عنه: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًّا استخلفته، وروي عنه أيضًا قوله: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل.
فدل هذا القول من عمر على أنه لا يرى وجوب شرط القرشية، حيث كان ينوي استخلاف سالم مولى أبي حذيفة، أو معاذ بن جبل، وكلاهما ليس قرشيًا، بل الأول ليس عربيًا، والثاني أنصاري لا نسب له في قريش.
وأما الدليل العقلي على انتفاء شرط القرشية في الإمام، فيقولون فيه:
إن الأنساب لا اعتبار لها عند الشارع في القيام بأمور الدين، فلا شرف ولا خسة إلا بالعمل الصالح، وحسن الصلة بالله -سبحانه- أو بعدمها، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) فالإسلام قد جاء بمبدأ المساواة بين الناس جميعًا، أبيضهم، وأسودهم، وأحمرهم، شريفهم، وحقيرهم، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، واشتراط القرشية اتجاه إلى العصبية، وإلى أن تسود طائفة من الناس على سائر الأمة، وهو ما يمقته ويبغضه الشرع الحكيم.
وبعد فإن المرأ ليحار حقًا في التوفيق بين الأدلة القائمة على وجوب القرشية في الإمام، ومنها الأحاديث المتعددة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على ذلك، نقول: ليحار في التوفيق بين هذا كله، وبين قول عمر في سالم مولى أبي حذيفة، وفي معاذ بن جبل، على أنه في النهاية يجب أن يكون الميل إلى إلى الأدلة التي أثبتت شرط
القرشية؛ ذلك أنها نصوص أفادت وجوب هذا الشرط كما سبق بيانه، وقد أكدها إجماع الصحابة، فلا مفر من التسليم بما أدت إليه كل هذه الأدلة، وبخاصة وأن الحكم أصبح قطعيًا بالإجماع، لا يحتمل أدنى ريب في وجوب هذا الشرط.
وأما ما قاله الخوارج الذين لا يشترطون في الإمام أن يكون قرشيًّا، نقول: ما قالوه من أن الإسلام نهى عن العصبية، وأن تسود طائفة معينة على سائر المسلمين، وأنه جاء بالمساواة بين الناس جميعًا، وهذا ما يعارض جعل الخلافة في قريش، فإننا نقول -ردًّا عليهم:
إن الإسلام باشتراطه أن يكون الإمام قرشيًّا لم يكن بذلك داعيًا إلى العصبية التي نهى عنها، فإن الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ليس له أي مزية على سائر أفراد الأمة، وليس لأسرته كذلك أدنى حق زائد على الحقوق التي كفلها الشارع لسائر أفراد المسلمين، فالإمام، وأفراد المسلمين، كلهم سواء أمام القانون الإسلامي، يخضعون لأحكامه، بل إن الإمام متحمل من التبعات ما يجعله من أشد الناس حملًا، وأثقلهم حسابًا يوم القيامة؛ لأنه مسئول عن رعيته، كما نص على ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم ولم يكن لأي من الأسر التي ينتمي إليها أبو بكر، أو عمر، لم يكن لهم أدنى امتياز على أي فرد من أفراد المسلمين في زمن خلافتهما، ونزوان بني أمية على حقوق المسلمين زمن خلافة عثمان لم يكن نتاج العصبية من عثمان، وإنما كان لضعفه رضي الله عنه وعدم توفيقه في اختيار من يتولون أمور الناس من قِبله، حتى كان ذلك سببًا في إيقاظ الفتنة التي اجتاحت العالم الإسلامي آنذاك، وتلاقَى الغوغاء، وذوو الأهواء، والدساسون للإسلام، تلاقوا في تجمع هائج أدى في النهاية إلى مصرع الخليفة في داره وهو يقرأ القرآن الكريم،
فالإسلام لا يسود طائفة، يعني لا يجعل لها سيادة، لا يجعل السيادة لطائفة من الناس على من عداهم من أفراد الأمة، وإذا كان الإمام من قريش فليس معنى ذلك أن تتبوأ قريش مكانة عالية دونها مكانة سائر المسلين؛ لأن الإسلام -كما قلنا- لم يفرق بين قرشي، وغير قرشي، ولم يفرق بين حاكم، ومحكوم، والأمة بالتزامها القانون الإسلامي هي صاحبة الحق في السيطرة على الخليفة، وهي التي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، وليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والتنفير عن الشر، وهذه سلطة خولها الله لأدنى المسلمين.
وبهذا نكون قد أجبنا عن الشبهات التي تمسك بها الخوارج، ومن معهم، في القول بعدم اشتراط القرشية في الإمام.
لكن ما هي الحكمة في اشتراط القرشية؟
نبادر بأن نقول: إن القرشية شرط قد ثبت بالأحاديث الكثيرة، وبإجماع المسلمين عليه في خير القرون -كما بينا ذلك آنفًا- وعلى ذلك فإذا ما أردنا أن نلتمس الحكمة من هذا الشرط، فقد نصيب في ذلك، وقد نخطئ، وفي هذه الحال لا يؤثر ذلك في أن هذا الشرط ثابت، لا يقوى معارضوه على نفيه؛ لأن الأمر في أمثال هذا موقوف على قيام الدليل وثبوته، فإذا ما قام الدليل على أمر من الأمور وجب الامتثال، ولا يجب في كل حكم أن يكون معللًا، أو ظاهر الحكمة، كما يجب أن يعلم أن الحكمة في اشتراط القرشية ليست هي القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن للقرابة أحكام خاصة من ميراث، أو تحريم نكاح، إلى غير ذلك، لكن ليس للقرابة مدخل في الإمامة، كما لا مدخل لها في تولية والٍ على ناحية من النواحي، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يولي من تربطه به صلة القرابة، ومن لا تربطه به هذه الصلة.
وقد حاول العلماء التماس الحكمة من اشتراط القرشية في الإمام، فكان غالب اجتهادهم يدور حول المكانة التي تتمتع بها قريش بين العرب عامة، مما يسهل انقياد الناس لهم؛ لما لهم من الشرف والرياسة، وأن تخصيص قريش بالإمامة عامل هام من عوامل حراسة هذا الدين؛ لأنه جاء بلغتهم، ورسوله -أي رسول هذا الدين- منهم، مما يجعلهم مدفوعين طبيعيًّا إلى صيانته وإلى نشره.
وأخيرًا نقول: إن الإسلام قد اشترط في الإمام الأعظم أن يكون من قريش، وسواء أظهرت لنا الحكمة في ذلك، أم أخطأنا في فهمها، فإن ذلك لا يؤثر في كون هذا شرطًا اشترطه الشارع، كما قلنا ذلك سابقًا.
ثم نتحدث الآن عن الشرط الآخر، الذي وعدنا بالحديث عنه، وهو أن يكون الإمام أفضل من غيره فنقول:
نحب أن نبين في البدء أن الجميع قد اتفقوا على أن الإمامة العظمى إذا عقدت لشخص، ثم ظهر من هو أفضل منه، فلا يعدل عن الإمام إلى الأفضل، والعلة في ذلك ظاهرة؛ إذ إن ظهور الأفضل محتمل في كل آن، فلو جُوِّز العدول إلى الأفضل، لأدى ذلك إلى حال من عدم استقرار الحكم في الدولة، المؤدي إلى الفوضى، التي لا يرضى عنها الشارع الحكيم، وكذلك لا خلاف بين العلماء في جواز تولية المفضول إذا كانت كلمة الأمة قد اتفقت عليه، ولم ترض بغيره بديلًا، أو كان هناك عذر يمنع تولية الأفضل، كغيبته، أو مرضه، أو كان المفضول أطوع في الناس، وأقرب إلى قلوب الشعب.
واختلف العلماء في حال وجود شخصين توافرت في كل منها الشروط المطلوبة في الإمامة العظمى، إلا أن أحدهما أفضل من الآخر، ولم يحظ المفضول باتفاق الأمة على اختياره، ولم يوجد من الأعذار ما يبرر العدول عن الأفضل إلى
المفضول، هل يجوز في هذه الحالة عقد الإمامة له، أي للمفضول حينئذ أم لا يجوز ذلك، ويجب عقد الإمامة للأفضل؟
وقبل أن نذكر الآراء في ذلك، وما استندت إليه هذه الآراء، نرى أن نبين بعض الوجوه التي يمكن أن يفاضل بين اثنين على أساس وجودها، أو عدمها.
من ذلك مثلًا: أن يشترك أكثر من واحد في الصفات المطلوبة في الإمامة، إلا أن صفة من هذه الصفات المطلوبة كالعلم، أو الشجاعة -مثلًا- تظهر واضحة في أحدهم، ويتفوق على غيره فيها، فهل يجوز حينئذ ترك الأفضل في هذه الصفة، وتولية المفضول، أم لا يجوز ذلك؟ وهذا ما سنوضحه بالنسبة لآراء العلماء.
آراء العلماء في انعقاد الرئاسة للمفضول:
ذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن الإمام يجب أن يكون أفضل أهل زمانه في شروط الإمامة، ولا تنعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل فيها، فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة، يعني كأنه استولى على السلطة بدون سند من الشرع.
وذهب الأكثر من الفقهاء، والمتكلمين، إلى أن الإمامة تجوز للمفضول حال وجود الأفضل، ولا يمنع وجود الأفضل انعقاد الإمامة للمفضول ما دام مستوفيًا شروط الإمامة.
أدلة القائلين بعدم جواز إمامة المفضول:
استدل القائلون بعدم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل بما يلي:
أولًا: أن الصحابة قد عقدوا الإمامة للأفضل فالأفضل، فالخلفاء الأربعة أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهذا الدليل قد احتج به أبو الحسن الأشعري.
ثانيًا: أن العقل يقضي بقبح تقديم المفضول على الأفضل في إقامة قوانين الشريعة، وحفظ حوزة الإسلام.
ثالثًا: أن الأفضل أقرب إلى انقياد الجماهير له، واجتماع الآراء على متابعته.
هذه هي أدلة القائلين بعدم جواز إمامة المفضول.
أدلة القائلين بجواز إمامة المفضول:
استدل القائلون بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل بأدلة:
أولًا: قالوا: إن الستة الذين رشحهم عمر للخلافة بعده، كان فيهم -بإجماع الأمة- الفاضل، والأفضل، ومع ذلك فقد أجاز عمر أن يعقد لواحد منهم إذا اجتمعوا عليه، ورأوا مصحلتهم في توليته، وهذا يدل على أنه لا يشترط أن يكون الإمام أفضل الناس.
ثانيًا: أجمع العلماء على انعقاد الإمامة بعد الخلفاء الأربعة لبعض القرشيين، كمعاوية مثلًا، مع أنه كان في بقايا الصحابة من هو أفضل منه ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل.
ثالثًا: أن الأفضلية أمر خفي قد لا يتطلع عليها أهل الحل والعقد، وربما يؤدي تحري الأفضلية إلى وقوع النزاع، وتشويش الأمر.
هذه هي أدلة القائلين بأنه يجوز تولية المفضول مع وجود الأفضل.
وبعد فإننا نرى بعد استعراض أدلة كل من الفريقين، أنه يجب أن يصار إلى القول بأنه يجب تقديم الأفضل، وإذا كنا نقول بوجوب تقديم الأفضل فإننا نقول: إنه إذا لم يتم ذلك وقدم المفضول فبايعه أهل الحل والعقد، وهم الذين يمثلون الأمة، فإن الإمامة حينئذ منعقدة له، ولا نقول بعدم انعقادها؛ لئلا يؤدي ذلك إلى وقوع الفتن، وإلى وقوع الفساد.
وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن الشروط الواجب توافرها في الإمام الأعظم أو رئيس الدولة.