الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُبِينُ} (النور: من الآية: 54 وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ} (الغاشية: 21، 22) وتأسيسًا على ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس مطالبًا بإيمان الناس، أو إرغامهم عليه، وفي هذا يقول الله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (البقرة: من الآية: 272).
العدل
ثم ننتقل الآن إلى أساس آخر من الأسس التي قامت عليها العلاقات الدولية في الإسلام وهو العدل: فنقول:
حرص الإسلام على العدل حرصًا شديدًا؛ لما له من منزلة جليلة، ومكانة سامية، فهو الأساس الذي تعتمد عليه الأمم في تقدمها وبقائها، ومن ثَمَّ ورد الأمر به في أساليب متعددة في القرآن الكريم؛ إعلاء لشأنه، وبيانًا لأهمية التمسك به، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} (النساء: من الآية: 135) فقد أتى الأمر بالعدل هنا بصيغة المبالغة: {قَوَّامِينَ} ليكون الإتيان به على أكمل وجه، فهو بناء مبالغة أي: ليتكرر منكم القيام بالقسط وهو: العدل.
ومعنى: {كُونُوا قَوَّامِينَ} أي: لتكن المبالغة والعناية بإقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم، بأن تتحرَّوْهُ بالدقة التامة؛ حتى يصبح أمرًا مقررًا في نفوسكم، لا تتخلون عنه، مهما تكن الظروف المحيطة بكم، فلا تميلوا بالهوى مع الفقير لضعفه، ولا على الغني لاستغنائه، وكونوا مع الحق، فالله الذي أغنى هذا وأفقر هذا أولى بالفقير أن يغنيه بفضله بالحق، لا بالهوى، والله أولى بالغني أن يأخذ ما في يده بالعدل والحق، لا بالتحايل، والتحامل عليه.
فالعدالة حق للأعداء كما هي حق للأولياء، وقد نص القرآن الكريم على أنه: لا يصح أن تُحمل العداوة على الظلم، فإن العدل مع الأعداء أقرب للتقوى،
وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: الآية: 8 أي: لا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة؛ يقول الطبري: يعني -جل ثناؤه- بقوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي: اعتدلوا أيها المؤمنون على أحد من الناس، وليًّا كان لكم، أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم، والعدل عليهم أيها المؤمنون أقرب لكم إلى أن تكونوا باستعمالكم إياه من أهل التقوى.
وإنما وصف -جل ثناؤه- العدل بما وصفه به من أنه أقرب للتقوى من الجور؛ لأن مَن كان عادلًا كان بعدله مطيعًا، ومن كان لله مطيعًا كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرًا كان لله عاصيًا، ومن كان لله عاصيًا كان بعيدًا عن تقوى الله، ويأمر الله تعالى بالعدل حتى ولو كان الخصوم كفارًا، يقول سبحانه:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة: 42) فقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل، وذلك هو الحكم بما جعله الله حكمًا في مثله على جميع خلقه من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم فالله تعالى يحب المقسطين -أي: العادلين في حكمهم بين الناس- القاضين بينهم بحكم الله الذي أنزله في كتابه.
ومما تجب ملاحظته أن العدل الذي جاءت به الشريعة: إنما هو عدل مطلق؛ تسعد به البشرية في شتى مجالات الحياة، يقول ابن القيم عن الشريعة: وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن