الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع
(النظام السياسي الإسلامي)
1 -
العشور، ومفهوم السياسة ومرتكزاتها في الإسلام ومصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي
مصطلح السياسة منذ بداية الدولة الإسلامية
نبدأ الآن في الحديث عن النظام السياسي في الإسلام، فنقول -وبالله التوفيق-:
هناك من يرتاب في وجود ما يسمى بالسياسة كعلم عند المسلمين؛ ظنًا منه أن ذلك العلم من مستحدثات العصر، أو هو من المصطلحات التي لم تجر إلا على ألسنة غير المسلمين؛ إذ كيف يعرفه المسلمون، أو يقحموا أنفسهم في غماره، فما لهم والسياسة، وقد كانوا أقرب إلى الفطرة، وقاب قوسين أو أدنى من البداوة التي تورد صاحبها موار التهلكة؛ بسبب كلمة عارضة، أو سلوك عفوي؛ لبعده عن التقية، والمداراة، وإصراره على مسلك الجفاء والغلظة، بغض النظر عما يترتب على ذلك من عواقب، وهذا وغيره أبعد عن مدارك السياسة، ومفهوما.
أي أن هناك من يشكك في أن المسلمين كانوا يعرفون السياسة بالمعنى الحديث قديمًا، ويقول بأن العرب كانوا أهل بداوة، وعصبية، فكيف يصلون إلى نوع السياسة التي هي نوع من المدارة؟ لكن نقول لهم: إن هذا القول على إطلاقه يجافي الحقيقة؛ فإن القائلين به -وما أكثرهم- أقوام لهم مأرب معروفة، وغايات شائعة مألوفة، لعل أهمها تنحية الإسلام عن حكم الناس، وتوجيه مسار حياتهم؛ ليبتعدوا عن الالتزام بأحكامه؛ فيتحقق لهم إشباع رغبات، ونزوات لا تقرها الشرعية، فضلًا عن نهيها عنها، والتحذير من التورط فيها، أو الاقتراب منها.
فإن هؤلاء الذين يدعون أن المسلمين لم يعرفوا السياسة في أيامهم إنما لهم أغراض خبيثة في هذا الادعاء يريدون أن يبعدوا الإسلام عن ساحة الحكم، وهذا ظلم فإن أردت أن تميط اللثام عن وجه الحق في الموضوع؛ فاعلم أنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه؛ كان لهم سياسة ساسوا بها عرب الجزيرة، وغيرهم من الشعوب التي خضعت للإسلام، وهيمن عليها حكم المسلمين، وهي الشعوب التي كانت تشكل غالبية العالم القائم آنذاك، وكيف يقال غير ذلك، وقد اعتنقت الأجناس المختلفة -الرومية، والفارسية، والحبشية، والعربية- اعتنقت الإسلام، وتعايشت في ظل دولة موحدة يدين لها الجميع بالولاء والطاعة، فهل كان من المستساغ، والمقبول أن تعتنق كل هذه الأجناس للإسلام، وأن تتعايش هذه الأخلاط المتباينة في جذورها، وعاداتها، وثقافاتها، ولغاتها، وفلسفتها بغير سياسة توجه حياتها؟
إن ذلك -لو صح- يضاد أبسط أصول الاجتماع الإنساني؛ ومن ثم يصبح القول بأن الجميع قد عاش في ظل السياسة المنبثقة عن الشريعة -التي حققت مصالحهم- أقرب إلى العقل والمنطق يشهد له قيام الدولة الإسلامية بقوتها، وترامي أطرافها عبر العصور الطويلة في العهد النبوي، وعهد الراشدين، والأمويين، والعباسيين.
ويوجب القول السابق استجلاء الحقيقة حول المقصود بالسياسة، وما ترمي إليه، والسياسة مأخوذة من سَوَسَ، يقال: ساس الرعية يسوسها سياسة، ويقال: ساس الأمر يسوسه سياسة -بمعنى: قام به.
وقد أورد ابن القيم تعريفًا للسياسة بقوله: السياسة ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد -وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي.