الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحققت بقية الشروط الأخرى اللازمة لوجوب الزكاة، وذلك في تحمل عبء الزكاة.
وإذا كنا قد تكلمنا عن العمومية المادية في الزكاة، وذكرنا الأموال التي كانت معروفة أيام فقهائن القدامى، ثم تكلمنا عن الأموال المستحدثة أو الأموال النامية في هذه العصور المتأخرة، مثل المصانع ومثل العمارات والمرتبات وغير ذلك، فلابد من وجود عوامل تحقق هذه العمومية، ولذلك سوف نتحدث عن العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الزكاة.
نقول: وإذا قلنا بأننا قد تحدثنا عن العمومية المادية في الزكاة، وذكرنا الأموال التي تجب فيها الزكاة من الأموال التي كانت معروفة أيام فقهائنا القدامى، والأموال التي استجدت في هذه العصور وأصبحت من الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، نقول: لابد أيضًا من وجود عوامل تؤدي إلى تحقيق هذه العمومية في الزكاة، وتؤدي إلى أن تخرج الزكاة من كل الأموال التي توافرت فيها شروط الزكاة حتى يتحقق العدل بين أبناء الأمة.
ونكتفي بهذا القدر من المحاضرة، وإن شاء الله نكمل في المحاضرة القادمة، استودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 -
العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الزكاة
تجنب الازدواج في أداء الزكاة، وتجنب الراجعية في الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
…
أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن الأموال النامية التي حدثت في هذه العصور، وسوف نتحدث في هذه المحاضرة عن العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الزكاة فنقول:
رأينا من خلال دراستنا لفكرة العمومية في الزكاة أن تلك العمومية قد تأكدت على الوجه الأكمل، إلا أن الأحكام الخاصة بالزكاة لم تكتف بتلك العمومية، بل عملت على ضمان تحققها، فقد تكون العمومية متوفرة، ولكن قد يأتي العمل ليخل بها، وبالتالي نجد أن تلك الأحكام في نفس الوقت الذي تهتم فيه بإظهار الجوانب المختلفة لهذه العمومية، تعمل على إبعاد كل ما من شأنه
الإخلال بها، وهنا نجد أن هناك عدة عوامل تساعد على ضمان تحقق العمومية في الزكاة، ومن أهل هذه العوامل:
تجنب الازدواج في أداء الزكاة، تجنب الراجعية في الزكاة، محاربة التهرب من أداء الزكاة، وسوف نلقي الضوء على كل عامل من هذه العوامل.
أ- تجنب الازدواج في أداء الزكاة:
من أهم ما جاء في تجنب الازدواج في أداء الزكاة القانون الذي أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا ثني في الصدقة)) قال أبو عبيد: يعني ألا تؤخذ من عام مرتين، فعلى ذلك تتحقق ظاهرة الازدواج الزكوي عندما تُفرض نفس الزكاة، أو زكاة من نفس النوع مرتين على نفس الشخص، وبالنسبة لنفس المادة، وفي حول واحد، قرر ابن قدامة وغيره أخذًا من هذا الحديث أنه لا يجوز إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد، وقد استنتج الفقهاء عدة أحكام، ومبادئ في هذا الشأن:
من ذلك أن أبا حنيفة يرى أن مالك الإبل، أو البقر، أو الغنم، إذا أخرج زكاتها إبلًا، أو بقرًا، أو غنمًا، ثم باعها بعد ذلك، فالثمن الذي باعها به لا يضمه إلى ما عنده من نقود بلغت نصابًا، يريد إخراج زكاتها؛ لأن هذا الثمن قد خرجت زكاته عن طريق الإبل، أو البقر، أو الغنم، فضمه إلى النقود التي لم تزك، وزكاته معها، يعتبر ثنيًا، معنى ذلك فيه أخذ الزكاة عن المال الواحد مرتين، يعتبر ثنيًا في الزكاة؛ لأنه في هذه الحالة تكون قد خرجت عنه الزكاة مرتين،
والثني منفي بالحديث، من أدى زكاة نقوده، ثم اشترى بها إبلًا، أو غيرها من السوائم وعنده سائمة من جنس السائمة التي اشترها بذلك النقد المزكي، فلا يضمها إليها، أي لا يزكيها عند تمام حول السائمة الأصلية؛ لأنها بدل مال أديت عنه الزكاة فل تجب مرة ثانية في الحول نفسه.
قال جمهور الفقهاء: في الإبل، والبقر، والعوامل، وهي التي تعمل في الحرث، والسقي، وخدمة الزرع، أنها لا تجب فيها زكاة، وعللوا ذلك بأن في القمح صدقة، وإنما القمح بالبقر، وأكد هذا المعنى أبو عبيد بقوله: إنها إذا كانت تسقي وتحرث فإن الحب الذي تجب فيه الصدقة إنما يكون حرثه، وسقيه، ودياسه بها، فإذا صدقت هي أيضًا، أي أخرجت الزكاة عنها مع الحب صارت الصدقة مضاعفة على الناس، وهذا معناه الازدواج في الزكاة.
أيضًا فإن فقهاء الحنفية تجنبًا للازدواج في الزكاة يقولون: لا يؤخذ العشر من الأرض الخراجية، أي المفروض على رقبتها ضريبة سنوية محددة، حتى لا يجتمع العشر، والخراج، في أرض واحدة.
وبهذه الأحكام وبغيرها استُبعد الازدواج في وجوب الزكاة بشكل يساعد على ألا يؤدي المكلف أكثر من الواجب عليه، وبالتالي يتساوي مع غيره في عدم دفعه الزكاة على أمواله إلا مرة واحدة، وبالتالي تتحقق المساواة بين المواطنين في تحمل التكاليف المالية المقررة في الدولة.
كيفية تجنب الازدواج في تحصيل الزكاة:
من أهم الطرق التي تمنع الازدواج في الزكاة، والتي سلكها التشريع المالي الإسلامي، محلية الجباية، فقد كان لدى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من حكام
المسلمين، أجهزة مركزية للدولة الإسلامية، فقد جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم- إلى زرعة بن ذي يزن ((إذا أتاكم رسلي فإني آمركم بهم خيرًا: معاذ بن جبل، وعبد الله بن رواحة، ومالك بن عبادة، وعتبة بن نيار، ومالك بن مرارة، وأصحابهم، فأجمعوا ما كان عندكم للصدقة والجزية، فأبلغوه رسلي، فإن أميرهم معاذ بن جبل)). الأموال لأبي عبيد صـ 259 وما بعدها.
ومعنى هذا أن زرعة كان لديه جهاز إقليمي للجباية، وكان لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاز مركزي للجباية، كان من أعضائه معاذ بن جبل، فوجود جهاز محلي مختص بالجباية، دون تدخل من الأجهزة المركزية، يمنع من أخذ الزكاة مرتين على المال نفسه، وفي نفس المدة، وبذلك لا يحدث ازدواج في تحصيل الزكاة.
منع الازدواج في الزكاة يحقق المساواة بين المكلفين، الأصل أن توزع الأعباء المالية بين أفراد المجتمع توزيعًا عادلًا، يتفق وقدرة المكلف المالية، وبحيث لا يؤدى المقدار الواجب عليه مرتين عن نفس المال الخاضع للزكاة، فإذا حصل ازدواج في الزكاة فإن الشخص الذي لحقه هذا الازدواج يتحمل عبأًُ ماليًّا أكبر من العبء الذي يتحمله مكلف آخر، له نفس المقدرة المالية التي للمكلف الأول، وبهذا تنتفي المساواة بين المتماثلين، وفي هذا إخفاق لمبدأ المساواة الذي يجب أن يسود بين المواطنين في تحمل التكاليف المالية المقررة.
ومن ناحية أخرى فإن الشخص الذي لحقه الازدواج سيفقد الثقة في الجهاز القائم على تحصيل الزكاة؛ نتيجة لشعوره بظلم وقع عليه، وهذا قد يؤدي به إلى التهرب من أداء ما يجب عليه من زكاة، والتهرب يهدر مبدأ المساواة بين الناس في تحمل التكاليف المالية المقررة، أما في حالة العمل على منع هذا الازدواج فإن كل إنسان سيتحمل من التكاليف المالية المقدار الذي يتناسب مع قدرته المالية فحسب، وبالتالي سيتحقق مبدأ المساواة المشار إليه.
ب- تجنب الراجعية في الزكاة:
أيضًا تجنب الراجعية في الزكاة، قد يحدث في بعض الأحيان أن بعض المكلفين عندما تفرض عليه الضريبة يحاول أن يتخلص منها أو من بعضها عن طريق نقلها إلى غيره، وقد يساعده على ذلك ظروف المجتمع الاقتصادية، وعلاقته بأفراد مجتمعه، وبذلك يتخلص من بعض التكاليف المالية المفروضة عليه.
وفي الواقع تعتبر راجعية الضريبة في النظم الوضعية إحدى العقبات الأساسية في تحقيق المساواة بين المواطنين في تحمل التكاليف المالية المقررة في الدولة.
ومن أمثلة الراجعية في الضريبة: المنتج أو التاجر الذي يحسب الضريبة التي يدفعها ضمن نفقات إنتاجه، أو ثمن سلعته، ويضفيها بالتالي إلى ثمن مبيعاته، وكذلك المالك الذي يزيد الأجرة بما يُفرض عليه من ضريبة عقارية، وإذا كان ذلك وضع الضرائب وموقف كثير من المكلفين ممن لم يقدروا المصلحة العامة حق قدرها، فإن وضع الزكاة يختلف عن الضريبة في هذا الشأن، ونظرة الناس إليها غير نظرتهم إلى الضريبة، فالمسلم يشعر أن الزكاة ليست علاقة بينه وبين حكومة أو إدارة تحصيل، بل هي علاقة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى قبل كل اعتبار، وهذا هو معنى العبادة في الزكاة التي بأدائها يتقرب المسلم إلى الله، ويشعر حين يؤديها أنه يحقق ركنًا من أركان الإسلام، ومن هنا كان إيتاؤها طاعة وصلاحًا.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن المسلم يعلم جيدًا أن الزكاة حق من حقوق الله واجب الأداء، ومن الطبيعي أن ما ذكرناه يولد في نفس المكلف الشعور بعدم إمكانية التحلل منها بطريق أو بآخر، وهذا الشعور في الواقع هو الشرط الأساسي لتجنب الراجعية في الزكاة.
يقصد من التهرب في المجال الضريبي التخلص من الالتزام بدفع الضريبة، ولكي تتحقق المساواة بين الأفراد في تحمل عبء الضريبة لابد وأن تكون الضريبة عامة، ويقصد بالعمومية أن تلحق الضريبة بكل مال، وبكل شخص، وهذا ما يعرف بالعمومية المادية، والعمومية الشخصية للضريبة، ويرى علماء المالية العامة أن انعدام المساواة في المجال الضريبي بين الممولين، إنما يرجع إلى عدة عوامل، من أهمها التهرب الضريبي، حيث في وجوده تتحطم قاعدة العمومية والمساواة؛ لأن التهريب يؤدي إلى تخلص المتهربين من نصيبهم في الأعباء العامة المالية، في الوقت الذي يلتزم فيه غير المتهربين بذلك النصيب، وهذا يؤدي إلى الإضرار بالمكلفين الذين يتحملون بصدق وإخلاص العبء الضريبي، وهكذا تنعدم المساواة بين المواطنين في تحمل التكاليف العامة المالية المقررة في الدولة.
وبالنسبة للزكاة نجد أن التشريع الإسلامي أوجد الوسائل التي من شأنها مكافحة التهرب من أداء الزكاة، وهذه الوسائل يمكن إجمالها في ثلاثة وسائل:
- معرفة الأسباب التي تؤدي إلى التهرب من أداء الزكاة.
- معرفة الصور أو الأساليب التي يلجأ المكلفون فرارًا من أداء الزكاة.
- اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التهرب من أداء الزكاة.
أولًا: الأسباب التي تؤدي إلى التهرب من الزكاة:
إن أسباب التهرب من أداء الزكاة يمكن إجماله في سببين رئيسين:
أولًا: ظلم الإدارة أو القائمين بأمور جباية الزكاة وتوزيعها.
ثانيًا: ضعف الوعي الإسلامي بصفة عامة، والوعي الزكوي بصفة خاصة.
السبب الأول: ظلم الإدارة جبايةً وتوزيعًا:
إن ظلم العاملين على جباية الزكاة لأصحاب الأموال من شأنه أن يشجع أصحاب هذه الأموال على التهرب من دفعها إلى الإدارة والعاملين عليها، كما
يشجع ضعاف الإيمان على التهرب من دفع الزكاة كلية بأي وسيلة من الوسائل، وهذا السبب يشمل الظلم في الجباية، والتوزيع.
فبالنسبة لظلم الجباية قرر الفقهاء أن ظلم العامل أو الإدارة المسئولة عن جباية الزكاة يشكل عذرًا في إخفاء الزكاة، أو التهرب منها، فلا يحق لهذه الجهات في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء لعقاب، أو تعزير مخفيها أو مانعها، وإنما أخذ الزكاة المهربة أو المخفاة فقط.
وعلى كل حال فإن ظلم الإدارة أو القائمين على جباية الزكاة تمثل أهم الأسباب للتهرب منها، ويكفي أن نشير إلى أن من أهم الأسباب التي اضطرت الدولة في عهد السلطان قالون بمصر إلى إلغاء نظام جباية الزكاة بواسطة الدولة، وهذا من شأنه إهمال جباية الزكاة، هو ظلم العاملين عليها.
وبالنسبة لظلم التوزيع، ويقصد بذلك أن حصيلة الزكاة تبدد، أو تنفق في غير مواضعها الشرعية، وهنا تثور مشكلة استخدام الحصيلة فيما يقتنع به المكلف، وهذه المشكلة في الواقع لها من الأهمية ما جعل النظرية الحديثة للضريبة تجعلها العامل الأساسي في نجاح أو فشل أية ضريبة؛ إذ إن سلوك الممول تجاه التزامه الضريبي يتوقف إلى حد كبير على الطريقة التي تستخدم الدولة بها حصيلتها، فإذا كانت سياسة الإنفاق غير رشيدة، أو غير واضحة، أو غير مقنعة للممول، بحيث يلمس آثارها بالنسبة لما يقدم له من خدمات، أو قيام مشروعات ناجحة، فإنه يعمل جاهدًا على التخلص من التزامه الضريبي.
السبب الثاني: ضعف الوعي الإسلامي بصفة عامة، والزكوي بصفة خاصة:
إن ضعف الوعي الإسلامي بصفة عامة، والوعي الزكوي بصفة خاصة، لا يخفي أمره على أحد في تأثيره على إهمال أمر الزكاة وعدم الاهتمام بشأنها، ويماثل