الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصاب النقود مائتي درهم، نقول: هناك تفاوت إذن في القيمة، لكن لا يوجد ما يوجب تساوي النصاب أو قيمته في كل الأشياء.
ولعل الحكمة في تقليل النصاب وهو الحد الأدنى للغنى بالنسبة للنقود أنها في أكثر أحوالها ثمرة ونماء لموارد أخرى، وإن كانت هي ذاتها صالحة لأن تكون طريقًا لموارد وراءها، أما الغنم فإنها ذاتها هي المورد وفيها النماء، وعروض التجارة فيها نماء أوضح من نماء النعم.
ونكتفي بهذا القدر من المحاضرة، ونكمل -إن شاء الله- في المحاضرة القادمة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
4 -
الزكاة في النقدين والحلي
تابع: الحيوان الذي تجب فيه الزكاة، وشروط زكاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن الزكاة في الحيوان، ونقصد به الإبل والبقر والغنم، وبينّا نصاب الزكاة في كل نوع منها، ومقدار ما يخرج من هذا النصاب، وما زلنا نتحدث عن الزكاة في الحيوان، فنقول: كان هناك ثمة تفاوت من حيث القيمة بين نصاب الغنم ونصاب النقود، فقد تبين لنا أن نصاب الغنم بعدما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قيمة الشاة هي عشرة دراهم، أصبح قيمة النصاب من الغنم وهي أربعون تساوي أربعمائة درهم، هذا نصاب الغنم.
أما نصاب النقود فقلنا بالفضة مائتي درهم، إذن نصاب الغنم أكبر من نصاب النقود، نصاب الغنم أربعمائة درهم، ونصاب النقود إنما هو مائة درهم، وهنا يُثار التساؤل: لماذا هذه التفرقة؟ نقول: لا يوجد ما يوجِب تساوي النصاب أو قيمته في كل الأشياء، ولعل الحكمة في تقليل النصاب وهو الحد الأدنى للغنى بالنسبة للنقود أنها في أكثر أحوالها ثمرة ونماء لموارد أخرى، وإن كانت هي ذاتها صالحة لأن تكون طريقًا لموارد وراءها.
أما النعم فإنها ذاتها هي المورد وفيها النماء، وعروض التجارة فيها نماء أوضح من نماء النعم، ومن نماء النعم ما يدخل في الحاجات الأصلية كلبنها وبعض لحومها، ولذلك كان النصاب فيها أكبر من غيرها، أي الصنف من النقود، وكان ما بين الحدود في المقادير موضع عفو.
خلاصة القول في هذا التفرقة بين نصاب النقود ونصاب الغنم على سبيل المثال أن النعم هذه ومنها الغنم هي نماء يدخل في الحاجات الأصلية كأن الإنسان في حاجة إلى بعض منافعها، ولذلك روعي أو رعيت حالة المكلف في هذه الحالة، لكن النقود الحقيقة هي نماء لموارد أخرى، ولذلك ليس هناك ما يمنع أن تفرض عليها الزكاة عند مائتي درهم.
وحولان الحول شرط لوجوب زكاة النعم كما قلنا، فإذا حال الحول وقد نقص النصاب فإن الزكاة لا تجب، بمعنى أن الإنسان لو امتلك في أول السنة أربعين من الغنم، نقول اكتمل النصاب، هل يجب عليه أن يخرج الزكاة الآن عندما ملك الأربعين من الغنم أي النصاب؟ نقول: لا، بل لابد من مرور حول كامل على ملكه لهذا النصاب، فإذا لم يمر هذا الحول الكامل، وبعد ستة أشهر على سبيل المثال من ملكه لهذا النصاب لم يوجد أو قل هذا النصاب واستمر قليلًا إلى نهاية العام، هل تؤخذ منه زكاة؟ لا تأخذ منه زكاة؛ لأن الشرط أن يمتلك النصاب، وأن يحول الحول على ملكه لهذا النصاب، فإذا حال الحول وقد نقص النصاب فإن الزكاة لا تجب، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)).
وإذا نقص مال الزكاة في أثناء الحول عن النصاب، وقد يبلغه في أوله ويبلغه في آخره، يعني أن النصاب كان موجودًا في بداية الحول، لكن لم يبلغ النصاب في وسط الحول، لكنه بلغه في نهاية الحول ماذا نفعل في هذه الحالة؟ نقول: إذا نقص مال الزكاة في أثناء الحول عن النصاب وقد يبلغه في أوله ويبلغه في آخره، نقول عند أبي حنيفة والشافعية لا زكاة، وعند المالكية العبرة بكماله في أول الحول وآخره، ولا عبرة في نقصه في أثنائه، ولكنه إذا فُقد كله ابتدأ النصاب من جديد.
نقول: خلاصة القول في هذا أنه إذا وجد المال أو النصاب في أول الحول، لكنه نقص في وسط الحول، ثم اكتمل في نهاية الحول، ماذا نفعل؟ رأي الفقهاء في هذا: الإمام أبا حنيفة والشافعية يقولون لا زكاة، وكأنهم يشترطون أن يستمر النصاب طوال الحول كاملًا، فإذا نقص في أثناء الحول قالوا لا تجب الزكاة؛ لأنهم يشترطون أن يستمر النصاب كاملًا مدة الحول، فإذا نقص في أي جزء من أجزاء الحول لا تجب فيه الزكاة، لكن عند المالكية لم يأخذوا بهذا، وقالوا الذي يهمنا في هذا إنما هو كمال النصاب في أول الحول وفي آخر الحول، ولا عبرة بنقصه في أثنائه، كأن المالكية خالفوا الأحناف والشافعية في هذا.
قلنا إن الأحناف والشافعية يقولون بأنه إذا نقص النصاب في أثناء الحول، لكنه اكتمل في آخره يقولون لا تجب الزكاة، لماذا؟ قالوا: لأنه يشترط عندهم أن يستمر النصاب كاملًا في مدة الحول كلها، لكن المالكية قالوا بأن الذي يهمنا هو وجود النصاب في أول الحول وفي آخر الحول، ولا يهمنا النقص الذي حدث في أثناء الحول، وبناءً على ذلك فإن الزكاة تجب عند المالكية، ولكن إذا نمت النعم في أثناء الحول، يعني زادت في أثناء الحول بأن ولدت أتؤخذ منها الزكاة بمعنى أن تؤخذ الزكاة من أصل النصاب ونمائه من غير نظر إلى كون النماء قد حال عليه الحول أو لم يحل
عليه الحول، أم أن الزكاة تؤخذ مما حال عليه الحول ولا يؤخذ شيء من النماء حتى يحول عليه الحول؟
افتراض افترضه الفقهاء في هذه المسألة، وهو أنه نفترض على سبيل المثال أنه في أول الحول امتلك الإنسان أربعين من الغنم، فهنا امتلك النصاب، وفي أثناء الحول زاد نماؤه أو نمت هذه الأغنام حتى زاد النصاب عن ذلك، فالفقهاء يقولون الزيادة هذه التي حدثت، ولنفترض في نصف سنة هل النماء هذا، أو الزيادة التي حدثت على النصاب يكون حولها حول الأصل أم أنه يكون لها حول مستقل من وقت وجودها، هذه الزيادة التي حدثت في أثناء الحول على النصاب، هل تكون لها بداية سنة مستقلة أم أنها تضاف إلى سنة الأصل وتكون زكاتها زكاة الأصل؟ هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء.
أولًا- اتفق الفقهاء على أن النماء إذا لم يبْقَ في ملك من وجبت عليه الزكاة إلى نهاية الحول بأن باعه أو ذبحه قبل أن يحول عليه الحول -فإنه لا زكاة فيه، وإذا لم يكن ذلك فقد اختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال، يعني إذا لم يكن قد تخلص منه لكنه موجود، فهل -كما قلنا- هذا النماء، وهذه الزيادة هل تأخذ حكم حول الأصل، وزكاتها تكون زكاة الأصل بالنسبة للحول، أم أننا نبتدئ بهذه الزيادة حولًا مستقلًّا ويكون لها حول مستقل عن حول الأصل؟ أقول: اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الشافعية إلى أنه لا تؤخذ زكاة إلا على ما حال عليه الحول منها، وما زاد في أثناء العام يُنتظر حتى يحول الحول بالنسبة له؛ لأن شرط الزكاة حولان الحول وهو لم يتحقق فيها، وأَخْذ زكاتها فيها تكون فيه مخالفة للنص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى وجوب الزكاة حتى يحول الحول، فإذا أخذت منها كان ذلك فرضًا من غير دليل، بل إنه منافٍ لنص الحديث.
خلاصة قول الشافعية في هذا أنهم يقولون أن للأصل حوله، وأن للزيادة أو النماء حوله المستقل، بمعنى أننا عندما ينتهي الحول بالنسبة للأصل نأخذ منه الزكاة ونوزعها، لكننا لا نأخذ من هذا النماء حتى يحول حول على هذا النماء، كأنهم يجعلون للأصل حول، وللنماء حول مستقل؛ لأننا لو أخذنا من هذا النماء زكاة عند حلول الأصل معنى ذلك أن هذا النماء لم يمر عليه سنة كاملة، وبذلك نكون قد خالفنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد أنه لا تؤخذ الزكاة إلا إذا مر الحول الكامل.
أقول: الشافعية يقولون أنه لا تؤخذ الزكاة إلا على ما حال عليه الحول منها، أي من هذه الأغنام أو النعم، وما زاد في أثناء العام يُنتظر أي أنه لا يُزكّى مع أصله، وإنما يُنتظر حتى يحول الحول بالنسبة له، ووجهة نظرهم في هذا أو دليلهم في هذا أن شرط الزكاة حولان الحول، وهو لم يتحقق بالنسبة لهذا النماء أو هذه الزيادة، ولذلك أخذ زكاة من هذه الزيادة تكون فيه مخالفة للنص، يعني إذا أخذنا منها الزكاة عند تمام حول الأصل فكأننا أخذنا منها قبل أن يمر عليها الحول، وفي ذلك مخالفة للنص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى وجوب الزكاة حتى يحول الحول.
الثاني: ذهب البعض مثل الحنابلة والمالكية إلى أنه تجب فيه الزكاة لماذا؟ إذن المالكية والحنابلة يقولون بأن الزكاة تجب في هذا النماء أو هذه الزيادة، وكأنهم يجعلون حول هذه الزيادة هو حول الأصل، فإذا أخذنا أو إذا حال الحول على الأصل أخذنا منه الزكاة، وأخذنا أيضًا من النماء الذي حدث في أثناء الحول أو الزيادة التي حدثت في أثناء الحول، ووجهة نظرهم في هذا أنه من جنسه، يعني الزيادة من جنس الأصل، فتكون تابعة للأصل، ويضم إلى عقده، ويعتبر حوله بحول
الأصل، ولأنه يشبه النماء المتصل كالسمن ونحوه، وعلى ذلك تكون الزكاة في الزيادة والأصل معًا هذا عند المالكية وعند الحنابلة، عندهم تضاف الزيادة والنماء للأصل، ويُزكى أو تُزكى هذا النماء أو هذه الزيادة تزكي مع حول الأصل، وكما قلنا أنهم استندوا في ذلك إلى أن في هذه الزيادة إنما هي من جنس الأصل، فتكون تابعة له، وتأخذ حكمه، ويعتبر حول الزيادة بحول الأصل.
قول ثالث وهو لأبي حنيفة وبعض فقهاء العراق، فرّقوا في هذا، قالوا: إن بقي الكبار أو بعضهن ولو واحدة وجبت الزكاة فيها، وإن لم يبق من الكبار التي حال عليها الحول واحدة لا تجب فيه الزكاة، يعني إذن الرأي الثالث وهو رأي الإمام أبي حنيفة يقول: ننظر إلى الأصل، إن بقي الأصل أو بقي منه حتى واحدة ففي هذه الحالة يُزكى النماء مع الأصل، لكن نفرض أن هذا الأصل لم يعد موجودًا عند حلول الحول، أو لم يعد منه شيء ففي هذه الحالة قال: نبتدئ حولًا جديدًا بالنسبة لهذا النماء.
والأصل الذي قام عليه ذلك الرأي أنه إذا خرج من ملكيته الكبار جميعًا، يعني الأصول التي ولدت هذه الزيادة أنه إذا خرج من ملكيته الكبار جميعًا فمعنى أن النصاب الأصلي قد فقد في أثناء العام، وإذا فقد الأصل فلا عبرة بالتابع، وما وجبت الزكاة في النِّتاج إلا بالتبعية للأصل، وما دام المتبوع موجودًا بأي صورة من الصور فإن الزكاة تجب في الجميع، وإذا ذهب المتبوع مُحي معنى التبعية ووجب وجود الزكاة في النتاج على أساس أنه أصل قائم بذاته، يعني معنى ذلك يكون لها حول جديد، هذا مما قاله الفقهاء بالنسبة لهذه المسألة، وهي مسألة النتاج الذي يحدث في أثناء الحول هل يُزكى زكاة الأصل، ويأخذ حكم الأصل في زكاته، ويكون حوله حول الأصل؟
قلنا: اختلف في ذلك جمهور الفقهاء، فبعضهم قال مثل الشافعية أن للأصل حوله مستقلًا، وللتبع أو الناتج أو النماء حول مستقل بذاته حتى لا نخالف بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم أما الحنابلة والمالكية فيقولون بأن النماء أو الزيادة التي حدثت في أثناء الحول إنما تُضاف إلى الأصل، وتُزكّى بحول الأصل، لماذا؟ قالوا: لأنه أو هذه الزيادة إنما هي من جنس الأصل، فتكون تابعة له، وتكون زكاتها بحوله تمامًا، يعني حول الأصل يكون حول النتاج.
أما بالنسبة للرأي الثالث وهو رأي الإمام أبي حنيفة فله رأي في هذا يقول: إذا وجدنا أو إذا بقي الأصل أي الأمهات التي ولدت هذا النتاج، إذا بقيت إلى الحول أي إلى حولها ولو واحدة منها فقط في هذه الحالة يضم النتاج إلى الأصل، ويكون حول الأصل هو حول النتاج، وتخرج الزكاة عن الأصل وعن النماء أي عن الزيادة، أما إذا لم يوجد منه حتى ولو واحدة، قال: في هذا لا تكون هناك صلة بين النماء وبين الأصل، وبالتالي لا تُزكى الزيادة بحول الأصل، وإنما يكون لها حولًا مستقلًا.
ومما له صلة بهذا الموضوع صورة يذكرها الفقهاء وهي الحال التي لا يكون فيها العدد مكملًا للنصاب في أول الحول، ثم يكمل بالإنتاج في أثنائه، أفيحتسب الحول من أول العام، أو من وقت تمام النصاب بالنتاج؟ يعني نفرض أن إنسانًا كان عنده في أول السنة ثلاثين من الغنم، ثم بعد فترة في أثناء الحول وصل العدد إلى النصاب، هو امتلك في أول الحول ثلاثين من الغنم، يعني لم يمتلك النصاب كاملا، لكن بعد فترة امتلك النصاب كاملا، هل النصاب يحسب من أول ما ملك الثلاثين، أم أنه يُحسب أم أنه يحسب من الوقت الذي تم فيه النصاب؟
أقول: قال الجمهور الفقهاء: إن ابتداء الحول يكون من ابتداء كمال النصاب ولذلك لأن الحول لم يحل على نصاب كامل، ولأن حولان الحول في التجارة والنقود يبتدئ من وقت كمال النصاب، ولا عبرة بالوقت قبله، ولأن حولان الحول من أجل إثبات الغنى، ولأجل وجود النماء الذي هو شرط الزكاة؛ ولأن السبب في الوجوب هو النصاب، فإذا فُرضت الزكاة قبل كماله فمؤدى ذلك وجود المسبب قبل وجود السبب، وعلى ذلك يكون ابتداء الحول من وقت كمال النصاب.
هذا ما قاله الفقهاء بالنسبة لموضوع هل يحسب الحول من عند اكتمال النصاب أو من عند ملكه لأصل المال؟ كما قلنا يقول في هذا جمهور الفقهاء يقولون: بأن النصاب أو أن الحول لا يُحتسب إلا من وقت النصاب، وقد ذكر عن الأدلة التي تدل على ذلك.