الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها موكول إليهم فقط ابتزاز الأموال من الرعية، دون أن يكون من مهامهم توفير الرفاهية لها، أو تحسين أحوال الناس وتلبية مطالبهم، وامتثل عمرو بن العاص لأوامر الخليفة عمر، وسأل (بنيامين) أسقف مصر، سأله عن خير وسيلة لإدارة البلاد، وتنظيم أمورها، فأشار (بنيامين) بما يلي:
قال له: يا أمير: عليك أن تأتي عمارتها -أي مصر- من وجوه خمسة: أن يُستخرج خراجها في إبَّان واحد، عند فراغ أهلها من زروعهم، يعني في وقت واحد، عندما يفرغ الأهالي من حصد الزراعات، ويرفع خراجها في إبان واحد، عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، يعني يؤخذ منهم الخراج في وقت واحد، عندما ينتهون من عصير العنب الذي كانوا يزرعونه، وأيضًا تحفَر خلجانها، وتسَد ترعها، وجسورها، هذه كانت الوصية.
وعلق (بنيامين) على اشتراط أن لا يختار عاملًا ظالمًا ليلِي أمور الناس؛ لأنه رجل الإدارة المسئول عن تنفيذ الشروط الأخرى، التي رأى ضرورة توافرها لعمران البلاد.
وسار عمرو بن العاص فعلًا على هدي أقوال (بنيامين) المصري، إذ أتاح للأهالي الاشتراك معه في إدارة البلاد، وذلك بما يهيئ لهم الإفادة من عدالة الإدارة الإسلامية، مع الاحتفاظ -في الوقت نفسه- بما ألفوه من نظم إدارية في ظل الدولة البيزنطية.
الدواوين التي أنشاها عمر بن الخطاب
ونحن بصدد الحديث عن الإدارة في عهد عمر بن الخطاب، من الواجب علينا أن نلقي الضوء على بعض الأنظمة التي أنشأها وابتدعها الخليفة عمر بن الخطاب،
والتي لم تكن موجودة قبله، لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه- ومن أهم هذه الأنظمة الإدارية التي أنشأها وابتدعها عمر بن الخطاب، نظام الدواوين، ونشأة بيت المال، وتنظيم الجيش الإسلامي، وهو ما سنلقي عليه الضوء فيما يلي:
أولًا: الدواوين:
الديوان: هو موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال.
وأول من وضع الديوان في الإسلام هو عمر بن الخطاب، فكان عمر أول من دون الدواوين، ومعنى أنه دون الدواوين، أي أنشأها، على مثال دواوين الفرس، والروم، وقد دونها له عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من نبهاء قريش.
وأهم هذه الدواوين التي أنشأها عمر بن الخطاب:
1 -
ديوان الإنشاء، أو الرسائل:
يمكن القول في ضوء ما ذكرناه أن الديوان سجل تدون فيه الإحصائيات، والأسماء، والمرتبات، والتعليمات الإدارية، والرسائل المتبادلة، كما أنه يمكن القول أنه المكان الذي توضع فيه الرسائل، والمعاهدات، والصكوك، فإن صح ذلك فإننا نستطيع القول أن عمر بن الخطاب هو أول من وضع ديوان الإنشاء في الإسلام، وأن عمر قد جعل تابوتًا -أي صندوقًا- لجمع صكوكه، ومعاهداته.
يقول البعض: وأما كتابة الإنشاء، أو ما عرف فيما بعد بديوان الإنشاء، فلم يكن هناك حاجة لإنشائه في ذلك الوقت المبكر، فما كان الخليفة عمر يقبل إلا أن يكون على صلة مباشرة بولاته، وعماله، يقرأ بنفسه ما يرد منهم من رسائل، ويكتب لهم بنفسه ما يريده، وكل ما وُجد متصلًا بالإنشاء في ذلك العهد هو هؤلاء الكتاب الذين كانوا على غرار كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين يكتبون ما يمليهم عليه الخليفة، ومن أشهر كتَّاب عمر: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم.
ويقول البعض أيضًا: لم يكن ثمة ديوان رسمي لحفظ الوثائق الرسمية قبل أن ينشئه عمر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب إلى عماله، وإلى رؤساء الدول الأجنبية في بعض المناسبات، وكانت هذه الكتب، والردود عليها، تحفظ عنده بالمدينة، وقد صنع أبو بكر صنيعه، أما في عهد عمر فقد كثرت الكتب بدرجة مألوفة، فأنشأ الديوان الخاص بها في المدينة، وهو ما أُطلق عليه ديوان الإنشاء، أو ديوان الرسائل.
ويمكننا أن نستخلص مما سبق أن ما يسمى بديوان الإنشاء قد أخذ شكلًا متميزًا في عهد عمر عما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وأن عمر قد وضعه قبل الدواوين الأخرى، أما الدواوين الأخرى كديوان العطاء، وديوان الجند، وديوان الجباية، فهي الدواوين التي أنشأها عمر على غرار مثيلاتها عند الفرس، والروم.
2 -
نتحدث الآن عن ديوان العطاء، أو ما يسمى ديوان الأموال:
وهو ديوان توزيع الأموال على الرعية، والعاملين في مختلف أجهزة الدولة، واتجه هذا الديوان إلى مسائل الأموال، وإحصائها، وإحصاء المستحقين، وطريقة
توزيع الأموال عليهم، وكان هذا السجل، أي الديوان موجودًا في المدينة، وكان أكثر من سجل، بحيث كان لكل قبيلة سجلها الخاص، كما كان عمر حريصًا أشد الحرص على أن يصل العطاء والمال إلى كل ذي حق حقه، وقيل: إن عمر كان يحمل سجل كل قبيلة من القبائل، ويذهب إليها بنفسه في موطنها، ويعطي أفرادها عطاءهم في أيديهم.
وكان لهذا الديوان الذي أنشأه عمر بالمدينة فروع في العراق، والشام، ومصر، وبهذا تيسر لكل مسلم أن يقبض عطاءه من البلد الذي هو فيه، وأصبح كل والٍ مسئولًا عن إيصال العطاء إلى أصحابه في ولايته، كما كان عمر يوصل العطاء لأصحابه في المدينة، وحولها.
وبجوار فروع هذا الديوان العربي كانت تقوم الدواوين المحلية التي تُركت في العراق، والشام، ومصر، كما كانت من قبل الإسلام، وقد استبقى عمر هذه الدواوين بموظفيها، ولغاتها، فكان ديوان الشام يُكتب باليونانية، وديوان فارس، والعراق، بالفارسية، وديوان مصر بالقبطية، وقد ترك عمر هذه الوظائف في يد غير المسلمين؛ لأن الفاتحين كانوا عربًا أميين، لا يحسنون الكتابة، والحساب، فكانوا يستعملون في الحساب أهل الكتاب، أو أفرادًا من الموالي العجم ممن يجيده، وكان قليلًا فيهم.
وقد أمر عمر بن الخطاب كتَّابه أن يكتبوا الناس على ترتيب الأنساب، ابتداء من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعدها، الأقرب فالأقرب، وكانت تلك سياسة عمر، يفاضل منها في العطاء بين أقارب الرسول، وسواهم، الأقرب فالأقرب، فإذا تساوى اثنان في درجة القرابة فضَّل ذا السابقة في الإسلام،
وقد عبر عمر عن سبب ذلك الاتجاه بقوله: ما أدركنا الفضل في الدنيا، ولا رجونا الثواب في الآخرة، إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو أشرفنا، وقومه أشرف العرب وفي غير أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم كان عمر يفضل السابقين على اللاحقين، ويؤيد ذلك بقوله: والله لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه أي في العطاء.
ومما يذكر أن أبا بكر كان يعطي المسلمين عطاءً متساويًا، دون أن ينظر إلى النسب، أو للسبق في الإسلام، وحين أشير عليه بأن يفاضل بين الناس تبعًا للفضل والسبق، قال: أما ما ذكرتم من السبق والفضل فما أعرفني به؟ وإنما ذلك شيء ثوابه عند الله، وهذا معاش، يعني الأموال التي توزع على الناس هي معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة، يعني أن يأخذ الناس بالتساوي بدل أن نفاضل بينهم، على أن عمر في آخر أيامه مال إلى رأي أبي بكر، وأُثر عنه قوله: لئن عشت إلى هذه الليلة من قابل لألحقن آخر الناس بأولهم، حتى يكونوا في العطاء سواء، ولكنه توفى قبل ذلك.
كما فرض عمر للنساء والأطفال، فرض لهم من العطاء، وكان يفرض للطفل بعد فطامه، فأدرك أن الناس يتعجلون فطام أطفالهم؛ ليحظوا بالعطاء، فأمر مناديًا أن ينادي: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق أن يُفرض لكل مولود في الإسلام، ففرض عمر لكل مولود مائة درهم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم، فإذا بلغ رشده زاد له في العطاء، قال عمر: والذي لا إله إلا هو ما أحد إلا وله في هذا المال حق أُعطيه أو مُنعه، وما أحد أحق به من أحد، إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وبلاؤه
في الإسلام، والرجل وقِدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظَّه من هذا المال وهو مكانه قبل أن يحمر وجهه، يعني في طلبه.
ولم يقتصر فرض العطاء على العرب المسلمين، بل إن هذا العطاء شمل بعض الأعاجم من مسلمين، وغيرهم، كما أن عمر فرض لأهل الكتاب من يهود، ونصارى، بعض العطاء، وأعفى الشيوخ منهم من الجزية، فقد مر عمر بسائلٍ شيخٍ كبيرٍ ضرير البصر، فضرب عضدَه من خلفه، وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن، فأخذ عمر بيده إلى منزله، فأعطاه شيئًا من المال، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال له: انظر هذا، وضرباءه، يعني من هم على أمثاله، فوالله ما أنصفناه، أكلنا شبيبته، ثم خذلناه عند الهرم، وتلا قول الله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: من الآية: 60) فالفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب.
كان هذا ديوان العطاء الذي أنشأه، وأقره عمر، واصفًا فيه، ولأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية إحصائية شاملة لرعايا المسلمين، ولبعض المستحقين من أهل الكتاب، والأعاجم، وفرض لهم الأعطيات والمرتبات الثابتة.
3 -
ثم نتحدث الآن عن ديوان الجباية، أو الخراج والجزية:
وهو الديوان الذي سُجلت فيه الأموال الواردة للدولة من زكاة أموال المسلمين، والخراج، والجزية، المفروضة على الأراضي المفتوحة، ورءوس الناس الذي لم يدخلوا في الإسلام،