الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(بقية أنواع الزكوات والعوامل التي تساعد على تحقيق العمومية فيها)
1 -
الزكاة في النقدين والحلي
الزكاة في الذهب والفضة
ننتقل بعد ذلك إلى زكاة أو الحديث عن زكاة الذهب والفضة، رُوي عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرّقة -أي الفضة- من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)) وروى أبو داود أيضًا عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار)) وإن هذين الحديثين يدلان على ثلاثة أمور:
أولها- أن نصاب الزكاة في النقدين -ونقصد بالنقدين الذهب والفضة- أن نصاب الزكاة في النقدين هو مائتا درهم للفضة، وعشرون مثقالًا للذهب، أي أن الفضة إذا بلغت مائة درهم فأعلى فهنا تجب فيها الزكاة؛ لأن نصابها مائتا درهم، وكذلك الذهب إذا بلغ عشرين مثقالًا فأكثر فهنا تجب فيه الزكاة؛ لأن النصاب يكون موجودًا عند عشرين مثقالًا من للذهب.
ثاني الأمور أنه لابد أن يحول الحول ليمكن أن ينمو المال في هذه المدة، ولكي يصل به إلى درجة الغنى الذي يكون له فائض يعود به على من لا مال له، وعلى ذلك يتحقق سبب الوجوب وهو النصاب، وشرطه حولان الحول. إذن معنى ذلك الحديث يبين أولًا نصاب الذهب ونصاب الفضة، فنصاب الذهب مائة درهم، ونصاب الفضة عشرون مثقالا، وأيضًا الحديث يبين لنا أنه لا تجب الزكاة إلا إذا مر الحول، وحال حول على ملكه لهذا النصاب؛ لأن حولان الحول هو الذي يترتب عليه النماء أنه لابد وأن يحول الحول ليمكن أن ينمو المال في هذه المدة؛
لأن الغالب أنه لا يحصل نماء إلا بمرور الحول، فلابد إذن من مرور هذا الحول، فمرور الحول إنما هو شرط من الشروط اللازم توافرها حتى تجب الزكاة في الذهب والفضة.
ثالث الأمور التي أرشدنا إليها الحديث: أنه لابد أن تكون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم قيمة مائتي درهم هي قيمة عشرين مثقالًا من الذهب؛ لأنهما نوع واحد من الزكاة مقابل للنعم وللثمار وللزروع، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم مادام قد بين لنا أن نصاب الفضة هو مائة درهم، ونصاب الذهب هو عشرون مثقالًا، معنى ذلك أن القيمة متساوية أو أن عشرين مثقالًا تساوي مائتي درهم أنه لابد أن تكون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم قيمة مائتي درهم هي قيمة عشرين مثقالا من الذهب؛ لأنهما نوع واحد من الزكاة، وهو زكاة النقدين معنى ذلك أن عشرين مثقالًا تساوي مائتي درهم، ومائتي درهم تساوي عشرين مثقالًا.
وإذا كانت قيمتها واحدة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد ثبت في الاقتصاد العالمي أن الذهب وحده هو الذي يصلح مقياسًا لتقدير قيم الأشياء؛ ولذا لا تتغير قيمته في مختلف العصور غالبًا، لأنه الميزان الثابت لتقدير ما في الأشياء من قيم، وثبت أن الفضة ليست كذلك، وإذا كانت قد التقت مع الذهب في كونهما معًا كانا نقدًا رئيسيًا في صدر الإسلام فإن قيمة الفضة اختلفت بمضي العصور، ولذلك نعد الذهب في الزكاة وحدة التقدير، يعني مادامت أن الفضة تتغير قيمتها، والذهب ثابت ففي هذه الحالة ينبغي علينا أن نعتبر أن الذهب هو وحدة التقدير.
ولذلك عندما لم يعد الذهب موجودًا ولا الفضة موجودة، ولم يعد الذهب والفضة أثمانًا للأشياء وقيمًا للمتلفات لم يعودا نقدين في هذه الأيام، وأصبحت النقود الورقية هي الموجودة في هذه الأيام، فمعنى ذلك بالنسبة للجنيهات
المصرية أو الريالات السعودية على سبيل المثال الإنسان الذي يمتلك كمية من هذه النقود الجنيهات المصرية أو الريالات السعودية يريد أن يخرج الزكاة زكاة النقد، ففي هذه الحالة نقول له قدر ما معك من أموال بالذهب أم بالفضة؟ نقول: الأوفق في هذه الحالة أن يكون التقدير بالذهب لماذا؟ لأن الذهب هو متماسك القيمة، أما الفضة فهي متغيرة القيمة، ولذلك كما قلنا ينبغي أن نعتبر أن الذهب هو وحدة التقدير في هذه الأيام.
ولكن ما وزن الدراهم التي اعتبرت المائتان فيها هي النصاب؟ نستطيع أن نفهم ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن نصاب الزكاة في الفضة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((ليس فيما دون الخمس أواق من الورق صدقة)) والأواقي هي جمع أقية ((ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورِق صدقة)) والورِق المقصود بها هي الفضة، وإذا كانت الأحاديث كلها متلاقية حول معنى واحد في هذا الباب فإنه يجب أن نقول: إن خمس الأواقي هي مائة درهم، أي أن الأوقية وزنها أربعون درهم، وتقدير النصاب بالوزن لا بالعدد، ذلك لأنه في صدر الإسلام لم يكن هناك نقد مستقل للعرب، بل يستعملون الدراهم والدنانير، ويأخذون بعملة البلاد المجاورة، وكان هناك أنواع ثلاثة من الدراهم بعضها يزن كل عشرة دراهم عشرة دنانير، وبعضها يزن كل عشرة دراهم خمسة دنانير أي مثاقيل، وبعضها يزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، فاختار الإمام عمر رضي الله عنه في الخراج والزكاة ما يكون وزن العشرة منها سبعة مثاقيل، ولعله لاحظ أنها هي التي تكون وزن الأربعين منها أوقية، فيكون عمله تطبيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
والمثاقيل العشرون التي لنصاب الذهب تختلف -كما قلنا- من الممكن في هذه الأيام أن نقول إنها تصل في المتوسط أو في الغالب إلى خمسة وثمانين جرام من