المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 السياسة الشرعية: مفهومها، أحكامها، أدلة اعتبارها

- ‌ مفهوم السياسة الشرعية

- ‌شروط العمل بأحكام السياسة الشرعية

- ‌موضوعات علم السياسة الشرعية

- ‌مراعاة الشريعة أحوال الناس فيما شرعته من أحكام

- ‌اعتبار المصالح المرسلة دليلًا لاعتبار أحكام السياسة الشرعية

- ‌الدرس: 2 مفهوم النظم الإسلامية ونشأتها في مكة والمدينة

- ‌خبرة النبي عليه الصلاة والسلام بتنظيم الحياة القبلية قبل البعثة

- ‌القواعد التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة

- ‌أهم المعالم للنظم الانتقالية التي وضعها النبي في المدينة

- ‌النظم الأساسية التي وضعها النبي لجماعة المؤمنين في المدينة

- ‌تابع: النظم التي وضعها النبي لجماعة المؤمنين في المدينة

- ‌الدرس: 3 النظام المالي للدولة الإسلامية

- ‌الزكاة من أهم الموارد المالية في عهد النبي

- ‌أهم الموارد المالية في عهد النبي: الغنائم، الفيء، الجزية

- ‌النظام المالي في عهد أبي بكر الصديق

- ‌تطور النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب

- ‌تابع: تطور النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب

- ‌النظام المالي في عهد عثمان بن عفان

- ‌النظام المالي في عهد علي بن أبي طالب

- ‌المستحدثات المالية في عهد الأمويين

- ‌تابع: المستحدثات المالية في عهد الأمويين

- ‌موقف عمر بن عبد العزيز من الأخطاء المالية في عهد الأمويين

- ‌الدرس: 4 العمومية المعنوية والمادية للزكاة

- ‌المقصود بالشخص الطبيعي في الزكاة

- ‌موقف الفقهاء بالنسبة للزكاة في مال الصبي والمجنون

- ‌الخلطة في الأنعام كمثال للشخص المعنوي في الزكاة

- ‌موقف الفقهاء من تأثير الخلطة في الزكاة

- ‌حكم الخلطة في الماشية، وتأثيرها في الزكاة

- ‌تابع: حكم الخلطة في الماشية، وتأثيرها في الزكاة

- ‌الحيوان الذي تجب فيه الزكاة، وشروط زكاته

- ‌تابع: الحيوان الذي تجب فيه الزكاة، وشروط زكاته

- ‌الدرس: 5 بقية أنواع الزكوات والعوامل التي تساعد على تحقيق العمومية فيها

- ‌الزكاة في الذهب والفضة

- ‌الزكاة في الحلي المباح والمحرم، وآراء الفقهاء

- ‌ما تجب فيه الزكاة من الحرث

- ‌زكاة عُرُوض التجارة، والرِّكاز، والمعدن، وما يستخرج من البحر

- ‌زكاة الأموال التي جدت في هذه العصور

- ‌تجنب الازدواج في أداء الزكاة، وتجنب الراجعية في الزكاة

- ‌محاربة التهرب من أداء الزكاة

- ‌الدرس: 6 الجزية والخراج والعشور

- ‌العمومية في الجزية

- ‌العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الجزية

- ‌مراعاة ظروف المكلفين بالجزية

- ‌تابع: مراعاة ظروف المكلفين بالجزية

- ‌تاريخ الخراج، والعمومية فيه

- ‌العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الخراج

- ‌مراعات ظروف الممول في الخراج

- ‌من الموارد المالية للدولة الإسلامية: العشور

- ‌الدرس: 7 النظام السياسي الإسلامي

- ‌مصطلح السياسة منذ بداية الدولة الإسلامية

- ‌مرتكزات السياسة في الإسلام

- ‌مصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي: أولا القرآن الكريم

- ‌السنة

- ‌حجيه السنة بجميع أنواعها

- ‌الإجماع

- ‌القياس

- ‌الاستحسان

- ‌المصالح المرسلة

- ‌العرف

- ‌الدرس: 8 قواعد النظام السياسي الإسلامي

- ‌قواعد النظام السياسي الإسلامي: أولا: الحاكمية لله

- ‌قواعد النظام السياسي الإسلامي: ثانيا: الشورى

- ‌تابع: أدلة الشورى

- ‌تحديد أهل الشورى والشروط الواجب توافرها فيها

- ‌كيفية إعمال واجب الشورى، وطريقة اختيار أهل الشورى

- ‌مدى الالتزام برأي أهل الشورى، وبيان آراء الفقهاء في ذلك

- ‌أهل الشورى، والشروط اللازم توافرها فيهم

- ‌الدرس: 9 قواعد أخرى للنظام الإسلامي وهي العدالة، مسئولية الحكام، الحقوق والحريات، سلطة الأمة في الرقابة على الحكام

- ‌ العدالة

- ‌صور العدالة في القرآن

- ‌مسئولية الحكام

- ‌تابع: قواعد النظام السياسي في الإسلام: "مسئولية الحكام

- ‌مقدمة عن الحقوق والحريات في النظام الإسلامي

- ‌ الحريات الشخصية

- ‌الحرية الفكرية

- ‌تابع: الحقوق والحريات الفردية في النظام الإسلامي: حرية التجمع

- ‌الحريات الاقتصادية

- ‌الحقوق والحريات الاجتماعية في النظام الإسلامي

- ‌سلطة الأمة في الرقابة على الحكام

- ‌الدرس: 10 الإمامة

- ‌مسئولية الحاكم أمام الأمة الإسلامية "مشروعية المسئولية

- ‌ الحكم عند العرب قبل الإسلام

- ‌الإمامة مبحث فقهي

- ‌معاني: الخلافة، وأمير المؤمنين، والإمام

- ‌معنى الإمامة العظمى

- ‌حكم نصب الإمام

- ‌القائلون بعدم وجوب تنصيب الإمام في كل حالٍ أو حالٍ دون حالٍ

- ‌الدرس: 11 شروط الإمامة العظمى

- ‌شروط الإمامة العظمى

- ‌العدالة

- ‌صحة الرأي في السياسة، والإدارة، والحرب

- ‌الكفاية الجسمية، والكفاية النفسية

- ‌شرط القرشية، وتولية الأفضل

- ‌الدرس: 12 طرق انعقاد الإمامة، وواجبات الإمام وحقوقه وأسباب انتهاء ولايته

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق أهل الحل والعقد

- ‌تابع انعقاد الإمامة عن طريق أهل الحل والعقد

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق العهد من الإمام الحالي

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق القهر والغلبة

- ‌انعقاد الإمامة بطريق النص

- ‌واجبات الإمام

- ‌حقوق الإمام

- ‌ تابع حقوق الإمام

- ‌انتهاء ولاية الإمام

- ‌الدرس: 13 توجيهات الفكر الإداري الإسلامي

- ‌العمل فريضة إسلامية

- ‌خصائص العمل في الإسلام

- ‌طبيعة تكوين المنظمة

- ‌تابع طبيعة تكوين المنظمة

- ‌الرقابة ومتابعة الإنجاز

- ‌العلاقات الإنسانية في العمل الجماعي

- ‌وجود علاقة عامة بين أفراد المنظمة

- ‌التوظيف حسب الجدارة

- ‌وجود قيادة سوية

- ‌الدرس: 14 المنهج الإداري في الإسلام

- ‌مقدمة عن المنهج الإسلامي الإداري

- ‌ التخطيط لنشر الدعوة

- ‌التخطيط للهجرة

- ‌تخطيط الحياة في المدينة بعد الهجرة

- ‌المنهج الإسلامي في التنظيم

- ‌المنهج الإسلامي في الرقابة

- ‌الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإدارة في عهد أبي بكر رضي الله عنه

- ‌موقف عمر من الأنظمة الإدارية في البلاد المفتوحة

- ‌الدواوين التي أنشاها عمر بن الخطاب

- ‌التجنيد الإجباري، ونشأة بيت المال

- ‌ رقابة عمر بن الخطاب لعماله

- ‌الإدارة عند الأمويين

- ‌الدرس: 15 أحكام وأنواع الوزارات وعلاقة المسلمين مع غيرهم والمعاهدات

- ‌مقدمة عن الوزارة في الدولة الإسلامية

- ‌وزارة التفويض

- ‌وزارة التنفيذ

- ‌مقارنة بين وزارة التفويض ووزارة التنفيذ

- ‌الإمارة على الأقاليم

- ‌ أنواع الإمارة على الأقاليم

- ‌الأسس التي قامت عليها علاقة المسلمين بغيرهم

- ‌حرية العقيدة

- ‌العدل

- ‌الوفاء بالعهد

- ‌الفضيلة

- ‌التسامح

- ‌الرحمة

- ‌أساس العلاقة بين المسلمين، وغيرهم: السلم

- ‌أحكام الدارين

- ‌مقدمة عن المعاهدات في الإسلام

- ‌أنواع المعاهدات في الشريعة الإسلامية

- ‌أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية

- ‌الدرس: 16 القضاء ووسائل التثبت والإثبات في النظام الإسلامي

- ‌ مشروعية القضاء وأهميته

- ‌تاريخ القضاء في الإسلام

- ‌أركان القضاء

- ‌الدعوى وشروطها

- ‌ الدعوى:

- ‌تعارض الدعويين مع تعارض البينتين

- ‌وسائل الإثبات

- ‌ التثبت من وسائل الإثبات

- ‌الحكم

- ‌القضاء في المملكة العربية السعودية

الفصل: ‌الإدارة عند الأمويين

‌الإدارة عند الأمويين

ظلت القواعد التي وضعها الخليفة عمر بن الخطاب تمثّل الأساس المتين للتنظيم الإداري طوال عهد الخلفاء الراشدين، وتمثل المقياس السليم الذي يلجأ إليه الناس لتقييم الولاة وسيرتهم، وبدأ هذا المقياس يسجل هزات عنيفة منذ أواخر خلافة عثمان بن عفان إذ انطلقت في ذلك الوقت مطامع أقرباءه من بني أمية، وعمدوا إلى استغلال صلة القربى بينهم وبين هذا الخليفة لتحقيق أمانيهم في السيطرة على أكبر مراكز الدولة، وأثار هذا العمل مشاعر الناس؛ لأنهم أحسّوا باختلال التنظيم الإداري الذي وضعه لهم عمر بن الخطاب، وكشف السخط الذي ساد ولايات الدولة الإسلامية أواخر عثمان بن عفان والذي اشتهر باسم الفتنة كشف هذا السخط عن الارتباط بين النظامين السياسي والإداري في الدولة الإسلامية ومدى تأثر كل منهما بالآخر، فعندما اضطرب حبل التنظيم الإداري انفرط عقد النظام السياسي ودفع الخليفة عثمان بن عفان حياته ثمنًا لهذا الاضطراب الإداري في الدولة، وعجز الخليفة الجديد وهو عليّ بن أبي طالب عن السيطرة على الموقف؛ لأنه لم يستطع إقرار التنظيم الإداري للدولة الإسلامية، فقد كانت وجهة نظر هذا الخليفة أن يعزل كافة عمال عثمان بن عفان ومن بينهم معاوية بن أبي سفيان باعتبارهم سبب الفتنة التي سادت الدولة الإسلامية، واختار نفرُا آخر من العمال وبعث بهم إلى حواضر الولايات الإسلامية، غير أن العامل الذي بعث به إلى إقليم الشام عجز عن دخول هذا الإقليم حيث تصدى

ص: 702

له جند معاوية ونشبت الخلافات بذلك بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وهو الخلاف الذي انتهى بقيام الدولة الأموية.

واقتضى الوضع السياسي الجديد القائم على أساس نظام الخلافة الوراثية -اقتضى هذا الوضع تنظيمًا إداريًّا جديدًا اطلع بوضع أسسه معاوية بن أبي سفيان، وقد أثبت هذا الخليفة الأموي الأول أنه خبير بالتنسيق بين النظامين السياسي والإداري حين عمد إلى اتخاذ اللامركزية في الإدارة سبيلًا لإعادة الاستقرار في الدولة الإسلامية في ظلّ وضعها الجديد والعمل على توسيع رقعتها كذلك، ومن ثم صارت أعمال معاوية بن أبي سفيان تكوّن أسس النظام الإداري اللامركزي وما اتسم به من تقاليد سار على هديها من جاء بعده من خلفاء البيت الأموي.

وأول شيء عمد إليه معاوية في وضع أسس النظام الإداري اللامركزي هو حسن انتقاء وإعداد الهيئة التي ستتولى تنفيذ السياسة الإدارية الجديدة ومؤسساتها في الدولة الإسلامية، فجعل أساس هذه الهيئة الإدارية ليست الكفاءة فحسب، ولكن ضرورة العمل أيضًا على أن يكون رجالها من شيعته المخلصين أو ممن يربطهم بالبيت الأموي روابط مادية أو منافع يتطلبها التطور الجديد للدولة، وساعد معاوية على النجاح في وضع أسس النظام الإداري المركزي ثلاثة عوامل: أولها: اشتغاله بعد إسلامه مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثانيًا: البيئة التي نشأ فيها وترعرع. ثالثًا: دراسته للتطورات الجديدة التي سادت أقاليم الدولة الإسلامية منذ نهاية عصر الخلفاء الراشدين،

ص: 703

وكان للبيئة التي نشأ فيها معاوية أثر كبير أيضًا في اختيار رجال إدارته اللامركزية عن ثقة ودراسة وعلم راسخ، فهو ابن أبي سفيان زعيم مكة وأعظم شخصياتها حنكة وتجربة وأوسعها اتصالًا وخبرة بالبيوتات الكبرى في مدن الحجاز وخارجها كذلك، فتلقن معاوية على يد هذا الوالد الخبير أصول الحكم وإدارته كما يفهمه أهل مكة، ووفق وجهة النظر التي آمن بها أبو سفيان من حيث تكوين الأنصار والأشياع واصطناع الرجال والعمال.

ووقع اختيار معاوية على أبناء ثقيف من أهل الطائف لتشكيل إدارته الجديدة، ونبغ من بني ثقيف على عهد معاوية المغيرة بن شعبة الذي تولى إمرة الكوفة، وزياد بن أبيه الذي تولى إمرة البصرة، إذ حمل هذان الرجلان في إخلاص عميق ومثالية رائعة لواء النظام الإداري اللامركزي في شرق الدولة، وأسهما مع معاوية في وضع أسس هذا النظام الجديد وإقراره، وأخيرًا عزز معاوية هذه الطبقة من رجال إدارته بمجموعة اختارها من ذوي التجارب الواسعة وكذلك ممن لهم مطامح يمكن استغلالهم عن طريقها؛ لتحقيق أهداف نظامه اللامركزي، ومن ثم ظهرت طبقة جديدة من الرجال استفاد منها معاوية لخلق توازن داخل الإدارة اللامركزية والهيئات المختلفة العاملة فيها، وتكونت هذه المجموعة من أبناء الطبقة الوسطى من قريش الذين لا يخشى الأمويون منهم بأسًا أو ضررًا، وصار من الممكن الاعتماد عليهم في إدارة المناطق النائية أو الولايات المليئة بأسباب الفتن والقلاقل.

ص: 704

ووضع معاوية بن أبي سفيان قاعدتين أخريين لضمان سير النظام اللامركزي سيرًا سليمًا وللحيلولة دون أي انحراف قد يطرأ على عماله، وتمثلت القاعدة الأولى في فصل الإدارة المالية للولاية عن التبعية للأمير وجعلها تابعة مباشرة للخلافة في دمشق، واشتهر رأس تلك الإدارة باسم صاحب الخراج الذي صار قوة يعمل أمير الولاية له كل حساب ولا سيما أن شئون المال كلها في يده، غير أن الالتزام بهذه القاعدة لم يكن مطلقًا إذ عهد الأمويون إلى نفر من ولاتهم المشهود لهم بالتفاني والإخلاص التام بإدارة الشئون المالية أو تعيين صاحب الخراج من قبلهم، وصار أولئك الولاية أصحاب سلطان عريض وخير نموذج لثقة الأمويين في سلامة نظامهم الإداري اللامركزي.

وتمثلت القاعدة الثانية التي وضعها الأمويون في تعيين عمال لإدارة الولايات مهمتهم مراسلة الخلافة مباشرة وإحاطتها علمًا بكل ما يجري في الولاية، سواء ما يختصّ بالأمير أو بالأهالي، ولكن هذه القاعدة بدورها لم تكن قيدًا على أمراء الولايات وإنما كانت سبيلًا للمشاركة في التوجيه بما يحفظ لنظامهم الإداري الاستقرار وتجنب المزالق التي تخفى على الأمراء أنفسهم، إذ ظل الأمويون حريصون على منح أمراء الولايات كل حرية مطلقة إيمانًا منهم بأن الشاهد أقدر من الخليفة المقيم في دمشق على إدراك حقيقة الأمور وعلى البت بالتالي دون إضرار بمصالح الرعية، واحترام خلفاء بني أمية هذه الحرية التي تمتع بها أمراء الولايات ولا سيما أولئك الخلفاء الذين عُرف عنهم الحرص الشديد على الصالح العام،

ص: 705

ومن أمثلة ذلك ما قام به الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي اشتهر لعدالته بأنه خامس الخلفاء الراشدين الحريص على إعادة سيرة عمر بن الخطاب في إدارة الدولة الإسلامية، إذ ظل هذا الخليفة متمسكًا بالقاعدة الأساسية للنظام الإداري اللامركزي للدولة الأموية والتأكيد على حرية الأمراء، وتوجيه كل منهم إلى العمل مع حرية التصرف ودون الرجوع إليه في بعض المسائل التي قد يضرّ تأخير البت فيها بمصالح أهالي ولايته.

وعرّف فقهاء المسلمين هذا اللون من الإدارة اللامركزية للولايات بأنها إمارة استكفاء، وهي التي يعقدها الخليفة لمن يختاره من رجاله الأكفاء مفوضين إليهم إمارة الإقليم على جميع أهله، ويجعله عامّ النظر في كل أموره، فصارت إمارة الاستكفاء لون من الامتياز يخصّ به الخليفة بعض الرجال ذوي القدرة العظيمة أو أصحاب الفضل الكبير على الدولة، فكان الخليفة يولي الفرد منهم ولاية كاملة على ناحية بعينها أو على بضع نواح أي: كان يستكفي بهذا النفر عمّن عداهم وبيدهم السلطات كلها على ما بأيديهم فهم مسئولون عن الأموال والقضاء وإمامة الناس.

واقتضى الحكم اللامركزي إعادة التقسيم الإداري للدولة بما يحقق للأمويين السيطرة الفعلية على أزمة الأمور، وتوجيهها في نفس الوقت إلى ما يكفل لسلطانهم الهيبة والاحترام في كل مكان، وجاء هذا التقسيم استجابة لمظاهر التطور الذي ساد بلاد الدولة الإسلامية منذ الفتنة على عهد الخليفة عثمان وما صاحب هذا التطور من تباين المشارب والأهواء،

ص: 706

ثم إن الفتوحات التي قام بها الأمويون في المشرق والمغرب أضافت إلى الدولة الإسلامية أرجاءً شاسعة كان لا بد من تنظيمها بما يحقق لها الانسجام الإداري مع الدولة الشاسعة، وقسم الأمويون دولتهم إلى عدة ولايات هي: ولاية الشام، ثم ولاية بلاد العرب، ثم ولاية العراق، ثم ولاية الجزيرة، ثم ولاية مصر.

وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن التنظيم الإداري في مجال التطبيق العملي، والذي نوهنا فيه إلى الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والإدارة في عهد أبي بكر، والإدارة في عهد عمر بن الخطاب، والإدارة في عهد الأمويين.

ص: 707