الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((الكلمة الطيبة صدقة، وأفضل الصدقة صدقة اللسان)) وليس أدعى إلى تحقيق تفاهم مشترك بين الجماعة والمتعاملين معها من حسن معاملة أعضائها لهم، وهو ما يحض عليه الإسلام حين دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى السماحة في معاملاتنا، والألفة في علاقاتنا بالآخرين، فيقول -صلوات الله وسلامه عليه-:((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا قضى وإذا اقتضى)) ويقول صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن ألف مألوف يألف ويؤلف، ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف)).
إن قضاء حاجات الآخرين تفضل الاعتكاف للعبادة، إذ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:((لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين)) ويبشر صلى الله عليه وسلم من يبادون بقضاء حوائج الآخرين فيقول: ((إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير، وحبب الخير إليهم إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة)) وينذر صلى الله عليه وسلم من يحتجب عن حاجة الناس بقوله: ((من ولاه الله من أمر المسلمين شيئًا، فاحتجب عن حاجتهم، احتجب الله عن حاجته يوم القيامة)).
التوظيف حسب الجدارة
ومن توجيهات الفكر الإداري الإسلامي أن يكون التوظيف حسب الجدارة، ونقول في هذا الشأن: تقضي توجيهات الإسلام منذ قرون عدة بالتزام مبدأ الجدارة في شغل الوظائف، وبذلك يكون الإسلام قد سبق بذلك دول الغرب المتقدمة التي اهتدت إلى هذا المبدأ في القرن الماضي، بعد أن عانت طويلًا من شرور نظام المحاباة ومفاسده، وآثاره في إضعاف كفاية الخدمة المدنية، ويتمثل التزام مبدأ الجدارة في التوظيف في الإسلام في وجوب تولية الأصلح للوظيفة، والحرص على تنمية كفاية شاغلها وهو ما نعرض له في ضوء توجيهات الإسلام الرشيدة.
أولًا: تولية الأصلح:
يدعو الإسلام إلى إسناد الأعمال أي: الوظائف والحرف إلى ذوي الكفاية والنزاهة عملًا بقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} (القصص: من الآية: 26) والقوي هنا من تتوافر فيه القدرات البدنية والذهنية التي يتطلبها العمل بحسب طبيعته، ومتطلبات أدائه، على أن يراعى دائمًا تولية الأصلح، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:((من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلًا، وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)) ويقول صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل، فقد غش الله وغش رسوله، وغش جماعة المسلمين)).
فالقواعد القانونية المقررة في النظام الإسلامي في مجال تولية الوظيفة العامة، تركز على اتخاذ الصلاحية أساسًا لهذه التولية بحيث لا يجوز تولية من لا صلاحية لهم، أو ترك الأصلح وتقديم الأقل صلاحية، بمعنى أنه إذا ما وقع الاختيار على أحد الأفراد المشهود لهم بالكفاية، غير أن كفايته هذه تقل عن كفاية الآخرين، فإن الاختيار في هذه الحالة يكون قد خالف أصلًا تشريعيًّا في الإسلام.
وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بفكرة الاختبار قل الاختيار، وذلك في إسناد منصب القضاء إلى معاذ بن جبل، وهو ما يكشف عنه حديثه صلوات الله وسلامه عليه مع معاذ عند مقابلته، إذ سأله:((بم تقضي يا معاذ؟ فأجاب: أقضي بكتاب الله، فسأله فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله، فسأله فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ فأجاب أجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم حينئذ: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)).
ومن ناحية أخرى رفض الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- إسناد الوظيفة لمجرد طلبها أو محاباة لصاحبي جليل، ما دامت لا تتوافر فيه الكفاية اللازمة لشغلها، فعن أبي موسى قال:((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم إنا والله لا نولي هذا العمل أحدًا يسأله أو أحدًا حرص عليه)) ويقال إن أبا ذر الغفاري، قال للرسول عليه الصلاة والسلام:((ألا تستعملني يا رسول الله -أي: تستعملني على عمل- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإني أحب لك ما أحبه لنفسي، وإنها أمانة، وإنها يوم القيام خزي وندامة إلا من أخذ بحقها، وأدى الذي عليه فيها)).
ويقول النووي تعليقًا على هذا الحديث: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية، ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو من دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، ويقول صلى الله عليه وسلم:((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فسئل وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)) وهكذا حرص الإسلام على أن تكون تولية الوظائف على أساس الصلاحية، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
وقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق العمل والأجر، إذ يقول سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: 124) كما يقول تبارك وتعالى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: 195).
ومما يتصل بالتوظيف حسب الجدارة، تنمية الكفاية إذ تؤكد توجيهات الإسلام ضرورة التزود بالعلم اللازم لممارسة سائر نشاطاتنا على خير وجه، كما تحرص هذه التوجيهات على تحفيز الفرد لمواصلة نشاطاته بجد، واجتهاد، وذلك بشتى أساليب التحفيز المعروفة، وهو ما نعرض له في مجالي التدريب والحوافز.
فبالنسبة للتدريب نقول: يعني التدريب: بتزويدنا بالقدرات الذهنية والبدنية اللازمة لمباشرة نشاطاتنا، والعلم هو الذي يزودنا بهذه القدرات وينميها؛ ولذا يحضنا الإسلام على التزود بالعلم، وطلب المزيد منه، فيقول سبحانه وتعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما} (طه: من الآية: 114) وذلك باعتبار العلم هو المنطلق لاكتساب القدرات المختلفة، إنها دعوة إلى تنمية المعرفة الخاصة بسائر نشاطاتنا الدينية والدنيوية؛ ليتسنى أدائها بالكفاءة المطلوبة.
وللعلم هنا مفهومه الرحب والواسع الذي يشمل سائر المعارف النظرية والعملية النافعة لنا في سائر نشاطاتنا، وعلى ذلك يشمل العلم هنا التدريب في سائر مجالات العمل أي: الوظائف والحرف، والذي يأخذ حكمه من تمهيد الإسلام له، ولأهله، وقد أمرنا القرآن الكريم بالتزود منه بوسائله الثلاث الرئيسية، وهي القراءة إذ يقول سبحانه لرسوله الأمين:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1) وكررها في نفس سورة العلق بقوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 3: 5).
كما يحث على طلب العلم عن طريق المشاهدة والملاحظة بالنظر، وهو ما يردده الكثير من آيات الذكر الحكيم، فمثلًا يقول ربنا سبحانه وتعالى:{قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (يونس: من الآية: 101) ويطالبنا أيضًا باكتساب المعرفة النافعة
عن طريق السماع، فيقول جل علاه:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: من الآية: 18).
ويطالبنا الرسول الكريم بالتزود من العلم بصفة مستمرة، ومهما بعدت الشقة في سبيل تحصيل فيقول:((اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)).
وفيما يتعلق بالحوافز، فيطلق اصطلاح الحوافز على مجموعة الوسائل والخطط التي من شانها إثارة المزيد من اهتمام الفرد بعمله، كمًّا ونوعًا، وقد حرص الإسلام على توفيرها ومراعاتها بدقة، إذ يقول الله تبارك وتعالى:{إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: من الآية: 30) وللأجر هنا مفهوم شامل لسائر المزايا التي يوفرها الله لعباده الصالحين سواء أكانت مادية أم معنوية، كما يبرز تبارك وتعالى الدقة البالغة في الأخذ بهذه الحوافز سواء أكانت إيجابية أي: ثواب، أو سلبية أي: عقاب؛ إذ يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة: الآيتان: 7، 8).
وهذا ما تقتضيه سياسة الحوافز السليمة في تطبيقها؛ لأن أي خلل في ميزان الحوافز زيادة أو نقصًا مهما كان طفيفًا من شأنه التأثير السلبي على معنويات العاملين، وعلى انتظام الجماعة وانضباط أمورها، وعلى مسيرة نشاطاتها في الاتجاه القويم نحو تحقيق أهدافها المشروعة بالكفاءة المنشودة، فالأجر كمقابل مادي للعمل يشمل سائر المزايا النقدية والعينية ذات القيمة المالية أي: الحوافز المالية، ويتميز تحديده في الإسلام بسياسة سليمة، مؤداها ارتباطه بالعمل، والإنتاج إذ يقول سبحانه:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (الأحقاف: 19).
فالإسلام يربط الحوافز أساسًا بالعمل، وهو ما يقتضي أن يكون ثمة تحليلًا لسائر أنواع العمل تتحدد في ضوئه أوصاف القائم به، وكذا معدلات أدائه، ومستوياته ودرجاته وهو ما يسعى الفكر الإداري العلمي في أحدث اتجاهاته إلى الأخذ به.
ومن ناحية أخرى يراعي الإسلام أن تكون الحوافز المالية محققة كفاية حاجات العامل الإنسانية، وتؤمّن نفقاته العائلية، إذ أن الأجر ليس مقابل العمل فحسب، بل هو دخل فردي يعول عليه العامل أساسًا في معيشته؛ ولذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعطي الآهل حظين -يعني: الذي يعول يعطي له حظين- ويعطي العزب حظًا واحدًا يعني: غير المتزوج يعطيه حظًا واحدًا. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من ولي لنا عملًا، وليس له منزل فليتخذ منزلًا، أو ليس له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة)) وهو ما يسعى الفكر الإداري الإنساني في أحدث اتجاهاته إلى بلوغه أيضًا.
وهو ما يؤكد مرة أخرى الاتجاه السوي للفكر الإداري الإسلامي الذي توصي به توجيهات الإسلام هذا، ويطالب الإسلام بأن تكون هذه الحوافز محددة، ومعلومة مقدمًا مع وجوب الوفاء الفوري بها حتى يكون لها مفعولها كحافظ للعامل على مواصلة عمله بكفاية، ومن توجيهات الهدي النبوي في هذا الصدد قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:((من استأجر أجيرًا، فليسمِ له أجرته)) أي: فليحدد له الأجرة، وقوله صلى الله عليه وسلم:((يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه حقه)) وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)) وهذا النظام من مقومات الجماعة الإسلامية التي تقوم على الشورى، والتناصح بين أفرادها، إذ
يقول الرسول الكريم: ((الدين النصيحة؛ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
وهكذا ينمي الإسلام فكرة التناصح المتبادل بين أفراد الجماعة في شكل توجيهات صادرة إلى المرءوسين، ومقترحات صاعدة إلى الرؤساء على أساس إنساني قويم، ويدعو الإسلام إلى توفير الحوافز الاجتماعية والتي تتمثل في تقديم سائر الخدمات الاجتماعية إلى العاملين سواء بتوفير الراحة اللازمة للعامل، فلا إجهاد متوافر يضنيه ذهنيًا وبدنيًا؛ ولذا يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم:((إن لنفسك عليك حقًا وإن لجسدك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا)) وكذا توفير الخدمات الترويحية للعاملين، إذ يقول الرسول الكريم:((روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت)).
وأيضًا التأمين الاجتماعي لأسرهم إذ يقول -صلوات الله وسلامه عليه- فيمن مات دون ثروة أي: دون أن يترك مالًا لأولاده يقول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: ((من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك ضياعًا -يعني: ورثة- أو كلًا -أي ذرية ضعافًا- فليأتني فأنا مولاه)) وبذلك يقرر واجب الدولة في توفير التأمينات الاجتماعية لمواطنيها؛ تحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي الإسلامي.
كما حرص الإسلام على توفير فرص العمل للقادرين عليه؛ تأمينًا لهم ضد البطالة، فقد روى البخاري: ((أن رجلًا جاء النبي صلى الله عليه وسلم يطلب إليه أن ينظر في أمره؛ لأنه عاطل عن العمل، وخالٍ من وسائل الكسب، وليس عنده ما يستعين به على القوت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم، ودعا بيد من خشب سواها بنفسه، ووضعها فيها -أي: وضع الخشبة في القدوم- ثم أعطاها للرجل، وأمره بالذهاب إلى مكان معين وكلفه بالعمل هناك؛ لكسب قوته، وطلب إليه أن يعود