الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنين منهم، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، كما أجمع الصحابة على البيعة كوسيلة لإسناد السلطة إلى رئيس الدولة، كما حصل في مبايعتهم لأبي بكر، وأجمعوا كذلك على محاربة المرتدين في عهد أبي بكر، وكل هذه مسائل سياسية ودستورية بلغة أهل القانون، أو من مسائل السياسة الشرعية بلغة فقهاء المسلمين، كل هذا دليل على أن الإجماع مصدر من مصادر الأحكام السياسية في الدولة الإسلامية.
هذا وبالله التوفيق، نكتفي بهذا القدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 -
تابع: مصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي وقواعد النظام السياسي في الإسلام (1)
القياس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد بدأنا في المحاضرة السابقة الحديث عن مصادر الأحكام السياسية في الدولة الإسلامية وذكرنا منها: القرآن الكريم كمصدر من هذه المصادر، والسنة النبوية الشريفة كمصدر من هذه المصادر، وتحدثنا عن الإجماع.
ثم نتحدث بعد ذلك عن: مصدر آخر من المصادر التي تستقى منها الأحكام السياسية في الدولة الإسلامية، فنتحدث عن الاجتهاد بالرأي كمصدر للأحكام الدستورية والسياسية.
ونقصد بعبارة الاجتهاد بالرأي في هذا الصدد: ما هو أعم من القياس، بحيث يشمله ويشمل غيره كالإستحسان، والمصالح المرسلة، والعرف، ولذلك سوف نعرف بكل من هذه المصادر ثم نبين هل تصلح أن تكون مصدرًا للأحكام السياسية أم لا؟
أولًا القياس:
القياس في اللغة هو التقدير، وأما القياس في الشرع: فهو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما، وقيل: هو حكمك على الفرع بمثل ما حكمت به في الأصل؛ لاشتراكهما في العلة التي اقتضت ذلك في الأصل، وقيل: هو حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بجامع بينهما من إثبات حكم أو صفة لهما أو نفيهما عنهما.
ومعاني هذه الحدود وتلك التعريفات متقاربة، فهي كلها عبارة عن بيان حكم أمر غير منصوص على حكمه، بإلحاقه بأمر معلوم حكمه بالنص عليه في الكتاب
أو السنة، فهو عبارة عن إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه للاشتراك بينهما في علة الحكم.
وأركان القياس أربعة، هي: المقيس وهو: الفرع الذي لم ينص على حكمه، والمقيس عليه وهو: الأصل الذي نص على حكمه، وحكم الأصل الذي ورد به النص.
وقد نضرب مثالًا يوضح ذلك: فعندنا الخمر -على سبيل المثال- ورد النص في القرآن الكريم على حرمتها، في قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: من الآية: 90) فهذه الآية نصت على حرمة الخمر، فلو كان معنا نبيذ اتخذ من التمر -على سبيل المثال- حتى أصبح مسكرًا، يعني: إذا شربه الإنسان أسكر، فما حكم هذا النبيذ؟ هذا النبيذ لم يرد حكمه في القرآن أو في السنة صراحة، إنما الذي ورد صراحة هو حكم الخمر.
ففي هذه الحالة عن طريق القياس نقيس النبيذ على الخمر، وحكم الخمر إنما هو الحرمة، فنعطي للنبيذ الحرمة إذا أصبح مسكرًا، والعلة بينهما هي الإسكار، فكأن عندنا الأصل وهو الخمر، والفرع وهو النبيذ، وحكم الأصل وهو الحرمة، والعلة وهي الإسكار الذي تحقق في المقيس، والمقيس عليه أو في الأصل والفرع.
هذا هو معنى القياس، ولذلك -كما قلنا-: له أركان أربعة المقيس، والمقيس عليه وهو الأصل الذي نص على حكمه، وحكم الأصل الذي ورد به النص، والعلة.
والعلة هي ما بني عليه الحكم في الأصل وتحقق في الفرع.
وهو دليل شرعي، أي: أن القياس هو دليل شرعي معتبر لدى جماهير علماء الفقه الإسلامي؛ لأن النصوص متناهية، والوقائع لا تتناهى، وحوادث الناس متجددة، فلذلك لا يمكن الاستغناء عن القياس كمصدر شرعي يعطي للأحكام الجديدة حكمها الشرعي، وينزلها المنزلة التي تستحقها عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي يلحق الفرعيات بأصولها الكلية.
ولذلك قال عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال فقس الأمور عند ذلك بنظائرها، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق.
والقياس هو المصدر الرابع من مصادر الشريعة الغراء، المصدر الأول الكتاب والسنة والإجماع، ثم يأتي بعد ذلك القياس.
ولكون القياس مصدرًا اجتهاديًا كما ذكرنا فإنه لا يعتبر ملزمًا على وجه التحديد عند بقية المجتهدين؛ لأن العلة التي هي مناط القياس وعليها مداره ليست واحدة في نظر جميع المجتهدين؛ ولذلك كان الاختلاف في العلة هو السبب دائمًا في اختلاف المجتهدين في الآراء الفقهية التي تصدر عنهم.
فالقياس على ذلك مصدر تفسيري يختلف بحسب المجتهدين.
ولكن هل يعتبر القياس مصدرًا للأحكام السياسية والدستورية في الشرعية الإسلامية؟
نقول القياس -باعتباره مصدرًا شرعيًا يلجأ إليه المجتهد عند إرادة إلحاق فرع لم ينص على حكمه بأصل منصوص عليه أو على حكمه لاشتراكهما في علة