الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل على ذلك: ما روي عن ابن عمر: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها)) أي: من الأرض من ثمر أو زرع، وفي رواية:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها)) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الله يمد بالقوة من يعاون أخاه الإنسان في أي إقليم، وفي أي موطن، فيقول صلى الله عليه وسلم:((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) ففي هذا الحديث لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم الأخ، بل عممه، جاءت الكلمة عامة، فيعم الأخوة الإنسانية، ولا يقتصر على الأخوة الدينية، أو الإقليمية.
وهكذا نرى أن كل ما يدعو إلى التقدم والرفاهية في مجالات الحياة المختلفة، في إطار من الحق والعدل تحث الشريعة عليه؛ لأنه من فيض التعاون على البر والتقوى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
4 -
بقية الأسس التي قامت عليها العلاقات الدولية في الإسلام
حرية العقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فقد بدأنا الحديث في المحاضرة السابقة عن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، وبدأنا الحديث عن أسس العلاقات الدولية في الإسلام، وبدأنا في تعداد هذه الأسس، وذكرنا منها: الوحدة الإنسانية، والصلة الإنسانية، والمساواة بين الناس جميعًا، والتعاون الإنساني.
ومن المبادئ أيضًا التي بنيت عليها العلاقات الدولية في الإسلام: الحرية وفي ذلك نقول:
إن هذه الحرية تعني: تحرر الفرد من القيود، وقدرته على التصرف باختيار؛ فالحر إذًا هو الذي يملك نفسه، ولا يخضع لرق، ولا أسر، والحرية تعني: الخلوص من الأسر والرق، وهي تلتقي في الوجود مع الإنسان الحر، الذي تتجلى فيه القيمة الإنسانية الرفيعة، ومن هنا فإن الحرية تستمد اشتقاها من الحر، ويتحلى هو بها، والحر في الحقيقة هو الذي يبتدئ بالسيادة على نفسه، وإذا تحقق له ذلك يكون حرًّا.
وإذا أردنا أن نعرَّف الحرية في الاصطلاح الفقهي نقول: لم تعرف الشريعة الإسلامية معنىً اصطلاحيًّا للفظ الحرية يخرج عن المعاني اللغوية -التي أشرنا إلى بعض منها- ولم يعرَّف الفقهاء المسلمون الأوائل -أيضًا- ذلك، غير أن البعض
من المحدثين عرَّفها بأنها: خلوص الإنسان من ضيق الحجر، وتمتعه بكل حق إنساني قضى به الشرع، وهي حق طبيعي للناس، إذا حُرِموه فقد سُلبت إرادتهم، وافتقدوا إنسانيتهم، لهذا قررها الإسلام، ورفع من شأنها، ومنع من العبث بها، وقد جاء الإسلام؛ ليرفع كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، فأعلى القيم البشرية، وفضّل الإنسان على كثير من المخلوقات.
وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70).
وهدم الإسلام نظام الطبقات من أساسه؛ فالناس في نظره سواسية، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، والعمل الصالح، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (النساء: من الآية: 1) وفي ذلك تقرير لوحدة الأصل، مما يقتضي عدم التمايز بالجنس، أو الطبقة؛ إن فلسفة الحرية في الإسلام تكمن في العبودية الكاملة لله تعالى، وهذه العبودية تعني أن يكون للإنسان كامل الحرية بين بني جنسه، وذلك أنه ما دام الكل عباد لله تعالى فهم أحرار فيما بينهم، فإذا وعى الإنسان هذا المعنى للحرية، أحس في الواقع بها، وعاش بين ربوعها كريم النفس، لا يَستذل لقوة، ولا مال، ولا جاه.
وتلقين هذه العبودية للبشر من أهم وظائف الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- فمهمتهم -جميعًا- هي إزالة عبودية البشر للبشر؛ لتحل محلها عبودية الله للبشر جميعًا، وبالتالي الوقوف في وجه من جاوزا حدود البشرية، وادعوا
ألوهية كاذبة على بشر أمثالهم؛ وليمنعوا الظلم عن الذين ظلموهم، وادعوا هذه الألوهية، ويحرروهم من عبودية غير الله، ويجمعوهم تحت نظام للحياة عادل، ليس فيه إنسان عبد لإنسان، بل يكون الناس فيه جميعًا عبادًا لله وحده.
وفي ذلك يقول الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الأنعام: 102) ويقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (آل عمران: 64) فهذا هو النداء الرباني الذي حرر العقول والأفكار؛ وحرر كل ما أوتي البشر من القوى العقلية والمادية من أغلال العبودية لغير الله؛ ووضع عنهم إصرهم الذي كان يرزحون تحته.
إن الحرية في الإسلام ذات معنى واسع؛ فالإسلام حين دعا إليها لم يكن يدعو إلى حرية الأفراد فحسب، ولا حرية الجماعات فحسب، بل أراد هذه الحرية ملكًا وحقًّا لكل البشر على السواء، في شتى أنحاء الأرض؛ فالإنسان في نظر الإنسان حر في إنسانيته، وحر في عقيدته، وحر في إبداء رأيه، وعلى الجملة: فقد كَفَلَ الإسلام لكل واحد من الناس الحرية الإنسانية، والمدنية، والسياسية، والعلمية، وغير ذلك من مظاهر الحرية على تعدد أنواعها.
والحرية بهذا المفهوم أقرها الإسلام في ضمائر المؤمنين، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من عقيدتهم؛ ولذلك نجد المجتمع المسلم يُذعن لقانون العبودية لله تعالى، ويراه واجبًا عليه، وحقًّا لله الذي خلقه، وهو بذلك يتمتع بكامل حريته.
وكما قلنا: فإن للحرية مظاهر متنوعة: هناك حرية دينية، وحرية سياسية، إلى غير ذلك من الحريات التي عددها القانونيون، لكن ما نريد أن نلفت النظر إليه هو: الحرية الدينية التي أقرها الإسلام لغير المسلمين، ونقول في هذا الشأن:
لقد نص الإسلام على حرية العقيدة في كتابه الكريم، حيث يقول الله تعالى في ذلك:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} (البقرة: من الآية: 256) ويقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقصر، وإنما بناه على التمكن والاختيار؛ فالله تعالى لما بين دلائل التوحيد بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر، قال بعد ذلك: إنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يُقصَرَ على الإيمان ويُجبَرَ عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان.
ومما يؤكد هذا القول، أن الله تعالى قال بعد ذلك:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} يعني: ظهرت الدلائل، ووضحت البينات، ولم يبق بعدها إلا طريق القصر والإلجاء والإكراه، وذلك غير جائز؛ لأنه ينافي التكليف.
ومعنى هذا: أنه إذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه عليه، وكان من نتيجة هذا الإكراه إسلام المكره، فإن حكم الإسلام لا يثبت في حقه، حتى تبدر منه علامات تدل على إسلامه اختيارًا، فإذا مات من أسلم مكرهًا قبل صدور هذه العلامات منه فحكمه حكم الكفار، ولم يعامل معاملة المسلمين، وأيضًا إن رجع إلى الكفر لم يثبت في حقه حكم الردة، وبالتالي لا يجوز قتله، وهذا راجع إلى أنه أكره على شيء لا يبيح الإسلام إكراهه عليه، فلم يثبت حكمه في حقه، وهذه الحالة مشابهة لحالة المسلم إذا أكره على الكفر، حيث لا يعد كافرًا طالما قلبه مطمئن بالإيمان، يقول الله تبارك وتعالى:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل: من الآية: 106).
فالله الذي خلق الناس أحرارًا في تفكيرهم، بل وقدس حريتهم، لم يُكرههم على أن يؤمنوا به، ويعبدوه، فهو لم يتعامل معهم بالجبر ولو على الخير، وهذا
راجع إلى أن معنى العبادة الحقة ومعنى التكليف المعقول لا يتلاءمان مع الإكراه؛ والله تعالى -من جهة أخرى- قرر مسئوليتهم، وترك بعد ذلك نواميس الكون لتعمل عملها في الفرد والمجتمع، وهذا مبني على أن روح التوحيد تقوم على الحرية، وأن الإيمان أمر أكثر من مجرد الشعور، فهو في حقيقته يشبه رضا النفس عن علم ومعرفة.
والله سبحانه وتعالى من جهة أخرى- قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفر؛ إلا أن الخلف بين الناس في أديانهم واعتقاد مِللهم سيظل موجودًا، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يود أن يؤمن كل الناس، وكان يحزن لكفر بعضهم، وهنا قال الله تعالى منفسًا عنه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: الآية: 99) ويقول ابن عباس في تفسير هذه الآية: "كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على إيمان جميع الناس، فأخبره الله تعالى: إنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول، وبناء على ذلك أمرنا الله تعالى ألا نُكره أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي، دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله، وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقصورًا.
والإسلام قرر ذلك؛ لأنه يرى أن الإيمان الصحيح المقبول عنده هو ما جاء وليد يقظة عقلية، واقتناع قلبي عن رضًا ورغبة، وقد عرض الإسلام نفسه في دائرة هذا المعنى غير متجاوز له في قليل ولا كثير؛ فهو يعتبر حرية الاعتقاد حقًّا فطريًّا لكل إنسان في كل زمان ومكان، يجب تمكينه من التمتع بها دائمًا، بل هي من أولى حقوقه التي يثبت له بها وصف إنسان، فإذا سُلبت منه فقد سلبت إنسانيته؛
فالإسلام ليس من أهدافه أن يفرض نفسه على الناس فرضًا، حتى يكون هو الديانة الوحيدة؛ لأن أية محاولة من هذا النوع هي محاولة فاشلة، بل هي مقاومة لسنة الوجود، ومعاندة لإرادة رب الوجود.
وهناك حقائق غرسها الإسلام في عقول متبعيه، جعلتهم يتسامحون في معاملاتهم مع مخالفيهم في الدين، هذه الحقائق تكمن في اعتقاد المسلم بكرامة الإنسان أيًّا كان دينه، أو جنسه، أو لونه، واعتقاده أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، واعتقاده أنه ليس مكلفًا بحساب الكافرين على كفرهم؛ لأن حسابهم إلى الله يوم الحساب، على أنه في النهاية يجب أن نلاحظ أن: مفهوم حرية العقيدة يختلف في الإسلام عنه في النظم المعاصرة اختلافًا كبيرًا؛ ذلك أن النظم المعاصرة تأخذ بمفهوم حرية العقيدة، بما يشمل حرية تغيير الدين، وحرية الارتداد عن الإسلام.
أما النظام الإسلامي فيفرِّق في هذا الصدد بين أمرين: الأول: حرية العقيدة ابتداءً، وهنا لا يجبر أحد على الدخول في دين الإسلام، فهنا الحرية مكفولة للجميع؛ الثاني: حرية الارتداد، بمعنى: الخروج عن الدين الإسلامي بعد الدخول فيه، وهذه الحرية لا يقرِّها الإسلام، ويعاقب على ممارستها أشد العقاب؛ فحرية العقيدة ابتداءً يَكْفُلُها الإسلام لجميع البشر أيًّا كانت ديانتهم، وأيًّا كان معتنقوها، لا فرق بين جنس وجنس.
ونتكلم الآن عن الخصائص التي تميزت بها الشريعة بشأن حرية العقيدة فنقول:
لما كانت العقيدة في الإسلام شيئًا معنويًّا، سبيله الأوحد: الإقناع، فهي لذلك لا تقبل الإكراه، والعقل هو الذي يقرر قبوله لها، فترسخ في القلوب، وليس
للإكراه سبيل إليها كما أوضحنا، ومن خلال ذلك المفهوم تظهر بعض الخصائص التي تميزت بها الشريعة في هذا الشأن منها:
1 -
أن عقيدة الإسلام بطبيعتها تتسم بالسهولة واليسر، وليس فيها متناقضات أو مشاكل معقدة، ومن طبيعة الأمور الواضحة الميسورة أن يتقبلها الناس بسهولة ويسر، كما أن من طبيعة الأمور المعقدة المناقضة أن يرتاب الناس فيها، ويعرضوا عنها، وبالتالي تحتاج لكي يقبلها الناس إلى وسيلة لفرضها عليهم فرضًا، وإلجائهم إليها إلجاءً، وليس ذلك من طبيعة عقيدة الإسلام؛ فالإسلام يقرر أن الإيمان الذي يجيء عن طريق الإكراه لا قيمة له، ولا كرامة لصاحبه، فقد قال الله تعالى لفرعون حين أدركه الغرق، وقال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} (يونس: من الآية: 90) فيرد عليه الحق قائلًا: {أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: من الآية: 90، 91) وقال سبحانه: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 84، 85).
كما يقرر الحق سبحانه عدم الاعتداد بالتوبة التي يكون مبعثها الإكراه ومعاينة العذاب؛ قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 18).
ومن الخصائص أيضًا: أن نصوص الشرعية الإسلامية أثبتت أن الإقناع بالعقيدة الإسلامية وسيلته الموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، شأنها في ذلك شأن رسالات السماء السابقة عليها، ولنستمع إلى نوح عليه السلام وهو
يحاجج قومه، ويناقض عقولهم بالدليل لا بالإكراه؛ فيقول:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (هود: 28) ثم استمِع إلى قوم عاد وهم يقولون لنبيهم: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (هود: 53) ولذا يتجه هود إلى ربه قائلًا: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} (هود: من الآية: 56).
ثم استمِع إلى إبراهيم- عليه السلام وهو يحاجج أباه في لطف ولين حيث يقول له: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (مريم: 42 - 46) ثم يرد النبي العطوف قائلًا لأبيه: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَاّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} (مريم: 47، 48).
هذا هو نهي الأنبياء، وهو نهي سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108).
ومن الخصائص أيضًا أن صاحب الدعوة الإسلام -محمد صلى الله عليه وسلم ليس مسئولًا أمام الحق -جل وعلا- أو أمام الخلق إلا عن بيان ما نزل به الوحي، وهي مهمة التبليغ والإنذار، قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ