الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اتسعت سلطة الولاة أو الأمراء في عهد الأمويين حتى أصبح شبه مطلقة في ولاياتهم، ولعل ما نقل عن الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق أبرز مثال على ذلك، ولكن الأمر تغيّر بعد أن جاء الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز إلى الخلافة، فقد عمل على ردّ الأمور إلى نصابها الصحيح وحدّ من نفوذ كثير من هؤلاء الولاة بما يرفع مظالمهم ويردّ أذاهم عن الرعية.
وفي العهد العباسي تقلص نفوذ الأمراء وضعف شأنهم في أول الأمر، حينما قويت شوكة الخلافة وازدادت سلطة الدولة مما أدّى إلى تمركز السلطة كلها في يد الخليفة، بحيث أصبح الولاة أو الأمراء مجرد عمال لا يملكون إلا سلطات محدودة جدًّا تكاد تقتصر على إمامة الصلاة وقيادة الجند؛ لأن مهمة النظر في الشئون المالية قد انتقلت إلى صاحب المال، وانتقل النظر في الشئون القضائية إلى القاضي، ولكن الحال تبدّل وتغيّر في آخر حكم العباسيين إذ ضعفت الدولة وضعف معها مركز السلطة العامة أو سلطان الخليفة مما شجع على ازدياد نفوذ الأمراء حتى أعلن بعضهم الاستقلال عن السلطة المركزية في عاصمة الخلافة، وظهرت في المجتمع الإسلامية دويلات صغيرة يحكمها أمراء يرتبطون ظاهرًا فقط بالخلافة العباسية وهم في حقيقة الأمر مستقلون عنها تمام الاستقلال.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 -
أنواع الإمارة على الأقاليم
، وبيان الأسس التي قامت عليها العلاقات الدولية في الإسلام
أنواع الإمارة على الأقاليم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن أنواع الوَزارة في النظام الإسلامي وقلنا إنها تنقسم إلى وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، وبينا شروط الوزير في الوزارتين، وبينا أيضًا أوجه الاتفاق والاختلاف بين الوزارتين، ثم بدأنا الحديث عن الإمارة على الأقاليم.
أنواع الإمارة:
يقسم فقهاء السياسة الشرعية المسلمون الإمارة إلى نوعين: إمارة عامة، وإمارة خاصة.
ونتحدث الآن عن الإمارة العامة فنقول:
الإمارة أو الولاية العامة هي: أن تكون اختصاصات الأمير مطلقة في بلد من البلدان أو إقليم من الأقاليم، بحيث يملك الأمير النظر في جميع الأعمال بما في
ذلك النظر في تدبير الجيوش وتعيين القضاة وجباية الخراج وقبض الصدقات وإقامة الحدود واختيار عمال الدولة وما إلى ذلك، فهي على حد عبارة الماوردي بالنسبة لأهل الإقليم ولاية على جميع أهله والنظر في المعهود من سائر أعماله، فيصير عامّ النظر فيما كان محدودًا من عمل ومعهودًا من نظر.
ويشترط في هذه الإمارة العامة نفس الشروط التي تشترط في وزارة التفويض؛ لأن الفرق بينهما فقط هو في خصوص الولاية في الإمارة وعمومها في الوزارة. قال الماوردي: وتعتبر في هذه الإمارة الشروط المعتبرة في وزارة التفويض؛ لأن الفرق بينهما خصوص الولاية في الإمارة وعمومها في الوزارة، وليس بين عموم الولاية وخصوصها فرق في الشروط المعتبرة فيها، فكل من الأمير والوزير في وزارة التفويض مطلق السلطة، غاية الأمر أن الأمير مختصّ بإمارته ووزير التفويض لا يختصّ بإقليم معين.
أقسام الإمارة العامة:
فنقول: تنقسم الإمارة العامة إلى قسمين: إمارة استكفاء، وإمارة استيلاء.
فأما إمارة الاستكفاء: فهي التي تنعقد عن اختيار من الإمام، فيعقدها الشخص يكون كفئًا لتولي مهام الإمارة عند توافر الشروط فيه، فهي تشبه وزارة التفويض -كما أشرنا- ويكفي أن يقول الخليفة عندما يؤمِّرُ أحد الولاة على إقليم ما: قد أقررتك على ولايتك ناحية كذا، أو قلدتك ولاية هذه الناحية؛ لتكون عام النظر على أهلها في كل ما يتعلق بها، ونحو ذلك من صيغ التقليد، ولما كان الأمير في الإمارة العامة مطلق السلطة في إمارته فإنه يجوز له أن يتخذ لنفسه وزير تنفيذ بأمر الخليفة وبغير أمره، ولكن لا يجوز له أن يستوزر وزير تفويض إلا بإذن الخليفة وأمره.
وأما عن واجبات الأمير في الإمارة العامة فهي -كما ذكرنا- تشبه واجبات الإمام بالنسبة لعموم الدولة؛ كل ما في الأمر أن الأمير مختص بإمارته فقط، فيدير جميع شئونها من النواحي السياسية، والمالية، والحربية، والدينية، والقضائية، وما إلى ذلك.
وأما إمارة الاستيلاء: فهي التي يعقدها الإمام أو الخليفة عن اضطرار، وذلك بأن يستولي الأمير بالقوة على إقليم ما، فيقلده الرئيس الأعلى للدولة على إمارته، ويفوض إليه تدبيره وسياسته، فيكون الأمير باستيلائه مستبدًّا بالسياسة والتدبير؛ وإمارة الاستيلاء إنما هي النوع الثاني من أنواع الإمارة العامة.
وقد نشأت إمارة الاستيلاء عن حكم الضرورة، أو هي إقرار لسياسة الأمر الواقع، ولم تكن معروفة في أيام الخلفاء الراشدين، ولا في أيام الخلافة الأموية، ولا في العهد العباسي الأول، وإنما بدأت في الانتشار منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري مع ضعف الدولة العباسية، واستقلال بعض الولاة عن سلطان الخلافة في العاصمة، فظهرت الدويلات المستقلة عن الدولة العباسية مثل الدويلات: البويهية، والسامانية، والغَزنوية، والسلجوقية، والطولونية، والإخشيدية، وغيرها من الدويلات التي حكم أمراؤها عن طريق القوة والقهر، ولم يكن الخليفة ليملك معهم إلا إِقراراهم على تلك الدويلات كأمر واقع لا مفر منه، ولا مجال لنكرانه أو إبطاله؛ لئلا يئول الأمر إلى مزيد من التفرق والتمزق، وسفك الدماء.
شروط وواجبات أمير الاستيلاء:
يجب على أمير الاستيلاء نظير إقرار ولايته -كأمر واقع- أن يقوم ببعض الأمور ومنها: حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوة، وتدبير أمور الملة؛ ليكون ما أوجبه الشرع من إقامتها محفوظًا، وما تفرع عنها من الحقوق محروسًا.
ظهور الطاعة الدينية التي يزول معها حكم العناد؛ اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر؛ ليكون المسلمون يدًا على من سواهم؛ أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة، والأحكام والأُقضية فيها نافذة، لا تبطل بفساد عقودها، ولا تسقط بخلل عهودها؛ أن يكون استيفاء الأموال الشرعية بحق تبرأ به ذمة مؤديها، ويستبيحه آخذها؛ أن تكون الحدود مستوفاة بحق، وقائمة على مستحق، فإن جنب المؤمن حمًى إلا من حق الله وحدوده؛ أن يكون الأمير قائمًا في حفظ الدين؛ وأن يكون ورعًا من محارم الله، فهذه الواجبات لا بد وأن يقوم بها أمير الاستيلاء في مقابلة الاعتراف بشرعية استيلائه، وإقراره على سلطة الإدارة.
الفرق بين إمارة الاستيلاء وإمارة الاستكفاء:
ذكرنًا سلفًا أن إمارة الاستيلاء تعقد عن اضطرار، بينما إمارة الاستكفاء تعقد عن اختيار، ومع ذلك يفرق العلماء بين الإمارتين من وجوه أربعة:
1 -
أن إمارة الاستيلاء متعينة في المسئول أي: ليس أمام الإمام إلا تعيينه؛ أما إمارة الاستكفاء فهي مقصورة على اختيار المستكفي أي: له أن يختار أيَّ واحد من الناس صالح لتولي هذه المهمة.
2 -
أن إمارة الاستيلاء مشتملة على البلاد التي غلب عليها المسئول، وإمارة الاستكفاء مقصورة على البلاد التي تضمنها عهد المستكفي.
ثم ننتقل الآن إلى الإمارة الخاصة:
الإمارة الخاصة وهي المقابلة للإمارة العامة، فهي: أن يكون الأمير مقصور الإمارة على بعض الشئون فقط في بلد من البلدان، أو إقليم من الأقاليم، كتدبير الجيش، وسياسة الرعية، وحماية البيضة، والذب عن الحريم، وليس له أن يتعرض للقضاء، والأحكام، أو الجباية، أو الخراج، والصدقات.
ولما كانت الإمارة الخاصة أقل نفوذًا من الإمارة العامة وهي محددة ببعض الأمور فقط -كما ذكرنا- فإنها تشبه إلى حد ما وزارة التنفيذ بالنسبة لوزارة التفويض؛ ولذلك يمكن القول بأنه: يشترط في أمير الإمارة الخاصة نفس شروط وزير التنفيذ، إلا أنه يلزم في هذا الصدد أن يكون الأمير مسلمًا؛ لما في الإمارة من معنى الولاية، وإن كانت إمارة خاصة، وكذلك يلزم أن يكون الأمير حرًّا؛ لأن الولاية على الغير تتنافى مع الرق والعبودية، ولكن ليس بشرط أن يكون الأمير إمارة خاصة من أهل العلم؛ لأنه ليس له الحكم ولا القضاء -كما ذكرنا- فلم يكن مفتقرًا إلى العلم، لكن من الأفضل أن يكون من العلماء، أو على الأقل من المثقفين، فلا يكون جاهلًا كل الجهل بالأحكام الشرعية؛ لأن هذا لا يمكنه من القدرة على ممارسة صلاحياته.
واجبات الأمير في الإمارة الخاصة:
يدخل في اختصاصات الأمير في الإمارة الخاصة ما يلي:
1 -
إقامة الحدود التي تتعلق بحقوق الله تعالى لحد الزنا؛ لدخول ذلك في قوانين السياسة، وموجبات الحماية والذب عن الملة، وكذلك الحدود التي تتعلق بحقوق الآدميين، إذا كانت إقامتها لا تفتقر إلى نظر واجتهاد؛ أما ما كان مفتقرًا إلى ذلك؛ لاختلاف الفقهاء فيه، أو ما كان مفتقرًا إلى إقامة بينة لتناكر المتنازعين فيه، فإنه يخرج عن سلطة الأمير، وليس له أن يتعرض لذلك؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد، فضلًا عن خصوص ولايته.
ومن الاختصاصات أيضًا النظر في المظالم إذا تعسف أصحاب السلطات من الحكام والقضاة ومن إليهم؛ شريطة أن تكون هذه المظالم غير قابلة للاستئناف، فإن كانت مما تستأنف فيها الأحكام ويبتدئ فيها القضاء فإنه يمتنع عن الأمير النظر فيها؛ وعليه عندئذ