المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية - السياسة الشرعية - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 السياسة الشرعية: مفهومها، أحكامها، أدلة اعتبارها

- ‌ مفهوم السياسة الشرعية

- ‌شروط العمل بأحكام السياسة الشرعية

- ‌موضوعات علم السياسة الشرعية

- ‌مراعاة الشريعة أحوال الناس فيما شرعته من أحكام

- ‌اعتبار المصالح المرسلة دليلًا لاعتبار أحكام السياسة الشرعية

- ‌الدرس: 2 مفهوم النظم الإسلامية ونشأتها في مكة والمدينة

- ‌خبرة النبي عليه الصلاة والسلام بتنظيم الحياة القبلية قبل البعثة

- ‌القواعد التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة

- ‌أهم المعالم للنظم الانتقالية التي وضعها النبي في المدينة

- ‌النظم الأساسية التي وضعها النبي لجماعة المؤمنين في المدينة

- ‌تابع: النظم التي وضعها النبي لجماعة المؤمنين في المدينة

- ‌الدرس: 3 النظام المالي للدولة الإسلامية

- ‌الزكاة من أهم الموارد المالية في عهد النبي

- ‌أهم الموارد المالية في عهد النبي: الغنائم، الفيء، الجزية

- ‌النظام المالي في عهد أبي بكر الصديق

- ‌تطور النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب

- ‌تابع: تطور النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب

- ‌النظام المالي في عهد عثمان بن عفان

- ‌النظام المالي في عهد علي بن أبي طالب

- ‌المستحدثات المالية في عهد الأمويين

- ‌تابع: المستحدثات المالية في عهد الأمويين

- ‌موقف عمر بن عبد العزيز من الأخطاء المالية في عهد الأمويين

- ‌الدرس: 4 العمومية المعنوية والمادية للزكاة

- ‌المقصود بالشخص الطبيعي في الزكاة

- ‌موقف الفقهاء بالنسبة للزكاة في مال الصبي والمجنون

- ‌الخلطة في الأنعام كمثال للشخص المعنوي في الزكاة

- ‌موقف الفقهاء من تأثير الخلطة في الزكاة

- ‌حكم الخلطة في الماشية، وتأثيرها في الزكاة

- ‌تابع: حكم الخلطة في الماشية، وتأثيرها في الزكاة

- ‌الحيوان الذي تجب فيه الزكاة، وشروط زكاته

- ‌تابع: الحيوان الذي تجب فيه الزكاة، وشروط زكاته

- ‌الدرس: 5 بقية أنواع الزكوات والعوامل التي تساعد على تحقيق العمومية فيها

- ‌الزكاة في الذهب والفضة

- ‌الزكاة في الحلي المباح والمحرم، وآراء الفقهاء

- ‌ما تجب فيه الزكاة من الحرث

- ‌زكاة عُرُوض التجارة، والرِّكاز، والمعدن، وما يستخرج من البحر

- ‌زكاة الأموال التي جدت في هذه العصور

- ‌تجنب الازدواج في أداء الزكاة، وتجنب الراجعية في الزكاة

- ‌محاربة التهرب من أداء الزكاة

- ‌الدرس: 6 الجزية والخراج والعشور

- ‌العمومية في الجزية

- ‌العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الجزية

- ‌مراعاة ظروف المكلفين بالجزية

- ‌تابع: مراعاة ظروف المكلفين بالجزية

- ‌تاريخ الخراج، والعمومية فيه

- ‌العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الخراج

- ‌مراعات ظروف الممول في الخراج

- ‌من الموارد المالية للدولة الإسلامية: العشور

- ‌الدرس: 7 النظام السياسي الإسلامي

- ‌مصطلح السياسة منذ بداية الدولة الإسلامية

- ‌مرتكزات السياسة في الإسلام

- ‌مصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي: أولا القرآن الكريم

- ‌السنة

- ‌حجيه السنة بجميع أنواعها

- ‌الإجماع

- ‌القياس

- ‌الاستحسان

- ‌المصالح المرسلة

- ‌العرف

- ‌الدرس: 8 قواعد النظام السياسي الإسلامي

- ‌قواعد النظام السياسي الإسلامي: أولا: الحاكمية لله

- ‌قواعد النظام السياسي الإسلامي: ثانيا: الشورى

- ‌تابع: أدلة الشورى

- ‌تحديد أهل الشورى والشروط الواجب توافرها فيها

- ‌كيفية إعمال واجب الشورى، وطريقة اختيار أهل الشورى

- ‌مدى الالتزام برأي أهل الشورى، وبيان آراء الفقهاء في ذلك

- ‌أهل الشورى، والشروط اللازم توافرها فيهم

- ‌الدرس: 9 قواعد أخرى للنظام الإسلامي وهي العدالة، مسئولية الحكام، الحقوق والحريات، سلطة الأمة في الرقابة على الحكام

- ‌ العدالة

- ‌صور العدالة في القرآن

- ‌مسئولية الحكام

- ‌تابع: قواعد النظام السياسي في الإسلام: "مسئولية الحكام

- ‌مقدمة عن الحقوق والحريات في النظام الإسلامي

- ‌ الحريات الشخصية

- ‌الحرية الفكرية

- ‌تابع: الحقوق والحريات الفردية في النظام الإسلامي: حرية التجمع

- ‌الحريات الاقتصادية

- ‌الحقوق والحريات الاجتماعية في النظام الإسلامي

- ‌سلطة الأمة في الرقابة على الحكام

- ‌الدرس: 10 الإمامة

- ‌مسئولية الحاكم أمام الأمة الإسلامية "مشروعية المسئولية

- ‌ الحكم عند العرب قبل الإسلام

- ‌الإمامة مبحث فقهي

- ‌معاني: الخلافة، وأمير المؤمنين، والإمام

- ‌معنى الإمامة العظمى

- ‌حكم نصب الإمام

- ‌القائلون بعدم وجوب تنصيب الإمام في كل حالٍ أو حالٍ دون حالٍ

- ‌الدرس: 11 شروط الإمامة العظمى

- ‌شروط الإمامة العظمى

- ‌العدالة

- ‌صحة الرأي في السياسة، والإدارة، والحرب

- ‌الكفاية الجسمية، والكفاية النفسية

- ‌شرط القرشية، وتولية الأفضل

- ‌الدرس: 12 طرق انعقاد الإمامة، وواجبات الإمام وحقوقه وأسباب انتهاء ولايته

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق أهل الحل والعقد

- ‌تابع انعقاد الإمامة عن طريق أهل الحل والعقد

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق العهد من الإمام الحالي

- ‌انعقاد الإمامة عن طريق القهر والغلبة

- ‌انعقاد الإمامة بطريق النص

- ‌واجبات الإمام

- ‌حقوق الإمام

- ‌ تابع حقوق الإمام

- ‌انتهاء ولاية الإمام

- ‌الدرس: 13 توجيهات الفكر الإداري الإسلامي

- ‌العمل فريضة إسلامية

- ‌خصائص العمل في الإسلام

- ‌طبيعة تكوين المنظمة

- ‌تابع طبيعة تكوين المنظمة

- ‌الرقابة ومتابعة الإنجاز

- ‌العلاقات الإنسانية في العمل الجماعي

- ‌وجود علاقة عامة بين أفراد المنظمة

- ‌التوظيف حسب الجدارة

- ‌وجود قيادة سوية

- ‌الدرس: 14 المنهج الإداري في الإسلام

- ‌مقدمة عن المنهج الإسلامي الإداري

- ‌ التخطيط لنشر الدعوة

- ‌التخطيط للهجرة

- ‌تخطيط الحياة في المدينة بعد الهجرة

- ‌المنهج الإسلامي في التنظيم

- ‌المنهج الإسلامي في الرقابة

- ‌الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإدارة في عهد أبي بكر رضي الله عنه

- ‌موقف عمر من الأنظمة الإدارية في البلاد المفتوحة

- ‌الدواوين التي أنشاها عمر بن الخطاب

- ‌التجنيد الإجباري، ونشأة بيت المال

- ‌ رقابة عمر بن الخطاب لعماله

- ‌الإدارة عند الأمويين

- ‌الدرس: 15 أحكام وأنواع الوزارات وعلاقة المسلمين مع غيرهم والمعاهدات

- ‌مقدمة عن الوزارة في الدولة الإسلامية

- ‌وزارة التفويض

- ‌وزارة التنفيذ

- ‌مقارنة بين وزارة التفويض ووزارة التنفيذ

- ‌الإمارة على الأقاليم

- ‌ أنواع الإمارة على الأقاليم

- ‌الأسس التي قامت عليها علاقة المسلمين بغيرهم

- ‌حرية العقيدة

- ‌العدل

- ‌الوفاء بالعهد

- ‌الفضيلة

- ‌التسامح

- ‌الرحمة

- ‌أساس العلاقة بين المسلمين، وغيرهم: السلم

- ‌أحكام الدارين

- ‌مقدمة عن المعاهدات في الإسلام

- ‌أنواع المعاهدات في الشريعة الإسلامية

- ‌أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية

- ‌الدرس: 16 القضاء ووسائل التثبت والإثبات في النظام الإسلامي

- ‌ مشروعية القضاء وأهميته

- ‌تاريخ القضاء في الإسلام

- ‌أركان القضاء

- ‌الدعوى وشروطها

- ‌ الدعوى:

- ‌تعارض الدعويين مع تعارض البينتين

- ‌وسائل الإثبات

- ‌ التثبت من وسائل الإثبات

- ‌الحكم

- ‌القضاء في المملكة العربية السعودية

الفصل: ‌أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية

البطون القرشية بعد موت قصي بن كلاب الذي كان يهيئ الطعام للحجاج مما تقدمه له قريش، وكان موضوع الحلف هو توزيع الخدمات للحجاج على كل قبيلة من سقاية، ورفادة، ولواء، وندوة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة)) -يعني: يريد المعاقدة على الخير، وتأمين موارد الحجيج، ونصرة الحق، وكانت هناك معاهدات تجارية متعددة بين العرب، والأوربيين منها معاهدة سنة 913 هـ بين أمير بادس في المغرب، وبين أهالي البندقية التي تسمح للبنادقة بالنزول في بادس، والاتجار مع أهلها، وتؤمنهم على أنفسهم، وأموالهم، وتسامحت السلطات الإسلامية كثيرًا مع التجار.

وكانت التجارة من أسباب نشر الإسلام في شرق أسيا وأفريقيًا، لكن مع وضع بعض القيود على المبادلات التجارية لمنع إخراج الأسلحة، ووسائل الحرب من بلاد المسلمين، وحذر شراء واستيراد الخمور والخنازير، وسائر المنكرات، سواء من مسلم، أو غير مسلم، وما عدا ذلك يجوز تبادلهم؛ حتى في أثناء الحرب؛ كالأطعمة، وسائر الأقوات، والثياب، والأقمشة، والمواد الخام غير المعدنية، والمواد الكيماوية، والمنتجات الزراعية، والصناعية -غير الحربية- إلى أخره.

‌أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية

ثم نتحدث الآن عن تنظيم المعاهدة، وآثار المعاهدة، فنقول: يحتاج تنظيم المعاهدة إلى إجراءات كثيرة، ومشاورات جادة وعميقة، وتقدير أوضاع الطرفين المتعاهدين لما لها من أهمية كبرى، ولأنها تصبح بمثابة قانون، أو نظام يلزم الطرفين، ويرتب أثارًا مهمة في علاقاتهما، ومعاملاتهما، كما تؤثر المعاهدة على الأشخاص، أو الرعايا العاديين في كل بلدٍ من بلدان الجانبين.

ص: 791

وقد مرت المعاهدات بمراحل في العهد النبوي تشبه المراحل التي تعقد بها المعاهدات في العصر الحديث، والبحث يتناول ما يأتي من شئون المعاهدة:

أولًا: كيفية إبرام المعاهدة، أو شكل المعاهدة: لم تكن المعاهدة في الإسلام تخضع لتنظيم إجرائيٍ معين -كما هو مطلوب اليوم قانونا بين الدول- لأن جوهر المعاهدة يحدد بإرادة الأطراف الحرة، ولكن لا مانع شرعًا في تقديري من اتباع المراسم الشكلية الحديثة؛ لأن المعول عليه هو المضمون الموضوعي، وقد اشترط الفقهاء المسلمون ضرورة إقرار الخليفة، أو الإمام لعقود الصلح المعقودة بواسطة قائد حربي غير مفوض لإبرام الصلح، وكان المفوض بالصلح يبلغ الخليفة بما تم فيقره على فعله إذا كانت شروط المعاهدة شرعية، كما حدث في عقود الصلح التي أبرمها أبو عبيدة بن الجراح في الشام، وغيره من القادة، وكانوا يبلغون به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

فإن تولى الخليفة نفسه عقد المعاهدة -كما فعل عمر مع مصالحة أهل بيت المقدس- نفذ الصلح على المسلمين؛ لأن الخليفة ممثل الأمة، ونائبها في إبرام المعاهدة، وحرصًا على المعاهدة وتقديمها؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة جميع المحالفات، والمعاهدات بإثبات الاتفاق، وتنفيذ شروط المعاهدة، كما حدث في كتابة أول معاهدة سياسية في المدينة مع اليهود، وكما حصل فعلًا في كتابة صلح الحديبية التي سبقت بمفاوضاته عن طريق الرسل، والسفراء من الجانبين.

وتبتدئ حالة السلام بمجرد الانتهاء من العقد والاتفاق على شروط المعاهدة، وليس بعد إعلان المعاهدة رسميًا، وتبادل التصديقات كما يقضي القانون الدولي المعاصر.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد على المعاهدة، كما فعل في صلح الحديبية؛ حيث أشهد على الصلح رجالًا من المسلمين، ورجالًا من المشركين لتوثيق المعاهدة، ولا مانع

ص: 792

شرعًا من كتابة المعاهدة بلغتين، أو أكثر، كما هو الحاصل في الوقت الحاضر، وكانت المعاهدات الإسلامية تشمل العناصر الثلاثة التالية:

1 -

الديباجة أو المقدمة، وتبدأ عادة -كما لاحظنا في نماذجها- بالبسملة وهي:"بسم الله الرحمن الرحيم" ويعين فيها أسماء الطرفين المتعاهدين ومندوبيهم أو ممثليهم في التفاوض، ويذكر أيضًا تاريخ المعاهدة.

2 -

النص، ويتضمن أحكام المعاهدة، وموضوعها بعبارات موجزة، وبدون تقسيم، أو ترقيم لبنودها، كما هو شأن المعاهدات الحديثة.

3 -

الخاتمة، ويذكر فيها أسماء الشهود، وتوقيعاتهم، أو أختامهم، كما تذكر أسماء أطراف المعاهدة أو ممثليهم، وأختامهم، وتختم بعبارة تفيد الحث على الوفاء، والتشدد في احترام المعاهدة، وتسبق المعاهدة عادة بمرحلة التفاوض، ثم تبدأ مرحلة الكتابة والتحرير، ثم التوقيع والتصديق.

والتفاوض قد يكون بالخليفة نفسه، أو نائبه إذا كانت المعاهدات ذات أهمية؛ كأن يتصل موضوعها بمهادنة جيوش الأعداء، وقد يكون الأمير، أو الوالي، أو قائد الجيش ذاته، أو من يفوض لذلك إذا كانت المعاهدة أقل أهمية.

وقد يعرض الجانب غير المسلم بنود المعاهدة وشروطها، ويرسلها الوالي المسلم -يعني: يرسلها إلى الخليفة لإقرارها أو تعديلها، ثم تتم المعاهدة، كما حدث من زعيم مدينة السوس، التي كان يحاصرها أبو موسى الأشعري؛ فإنه قدم رسالة إلى أبي موسى الأشعري يطلب فيها الأمان، ثم أرسلها أبو موسى إلى عمر؛ فقبل عمر على ذلك، وعاهدهم على ذلك.

ص: 793

شروط المعاهدة:

تعقد المعاهدات بين المسلمين، وغيرهم بإرادة حرة من الجانبين؛ لتحقيق غرض مشروع، وممكن يتفق مع الأصل المنشود في علاقة المسلمين بغيرهم -وهو السلم- وهذا يعني: أنه لا بد للمعاهدة من توافر شروط معينة، وهي ما يأتي:

1 -

أهلية التعاقد: وهي أن يكون العاقد بالغًا عاقلًا رشيدًا مختارًا مسلمًا؛ فلا يصح العهد من صبي غير مميزٍ، أو مجنون، أو سكران، أو سفيه، أو مكره، أو غير مكره، ويجوز أمان الأنثى شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم:((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)) ويصح أمان الصبي المميز عند الأئمة مالك، وأحمد، ومحمد بن الحسن، دون غيرهم من الأئمة؛ للحديث السابق:((ويسعى بذمتهم أدناهم)).

ويشترط أيضًا صحة التفويض إذا كان عاقد العهد هو غير الخليفة، أو الإمام؛ فيجب أن يفوض الخليفة تفويضًا خطيًا، أو شفهيًا بالنيابة عنه بإبرام العقد عن دار الإسلام مع دولة أخرى، أو شعبٍ آخر، والأصل أن يكون العهد العام لجماعة كثيرة، أو شعبٍ، أو ولاية، ينبغي أن يكون ذلك، أو الأصل في ذلك أن يكون هذا العهد من الخليفة، أو نائبه، لكن له تفويض قائد الجيش، أو الوالي في إبرام الصلح مع العدو.

وللإمام الرقابة على التأمينات الصادرة من الأفراد بما له من الولاية العامة، ودفعا للضرر عن رعايا دار الإسلام من مسلمين، وذميين؛ إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام؛ فلا يصح أي تصرف فردي يتنافى مع المصلحة العامة، أو يتعارض مع الأصل العام في صحة الأمان؛ فإن الأمان لا يلزم الوفاء به، إلا إذا كان موافقًا مقتضى النظر الشرعي؛ لجميع الرعية من جلب المصالح، ودفع المضار.

ص: 794

ورقابة الإمام لدفع الضرر نوعان: رقابة خاصة، ورقابة عامة.

أما الرقابة الخاصة:

فتظهر فيما إذا تجاوز الشخص الصلاحيات الممنوحة له؛ كتأمين أهل حصنٍ، أو إقليم، أو بعد نهي الإمام عن التأمين؛ فيخير الإمام حينئذٍ بين إمضاء الأمان، أو رده ونقضه.

وأما الرقابة العامة:

فهي تبدو في كل أمانٍ يصدر من الأفراد، وعلى التخصيص، أمان المرأة، والعبد، والصبي، ونحوه.

ومن شروط المعاهدة أيضًا: التراضي، أو الإرادة الحرة السالمة من العيوب:

تتطلب المعاهدة -كأي عقد مدني لانعقادها وصحتها- الرضا، والاختيار من الجانبين المتعاقدين، والخلو من أي عيب من عيوب الرضا كالإكراه، والتدليس، والغرر؛ لأن التعبير عن الإرادة يجب أن يكون حرًا، واستقرار السلم لا يتحقق بدون الرضا، والاختيار، وعدم التدليس، والغلط؛ فلا تعتبر المعاهدة -الصادرة على أساس الإكراه، أو القهر، والغلبة، أو الخداع- لا تعتبر، ولا يعتد بها لمنافاة ذلك لمقتضى التعاقد.

ومن شروط المعاهدة أيضًا: وضوح المعاهدة:

يشترط أن تكون المعاهدة، واضحة النصوص، بينة الأهداف، تحدد الحقوق، والالتزامات، أو الواجبات تحديدًا لا يحتاج إلى التأويل والتلاعب بالألفاظ؛ فلا تستخدم العبارات التي فيها تورية، أو خداع، أو غش، أو غموض، والتواء،

ص: 795

كما يفعل ساسة اليوم؛ مما يوقع في الارتباك، ويحتاج إلى تفسير المعاهدة بالتحكيم، أو القضاء الدولي، وذلك يؤدي غالبًا إلى إحباط أهداف المعاهدة، وإضاعة الحقوق المشروعة، ونقض ما تم إبرامه؛ بسبب بطء القضاء، وسوء نية الدول المتحضرة.

ولقد حذرنا القرآن الكريم من مكر الأعداء فقال عز وجل: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء: من الآية: 102) وقال أيضًا: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل: من الآية: 94) وكانت معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم كصحيفة وثيقة المدينة يعني: كالصحيفة، أو الوثيقة التي عقدها مع اليهود عندما ذهب إلى المدينة بعد الهجرة، وكصلح الحديبية، ونحوهما- في غايةِ الإبانة.

أقول: كانت هذه المراجعات في غايةِ الإبانة، والوضوح، وتجنب كل ما يؤدي إلى وعورة الطريق في المستقبل، عند التنفيذ.

ونتكلم عن مدة المعاهدة فنقول: يبدأ تنفيذ المعاهدة عادة في الإسلام بمجرد الاتفاق عليها، دون حاجة إلى كتابتها، أو التوقيع، أو إعلانها، والتصديق عليها إذا صدرت ممن يفوض له عقد المعاهدة نيابة عن الدولة بدليل تنفيذ معاهدة الحديبية، ورد من جاء إلى المسلمين -كما بينا قبل إتمام المعاهدة.

وإذا نص -في المعاهدة- على تاريخ معين لبدء سريان مفعولها أصبحت نافذة المفعول من ذلك التاريخ، وأما انتهاء العمل بالمعاهدة شرعًا؛ فينص عليه عادة، وتنتهي المعاهدة بانتهاء المدة المتفق عليها لقوله تعالى:{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} (التوبة: من الآية: 4).

ص: 796

ومقدار مدة المعاهدة يختلف بحسب نوعها بدءًا، وانتهاءً؛ فبالنسبة لمدة الأمان مثلًا؛ يبدأ الأمان بعلم المستأمن بإيجاب المؤمن وتأمينه -عند جمهور الفقهاء- وبحصول القبول -عند الشافعية- وينتهي بحسب المدة المتفق عليها.

وللفقهاء أراء في الحد الأقصى للأمان؛ فيقول الشافعية والمالكية: مدة الأمان -الهدنة- لا تزيد على أربعة أشهر إذا لم يكن المستأمن سفيرًا، أو رسولًا سياسيًا؛ فتنتهي مدته بانتهاء مهمته، وذلك في حالةِ توافر القوة للمسلمين.

أما إن كانوا في ضعفٍ؛ فينظر الإمام في تقدير المدة، ويجوز له حينئذٍ مد أجل الأمان إلى عشر سنوات كالهدنة، وإن أطلق الأمان عن التوقيت حمل عن أربعة أشهر، وهذا كله في أمان الرجال، أما النساء؛ فلا يحتاج في أمانهن إلى تقييد مدة، وإذا انتهت مدة الأمان؛ يبلغ المستأمن مأمنه، وقال الحنفية: والشيعة الإمامية، والزيدية: إن مدة الأمان لا تبلغ سنة؛ حتى لا يصير المستأمن عينًا -أي: جاسوسًا- على المسلمين، وعونًا عليهم، ودليلهم مراعاة الضرورة أو الحاجة.

ووسع الحنابلة أكثر من غيرهم؛ فأجازوا عقد الأمان بدون دفع جزية لكل من المستأمن، والرسول السياسي مطلقًا، أو مقيدًا بمدة، سواء كانت المدة طويلة أم قصيرة، بخلاف الهدنة؛ فإنها لا تجوز إلا مقيدة.

وننتقل إلى مدة الهدنة، تكلمنا عن مدة الأمان، نتكلم الآن عن مدة الهدنة فنقول:

اتفق الفقهاء على أن تكون الهدنة مقدرة بأجل معين، فلا تصح المهادنة مطلقًا إلى الأبد، إنما هي عقد مؤقت، كي لا يؤدي إلى تعطيل الجهاد، ولا يجوز في رأي جماعة من الفقهاء أن تزيد عن عشر سنوات كالمدة التي في صلح الحديبية، إلا

ص: 797

أن الشافعية نصوا على أن تأقيت الهدنة هو بالنسبة لنفوس الرجال، أما الأموال؛ فيجوز العقد عليها مؤبدًا، ويصح المهادنة مع النساء من غير تقيد بمدة.

وأجاز أبو حنيفة، وأحمد أن تزيد المدة عن عشر سنوات؛ حسبما تقتضي الحاجة ذلك؛ لأنهم يقولون: أن المدة المذكورة في صلح الحديبية هي عشر سنوات ليست هي الحد الأدنى، وإنما هي حالة من الحالات لعموم قوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ويمكن التوفيق بين الرأيين بناءً على فكرة المعاهدات المؤقتة القابلة للتجديد بتحديد عشر سنوات، نقول: تتجدد تلقائيًا عند الحاجة، إلا إذا أبلغ أحد الطرفين الآخر بعدم رغبته في التجديد.

وبالنسبة للمدة لعهد الذمة، أو عقد الذمة نقول: إن عقد الذمة، أو الجزية هي معاهدة سلمية دائمة -يعني: هي قائمة على التأبيد هذا العقد قائم على التأبيد- فهو معاهدة سلمية دائمة مع غير المسلمين للاستيطان في أرض الإسلام؛ لأن الله تعالى غاية القتال الوصول إلى قبول المعاهدة مع المسلمين؛ فقال -سبحانه-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: من آية: 29) والمراد من الصغار التزام أحكام الإسلام، والمقصود من إعطاء الجزية -بالإجماع- هو القبول والالتزام؛ فعقد الذمة لا مدة له، وإنما هو بطبيعته عهد دائم، أو صلح دائم لا ينتقض إلا بما يخل بمقصوده، أو يتنافى مع أغراضه، أو بمحاربة الذميين للمسلمين، أو عدم الالتزام بالأحكام الإسلامية.

ونتكلم الآن عن انضمام الغير للمعاهدات فنقول:

هناك في عصرنا في عالم القانون الدولي نوعان من المعاهدات: معاهدات مقفلة، ومعاهدات مفتوحة.

ص: 798

أما الأولى: فهي التي لا تحتوي على نصٍ يبيح انضمام الدول الأخرى إليها فيما بعد؛ فيلزم لانضمام الغير حصول مفاوضات مع أطراف المعاهدة الأصليين، مثل معاهدة السوق الأوربية المشتركة.

وأما الثانية: وهي المفتوحة؛ فهي التي تحوي نصًا يبيح انضمام الغير إليها مثل: ميثاق الأمم المتحدة، والنوعان معروفان في الإسلام.

فالمعاهدات المقفلة مثل الأمان العام لأهل بلدٍ أو إقليم، وعقد الذمة لجماعة من غير المسلمين الذين يقبلون جنسية الدولة المسلمة، وعقد صلح مؤقت أو الهدنة قد يكون من هذا النوع، وربما يكون من النوع المفتوح، وكان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي مكة كان من نوع المعاهدات المفتوحة؛ إذ أنه ورد نص في هذا الصلح يبيح الانضمام إليه هو: "من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده؛ دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم؛ دخل فيه، وهذا نص واضح يبيح لباقي قبائل العرب الانضمام إلى جانب أحد المتعاقدين.

ثم نتكلم عن موضوع المعاهدة، وآثرها، فنقول:

يشترط فقهاء القانون الدولي أن يكون موضوع المعاهدة ممكنًا، ومشروعًا، ومشروعيته إذا كان ما يبيحه القانون، وتقره مبادئ الأخلاق، واشترط فقهاء الإسلام في موضوع المعاهدة ما يأتي:

أولًا: أن تكون المعاهدة متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لا تصادم مبدءًا من مبادئها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل شرط ليس في كتاب الله؛ فهو باطل)) وقوله: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا)) وقوله: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد)).

ص: 799

ومن الشروط أيضًا: تحقيق المصلحة الإسلامية: يشترط أن يكون في عقد المعاهدة مصلحة للمسلمين والإسلام؛ فلا بد من توافر المصلحة المشروعة في عقد الصلح، وإلا لم يجز العقد -كما قال فقهاءنا- والمصلحة المشروعة في الهدنة -أي: الصلح المؤقت- إما احتمال اعتناق الإسلام، أو إقرار السلام، وتبادل العلاقات الاقتصادية، أو الانضمام إلى دار الإٍسلام، أو دفع الضرر عن المسلمين، وغير ذلك.

ويشترط أيضًا: كون المعاهدة بتراضي الطرفين كما أوضحنا.

ويشترط أيضًا: توافر النية الحسنة لدى الطرفين؛ لأن شرط النية الحسنة مطلوب لصحة المعاهدة في الإسلام، بحيث تبطل المعاهدة إذا تم عقدها بدافع الغش، وسوء النية، لقوله تعالى:{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} (النحل: من الآية: 94) والدَّخَل هنا هو العيب الخفي الذي يدخل الشيء فيفسده.

وأما آثار المعاهدة فتختلف بحسب نوعها، ومدتها؛ فهي تظل سارية المفعول طوال المدة المتفق عليها ما لم ينقضها العدو، وتختلف آثارها بحسب نوعها؛ فإن كانت أمانًا خاصًا؛ اقتصر أثرها على عصمة دم المستأمن وماله وأولاده الصغار وزوجته، وإن كانت أمانًا عامًا لإقليم أو بلد؛ شملت جميع من كان هناك، وإن كانت هدنة فتقتصر على المهادنين، وإن كانت عقد ذمة؛ فتشمل جميع الذميين.

ويترتب على المعاهدة: إنهاء الحرب، وإقرار السلام، وعصمة النفوس، والدماء، والأعراض، والأموال، ويعيش الطرفان بأمان، وودٍ، وسلام، واطمئنان.

ص: 800

ويلتزم كل من الجانبين بتنفيذ أحكام المعاهدة، وشروطها بحسن نية؛ لأن المعاهدة تنشأ وضعًا قانونيًا يتمثل في واجبات، وحقوق للطرفين المتعاقدين.

ثم نتكلم الآن عن انقضاء المعاهدة: فالمعاهدات تنقضي بالحالات الآتية:

منها -على سبيل المثال- انتهاء مدة المعاهدة، ومنها الإخلال بشروط المعاهدة، ومنها الاعتداء من أحد الطرفين على الطرف الآخر، ومنها ارتكاب بعض الجرائم الخطيرة من العدو، ومنها أيضًا نقض المعاهدة من جانب الأعداء؛ فإذا وجدت هذه الأمور؛ ترتب على ذلك انقضاء المعاهدة.

وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن المعاهدات، وآثارها في الفقه الإسلامي، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 801