الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمامة مبحث فقهي
وننتقل الآن إلى الحديث عن الإمامة العظمى ونبحث: هل هي مبحث فقهي، أم أنها من مباحث علم الكلام؟ وبمعنى آخر: هل تُبحث في العقائد، أم أنها تُبحث في الأحكام العملية كعلم الفقه؟
هذه مسألة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، فالإمامة العظمى أو رياسة الدولة من المسائل التي أوجدت في جماهير الأمة الإسلامية الاهتمام البالغ، والخلاف الذي وصل في بعض الأحيان إلى حد لقاءات السيوف تحملها على الجانبين أيدي مسلمين، ولعل هذا هو ما حدا بأحد كبار مؤرخي الفرق الإسلامية على أن يقول: وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة في كل زمان وهذا رأي الشهرستاني في (الملل والنحل) في الجزء الأول صـ21.
الشهرستاني يقول: أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، ويبين أن السيوف لم ترفع ويقتتل المسلمون إلا على قاعدة دينية مثل الإمامة، يعني: كأن الإمامة من أكثر الأمور التي سلّت السيوف من أجلها، لكن الملاحظ أن عبارة الشهرستاني هذه فيها شيء من المبالغة، إذ أنه عمم حكمه على كل زمان فهو يقول: إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان، فهو عمّم حكمه على كل زمان قاطعًا بأن الخلاف الناشئ عن الإمامة كان أعظم خلاف بالسلاح.
نرد عليه ونقول: لم يكن بين أفراد الأمة خلاف في الإمامة أيام أبي بكر وعمر وعثمان، لا بسيف أو بغير سيف، ولم تسلّ السيوف أيامهم على شيء من الدين سوى ما كان زمن أبي بكر من لقاء بالسيوف بين المسلمين وبين المرتدين ومانعي الزكاة، وما حدث في يوم السقيفة قبل مبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين لا يعدّ نزاعًا بين طائفتين من المسلمين مسلحًا أو غير مسلح، وإنما هو نقاش وحوار بين مجموعتين كل منهما ترى رأيًا تؤمن بوجوب إبدائه، فلما رأت
إحداهما أن الحق في الجانب المقابل لها رضيت طواعية بذلك، ويحدث مثل هذا في كل موقف مشابه في كل أمة تعتريها ريح التغيير، ولم يرفع سلاح أيضًا في خلافة عمر، والسلاح الذي رفع على عثمان وأدى إلى مصرعه لم يكن محركه نزاعًا على الخلافة وإنما كانوا من أناس اعتقدوا خطأه رضي الله عنه في أمور نسبوها إليه، بل إن القتال الذي دار بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين الذين شهروا السلاح عليه لم يكن كما يتوهم البعض، لم يكن خلافا مسلحًا على الإمامة، فلم يدّع الذين قاتلوه في معركة الجمل وصفين والنهروان أنهم يقاتلون لأنهم يعتقدون بإمامة غيره، وإننا لنجد كثيرًا ممن عاصروا هذه المعارك من الصحابة وكثيرًا من العلماء يعدّون ما حدث فتنة نزلت بالمسلمين، حتى أن بعض من عاصرها اعتزل الناس فلم يقاتل لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فالقتال بين علي وغيره كان قتالًا بين أهل العدل والبغي، ولم يكن قتالًا على قاعدة دينية، وإنما كان أول سيف سلّ على الخلاف في القواعد الدينية سيف الخوارج وقتالهم من أعظم القتال وهم الذين ابتدعوا أقوالًا خالفوا فيها الصحابة وقاتلوا عليها، فلم يحدث قتال بين علي رضي الله عنه وبين من يدعون عدم إمامته، ولم يثبت أنّ أحدًا قال أيام خلافة علي إنه أحق بالخلافة منه، بل كانت الأمة معترفة بفضل عليّ وأحقيته في تولي الأمر بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه- وبينما نجد أن كثيرًا من المسلمين في المدينة قد بايع عليًّا رضي الله عنه نجد أن كلًّا من طلحة والزبير لم يبايعهما أحد ولم يطلبا المبايعة من أحد، يعني: إذا كان طلحة والزبير كانوا ضدّ عليّ فالحدث أو الخلاف الذي حدث بينهم وبين علي لم يكن بسبب
أنهم يدّعون أنهم أولى بالخلافة منه، بل كان لأمور أخرى، وهذه الأشياء التي سردناها إنما تدل على أن الإمامة لم تكن سببًا في أن اقتتل المسلمون، ولذلك هي لا تعتبر من العقائد، وإنما تعتبر من الأمور العملية التي يبحثها علم الفقه.
وعلى الرغم من المبالغة في عبارة الشهرستاني كما بيّنا إلا أن هذا لا يمنع القول بأن رياسة الدولة أو الإمامة العظمى أخذت من اهتمام جماهير الأمة قدرًا لا يتوافر مثله إلا للقليل من المسائل؛ اهتمامًا بلغ درجة الخلاف الواصل في بعض الأحيان كما قلنا إلى حدّ لقاءات السيوف بين المسلمين، وأحدثت نزاعًا سياسيًّا وفكريًّا بين طوائف الأمة أدى فيه السيف دوره في بعض الأحيان، وأدى فيه كل من اللسان والقلم دوره في كثير من الأحيان، وقد أصبحت الإمامة العظمى أو رياسة الدولة أعظم مشكلة تدور حولها البحوث السياسية الإسلامية خلال العصور المختلفة، وصارت هي المحور الذي لا تفترق عنه أفكار الباحثين في هذا المجال الخطير.
الشيعة هم أول من كتب في الإمامة العظمى، لقد صار للإمامة العظمى دور خطير في ميدان البحوث العلمية وضع أساسه شيعة عليّ رضي الله عنه وأضاف له غيرهم نتائج بحوثهم وأفكارهم، وكانت الآراء الخاصة بالإمامة العظمى تروى بطريق المشافهة التي تأخذ شكل مناظرات أو تكتب في الرسائل التي تتبادل بين المهتمين بها، أو تأخذ شكل الدرس أحيانًا، ولكن لم يظهر التأليف والكتابة المنظمة إلا في العصر العباسي الأول.
ولقد كانت الشيعة أول من كتب في الإمامة العظمى كتابات علمية منظمة نشأت نتيجة الخلاف الذي كان بينهم وبين مخالفيهم من الخوارج والمعتزلة وأهل السنة، ولما كان هذا العصر عصر الازدهار العلمي فقد راجت فيه العلوم وانتشرت
المناظرات والمجادلات، فقد بدأت الفرق الأخرى من المعتزلة والخوارج تشتبك مع الشيعة في جدل علمي يردّون به على القضايا التي يثيرها الشيعة، فنتج عن ذلك نتاج فكري خصب أضيف إلى ما لدى المسلمين من علوم، وبينما كان الجدل يجري بين الشيعة وغيرهم من الخوارج والمعتزلة كانت هناك جماعة أخرى بعيدة عن الجدال الدائر حول مسائل علم الكلام، وهي جماعة المحدثين أو أهل السنة الذين كانوا ينفرون من الخوض في مسائل علم الكلام ويشغلون أنفسهم باستنباط الأحكام الفقهية من الكتاب والسنة، ولهذا فإن بحوث أهل السنة المتصلة بموضوع الإمامة العظمى جاءت متأخرة عن بحوث غيرهم من من الفرق الأخرى، ولقد كان المتصدون للشيعة أولًا هم المعتزلة الذين مهدوا الطريق لأهل السنة الذين بدورهم أخذوا يدلون بدلوهم في هذا المجال الجديد، ولما كان الشيعة كما قدمنا هم أول من تكلم في الإمامة العظمى فقد أدرجوا بحوثهم المتصلة بها في علم الكلام؛ لأنهم يدّعون أن الإيمان بالأئمة جزء من الإيمان ولا يكون المرء مؤمنًا حتى يؤمن بالإمام، هذه الفكرة المسيطرة عليهم، هذه الفكرة هي التي جعلتهم يتكلمون عن الإمامة ويبحثوها في علم الكلام الذي هو علم التوحيد إذا صحّ التعبير، فإذن جعلوها من العقائد، وبحثوها على أنها من العقائد وليست من أحكام الفروع، بل يعتقد بعضهم أن الله لم يخلق خلقه إلا لأجل أئمتهم فيقول بعضهم: ونعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق جميع ما خلق لأهل بيته عليهم السلام وأنهم لولاهم لما خلق الله السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا أشياء مما خلق صلوات الله عليهم أجمعين، ويقول بعضهم: لا يكون العبد مؤمنًا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة عليهم السلام وإمام زمانه،
إلى غير ذلك من الأقوال التي تدل على أنهم جعلوا الإيمان بالإمام جزء من الإيمان بالله تبارك وتعالى، كل ذلك يدلنا على المدى الذي وصل إليه الشيعة في إيمانهم بالإمامة والأئمة.
وقد ترتب على هذا -كما قلنا- أن الشيعة أدمجوا المباحث المتصلة بالإمامة بمباحث علم الكلام، وعلم الكلام هو الذي يبحث فيه الأشياء التي لا يكون الإنسان مؤمنًا إلا بها مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى غير ذلك، أو ما نطلق عليه علم التوحيد، فعلم الكلام يبحث في العقائد، الشيعة بحثوا الإمامة في علم الكلام باعتباره العلم الذي يتعرض للعقيدة، ولا عقيدة لمؤمن حتى يؤمن بالأئمة كما يذهبون.
وعلى الرغم مما في ادعاء الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الإيمان من شذوذ ظاهر عن إجماع الأمة، إذ المعروف في دين الإسلام أن الكافر إذا اعتقد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأدى حقوق هذه الكلمة صار بذلك مؤمنًا، يؤيد ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام)) ففي الحديث لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالأئمة، ويقول سبحانه وتعالى:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (التوبة: من الآية: 5) ولم يذكر أيضًا في هذا الإيمان بالأئمة، وقال سبحانه وتعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (التوبة: من الآية: 11) ولم يذكر في كل ذلك الإمامة لا من قريب أو من بعيد.
ولم تُذكر الإمامة في أركان الإيمان، في الحديث المتفق عليه المبين للإسلام وللإيمان وللإحسان، فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له:((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)) ولم يذكر في ذلك الإمام ((والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره)) ولم يذكر الإمام، قال:((والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) وهو حديث متفق عليه أجمع العلماء على صحته.
والآيات القرآنية كثيرة تشرح حقيقة المؤمنين وتصفهم بالهداية من غير أدنى إشارة إلى الإمامة، معنى ذلك أن الإمامة ليست جزءًا من الإيمان كما ذهب إلى ذلك الشيعة، انظر إلى قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 2 - 4) ففي هذه الآيات لم يذكر الله تبارك وتعالى الإيمان بالإمامة، وقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) ويقول سبحانه وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177) قوله سبحانه وتعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 1 - 5).
ففي كل هذه الآيات التي ذكرناها والتي يبين فيها الحق تبارك وتعالى صفات المؤمنين، لم يذكر من ضمن هذه الصفات أنهم يؤمنون بالإمامة وبأن الإمامة ركن من الإيمان،
وأما يمكن أن يكون شبهة لهم في دعواهم أي: للشيعة القائلين بأن الإيمان بالإمامة شرط، لا نجد لهم شبهة في دعواهم إلا الحديث الذي ينسبونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقد ردّ العلماء على هذا الحديث، فيقول بعضهم في الرد: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ؟ يعني: أين الراوي؟ والحديث لا يقبل إلا براوٍ، وأين إسناد الحديث؟ وكيف يجوز أن يحتجّ بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؟ يعني: لا يقبل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا بينّا السند، بينا الطريق الذي أوصل إلينا هذا الحديث، فإذا لم يبين هذا السند فلا يعتد بهذا الحديث، هذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف؟ لأن العلماء وعلى رأسهم ابن تيمية ينكر هذا الحديث كلية، أولًا يقول بأنه ليس له سند، وأين رواة هذا الحديث وما دام ليس له رواة فلا يقبل هذا الحديث، بل يقول بأن الحديث لم يعرف إطلاقًا عند أهل العلم بالحديث، لكن هناك ربما يكون قريب من هذا، وهو الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:((من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) فهذا الحديث لا يدلّ على أن الإمامة ركن من أركان الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوضح بهذا الحديث أنه يجب على المسلم أن يطيع الإمام أو يطيع الحاكم ما دام هذا الحاكم لم يأمر بمعصية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) ثم إذا حدث وأن أصبح هذا الحاكم ظالمًا فأيضًا النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الخروج عليه إذا كان في الخروج عليه مفسدة أكبر من وجوده في الحكم، هذا هو معنى الحديث
ولا علاقة للحديث إطلاقًا بالإمامة وكونها من مباحث علم التوحيد والكلام أو من مباحث الفروع، فإذن هذا الحديث لا يدل من قريب أو من بعيد على أن الإمامة أو الإيمان بالإمامة جزء من الإيمان.
نقول: على الرغم من شذوذهم عن إجماع الأمة الإسلامية في ادعائهم أن الإمامة العظمى جزء من الإيمان والذي ثبت بطلانه بما تقدم -فإنهم لم يكتفوا بذلك، بل زادوا على ذلك بدعًا وأظهروا من الضلال ألوانًا، فقد أبان الشيعة في كتاباتهم وبحوثهم في الإمامة عن ألوان من البدع والانحراف كقولهم بعصمة الأئمة عن الخطأ، والطعن في الخلفاء الثلاثة الأوَل: أبو بكر وعثمان وعمر، والطعن في الخلفاء الثلاثة الأول طعنًا وصل إلى درجة الاتهام بكتمان ما أنزل الله، بل والطعن في سائر الصحابة وكل من لم يوافقهم فيما ذهبوا إليه، وكان طبيعيًّا أن ترد عليهم الطوائف الأخرى من المسلمين من أهل وغيرهم في مجال بحوثهم، وهم قد بحثوا ذلك في علم الكلام، فكان الأليق والأجدى أن يردّ عليهم العلماء على ما ذهبوا إليه في علم الكلام أيضًا، يقول: كان طبيعيًّا أن تردّ عليهم الطوائف الأخرى من المسلمين من أهل السنة وغيرهم في مكان بحوثهم وتناقش قضاياهم في العلم الذي أدرجوا فيه ضلالاتهم؛ حتى يتمكن المطلعون على دعاواهم من معرفة ردود العلماء عليها وبخاصة وأنهم ادعوا أن هذه الضلالة من أركان العقيدة، والحقيقة أن مباحث الإمامة ليست من أركان العقيدة في شيء كما مر، وإنما فرع من الفروع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، فمنصب رئيس الدولة أو الإمام لا يعدو أن يكون من فروض الكفايات التي إن قام بها البعض سقط عن الباقين،
وأصول الدين ليست من هذا القبيل وإنما هي من الفروض العينية التي لا تسقط عن واحد من المكلفين، بل نرى العلماء يصرحون بأن البعيد عن الخوض في مسائل الإمامة أسلم في دينه من الخائض فيها، فهذا معناه أن الإمامة ليست من أركان العقيدة وإنما هي فرع من الفروع كما قلنا، وإننا نجد العلماء يصرحون بأن مباحث الإمامة مكانها الطبيعي ليس هو علم الكلام.
وإنما المكان الطبيعي هو علم الفقه يقول بعضهم: لا نزاع أن مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق؛ لرجوعها إلى أن القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، وهي أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية لا ينتظم الأمر إلا بحصولها فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كل واحد، ولا خفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية، ولكن لما شاعت بين الناس في باب الإمامة اعتقادات فاسدة واختلافات بل اختلاقات باردة سيما من فرق الروافض والخوارج، ومالت كل فئة إلى تعصبات تكاد تفضي إلى رفض كثير من قواعد الإسلام ونقد عقائد المسلمين والقدح في الخلفاء الراشدين، مع القطع أنه ليس للبحث عن أحوالهم واستحقاقهم وأفضليتهم كثير تعلق بأفعال المكلفين ألحق المتكلمون هذا الباب بأبواب الكلام.
فهذا القول من الباحثين في موضوع الإمامة يبين أن الإمامة البحث فيها إنما يكون في علم الفروع وليس في العقائد، ليس في علم الكلام وإنما في علم الفقه، ثم يبين أنه أراد الفقهاء أن يردوا على الشيعة الذين يجعلونها من العقائد، ردوا عليهم فكان الرد المناسب أن يردوا عليهم في العقائد التي كتبوا فيها حتى يستطيع الناس أن يتبينوا الحق من الضلال.
نكتفي بهذا القدر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.