الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذهب، وعلى ذلك الذي عنده هذه النقود الورقية في هذه الأيام، سواء جنيهات مصرية أو ريالات سعودية إنما -كما قلنا- النصاب هو 85 جرام من الذهب، فإذا كان معه ما يساوي 85 جرام من الذهب قيمة العملة فهنا تجب عليه الزكاة، إذا كان ما معه أقل من 85 جرام من الذهب فلا زكاة عليه.
الزكاة في الحلي المباح والمحرم، وآراء الفقهاء
ونتحدث الآن عن نوع آخر من الزكاة متصل بزكاة النقدين الذهب والفضة، وهو زكاة الحلي، نقول: اتفق الفقهاء سلفًا وخلفًا على أن الحلي المحرم وهي ما كانت من الذهب أو الفضة للرجل في غير ضرورة كالسن، وكذا الأواني المحرمة عليهما، أو الزينة بالنسبة للرجل والمرأة، نقول: تجب فيها الزكاة إن بلغت النصاب، الحلي المحرمة اتفق الفقهاء على أنه تجب فيها الزكاة، لكنهم اختلفوا في زكاة الحلي المباح هل تجب فيه زكاة أم لا؟ فقال الليث، والمالكية، والشافعية على الأظهر عندهم، والحنابلة في ظاهر المذهب: لا زكاة في حلي المرأة المباح لها مهما بلغ مقداره. وقال الحنفية وهو قول عند الشافعية: تجب الزكاة إن بلغ نصابه.
إذن الخلاف بين الفقهاء في الحلي المباح، الحلي من الذهب المباح، هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب؟ جمهور الفقهاء يقولون بأنه لا تجب فيه الزكاة. أما الأحناف وبعض الفقهاء فيقولون تجب فيه الزكاة، والسبب في اختلاف الفقهاء في هذه المسألة هو تردد شبه الحلي بين العروض المقصود منها المنفعة المباحة، والتي لا زكاة فيها بلا خلاف، وبين التبر والذهب والفضة المقصود منها المعاملة في جميع الأشياء، والتي يجب في نصابها الزكاة بلا خلاف، فمن شبّه الحلي بالعروض
التي المقصود منها المنفعة قال: ليس فيه زكاة، ومن شبهه بالتبر والفضة المقصود منها المعاملة بها قال فيه الزكاة، وكذا اختلافهم في الآثار والنصوص الشرعية الواردة في ذلك.
والذين قالوا بوجوب الزكاة في الحلي المباح استدل هؤلاء ومن وافقهم على مذهبهم بالنصوص والآثار التي تؤيدهم فيما ذهبوا إليه، ومنها ما رواه الترمذي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:((أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -مسكتان يعني ما تلبسه المرأة في يدها لتتزين بها، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب- فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما صورين من النار يوم القيامة؟ قال فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هما لله عز وجل ولرسوله)) وقد روي هذا الحديث بعدة روايات مختلفة عند الترمذي، وأبي داود، والنسائي، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم:((فأديا زكاته)).
فهذا الحديث واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للمرأة أن الزكاة واجبة على هذا الذهب الذي في يد ابنتها، على الرغم من أن البنته كانت تلبسه تتحلى به، فهذا واضح في أن الزكاة تجب -بناء على هذا الحديث- تجب في هذا الحلي المباح بدليل تصريح النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك عندما قال:((فأديا زكاته)) يعني أخرجي الزكاة عن هذا الذهب، الذي هو في يد ابنتك.
وأيضا استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورِق -الورِق الذي هو الفضة- فقال: ما هذا يا عائشة؟
فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله؟ قال: أتؤدينَ زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار)) يعني كأن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر السيدة عائشة -رضوان الله تبارك وتعالى عليها- من أنها إذا لم تؤدي الزكاة فقد عرضت نفسها لنار جنهم والعياذ بالله، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الزكاة إنما تجب فيه، وهذا أيضا يدل على أن الزكاة تجب في الحلي المباح.
ومن الآثار التي استدل بها من قال بالوجوب ما روي عن عمر رضي الله عنه في خلافته: أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: "إن من مرَّ من قِبَلِك من نساء المسلمين أن يزكين حليهن، ولا يجعلن الإعارة بينهم تعاوضًا" وهذا واضح أيضًا وصريح في أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضوان الله تبارك وتعالى عليه- أمر أبا موسى الأشعري بأن يأخذ من نساء المسلمين الذين يمرون عليه زكاة الحلي التي يلبسونها، وهذا دليل الوجوب.
ومنها قول عائشة رضي الله عنها قالت: "لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته" وممن روي عنهم من التابعين القول بالوجوب: النخعي، وطاوس، ومجاهد، وعطاء، وجابر بن زيد، وابن سيرين، والحسن البصري، وغيرهم. هذه هي أدلة الذين قالوا بأن الزكاة تجب في الحلي المباح.
نأتي الآن إلى أدلة من قال بأنه لا زكاة في الحلي المباح، استدل أصحاب هذا المذهب وهم أهل المدينة، ومالك ومن وافقهم بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ليس في الحلي زكاة)) وهذا نص في الموضوع، وأن هذا الحلي المباح لا زكاة فيه، كما استدل أصحاب هذا المذهب بما رواه مالك رحمه الله في (الموطأ) عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه:"أن عائشة رضي الله عنها كانت تحلي بنات أخيها، وكان يتامى في حجرها، كانت تحلي لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة" أيضا من الأدلة التي استدلوا بها أن السيدة
عائشة -رضوان الله تبارك وتعالى عليها- كانت تلبس بنات أخيها الحلي، ومع ذلك لا تخرج عن هذا الحلي زكاة، وهذا دليل على أن الزكاة ليست بواجبة في الحلي المباح؛ إذ أنها لو كانت واجبة لما غاب ذلك عن السيدة عائشة -رضوان الله تبارك وتعالى عليها- ولا أخرجت الزكاة عن هذا الحلي الذي كانت تلبسه بنات أخيه.
استدلوا أيضا بما رواه مالك، عن نافع:"أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب -يعني يلبسهم الذهب- ثم لا يخرج من حليهن الزكاة" وهذا عبد الله بن عمر هو أعلم بالشريعة ولذلك لو كان هناك زكاة في هذا الحلي الذي كان يُلبسه بناته لأخرج الزكاة. وأيضا استدلوا بما روه أبو عبيد عن ابن عمر أنه كان يزوّج المرأة من بناته على عشرة آلاف، فيجعل حليها من ذلك أربعة آلاف، فكانوا لا يعطون عنه الزكاة.
وأيضا استدلوا بما روي أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كانت تحلي بناتها الذهب والفضة، ولا تزكيه نحوًا من خمسين ألفا. وأيضا بما روي عن جابر وأنس رضي الله عنهما أنهما سئلا عن الحلي: أفيه زكاة؟ فقال: لا. وأيضًا استدلوا بما رواه أبو عبيد عن القسام بن محمد أنه سئل عن صدقة الحُلي، فقال:"ما رأيت أحدًا يفعله، وقد سألت عمتي أي عائشة رضي الله عنها فقالت: ما رأيت أحدًا يفعله، وقد كان لي عقد فيه ثنتا عشرة مائة فما كنت أصدقه". يعني ما كنت أخرج زكاته.
إذن كل هذه الآثار يعني هم استدلوا بالآثار، واستدلوا بالأحاديث، كل هذه الآثار التي ذكروها عن الصحابة -رضوان الله تبارك وتعالى عليهم- تدل على أن الزكاة ليست بواجبة في الحلي المباح إذ لو كانت واجبة ما تخلف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة، أقول: ما تخلفوا عن إخراج هذه الزكاة، ولذلك بعد ذكر المذاهب وأدلتها في زكاة الحلي يتضح لنا تعارضها بعد الاعتراضات والمآخذ التي
قال بها أصحاب كل مذهب بالنسبة لأدلة المخالفين لهم والرد عليها وتضعيفها، وعند التعارض بين الأدلة يكون الترجيح بينها بالجمع بينها إن أمكن، فإذا لم يمكن الجمع فيرجّح بين الأدلة، ويؤخذ بالقوي منها دون الضعيف، ويرجح الأقوى على القوي وهكذا.
والجمع بين المذهبين معًا أي الذين يقولون بوجوب الزكاة في الحلي، والذين يقولون بعدم وجوب الزكاة فيه، أقول: الجمع بين المذهبين معًا لا يمكن العمل به؛ لتعارضهما في الحكم، وكذلك لتعادل الأدلة عند الفريقين في مجموعها قوة وضعفًا، فلم يبقَ إلا ترجيح أحد القولين أو المذهبين على الآخر، ولما كان الترجيح بمعناه الدقيق بالنسبة لنا في هذا المقام يصعب الوصول إليه لصحة أدلة كل مذهب في الجملة، والعمل بها في زمن الصحابة والتابعين، وأئمة المذاهب الفقهية فسوف نكتفي بما ذكره الفقهاء والعلماء في هذا المجال.
يقول الإمام الشيرازي الشافعي: في الحلي وإن كان لاستعمال مباح كحلي النساء وما أعد لهن، وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان: أحدهما لا تجب فيه الزكاة، لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ليس في الحلي زكاة)) ولأنه معد لاستعمال المباح، فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الإبل والبقر، يعني الإبل والبقر التي يستعملها الإنسان في الزراعة هذه لا زكاة فيها، والثاني تجب فيه الزكاة، واستخار الله فيه الشافعي واختاره، يعني اختار أنه تجب فيه الزكاة لما روي:((أن امرأة من اليمن جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معها ابنتها في يدها مسكتان غليظتان من الذهب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعطين زكاة هذا؟ فقالت: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار يوم القيامة؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله)) وأيضا الحلي من جنس الأثمان، فأشبه الدراهم والدنانير.
وقال ابن رشد بعد أن ذكر أثر جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((ليس في الحلي زكاة)) كدليل لمن لا يوجب الزكاة في الحلي، وأُثر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في المرأة التي جاءت مع ابنتها، وفي يد ابنتها مسك من ذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ والذي سبق ذكره بتمامه، والأثران ضعيفان بخاصة حديث جابر.
وقال الموصلي في باب زكاة الذهب والفضة: وتجب فيما مضروبهما وتبرهما وحليهما وآنيتهما نوى التجارة أو لم ينوِِ إذا كان ذلك لصبر+42:5 قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: من الآية: 34) علق الوجوب باسم الذهب والفضة، وأنه موجود في جميع ما ذكرنا؛ لأن المراد بالكنز عدم إخراج الزكاة، فحديث جابر وابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "كل ما لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرًا، وما أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونًا، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:((كنت ألبس أوضاحًا من الذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هي؟ فقال: إن أديتِ زكاته فليس بكنز)) فيسير تقدير الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما سوارين من ذهب، فقال:((أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار؟ قالتا: لا. فقال: فأدّيا زكاتهما)).
هذا وللمكلف اختيار ما تطمئن إليه النفس من المذهبين بعد ذكرنا لهذه النصوص ولهذه الأدلة بتمامها؛ لأن هذا الموضوع يشغل بال المسلمين كثيرا، نقول للمكلف بعد ذكرنا لهذه الأدلة أدلة القائلين بالوجوب، وأدلة القائلين بعدم الوجوب، وذكرنا لنصوص الفقهاء في هذا الأمر، نقول للمكلف اختيار ما تطمئن إليه النفس من المذهبين للعمل به بعد استخارة الله سبحانه وتعالى كما فعل الإمام الشافعي رضي الله عنه ومن مال إلى العمل بما قال به الشافعي بعد استخارته فهو أولى وأفضل، والله تبارك وتعالى أعلم.