الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأي الشافعية هو المختار؛ لأن الزكاة هنا ليست مأخوذة من الكافر، ولكن من مسلم، حيث أنها قد وجبت عليه، إلا أنه قبل أدائها قد ارتد، فبقيت متعلقة بذمته دينًا عليه حتى تؤخذ منه.
ونحن نرى أن ما ذهب إليه الشافعية هو الراجح؛ لأنه يحقق المساواة بين المواطنين في تحمل عبء الزكاة، وحتى لا يستفيد المرتد من ردته بسقوط الزكاة عنه، وبذلك يتخلص من تكليف عام المفروض أن يتساوى فيه الجميع، ما دامت توافرت الشروط اللازمة لذلك.
وبالنسبة للناحية الثانية -وهي ما ثبت عليه من زكاة حال ارتداده-: فإن ما ثبت عليه في حال ردته يرى بعض الشافعية، وبعض الحنابلة: وجوب الزكاة فيه قياس على النفقات والغرامات؛ ولأنه حق التزمه بالإسلام، فلم يسقط بالردة كحقوق الآدميين؛ ولأن الزكاة حق مال، فلا يسقط بالردة، ويأخذها الإمام من مال المرتد، كما يأخذها من المسلم الممتنع قهرًا، فإن أسلم بعد أدائها لم يلزمه أداؤها؛ لأنها سقطت عنه بأخذها، كما تسقط بأخذها من المسلم الممتنع.
ونحن نختار هذا الرأي نظرا؛ لأنه يحقق المساواة في أداء الزكاة بين المواطنين، وحتى لا يستفيد المرتد -كما قلنا- من ردته بسقوط الزكاة عنه، وبذلك تتحقق العمومية الشخصية في الزكاة.
موقف الفقهاء بالنسبة للزكاة في مال الصبي والمجنون
وبالنسبة للزكاة في مال الصبي والمجنون:
نقول: إذا كان العلماء قد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال المسلم البالغ العاقل؛ فإنهم قد اختلفوا في مال الصبي والمجنون، هل تجب فيه الزكاة؟ أم أنها لا تجب حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؟
هنا اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا نستطيع أن نردهم فيه إلى فريقين رئيسيين:
الفريق الأول: يرى عدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون إما مطلقًا، وإما في بعض الأموال.
الفريق الثاني: ويرى وجوب الزكاة في أموالهما جميعًا.
وسنوضح آراء الفريقين، ثم نبين الرأي الراجح فيما يلي:
أولًا: القائلين بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون إما مطلقًا، وإما في بعض الأموال، هؤلاء قالوا: ليس في مالهم زكاة، ينظر في ذلك لـ (المحلى) لابن حزم الجزء الخامس صـ303 وما بعدها، طبعة 1968.
ويرى الأحناف: أنه لا زكاة في مالهما إلا في الزروع والثمار، فتجب فيها الزكاة، واستدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه من أنه لا تؤخذ الزكاة من مال الصبي والمجنون بالآتي قول الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: من الآية: 103).
وجه الدلالة من الآية: أن التطهر إنما يكون من أرجاس الذنوب، ولا ذنب على الصبي والمجنون حتى يحتاج إلى تطهير وتزكية، فهما إذًا خارجان عمن تؤخذ منهم الزكاة، ينظر في ذلك الدكتور يوسف القرضاوي (فقه الزكاة) الجزء الأول صـ107 وما بعدها.
ومن أدلتهم أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق)).
وجه الدلالة من الحديث: أن رفع القلم كناية عن رفع التكليف، فهما إذًا ليسا مكلفين بالزكاة.
ومن القياس: استدلوا بقولهم: إن الزكاة عبادة محضة كالصلاة، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمجنون لا تتحقق منهما النية، فلا تجب عليهما الزكاة، كما لا تجب عليهما الصلاة.
وقالوا أيضًا: إن المصلحة تستدعي عدم وجوب الزكاة في مال الصبي، قالوا: إن مصلحتهما تدعو إلى إبقاء مالهما، وعدم فرض الزكاة فيه؛ لأن ذلك يؤدي إلى استهلاكه؛ لعدم قدرتهما على تنمية أموالهما، والنماء هو علة وجوب الزكاة، وفرض الزكاة في مالهما يعرضهما لذل الحاجة، وهوان الفقر، يراجع في ذلك الدكتور القرضاوي (فقه الزكاة) الجزء الأول صـ107 وما بعدها، و (حاشية ابن عابدين) للحنفي الجزء الثاني صـ4 وما بعدها.
هذه هي أدلة أصحاب الرأي الأول القائلون بأنه لا زكاة في مال الصبي والمجنون.
وإذا رجعنا إلى الرأي الآخر المقابل وهو رأي جمهور الفقهاء القائل بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ فنقول: ذهب إلى وجوب الزكاة في سائر أموال الصبي والمجنون الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول الثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وعبد الله بن عمر، وعلي، وعائشة، وجابر بن عبد الله -رضي الله عن الجميع- يراجع في ذلك (المغني) لابن قدامة الجزء الثاني 493 وما بعدها.
واستدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه بالآتي: عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في مال الأغنياء وجوبًا مطلقًا بلا استثناء للصبي والمجنون؛ كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (التوبة: من الآية 103) فالآية هنا جاءت عامة، لم تفرق بين ما إذا كان المأخوذ من ماله صبيًّا، أو مجنونًا، أو عاقلاً، أو بالغًا؛ ولذلك الآية بعمومها تشمل الصبي والمجنون، وما دامت تطالب المسلم بإخراج الزكاة فهي تنطبق على الصبي والمجنون أيضًا.
وكقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأَعلِِمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)) فكلمة: ((تؤخذ من أغنيائهم)) جاءت عامة، لم تفرق بين ما إذا كان هذا الغني بالغًا عاقلًا، وبين ما إذا كان صبيًّا أو مجنونًا.
فإذن: هذا الحديث يدل على أن الزكاة تجب في مال الصبي، نظرًا للعموم الوارد في الحديث.
فالآية -كما قال ابن حزم- عامة لكل صغير، وكبير، وعاقل، ومجنون؛ لأنهم كلهم محتاجون إلى طُهرة الله تعالى لهم، وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا.
وقال في الحديث: فهذا عموم لكل غني من المسلمين، وهذا يدخل فيه الصغير، والكبير، والمجنون، إذا كانوا أغنياء، يراجع في ذلك (المحلى) لابن حزم الجزء الخامس صـ298 وما بعدها.
ومنها أيضًا حديث خاص ورد في الأمر بتزكية مال اليتيم، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى، لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة)) وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة)).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعمل على تنمية أموال اليتامى، وكذلك المجانين بالتجارة وابتغاء الربح، وحذر من تركها دون تنمية، فتأكلها الصدقات، ولا شك أن الصدقة إنما تأكلها لإخراجها، وإخراجها لا يجوز إلا إذا كانت واجبة، حيث لا يجوز للولي أن يتبرع بمال الصغير في غير واجب.
فهذان الحديثان يدلان إذن على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون.
ومن الأدلة أيضًا التي استدل بها القائلون على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون: ما صح عن الصحابة من القول بوجوب الزكاة في مال اليتيم والمجنون، فقد صح ذلك عن عمر، وعبد الله بن عمر، وعائشة- رضي الله عنها وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين- ولا يعرف لهم مخالف إلا بعض الروايات التي لا يحتج بها، ينظر في ذلك (المحلى) لابن حزم الجزء الخامس صـ302 وما بعدها.
واستدلوا أيضًا بالقياس فقالوا: إن كل من وجب العشر في زرعه وجبت الزكاة في سائر أمواله كالبالغ العاقل، فإن أبا حنيفة وافقنا على إيجاب العشر في مال الصبي والمجنون، إذا كان زروع وثمار، وإيجاب زكاة الفطر في مالهما، وإذا ثبت وجوب ذلك في مالهما فكذلك تجب الزكاة في سائر أموالهما؛ أي: أن أصحاب هذا الرأي -وهم جمهور الفقهاء الذين يقولون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون- يقيسون على ما قاله أبو حنيفة من أن: الزكاة لا تجب على الصبي إلا في الزروع والثمار المملوكة لهم، فهم يقولون أو جمهور الفقهاء يقولون: نحن نقيس على الزروع والثمار، فكما أن الزكاة تجب على زروع وثمار الصبي والمجنون، تجب أيضًا الزكاة في بقية الأموال بجامع أن هذه كلها أموال مملوكة للصبي.
ومما يعتمد عليه الجمهور هو الغرض الذي من أجله شرعت الزكاة، حيث قالوا: إن الزكاة تراد لثواب المزكي، ومواساة الفقير، أي: أن الغرض منها: مواساة الفقير، والثواب الذي يكون للمزكي، والصبي والمجنون من أهل الثواب، وأيضًا من أهل المواساة؛ ولذلك يجب عليهما نفقة الأقارب، ويُعتق عليهما الأب إذا
ملكاه فوجبت الزكاة في مالهما، أيضًا هذا نوع من القياس، أي: أنه كما يجب عليهما نفقة الأقارب فكذلك -ونفقة الأقارب إنما هي مواساة- تجب عليهم الزكاة؛ لأن الزكاة إنما هي أيضًا مواساة للفقراء.
وقالوا أيضًا: إن مقصود الزكاة سد خُلة الفقراء من مال الأغنياء؛ شكرًا لله تعالى، وتطهيرًا للمال، ومال الصبي والمجنون قابل لأداء النفقات والغرامات، فلا يضيق عن الزكاة، يعني: ما دام الغرض من الزكاة هو سد خلة الفقراء والمحتاجين، والوقوف بجانبهم من مال الأغنياء، فهذا يشترك فيه الصبي وغير الصبي، والمجنون وغير المجنون؛ ولذلك تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون.
وأصحاب الرأي الثاني -وهم جمهور الفقهاء الذين يقولون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون- لم يكتفوا بهذه الأدلة التي جاءوا بها من الكتاب ومن السنة تدل على ما ذهبوا إليه؛ بل إنهم أيضًا ردوا على الأدلة التي استدل بها أصحاب الرأي الأول الذين يقولون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون.
فبالنسبة للآية وهو قول الله تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: من الآية: 103) التي استدل بها أصحاب الرأي الأول القائلون بعدم وجوب الزكاة على الصبي والمجنون، فهم يقولون: إن التطهر ليس خاصًّا بإزالة الذنوب بل يشمل تربية الخُلق، وتنمية النفس على الفضائل، وتدريبها على المعونة والرحمة، كما يشمل تطهير المال أيضًا.
إذن: هذه الآية إنما هي عامة، ليست قاصرة على التطهير من الذنوب، كما قال بذلك أصحاب الرأي الأول، وإنما هي معنى واسع أيضًا، تشمل تطهير
الذنوب، وتشمل أيضًا التطهير، أو تربية الخلق، وتنمية النفس على الفضائل، وتدريبها على المعونة والرحمة هذا يدخل فيه الصبي، ولذلك الآية لا تدل لأصحاب الرأي الأول على ما ذهبوا إليه من عدم وجوب الزكاة على الصبي والمجنون.
وبالنسبة للحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة)) وذكر منهم: ((الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق)) فقد أجاب عنه أصحاب الرأي الثاني -وهم جمهور الفقهاء- بأن المراد: رفع الإثم والوجوب، ونحن نقول: لا إثم عليهما، ولا تجب الزكاة عليهما، بل تجب الزكاة في مالهما، ويخاطب وليهما بإخراجها، كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه، ويجب على الولي دفعها.
فهم أيضًا بالنسبة لهذا الحديث -وهو: ((رفع القلم)) - الجمهور يقولون: إن معنى الحديث أنه لا إثم عليه، ولا وجوب عليه، نقول: نعم، لكن الوجوب إنما يتعلق بالمال، والوجوب عندما يتعلق بالمال يتساوى فيه الصبي وغير الصبي، والمجنون وغير المجنون، ويقيسون ذلك على الأشياء التي أتلفها الصبي للغير، فإذا قام الصبي بإتلاف مال الغير في هذه الحالة نقول: هو مسئول، وعلى الولي أن يدفع قيمة هذه المتلفات من مال الصبي، فهنا الوجوب إنما متوجه إلى المال، والوجوب إنما يكون بالنسبة للزكاة، وهذا يتساوى فيه -كما قلنا- البالغ وغير البالغ، والعاقل، والمجنون.
وأجابوا على قياسهم: الزكاة على الصلاة، بجامع أن الكل عبادة، يقولون: نحن لا ننكر كونها عبادة -التي هي الزكاة- إلا أنها عبادة متميزة بطابعها المالي الاجتماعي، فهي عبادة مالية، تجري
فيها النيابة حتى تتأدى بأداء الوكيل، حتى لو كان الوكيل ذميًّا- كما قال الحنفية- مع أنه ليس من أهل العبادة؛ لأنهم يقولون: إن قياس الزكاة على الصلاة إنما هو قياس مع الفارق؛ لأن الصلاة إنما هي عبادة بدنية محضة، لا تصح إلا من المسلم، ومن صاحبه.
أما الزكاة فهي أيضًا فوق أنها عبادة بدنية، هي أيضًا عبادة مالية، جمعت بين العبادة وبين المالية؛ ولذلك هي متميزة بطابعها المالي الاجتماعي، فكما قلنا هي: عبادة مالية تجري فيها النيابة، لكن الصلاة لا تجري فيها النيابة؛ ولذلك كان قياس الزكاة على الصلاة قياس مع الفارق، ولذلك لا يصح الاستدلال بذلك؛ فالزكاة بهذا تخالف الصلاة والصوم، فهما عبادة مختصة بالبدن، بينما الزكاة حق يتعلق بالمالك، فأشبهت نفقة الأقارب، والزوجات، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات.
وعن اشتراط النية لصحة إخراج الزكاة قال ابن حزم: نعم، وإنما أمر بأخذها الإمام، والمسلمون؛ لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فإذا أخذها من أمر بأخذها بنية أنها الصدقة أجزأت عن الغائب، والمغمى عليه، والمجنون، والصغير، ومن لا نية له، ينظر في ذلك (المحلى) لابن حزم الجزء الخامس صـ305 وما بعدها.
فكأن ابن حزم يقول هنا: ليس بلازم النية من الصبي والمجنون حتى تصح منه الزكاة؛ إنما نقول: النية تكون موجودة إذا أخذ الإمام هذه الزكاة من الصبي أو المجنون؛ لأن الإمام ومن ينيبه إنما هم مطالبون بأخذ هذه الزكاة في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} .
وفي تأييد رأي القائلين بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، يقول علماء حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية كتاب الدورة الثالثة دمشق 1952 صـ237 جامعة الدول العربية، الأمانة العامة، إدارة الشئون الاجتماعية مطبعة مصر 1955 بحث بعنوان:"الزكاة والوقف" للشيخ عبد الرحمن حسن، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف،: إن الزكاة حق المال، وهي تكليف اجتماعي سببه امتلاك المال، لا فرق في ذلك بين بالغ عاقل وغيره، كالشأن في كل تكليف اجتماعي، كما نرى في نفقة الأقارب، فإنها تجب في مال المكلف، وغير المكلف، لقريبه المحتاج العاجز عن الكسب، وإذ كانت حق المال فإنها تؤخذ منه أيًّا كان مالكه، كالعقوبات المالية الجنائية في الإسلام، وكقيم المتلفات، وكل هذا يؤخذ من مال المكلف، وغير المكلف تكليفًا دينيًّا، ينظر في ذلك إلى (حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية) التي نبهنا إليه قبل ذلك.
وقد أوصى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في صـ 402، 403 لسنة 1965 بأنه تجب الزكاة على المكلف في ماله، وتجب أيضًا في مال غير المكلف، ويؤديها عنه من ماله من له الولاية على هذا المال.
والرأي الراجح من خلال الأدلة التي ذكرناها للفريقين، والمناقشات التي وردت على بعض هذه الأدلة، وما نقلناه عن علماء حلقة الدراسات الاجتماعية، ومجمع البحوث الإسلامية يتضح لنا جليًّا: إن ما ذهب إليه الجمهور من الفقهاء من وجوب الزكاة في جميع أموال الصبي والمجنون هو الرأي الراجح؛ وذلك لما يلي:
لقوة أدلته، وتفنيد أدلة الفريق الآخر، كما ذكرنا سابقًا.
أن مقدرة المكلف على أداء الزكاة لا تتأثر بكونه صبيًّا، أو بالغًا، مجنونًا، أو عاقلًا، وأن عدم العقل أو عدم البلوغ لا يمسان طاقة المكلف الزكائية، ومركزه المالي، كما أن إسقاط الزكاة في مال الصبي والمجنون فيه إخلال صارخ بمبدأ العمومية الشخصية في الزكاة؛ لعدم إخضاع الصبي والمجنون للزكاة، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام المساواة بين المسلمين في تحمل التكاليف العامة المالية؛ التي من أهمها الزكاة، والتي قررتها الشريعة الإسلامية على المسلمين.
أيضًا: أن الصبي والمجنون يستفيدان بالمنافع العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين، فهما يتمتعان بالانتفاع بالمرافق العامة في الدولة الإسلامية من مواصلات، ومياه، وكهرباء، إلى آخره، كبقية المواطنين الذين يلتزمون بأداء الزكاة من أموالهم.
وأيضًا: فإنهما يتمتعان بالحماية التي توفرها الدولة للمواطنين، سواء حمايتها من أي اعتداء خارجي أو داخلي؛ ليكونا آمنين في المكان الذي يعيشان فيه، أو حماية أموالهما من اللصوص، وقطاع الطرق، ووفقًا لقاعدة الغُنم بالغرم: فإنه يكون من الواجب الذي تفرضه العدالة أن يتساويا -أي: الصبي والمجنون- مع غيرهما من المواطنين في تحمل التكاليف العامة المالية بإخراج الزكاة من أموالهما؛ وبذلك تتحقق المساواة بين الموطنين في تحمل الأعباء العامة المالية، والتي من أهمها الزكاة المقررة في الدولة الإسلامية.
ونخلص مما تقدم إلى أن: المكلفين بأداء الزكاة من الأشخاص الطبيعيين هم: جميع المسلمين الذين يملكون مالًا توافرت فيه شروط وجوب الزكاة، دون نظر إلى جنس من وجبت عليه، أو لونه، أو نسبه، أو طبقته الاجتماعية، فالذكر والأنثى، والصغير والكبير، والعاقل والمجنون، والشريف والوضيع، والحاكم والمحكوم أمام التكليف بأداء الزكاة سواء، أيًّا كان المكان الذي يقيمون فيه.