الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومندرجًا في عمومها، وكان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم، ولا يجعلون القضاء إلى من سواهم، وأول من دفعه إلى غيره وفوضه فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فولى أبا الدرداء معه بالمدينة، وولى شريحًا بالبصرة، وولى أبا موسى الأشعري بالكوفة، وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاء.
ثم يقول ابن خلدون في موضع آخر: إن الخلفاء كانوا يقلدون القضاء لغيرهم، وإن كان مما يتعلق بهم لقيامهم بالسياسة العامة وكثرة أشغالها من الجهاد والفتوحات وسد الثغور وحماية البيضة، واستخلفوا فيه من يقوم به تخفيفًا عن أنفسهم، وهذا معنى هذا الكلام الذي نقلناه عن ابن خلدون في مقدمته إنما يبين لنا: أنه بعدما سن عمر بن الخطاب الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية استمر هذا الفصل بعده رضي الله عنه في الدولة الإسلامية، وأصبح هناك فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وفعل ذلك عمر بن الخطاب -كما قلنا- لأن المصلحة تقتضي ذلك.
ففصل الخصومات بين الناس يحتاج إلى أناس متفرغين، أما الخليفة فقد أصبح لا يستطيع القيام بمهام الخلافة ومهام القضاء، ولذلك وجد سيدنا عمر أن المصلحة تقتضي الفصل بين الخلافة وبين تولي أعمال القضاء، وهذا ما نأخذه من المصالح المرسلة.
فالأخذ -إذن- بالمصالح المرسلة فيه تحقيق لمصلحة المجتمع الإسلامي، وهذا إنما يدخل في نطاق الأحكام السياسية.
العرف
أيضًا من الأمور التي تعتبر من المصادر للأحكام السياسية والدستورية العرف، والعرف عبارة عن: ما يعتاده الناس في أمر ما، وتستقيم عليه أمورهم، وهو يختلف عن العادة، فهي أعم من العرف، إذ هي تطلق على كل أمر متكرر صادر
من الأفراد أو من الجماعة، بينما العرف هو عادة جماهير الناس في قول أو عمل، فهي عادة غالبة على كثير من الناس، وهو أصل من أصول الفقه الإسلامي عند عدم وجود نص شرعي.
فالمقرر عند العلماء ولاسيما المالكية والحنفية: أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص.
ويقول الشيخ أبو زهرة: ولعل معناه: أن الثابت بالعرف ثابت بدليل يعتمد عليه كالنص، حيث لا نص يعني: مادام لا يوجد النص ولا اعتبار بالعرف إذا خالف نصًا من كتاب أو سنة، كما لو تعارف الناس في بعض الأوقات تناول بعض المحرمات كالخمر والزنا وأكل الربا وأشباه ذلك، فهذا عرف فاسد، يؤدي اعتباره إلى إهمال نصوص الشريعة وإتباع الشهوات، وتلك مفاسد ما جاءت الشرائع لمثلها أبدًا.
فعلى هذا يكون العرف قسمين:
عرف صحيح: لا يصادم نصًا شرعيًا، فيؤخذ به ما دام لا يوجد نص.
وعرف فاسد: فلا يصار إليه، وهو الذي يخالف نصًا قطعيًا من نصوص الشريعة الإسلامية.
ويشترط للعمل بالعرف كأصل شرعي عند عدم وجود نص ما يلي:
أن يكون العرف مضطردًا وغالبًا، بمعنى: أن الناس يعملون به في أكثر الأحوال، فلو لم يكن العرف كذلك فإنه لا يكون مضطردًا، ويكفي أن يكون معمولًا به من أكثرية الناس سواء كان عرفًا عامًا أو خاصًا.
الشرط الثاني من شروط العمل بالعرف: أن يكون العرف موجودًا وقت نشأة التصرفات التي يراد تحكيمه بشأنها، فيكون سابقًا عليها أو موازيًا لها، أما لو كان العرف ناشئًا بعد العقد أو التصرف ففي هذه الحالة لا يجوز الأخذ به.
ومن الشروط أيضًا: ألا يعارض العرف تصريح بخلافه، فإذا كشف المتعاقدان عن رغبتهما في التعامل على نحو معين فإن رغبتهما في ذلك تحترم، وتكون مقدمة على العرف؛ لأن العقد شريعة المتعاقدين، وقد صرحا برغبتهما على نحو معين كما ذكرنا، فلا يكون للدلالة اعتبار في مقابلة التصريح.
ومن الشروط أيضًا: ألا يترتب على العمل بالعرف مخالفة نص قطعي في الشرع؛ لأنه لا مجال لمعارضة نصوص الشريعة بالعرف؛ لأنه عند ذلك يكون فاسدًا لا يعتبر.
تلخص لنا إذن مما تقدم: أنه عندما عدم وجود نص في المسألة يمكن أن يحكم بشأنها العرف على الشروط المتقدمة، ولذلك يجب على كل فقيه يتصدر للفتيا: أن يكون عالمًا بالأعراف ليفتي وفقًا لها إذا احتاج إلى ذلك.