الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس عشر
(القضاء ووسائل التثبت والإثبات في النظام الإسلامي)
1 -
مشروعية القضاء وأهميته
وتاريخه وشروط الدعوى
مشروعية القضاء وأهميته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نبدأ الآن الحديث عن النظام القضائي في الإسلام، فنعرف القضاء، ونبين دليل مشروعيته، وبيان أهميته، وتاريخه عبر العصور الإسلامية المتلاحقة:
القضاء لغة: انقضاء الشيء وإتمامه، والحكم بين الناس.
وشرعًا: هو فصل الخصومات وقطع المنازعات، وعرفه الشافعية بأنه فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى أي: إظهار حكم الشرع في الواقعة، وسمي القضاء حكمًا لما فيه من الحكمة التي توجب وضع الشيء في محله لكونه يكف الظالم عن ظلمه، والأصل في مشروعيته الكتاب، والسُّنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ ولا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (ص: من الآية: 26) وقوله تعالى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّه} (المائدة: من الآية: 49) وقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْط} (المائدة: من الآية: 42) وقوله عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (النساء: من الآية: 105) ونحوها من الآيات.
وأما السُّنة فما روي عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس الحاكم للحكم بعث الله له ملكين يسددانه ويوفقانه؛ فإن عدل أقاما -يعني:
استمرا- وإن جار عرجا وتركاه)) وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وبعث عليًا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن للقضاء في المنازعات، وبعث إليهما أيضًا معاذًا، وكان عتاب بن أُسيد أول قاضٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حكموا بين الناس، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وأرسل عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا، وتولى القضاء عمر، وعلي، ومعاذ، وأبو موسى، وغيرهم، وأجمع المسلمون على مشروعية تعيين القضاة، والحكم بين الناس لما في القضاء من إحقاق الحق، ولأن الظلم متأصلٌ في الطباع البشرية، فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم.
نوع المشروعية:
القضاء فريضة محكمة من فروض الكفاية باتفاق أئمة المذاهب، فيجب على الإمام تعيين قاضٍ، ودليل الفرضية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ} (النساء: من الآية: 135) ولأنه -كما ذكر- طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقل من ينصف من نفسه، وبما أن الإمام لا يقدر عادة على فصل الخصومات بنفسه لكثرة مشاغله العامة؛ فالحاجة تدعو إلى تولية القضاء، وأما كونه فرض كفاية فلأنه أمرٌ بمعروف، أو نهي عن منكرٍ، وهما واجبان كفائيان، فالقضاء أمر من أمور الدين، ومصلحة من مصالح المسلمين تجب العناية به؛ لأن بالناس إليه حاجة عظيمة، وهو من أنواع القربات إلى الله عز وجل ولذا تولاه الأنبياء عليهم السلام قال ابن مسعود:"لأن أجلس قاضيًا بين اثنين أحب إلي من عبادة سبعين سنة".