الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجيوش، وحفظ الثغور، بل نؤكد أنه إذا اتفق وجود من تحقق فيه هذا الشرط بهذا المعنى مع الشروط الأخرى المطلوبة في الرياسة فلا يجوز العدول عنه إلى غيره ممن لم يتوافر فيه هذا الشرط بهذا المعنى؛ سيرًا على قاعدة الأمثل فالأمثل، وأما إذا لم يوجد من تحقق فيه هذا المعنى فالذي نراه أنه لا بد فيه من توافر مقدرة البت الصائب في الأمور، بعد وضوح الآراء التي يمده بها المتخصصون في النواحي المختلفة، وأما القول بالاستغناء عن اشتراط الرأي الصائب في الرياسة، والاكتفاء باستشارة أصحاب الآراء الصائبة فلا نقول به.
الكفاية الجسمية، والكفاية النفسية
وننتقل الآن إلى الشرط التاسع من شروط الإمامة العظمى، أو الشروط التي يجب توافرها في الخليفة، أو الإمام الأعظم، أو رئيس الدولة، وهو الكفاية الجسمية:
والمقصود بهذا الشرط هو سلامة الحواس والأعضاء، مما يؤثر في الرأي والعمل، فمن ناحية سلامة الحواس اشترط العلماء أن يكون سميعًا بصيرًا ناطقًا، فلا تنعقد إمامة الأصم؛ لأن صممه يمنعه عن سماع مصالح الشعب، ولأنه إذا كان مانعًا من تولي القضاء فالإمامة من باب أولى، ولا تنعقد إمامة الأعمى يقول الماوردي: إن ذهاب البصر من عقد الإمامة واستدامتها، فإذا طرأ بطلت به الإمامة؛ لأنه لما أبطل ولاية القضاء ومنع من جواز الشهادة فأولى أن يمنع من صحة الإمامة، ثم قال الماوردي: وأما عشاء العين وهو أن لا يبصر عند دخول الليل فلا يمنع من عقد الإمامة في عقد ولا استدامة؛ لأنه مرض في زمان الدعة يرجى زواله، وكذلك الأخرس لا تنعقد إمامته؛ لأن في خرسه تعطيلًا لمصالح الأمة،
وقد اختلف العلماء في طروء الخرس أو الصمم على الإمام، يعني طرأ عليه بعد ما تولى الإمامة، فذهب طائفة إلى وجوب خروج الإمام عن الإمامة إذا طرأ عليه خرس، أو صمم، كما يخرج إذا فقد بصره؛ لأن كلًّا من الخرس، والصمم له تأثيره في التدبير والعمل، وقالت طائفة أخرى: لا يخرج بطروء الصمم أو الخرس من الإمامة؛ لقيام الإشارة مقامهما، وقالت طائفة ثالثة: إن كان يحسن الكتابة لا يخرج، وإن لم يكن محسنًا لها خرج من الإمامة؛ لأن الكتابة مفهومة، والإشارة موهومة.
وقد صحح الماوردي بعد أن ذكر هذه الآراء الرأيَ الأول، وهو وجوب خروج الإمام عن الإمامة إذا طرأ عليه أحدهما.
ولا يضر ثقل السمع وضعف البصر إذا لم يمنعه من تمييز الأشخاص من انعقاد الإمامة أو دوامها.
وأما من ناحية سلامة الأعضاء فقد قسم الماوردي فقد الأعضاء إلي أربعة أقسام:
القسم الأول: ما لا يمنع من صحة عقد الإمامة، ولا من استدامتها، وهو ما لا يؤثر فقده في رأي ولا عمل ولا نهوض، ولا يشين في المنظر، مثل قطع الذكر، أو الأنثيين، فإنهما لا مدخل لهما في الرأي، وليس لهما من تأثير إلا في التناسل، فيجري ذلك مجرى العنة والإنسان العنين هو الذي لا يستطيع إتيان النساء، وقد مدح الله -سبحانه- نبيه يحيى بن زكريا عليهما السلام فقال:{وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: من الآية: 39) وفي معنى الحصور رأيان: أحدهما: أنه العنين الذي لا يستطيع إتيان النساء، وثانيهما: أنه من لا ذكر له يغشى به النساء، أو له ذكر كالنواة.
والقسم الثاني: ما يمنع من عقد الإمامة، ومن استدامتها، وهو فقد ما له تأثير في العمل، كفقد اليدين، أو له تأثير في النهوض كفقد الرجلين، فإن ذلك يؤدي إلى عجزه عن القيام بحقوق الأمة في العمل، أو النهوض، وبذلك يكون ذلك مانعًا من عقد الإمامة ابتداء، ومن استدامتها لو حدث ذلك بعد أن تولى الإمامة.
والقسم الثالث: ما يمنع بعض العمل، أو بعض النهوض، كفقد بعض اليدين، أو إحدى الرجلين، وذلك مانع من عقد الإمامة ابتداء؛ لأنه عاجز عن كمال التصرف في أمور الأمة، ولم يذكر الإمام الماوردي رأيًا يخالف ذلك.
وأما إذا طرأ ذلك على الإمام بعد انعقاد الإمامة له ففيه رأيان، أحدهما: يمنع من استدامتها؛ لأنه عجز مانع من ابتدائها، فكذلك هو مانع من استدامتها.
والثاني: لا يؤثر في استدامتها، وإن كان مانعًا من انعقادها ابتداء؛ لأن المعتبر في انعقادها كمال السلامة، وفي الخروج منها كمال النقص.
القسم الرابع: ما لا يمنع في فقده من استدامتها -أي الإمامة- واختلف في منعها ابتداء، وهو ما شان وقبح ولا أثر له في رأي، أو نهوض، أو عمل، وذلك كجدع أنف، أو فقئ إحدى العينين، فقد اتفق العلماء على أن ذلك لا يمنع من استدامة الإمامة؛ لأنه لا أثر له في شيء من حقوقها، واختلفوا في منع ذلك من عقد الإمامة ابتداء على رأيين:
أحدهما: أنه لا يؤثر في عقد الإمامة ابتداء؛ لأنه لا يخل بشيء من حقوق الإمامة.
ثانيهما: أن ذلك مانع من عقد الإمامة، والسلامة فيه شرط في صحة عقد الإمامة؛ حتى يسلم الأئمة من كل عيب يخل بتمام الهيبة التي يؤدي نقصانها إلى نفور عن الطاعة، وما أدى إلى هذا فهو نقص في حقوق الأمة.
وننتقل بعد ذلك إلى الشرط العاشر من شروط الإمامة العظمى، أو الشروط التي يجب توافرها في رئيس الدولة، وهذا الشرط هو الكفاية النفسية، نقول:
اختلفت تعابير العلماء في هذا الشرط، فبينما نجد البعض منهم يعبرون عن هذا الشرط بالشجاعة، نجد البعض الآخر عبر عنه بالكفاءة، وعلى كل حال فهذا الشرط سواء عُبر عنه بالشجاعة، أو جمع بينها وبين صحة الرأي وعبر عنهما بالكفاية قد اشترطه جمهور الفقهاء في الإمام، وعللوه -كما سبق- بأن من واجبات الإمام إقامة الحدود على مستحقيها، ولو كان جبانًا لأعجزه جبنه عن إقامتها، وحتى يمكنه اقتحام الحروب، وتجهيز الجيوش، إذن جمهور الفقهاء يرون شرط الشجاعة، أو الكفاية في الإمام الأعظم أو من يتولى الخلافة أو رياسة الدولة لماذا؟ قالوا: لأنه لو كان جبانًا لأصبح عاجزًا عن إقامة الحدود وإلا أصبح عاجز عن اقتحام الحروب وتجهيز الجيوش، وهذا من شأنه إلحاق الضرر بالدولة الإسلامية.
وقد خالف بعض العلماء في ذلك فقالوا بعدم اشتراط صفة الشجاعة في الإمام معليين ذلك بأنه يندر اجتماع هذه الصفة مع الصفات الأخرى المطلوبة في الإمام، ويمكن تفويض مقتضيات الشجاعة -أي الأمور التي تقتضي كون الإمام شجاعًا من الاقتصاص، وإقامة الحدود، وقود الجيوش إلى العدو إلى غيره- يعني بعض الفقهاء أو بعض العلماء لم يشترط هذا الشرط، لم يشترط في الإمام أن يكون شجاعًا، بل يقولون بأنه يُكتفى بذلك بأن يفوض غيره في القيام بهذه الأمور، سواء بالنسبة لتنفيذ الأحكام، أو إقامة الحدود، أو قيادة الجيوش، وتجهيز الجيوش وغير ذلك، فهو يقولون: يُكفتى بذلك، يعني الإمام يفوض غيره في هذه الأمور التي تعتمد على الشجاعة، ولا يضر عدم وجود هذا الشرط عند الإمام، وهم يقولون بأنه قلما نجد هذا الشرط مع بقية الشروط الأخرى.
والواقع أن اشتراط صفة الشجاعة في الإمام حتى يدافع عن حوزة المسلمين بالثبات في المعارك، وحتى لا يجبن عن إقامة الحدود على مستحقيها، كما علل بذلك بعض الفقهاء،