الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ]
[أَرْكَان النِّكَاح]
وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَسَائِلِ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ شَرَعَ فِي النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ بِقَوْلِهِ:
(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (النِّكَاحِ، وَ) أَحْكَامِ (الطَّلَاقِ وَ) أَحْكَامِ (الرَّجْعَةِ وَ) أَحْكَامِ (الظِّهَارِ وَ) أَحْكَامِ (الْإِيلَاءِ وَ) أَحْكَامِ (اللِّعَانِ وَ) أَحْكَامِ (الْخُلْعِ وَ) أَحْكَامِ (الرَّضَاعِ) .
فَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ جَمَعَهَا فِي تَرْجَمَةٍ اخْتِصَارًا وَذَكَرَهَا مُفَصَّلَةً، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حَقِيقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَحَلِّهِ اللُّغَوِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ فَنَقُولُ: حَقِيقَةُ النِّكَاحِ فِي اللُّغَةِ الدُّخُولُ إذْ يُقَالُ: نَكَحَ النَّوْمُ الْعَيْنَ بِمَعْنَى دَخَلَ فِيهَا، وَنَكَحَتْ الْحَصَى أَخْفَافَ الْإِبِلِ دَخَلَ فِيهَا، وَالْبَذْرُ الْأَرْضَ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ وَالْمُسَبَّبِيَّة وَعَلَى الْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَفِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَكْسِ فَإِطْلَاقُهُ فِيهِ عَلَى الْوَطْءِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، وَعَلَى الْعَقْدِ مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا بِبَيِّنَةٍ قَبْلَهُ، غَيْرُ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا إنْ حُرِّمَتْ بِالْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْآخَرِ، فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا عَقْدُ تَحْلِيلِ الْأَمَةِ إنْ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْخَصِيِّ وَالطَّارِئَيْنِ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَةٍ صِدْقًا فِيهَا، وَيَخْرُجُ بِغَيْرِ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا الْعَقْدُ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ عَلَى الْعَاقِدِ مَعَ عِلْمِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالْكِتَابِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَمُقَابِلُهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ كَانَ الْحُرْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمُقَابِلُهُ مِنْ الزِّنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالْكِتَابِ كَالْأُمِّ دَنِيَّةٌ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ كَأُمِّ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بِآدَمِيَّةٍ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ فَقَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ امْرَأَةٌ حَامِلَةٌ فَتَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ زَوْجِهَا الْجِنِّيِّ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ، فَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَكْسِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «أُبَاهِي بَدَلَ مُكَاثِرٌ» ، وَلِحَدِيثِ:«أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ» وَعَدَّ مِنْهَا النِّكَاحَ وَمَحَلُّ نَدْبِهِ إنْ رَجَّى النَّسْلَ أَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَشْتَاقُ النِّكَاحَ دُونَ خَشْيَةِ زِنًا بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ الْمُضَيِّقُ وَذَلِكَ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ صَوْمٌ وَلَا تَسَرٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ التَّسَرِّي فَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنَّ الزَّوَاجَ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ:«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الصَّوْمِ، وَالسَّرَارِي تَنْتَقِلُ طِبَاعُهُنَّ لِلْوَلَدِ، وَيُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرْجُو النَّسْلَ وَلَا تَمِيلُ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ، وَيَكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَيَحْرُمُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْشَى بِتَرْكِهِ زِنًا وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَرَامِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي التَّسَرِّي، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ مَعْنَاهَا هُنَا الْجِمَاعُ، وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَلَهُ فَوَائِدُ أَعْظَمُهَا دَفْعُ غَوَائِلِ الشَّهْوَةِ وَيَلِيهَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاتَيْنِ: فَانِيَةٌ وَهِيَ تَكْثِيرُ النَّسْلِ، وَبَاقِيَةٌ هِيَ الْحِرْصُ عَلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يُنَبِّهُ عَلَى لَذَّةِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ إذَا ذَاقَ لَذَّتَهُ يُسْرِعُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ الْمُوصِلِ إلَى اللَّذَّةِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ وَلَا سِيَّمَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَيَلِيهَا تَنْفِيذُ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبَّهُ مِنْ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَامْتِثَالُ أَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا» الْحَدِيثَ وَيَلِيهَا بَقَاءُ الذِّكْرِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِسَبَبِ دُعَاءِ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بَعْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِ أَبِيهِ بِمَوْتِهِ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعٌ:
وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا فِي الْعَقْدِ فَلَا يَبْنِي بِهَا حَتَّى يُشْهِدَا.
وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ رُبُعُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَلِيُّ وَالْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالصَّدَاقُ الْمَفْرُوضُ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرُكْنُهُ وَلِيٌّ وَصَدَاقٌ وَمَحَلٌّ وَصِيغَةٌ، وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَلِيِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِمُخَالَفَةِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا نِكَاحَ) صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ (إلَّا بِ) مُبَاشَرَةِ (وَلِيٍّ) وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ وَشُرُوطُهُ سِتَّةٌ: الْإِسْلَامُ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَالذُّكُورَةُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْأُنْثَى وَلَوْ عَلَى ابْنَتِهَا أَوْ أَمَتِهَا، وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يُزَوِّجُ الرَّقِيقُ ابْنَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْبُلُوغُ فَلَا يُزَوِّجُ الصَّبِيُّ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْعَقْلُ فَلَا يُزَوِّجُ الْمَجْنُونُ ابْنَتَهُ، فَهَذِهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَهِيَ شَرْطُ كَمَالٍ فَيُسْتَحَبُّ وُجُودُهَا كَمَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ رَشِيدًا، فَيَعْقِدُ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ عَلَى ابْنَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُ وَلِيِّهِ، فَإِنْ عَقَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لَمْ يُفْسَخْ عَقْدُهُ، بِخِلَافِ ضَعِيفِ الرَّأْيِ يَعْقِدُ لِنَحْوِ ابْنَتِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَقْدُهُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ، وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجِ الْجَمِيعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوَلِيِّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ نَهْيُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْعَضْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا جَائِزًا لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ عَاضِلًا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا تُبَالِي بِمَنْعِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَخَبَرُ:«لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» وَخَبَرُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» قَالَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُزَوِّجُ نَفْسَهَا قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا، وَتُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى نَحْوِ الصَّغِيرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عِنْدَنَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَهَلْ بِطَلَاقٍ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَلَهَا بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ حَلَالًا وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ (وَ) لَا نِكَاحَ إلَّا بِ (صَدَاقٍ) سُمِّيَ وَلَوْ حُكْمًا وَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ الدُّخُولُ عَلَى إسْقَاطِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسْخَ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا صَدَاقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَقَدْرِهِ:(وَ) لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَهَادَةِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) وَيُسْتَحَبُّ إشْهَادُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الْأَلِفُ ضَمِيرُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ (فِي) حَضْرَةِ (الْعَقْدِ فَلَا يَبْنِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَلِيَ (بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ) أَيْ الزَّوْجُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَبْنِ، وَنُسْخَةُ يُشْهِدَا بِأَلِفِ الِاثْنَيْنِ مُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا بِضَمِيرِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، فَإِنْ وَجَدَا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ كَفَى فِي الْوُجُوبِ، وَكَذَا إنْ لَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ شَاهِدَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا، بِخِلَافِ لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُمَا الْآخَرُ وَحْدَهُ وَأَشْهَدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِكْرِ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ عَلَى ثَيِّبٍ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَأَشْهَدَا مُتَفَرِّقَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سِتَّةٍ شَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الْوَلِيِّ وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى شَهَادَةُ الْإِبْدَادِ أَيْ التَّفَرُّقِ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الْإِشْهَادِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الدُّخُولِ فَوَاجِبٌ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِعَقْدِهِ وَفُسِخَ إنْ دَخَلَا بِلَاهُ، وَلِأَحَدٍ إنْ فَشَا وَلَوْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُرْمَةِ الدُّخُولِ بِلَا إشْهَادٍ، وَالْفَسْخُ بِطَلْقَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَتَكُونُ بَائِنَةً لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْفُشُوِّ شَهَادَةُ وَاحِدٍ بِالْعَقْدِ أَوْ الْبِنَاءِ، وَيَحْصُلُ الْفُشُوُّ بِالْوَلِيمَةِ وَضَرْبِ الدُّفِّ وَالدُّخَانِ، وَشَرْطُ الشَّاهِدِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَلِيٍّ لِلْمَرْأَةِ، فَلَا يَصِحُّ شَهَادَةُ وَلِيِّهَا لِاتِّهَامِهِ بِالسَّتْرِ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهَا أَذِنَتْ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا لِاتِّهَامِهِ عَلَى تَصَحُّحِ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ وَلِيٍّ لَا خُصُوصُ الْمُبَاشِرِ لِعَقْدِ نِكَاحِهَا، وَشَرْطُهُ أَيْضًا الْعَدَالَةُ وَقْتَ تَحَمُّلِ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَا تُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ إلَّا وَقْتَ الْأَدَاءِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْعُدُولُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ اُسْتُكْثِرَ الشُّهُودُ كَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ.
(تَتِمَّةٌ) بَقِيَ مِنْ الْأَرْكَانِ الْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ، أَمَّا الْمَحَلُّ فَهُوَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الْخَالِيَانِ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْإِحْرَامِ وَالْمَرَضِ وَالْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَالصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِمَا، كَأَنْكَحْتُ وَزَوَّجْت أَوْ وَهَبْت أَوْ تَصَدَّقْت أَوْ مَنَحْت أَوْ أَعْطَيْت مِنْ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، وَيَدْخُلُ فِي الدَّالِّ الْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا مِنْ النَّاطِقِ فَتَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا إنْ وَقَعَ فِي الْمُبْتَدِئِ لَفْظُ الْإِنْكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ إنَّمَا ابْتَدَأَ بِلَفْظٍ نَحْوِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ ذِكْرِ الصَّدَاقِ فَإِنَّمَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ
دِينَارٍ.
وَلِلْأَبِ إنْكَاحُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَإِنْ بَلَغَتْ وَإِنْ شَاءَ شَاوَرَهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الزَّوْجِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِئُ بِلَفْظٍ نَحْوِ الْهِبَةِ الزَّوْجَ فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ إنْ نَطَقَ بِالْإِنْكَاحِ أَوْ الزَّوَاجِ صَحَّتْ الْإِشَارَةُ مِنْ غَيْرِهِ زَوْجًا أَوْ وَلِيًّا إنْ نَطَقَ الْمُبْتَدِئُ بِنَحْوِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بُنِيَ عَلَى كَوْنِ الْمُبْتَدِئِ الْوَلِيَّ، فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ تَكْفِيَ الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَيْضًا.
قَالَ جَمِيعَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِنَحْوِ الْهِبَةِ الزَّوْجَ لَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْوَلِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ فَيَجُوزُ الْإِشَارَةُ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، يَقْضِي أَنَّ الْقَادِرَ لَا تَجُوزُ الْإِشَارَةُ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الْخُطْبَةِ لِيَسَارَتِهِمَا، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ: لَا أَرْضَى أَنَا كُنْت هَازِلًا لِأَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ جَدٌّ وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْهَزْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِمُسَاوَمَةِ السِّلَعِ لِمُجَرَّدِ اخْتِبَارِ ثَمَنِهَا، وَمِثْلُ النِّكَاحِ الطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، رَاجِعْ شَرْحَ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى خَلِيلٍ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا كُنْت هَازِلًا، وَظَهَرَ لَنَا جَوَازُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ صِحَّةَ النِّكَاحِ عَلَى وُجُوبِ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَسَلَّمَ لَنَا شُيُوخُنَا هَذَا الِاسْتِظْهَارَ حِينَ صَدَرَ الْبَحْثُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ فِي مَرَضِهِ: إنْ مِتّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ وَصَحَّ: إنْ مِتّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي بِمَرَضٍ، وَهَلْ إنْ قِيلَ بِقُرْبِ مَوْتِهِ تَأْوِيلَانِ، فَنَصَّ أَصْبَغُ عَلَى جَوَازِهَا سَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ الْمَرَضِ أَوْ قَصُرَ، وَخُرُوجُهَا عَنْ الْأَصْلِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا السَّيِّدُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ لِأَمَتِهِ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي فَقَدْ زَوَّجْت أَمَتِي مِنْ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ النِّكَاحِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِعِلْمِ أَحْكَامِهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَنْ ثَانِي الْأَرْكَانِ وَهُوَ الصَّدَاقُ بِقَوْلِهِ: (وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ رُبُعُ دِينَارٍ) مِنْ خَالِصِ الذَّهَبِ وَهُوَ وَزْنُ ثَمَانَ عَشَرَةَ حَبَّةً مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ، وَالصَّدَاقُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الصِّدْقِ لِأَنَّ وُجُودَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الزَّوْجَيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَهْرُ وَالطَّوْلُ وَالنِّحْلَةُ، وَلَمْ أَرَ حَدَّهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ خَلِيلٌ: الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ مُتَمَوَّلٌ يُمَلَّكُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لِمُحَقَّقَةِ الْأُنُوثَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا عِنْدَ إرَادَةِ نِكَاحِهَا، فَقَوْلُنَا: مُتَمَوَّلٌ جِنْسٌ يَشْمَلُ الذَّوَاتِ وَالْمَنَافِعَ، وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْقِصَاصِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا صَدَاقًا، وَقَوْلُنَا: يُمَلَّكُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا يُدْخِلُ نَحْوَ هِبَةِ أَبِيهَا لِفُلَانٍ أَوْ عِتْقِهِ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ يُقَدَّرُ دُخُولَهُ فِي مَلَكَتِهَا قَبْلَ هِبَتِهِ أَوْ قَبْلَ عِتْقِهِ، وَقَوْلُنَا: لِمُحَقَّقَةِ الْأُنُوثَةِ لِإِخْرَاجِ الْأُنْثَى الْمُشْكِلِ لِأَنَّهُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ، وَقَوْلُنَا: مِمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا دُونَ آدَمِيَّةٍ لِيَشْمَلَ الْجِنِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي جَوَابِ سَائِلِهِ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدِّينِ، وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي كَوْنِ أَقَلِّهِ رُبُعَ دِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ قِيَاسًا عَلَى إبَاحَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، فَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّهِ فَسَدَ إنْ لَمْ يُتِمَّهُ، وَيُفْسَخُ إنْ أَرَادَ الدُّخُولَ قَبْلَ إتْمَامِهِ، فَإِنْ أَتَمَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا فَسَادَ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ إتْمَامِهِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَزِمَهُ إتْمَامُ الرُّبُعِ دِينَارٍ، وَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومَ صَدَاقِ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ، فَخَرَجَتْ هَذِهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي الْفَسَادِ لَوْ عَقَدَ عَلَى إسْقَاطِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بِمَا لَا يُقْبَلُ شَرْعًا كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ تَمَلُّكُهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ، وَالصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ أَجَازُوا فِيهِ الْغَرَرَ الْخَفِيفَ، كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شُورَتِهَا أَوْ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا أَوْ عَلَى عَدَدٍ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ، وَلَوْ لَمْ يُوصَفْ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ مَشُورَةِ مِثْلِهَا فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ فِي الْمِصْرِ، وَالْمُرَادُ بِشُورَتِهَا جِهَازُهَا وَمَتَاعُ بَيْتِهَا، وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ بِاعْتِبَارِ رَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا، لِأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ مَا يَرْغَبُ بِهِ الزَّوْجُ فِي الزَّوْجَةِ بِاعْتِبَارِ دِينِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَبَلَدِهَا، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ أَقَلَّ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَكْثَرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ رضي الله عنه الْإِفْرَاطَ فِي كَثْرَةِ الصَّدَاقِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا» قَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا أَقُولُ عِنْدِي وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا وَكَثْرَةُ
يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا.
وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِرِضَاهَا وَتَأْذَنُ بِالْقَوْلِ وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا
ــ
[الفواكه الدواني]
صَدَاقِهَا.
وَلَمَّا كَانَ الْوَلِيُّ يَتَنَوَّعُ إلَى مُجْبِرٍ وَغَيْرِ مُجْبِرٍ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشُورَةِ الْمَرْأَةِ وَإِجَازَتِهَا شَرَعَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْأَبِ) الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ (إنْكَاحُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ) قَهْرًا عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَمْ تَذْهَبْ عُذْرَتُهَا لِمُقَابَلَتِهَا بِالثَّيِّبِ وَيُقَالُ لَهَا الْعَذْرَاءُ إنْ لَمْ تَبْلُغْ اتِّفَاقًا بَلْ (وَإِنْ بَلَغَتْ) وَصَارَتْ عَانِسًا عَلَى الْمَشْهُورِ (بِغَيْرِ إذْنِهَا) وَبِغَيْرِ رِضَاهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبْرُ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ وَلَوْ عَانِسًا إلَّا لِكَخَصِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ ذِي عَيْبٍ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْذُومِ وَالْمَجْنُونِ بِذِي عَيْبٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَيْهِ، كَأَعْمَى أَوْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ أَوْ دُونِهَا فِي النَّسَبِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى وَغَيْرَ الشَّرِيفِ وَالْأَقَلَّ جَاهًا كُفُؤٌ وَيُجْبِرُهَا وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُقَيَّدُ بِالْبِكْرِ الَّتِي لَمْ تُزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ زُوِّجَتْ وَطَلُقَتْ قَبْلَ إقَامَةِ سَنَةٍ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَتْ سَنَةً وَلَمْ يَمَسَّهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْبَرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهَا بِالْمَسِّ أَوْ إنْكَارِهَا، لِأَنَّ إقَامَةَ السَّنَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ مِنْ بُلُوغِهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ وَعَدَمِ جَبْرِ الْأَبِ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ بِالْعَطْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يُجْبِرْ: أَوْ أَقَامَتْ بِبَيْتِهَا سَنَةً وَأَنْكَرَتْ أَيْ الْمَسِيسَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْجَبْرِ لَا يُنَافِي نَدْبَ الْمُشَاوَرَةِ قَالَ:(وَإِنْ شَاءَ) أَيْ أَرَادَ الْأَبُ (شَاوَرَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ لِلْعِشْرَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ فَلَا يُنْدَبُ مُشَاوَرَتُهَا، وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِاَلَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أَبٍ لَهُ وَلِيٌّ فَالْجَبْرُ لِوَلِيِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِي جَبْرِ ابْنَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ، الْخِلَافُ الْجَارِي فِي مُعَامَلَاتِهِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَمَا يُجْبِرُ الْأَبُ الْبِكْرَ يُجْبِرُ الثَّيِّبَ الْمَجْنُونَةَ وَلَوْ ذَاتَ أَوْلَادٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبْرُ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ وَلَوْ عَانِسًا إلَّا لِكَخَصِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّيِّبُ إنْ صَغُرَتْ أَوْ بِعَارِضٍ أَوْ بِحَرَامٍ، وَهَلْ إنْ لَمْ تُكَرِّرْ الزِّنَا تَأْوِيلَانِ، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ فَلَا جَبْرَ لَهُ وَلَوْ ثِيبَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِفَاسِدٍ وَلَا إنْ رَشَدَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا أَوْ أَقَامَتْ بِبَيْتِهَا سَنَةً ابْتِدَاؤُهَا مِنْ بُلُوغِهَا لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الْوَطْءِ، وَسَوَاءٌ أَقَرَّتْ بِالْوَطْءِ أَوْ أَنْكَرَتْهُ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَتْ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُجْبِرُهَا إذَا أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ، وَكَلَامُ خَلِيلٍ فِي الْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا تُفِيقُ وَيُجْبِرُهَا وَلَوْ مَعَ وَلَدِهَا، وَيُشَارِكُ الْأَبَ فِي جَبْرِهَا الْحَاكِمُ حَيْثُ عَدَمُ الْأَبِ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا، وَأَمَّا الَّتِي تُفِيقُ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهَا، وَحَصَلَ عِنْدِي تَوَقُّفٌ فِي جَبْرِ الْأَبِ أَوْ الْحَاكِمِ الْمَجْنُونَةَ هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِاحْتِيَاجِهَا إلَى النِّكَاحِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ جَبْرُ الْمَجْنُونِ الذَّكَرِ؟ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَجَبْرُ أَبٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ مَجْنُونًا احْتَاجَ أَمْ لَا، لَمْ أَرَ فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَمِنْ الثَّيِّبَاتِ بِالنِّكَاحِ مَنْ تُجْبَرُ وَهِيَ الثَّيِّبُ الْكَبِيرَةُ إذَا ظَهَرَ فَسَادُهَا وَعَجَزَ وَلِيُّهَا عَنْ صَوْنِهَا فَيُجْبِرُهَا الْوَلِيُّ وَلَوْ غَيْرَ أَبٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ رَفْعُ أَمْرِهَا لِلْحَاكِمِ قَبْلَ جَبْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ مَضَى؟ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ التَّتَّائِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
الثَّانِي: قَدَّمْنَا عَنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُ الْبِكْرَ الْمُرْشِدَةَ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَأَلْحَقُوا بِهَا الْبِكْرَ الَّتِي يُرِيدُ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ ذِي عَيْبٍ يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ.
الثَّالِثُ: إذَا كَانَ لِلْأَبِ جَبْرُ ابْنَتِهِ فَالْمَالِكُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى لِأَنَّهُ الذَّكَرُ الْكَبِيرُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبَرَ الْمَالِكُ أَمَةً وَعَبْدًا بِلَا إضْرَارٍ، فَلَا يُجْبِرُ الْأَمَةَ الرَّفِيعَةَ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ، وَلَا يُجْبِرُ الْعَبْدَ عَلَى النِّكَاحِ بِمَنْ صَدَاقُهَا يَضُرُّ بِهِ، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ جَبْرُ السَّيِّدِ لِرَقِيقِهِ بِمَنْ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، فَلَا يُجْبِرُ أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا مُكَاتَبَةً وَلَا مُدَبَّرًا وَلَا مُدَبَّرَةً حَيْثُ مَرِضَ السَّيِّدُ وَلَا مُعْتَقًا لِأَجَلٍ إذَا قَرُبَ الْأَجَلُ، لَا إنْ لَمْ يَمْرَضْ أَوْ لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ، فَلَهُ جَبْرُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمَالِكُ أَقْوَى عَدَمُ جَبْرِهِ لِلرَّقِيقِ إذَا تَضْمَنَّ جَبْرُهُ مَا لَا يَرْضَاهُ الرَّقِيقُ مِمَّا يَضُرُّهُ وَجَبْرُهُ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ مِنْ نَحْوِ خَصِيٍّ وَمَجْذُومٍ، فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْأَبُ مَعَهُ مِنْ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إضْرَارِهِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ مَعَ رَقِيقِهِ (وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (فِي الْبِكْرِ) وَبَيَّنَ غَيْرَ الْأَبِ بِقَوْلِهِ: (وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ) مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ قَاضٍ (فَلَا) يَحِلُّ لَهُ أَنْ (يُزَوِّجَهَا) بِغَيْرِ إذْنِهَا (حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ) لِذَلِكَ الْغَيْرِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ، وَيُعَيَّنُ لَهَا الزَّوْجَ وَيُسَمِّي لَهَا الصَّدَاقَ وَتَرْضَى بِهِمَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ وَكَّلَتْهُ مِمَّنْ أَحَبَّ عَيَّنَ وَإِلَّا فَلَهَا الْإِجَازَةُ وَلَوْ بَعْدُ لَا الْعَكْسُ (وَ) يَكْفِي فِي (إذْنِهَا صُمَاتُهَا) أَيْ سُكُوتُهَا وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَرِضَا الْبِكْرِ صَمْتٌ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَبْكَارِ الْحَيَاءُ، وَأَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا صُنْعُهَا الطَّعَامَ حِينَ يُقَالُ لَهَا: اللَّيْلَةُ يَحْضُرُ فُلَانٌ لِنَعْقِدَ لَهُ عَلَيْك، فَتَفْرِشُ الْمَحَلَّ وَتَصْنَعُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرْبَاتِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْوَصِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيُّ الْأَبِ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ، وَأَمَّا هَذَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ لِأَنَّهُ لَهُ جَبْرُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ وَإِلَّا فَخِلَافٌ، وَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَى هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَبْلُغَ الْيَتِيمَةُ وَهِيَ الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهَا
بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا كَالرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهَا أَوْ السُّلْطَانِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّنِيَّةِ أَنْ تُوَلِّيَ أَجْنَبِيًّا.
وَالِابْنُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْفَسَادُ، أَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا مَالَ لَهَا وَلَا مُنْفِقَ.
قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ النَّصِّ عَلَى الْمُجْبِرِينَ: ثُمَّ لَا جَبْرَ فَالْبَالِغُ إلَّا يَتِيمَةً خِيفَ فَسَادُهَا وَبَلَغَتْ عَشْرًا وَشُووِرَ الْقَاضِي، وَالْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي مُوجِبَاتُ التَّزْوِيجِ، وَتَأْذَنَ لِلْوَلِيِّ بِالْقَوْلِ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْحَالِ وَالْمَالِ، وَكَوْنُ الصَّدَاقِ صَدَاقَ مِثْلِهَا، وَتَرْضَى بِالزَّوْجِ، فَإِنْ زُوِّجَتْ مَعَ فَقْدِ تِلْكَ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا فُسِخَ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ مَعَ الطُّولِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ الْأَوْلَادَ، وَمِثْلُ الْيَتِيمَةِ مَجْهُولَةُ الْأَبِ لِغُرْبَتِهَا بِالْجَلَاءِ فَيُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ بِشُرُوطِ الْيَتِيمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا لَوْ خِيفَ عَلَى الْيَتِيمَةِ الضَّيَاعُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: لَا خِلَافَ أَنَّهَا تُزَوَّجُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَجْهُولَةَ الْأَبِ كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُمَا ذَاتُ الْأَبِ الَّتِي يَقْطَعُ عَنْهَا النَّفَقَةَ وَيَغِيبُ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَيَخْشَى عَلَيْهَا الضَّيَاعَ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لَا غَيْرُهُمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الْعَشْرَ وَإِلَّا أَذِنَتْ بِالْقَوْلِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا أَبْكَارٌ سَبْعٌ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهِنَّ.
الْأُولَى: الْبِكْرُ الْمُرْشِدَةُ بَعْدَ بُلُوغِهَا لَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَأَوْلَى غَيْرُهُ إلَّا بِرِضَاهَا بِنُطْقِهَا.
الثَّانِيَةُ: الْمَعْضُولَةُ تَرْفَعُ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ فَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ وَلِيَّهَا بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ يَعْقِدُ لَهَا الْحَاكِمُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِالْقَوْلِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ أَبٍ وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِإِنْكَاحِهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا لِبَقَاءِ جَبْرِهِ.
الثَّالِثَةُ: الَّتِي تُزَوَّجُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِي الْبَلَدِ بِدَفْعِهِ صَدَاقًا فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا لِأَنَّهَا بَائِعَةٌ مُشْتَرِيَةٌ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الصَّمْتِ.
الرَّابِعَةُ: الَّتِي زُوِّجَتْ بِرَقِيقٍ وَلَوْ بَعْضَهُ وَلَوْ رَقِيقَ أَبِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهَا أَبَاهَا، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ كُفُؤٌ لِلْحُرَّةِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِعَبْدِ أَبِيهَا لِمَا يَلْحَقُهَا عِنْدَ تَزَوُّجِهَا بِعَبْدِ أَبِيهَا مِنْ الْمَعَرَّةِ.
الْخَامِسَةُ: الَّتِي تُزَوَّجُ بِنَحْوِ خَصِيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي عَيْبٍ يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهَا أَبًا كَمَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسَةُ: الْيَتِيمَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ذَاتُ الشُّرُوطِ.
السَّابِعَةُ: الْمُفْتَاتُ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي يَعْقِدُ لَهَا نَحْوُ أَخِيهَا بِدَعْوَى إذْنِهَا ثُمَّ يَسْتَأْذِنُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا، وَيَتَنَاوَلُ هَذَا جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ إذَا زُوِّجْنَ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ يُسْتَأْذَنَّ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَا يَمْضِي نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِرِضَاهُنَّ بِالْقَوْلِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْعَقْدِ فِي الْبَلَدِ وَكَوْنِ الْمُزَوَّجَةِ فِي الْبَلَدِ أَيْضًا، وَأَنْ يَقْرُبَ مَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْإِجَازَةِ، وَأَنْ لَا يُقِرَّ الْعَاقِدُ بِالِافْتِيَاتِ حَالَ الْعَقْدِ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهَا رَدٌّ قَبْلَ الرِّضَا، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ الِافْتِيَاتُ عَلَى الزَّوْجِ مَعَ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهَا، وَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا فُسِخَ الْعَقْدُ أَبَدًا، وَمِثْلُ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْمَرْأَةِ الِافْتِيَاتُ عَلَى الزَّوْجِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْأَبْكَارِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِنَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الثَّيِّبَاتِ الْغَيْرِ الْمُلْحَقَاتِ بِالْأَبْكَارِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ) الْحُرَّةَ الَّتِي لَا تُجْبَرُ (أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ) مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ (إلَّا بِرِضَاهَا وَتَأْذَنُ بِالْقَوْلِ) لِخَبَرِ: «الثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» وَقَيَّدْنَا بِاَلَّتِي لَا تُجْبَرُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَمِنْ أُلْحِقَ بِهَا مِمَّنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا تُسْتَأْذَنُ، وَبِالْحُرَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَمَةِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يُجْبِرُهَا، وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ مَا يُغْنِي عَنْ الْإِطَالَةِ هُنَا.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اعْتِبَارِ رِضَا الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ قَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ أَنْ (تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ) الشَّرِيفَةُ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا) الْخَاصِّ كَأَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا (أَوْ) بِإِذْنِ (ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا) وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (كَالرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهَا) أَيْ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ كَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَعَصَبَتِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ.
قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِذِي الرَّأْيِ الْمُسْتَوْفِي شُرُوطَ الْوَلِيِّ السِّتَّةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَهِيَ: الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، انْتَهَى لَفْظُهُ وَلِي فِيهِ وَقْفَةٌ، إذْ شُرُوطُ الْوَلِيِّ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي كُلِّ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ كَانَ الْعَاقِدُ سَيِّدًا أَوْ أَبًا، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذِي الرَّأْيِ الْكَامِلُ فِي الْعَقْلِ، وَجَزَالَةُ الرَّأْيِ بِمَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلنِّكَاحِ بِالْمُزَوَّجَةِ، وَلِذَا قَالَ التَّتَّائِيُّ: وَذُو الرَّأْيِ مَنْ تُرَدُّ إلَيْهِ الْأُمُورُ يَعْنِي الْمُشْكِلَاتِ وَيُشَاوِرُ فِيهَا لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ إذَا تَعَدَّدَتْ وَتَسَاوَتْ مَرْتَبَتُهَا وَحَصَلَ تَنَازُعٌ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ فَيُقَدِّمُهُ، الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ تَنَازَعَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي الْعَقْدِ أَوْ الزَّوْجُ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي الْأَصْلَحِ لِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لِجَزَالَةِ رَأْيِهِ وَحُسْنِ دِينِهِ وَعِلْمِهِ بِالْمَصَالِحِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ فِي الْعَقْدِ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ فَيُقَدَّمُ الْأَسَنُّ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السِّنِّ أَيْضًا زَوَّجَ الْجَمِيعَ، وَفِي تَنَازُعِهِمْ فِي الزَّوْجِ يُقَدَّمُ الْأَصْلَحُ مِنْ الْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَةِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي وَجْهِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فَقِيلَ: مَحْضُ تَعَبُّدٍ، وَقِيلَ: لِدَفْعِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي تَلْحَقُ الْوَلِيَّ إنْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَعَلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ الْعَصَبَةُ، فَإِنْ قِيلَ: الرَّجُلُ مِنْ عَشِيرَتِهَا وَلِيٌّ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِيِّهَا؟ فَالْجَوَابُ: يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ أَكِيدُ الْقَرَابَةِ كَأَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا، وَيُرَادُ بِالرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ وَمَا يَلِيهِمْ مِنْ
أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَصَبَةِ أَحَقُّ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَضَى ذَلِكَ. .
وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ الْخَاصَّةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:(أَوْ) يَأْذَنُ (السُّلْطَانُ) أَوْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَاكِمُ حَيْثُ كَانَ مُعْتَنِيًا بِأَمْرِ الشَّرِيعَةِ، فَأَوْفَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الْحَاكِمِ مُتَأَخِّرَةٌ عَمَّنْ قَبْلَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا حَاكِمٌ أَيْضًا فَوِلَايَةٌ عَامَّةٌ مُسَلَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَلَوْ كَانَتْ شَرِيفَةً، وَلِلْوَلِيِّ مِنْ ذِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا وَتَرْضَى بِهِ كَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ إذَا وَكَّلَتْهُ فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِابْنِ عَمٍّ وَنَحْوِهِ إنْ عَيَّنَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا وَتَرْضَى وَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَنَظِيرُهُ السَّيِّدُ يُعْتِقُ أَمَتَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا أَعْلَمَهَا وَرَضِيَتْ بِهِ وَبِمَا عَيَّنَهُ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ إنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ الشَّرِيفَةِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ فَفِي جَوَازِ نِكَاحِهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي) الثَّيِّبِ (الدَّنِيئَةِ) بِالْهَمْزِ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ لِلدَّنَاءَةِ، وَالدَّنِيئَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا لِعَدَمِ مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا هَلْ يَجُوزُ لَهَا (أَنْ تُوَلِّيَ) أَيْ تُوَكِّلَ رَجُلًا (أَجْنَبِيًّا) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ الْغَيْرِ مُجْبِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي لِأَشْهَبَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَيَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَحَّ بِهَا فِي دَنِيئَةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ، وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَتْ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَأَمَّا الشَّرِيفَةُ تُوَكِّلُ أَجْنَبِيًّا مَعَ الْخَاصِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ فَيُفْسَخُ، إلَّا أَنْ يَدْخُلَ وَيُطَوِّلَ بِحَيْثُ تَلِدُ الْأَوْلَادَ أَوْ يَمْضِي مَا يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ الْأَوْلَادَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بِهَا دَنِيئَةً مَعَ خَاصٍّ: لَمْ يُجْبِرْ كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وَطَالَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ خُيِّرَ الْقَرِيبُ أَوْ الْحَاكِمُ مَعَ الْقَرِيبُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ طُولٌ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فَقِيلَ يَتَحَتَّمُ الْفَسْخُ، وَقِيلَ يُخَيِّرُ الْوَلِيُّ وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ قَرُبَ فَلِلْأَقْرَبِ، أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ الرَّدُّ، وَفِي تَحَتُّمِهِ إنْ طَالَ قَبْلَهُ تَأْوِيلَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلِيَّ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُجْبِرٌ وَغَيْرُ مُجْبِرٍ، وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ عَلَى قِسْمَيْنِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ، وَالْمَنْكُوحَةُ فِي كُلٍّ إمَّا شَرِيفَةٌ أَوْ دَنِيئَةٌ، فَتَزْوِيجُ غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ شَرِيفَةً أَمْ لَا، كَانَ الزَّوْجُ خَاصًّا أَوْ عَامًّا، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْخَاصِّ مَعَ الْخَاصِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فَصَحِيحٌ مُطْلَقًا أَيْ فِي شَرِيفَةٍ أَوْ دَنِيئَةٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى مَا يَصِحُّ: وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ارْتَضَاهُ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ يَحْرُمُ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْعَامِّ مَعَ وُجُودِ الْخَاصِّ الْغَيْرِ الْمُجْبِرِ فَصَحِيحٌ فِي الدَّنِيئَةِ مُطْلَقًا كَالشَّرِيفَةِ إنْ دَخَلَ وَطَالَ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الطُّولِ وَبَيَانُ مَفْهُومِ الْقَيْدَيْنِ أَعْنِي الدُّخُولَ وَالطُّولَ فَافْهَمْ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الثَّيِّبِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالِابْنُ) وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ (أَوْلَى مِنْ الْأَبِ) فِي الْعَقْدِ عَلَى أُمِّهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ إذْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ أُمَّك» أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَفِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِابْنِهَا: قُمْ يَا عُمَرُ زَوِّجْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهَا» قَالَ: وَفِي بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ جَهَالَةٌ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ عليه الصلاة والسلام يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَكَوْنُ عُمَرَ زَوَّجَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ، قُلْنَا: مُسَلَّمٌ لَكِنْ تَزْوِيجٌ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَكَوْنُهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا كَذَلِكَ؟ وَقَوْلُهُمْ: كَوْنُ عُمَرَ زَوَّجَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ كَلَامٌ سَاقِطٌ انْتَهَى بَلْ يَدُلُّ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالنَّسَبِ تَفْتَقِرُ إلَى التَّعْصِيبِ وَالِابْنُ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ تَعْصِيبًا لِأَنَّهُ يَحْجُبُ الْأَبَ نَقْصًا، وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَوَالِي مَوَالِيهَا مِنْ الْأَبِ، وَأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبِ (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى هُوَ مَا فَهِمَهُ جُلُّ شُيُوخِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: فَإِنْ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَعَ أَقْرَبَ مَضَى وَصَحَّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ بِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ.
الثَّانِي: مَحَلُّ تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ مَا لَمْ تَكُنْ الثَّيِّبُ فِي حِجْرِ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا أَوْ مُقَدَّمَ قَاضٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الْأَبِ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ كُلٌّ عَلَى الِابْنِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ مِنْ زِنًا وَلَمْ تُثَيَّبْ قَبْلَهُ بِنِكَاحٍ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَبُ لِبَقَاءِ جَبْرِهِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً؛ لِأَنَّ أَبَاهَا يُجْبِرُهَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ بِنِكَاحٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زِنًا بَعْدَ ذَلِكَ فَالِابْنُ يُقَدَّمُ فِي هَذِهِ عَلَى أَبِيهَا فَافْهَمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلثَّيِّبِ ابْنٌ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهَا أَحَقُّ بِنِكَاحِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَالْأَبُ) الشَّرْعِيُّ (أَوْلَى مِنْ الْأَخِ) فِي الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَبُ عَلَى أَخِ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ أَخَاهَا إنَّمَا يُدْلِي إلَيْهَا بِأَبِيهَا، وَالْمُدْلِي إلَى شَخْصٍ بِوَاسِطَةٍ يُحْجَبُ بِهَا، وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ الزِّنَا مَقْطُوعَةُ النَّسَبِ، فَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْمَاءِ
الطِّفْلَ فِي وِلَايَتِهِ وَلَا يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا وَلَيْسَ ذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءُ مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
فِي الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ حَرُمَ التَّزْوِيجُ بِهَا لِقُبْحِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ فَيُزَوِّجُهَا أَخُوهَا الشَّقِيقُ أَوْ لِأَبِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخٌ وَلَا ابْنُهُ فَجَدُّهَا أَبٌ أَبِهَا دَنِيَّةً لَا جَدُّ جَدِّهَا، فَعَمُّهَا ابْنُ الْجَدِّ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمٌّ فَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ كَذَلِكَ صُعُودًا أَوْ هُبُوطًا، وَيُقَدَّمُ الشَّقِيقُ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأُخْتَانِ عَلَى غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَخَ وَابْنَهُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْجَدِّ هُنَا، كَمَا يُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْوَلَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَصَبَةِ) فَهُوَ (أَحَقُّ) وَقَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ، وَقُدِّمَ شَقِيقٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَحَقَّ أَنَّهُ أَوْلَى بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ عَلَى وَلِيَّتِهِ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ، فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْلَى وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى أَحَقَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَضَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْعَصَبَةِ عَنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ فَلَا دَخْلَ لَهُمَا فِي النِّكَاحِ إلَّا بِطَرِيقِ وِلَايَةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمُرِيدَةِ النِّكَاحِ وَلَوْ بِكْرًا أَوْلَى مِنْ النَّسَبِ فَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الْمُعْتِقُ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي الْأَسْفَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلًى فَالْكَافِلُ وَهُوَ الذَّكَرُ الَّذِي رَبَّى الْمَكْفُولَةَ وَحَضَنَهَا لِفَقْدِ أَبِيهَا حَتَّى بَلَغَتْ وَطَلَبَتْ النِّكَاحَ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْكَافِلُ الْوِلَايَةَ، فَقِيلَ عَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَقِيلَ مُدَّةٌ بِحَيْثُ يُعَدُّ فِيهَا مُشْفِقًا، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْكَافِلَ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَّا عَلَى الدَّنِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهَا وَلِيٌّ وَلَا كَافِلٌ فَالْحَاكِمُ الْمُعْتَنِي بِالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ آخِرُ الْأَوْلِيَاءِ الْخَاصَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ تُوَكِّلُ مَنْ تَخْتَارَهُ مِنْهُمْ وَيُزَوِّجُهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَلَوْ بِكْرًا.
(وَإِنْ زَوَّجَهَا) أَيْ الثَّيِّبَ غَيْرَ الْمُجْبَرَةِ الْوَلِيُّ الْخَاصُّ (الْبَعِيدُ) مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ كَتَزْوِيجِ أَخِيهَا غَيْرِ الْمُفَوَّضِ مَعَ وُجُودِ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا مَعَ وُجُودِ أَخِيهَا (مَضَى ذَلِكَ) قَالَ خَلِيلٌ وَصَحَّ بِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ وَإِلَّا فُسِخَ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَقَوْلُنَا غَيْرِ الْمُفَوَّضِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَخِ الَّذِي فَوَّضَ إلَيْهِ أَبُوهُ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ أُمُورِ الدُّنْيَا سِوَى الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ ثُمَّ تَعَدَّى وَعَقَدَ عَلَى أُخْتِهِ الْبِكْرِ وَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهَا وَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَجَازَهُ فَإِنَّهُ يَمْضِي.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ جَازَ يُجْبِرُ فِي ابْنٍ وَأَخٍ وَجَدٍّ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ بِبَيِّنَةٍ جَازَ، وَلَوْ كَانَتْ الشُّهُودُ لَمْ تَسْمَعْ صِيغَةَ تَفْوِيضِهِ لَهُ، وَإِنَّمَا شَهِدَتْ بِمُشَاهَدَةِ التَّصَرُّفِ الْمُشْبِهِ لِتَصَرُّفِ الْمُفَوِّضِ لَهُ بِالصِّيغَةِ (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَغْيِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمُضِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ مِنْ بَابِ الْأَوْجَبِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَصَحَّ بِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ وَلَمْ يَجُزْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُلُّ شُيُوخِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَطْ، وَأَنَّ مُخَالَفَتَهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ فِيهِ تَأْوِيلَانِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، فَأَوَّلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا ظَاهِرٌ فِيمَا عَلَيْهِ جُلُّ شُيُوخِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا ظَاهِرٌ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ خَلِيلٍ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ فَافْهَمْ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِ زَوْجِهَا الْبَعِيدِ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُسَاوِيهِ أَحْرَى بِالْمُضِيِّ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَحَلُّ الْمُضِيِّ إذَا زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ لِكُفُؤٍ، فَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ فَيَصِلُ فِيهِ إنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا بِالِاعْتِقَادِ رُدَّ نِكَاحُهُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي الدِّينِ حَقٌّ لِلَّهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهَا، بِخِلَافِ لَوْ زَوَّجَهَا لِدَنِيءٍ فِي النَّسَبِ أَوْ فَقِيرٍ أَوْ فَاسِقٍ بِجَارِحَةٍ أَوْ بِذِي عَيْبٍ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَةِ فَلَا يَرُدُّ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ أَسْقَطَتْهَا الْمَرْأَةُ مَعَ الْوَلِيِّ سَقَطَتْ مُرَاعَاتُهَا، وَإِنْ أَسْقَطَهَا أَحَدُهُمَا فَحَقُّ الْآخَرِ بَاقٍ؟ قَالَ خَلِيلٌ: وَالْكَفَاءَةُ الدِّينُ وَالْحَالُ وَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا أَيْ الْكَفَاءَةِ فِي التَّدَيُّنِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ عَدَمِ الْفِسْقِ بِالْجَارِحَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ الْإِسْلَامَ، إذْ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ وَلَا لِلْوَلِيِّ تَرْكُ الْإِسْلَامِ وَالرِّضَا بِالْكَافِرِ فَافْهَمْ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَائِبِ الْأَبِ وَهُوَ الْوَصِيُّ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجُوزُ (لِلْوَصِيِّ) الذَّكَرِ (أَنْ يُزَوِّجَ الطِّفْلَ) الذَّكَرَ (الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ) إذَا طَلَبَ الطِّفْلُ ذَلِكَ وَكَانَ فِي تَزْوِيجِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا يُجْبِرُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَمَرَهُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْبِرُهُ الْوَصِيُّ إذَا كَانَ لَهُ جَبْرُ الْأُنْثَى وَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ وَإِلَّا فَخِلَافٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَتَزْوِيجِهِ مِنْ مُوسِرَةٍ أَوْ شَرِيفَةٍ أَوْ ابْنَةِ عَمٍّ، وَمِثْلُ الْوَصِيِّ فِي اعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ الْأَبُ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبَرَ أَبٌ وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ مَجْنُونًا احْتَاجَ وَصَغِيرًا، وَفِي السَّفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْمَجْنُونِ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ لِإِقْبَالِهِ عَلَى الْفَسَادِ، وَكَذَا لِلْخِدْمَةِ عِنْدَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْخِدْمَةُ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ نَحْوِ الزَّوْجَةِ، وَهَذَا فِي الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا، وَأَمَّا مُتَقَطِّعُ الْجُنُونِ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَبْرِ الْمَجْنُونَةِ، وَمَعْلُومٌ
الْعَصَبَةِ.
وَلَا يَخْطُبُ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ وَذَلِكَ إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُجْبِرُ الْمَجْنُونَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَاقِيَةٌ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ جُنُونُهُ فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ لِلْحَاكِمِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ الصَّدَاقَ عَنْ الطِّفْلِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَدَاقُهُمْ إنْ أُعْدِمُوا عَلَى الْأَبِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَيْسَرُوا بَعْدُ وَلَوْ شُرِطَ ضِدُّهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ إلَّا لِشَرْطٍ، وَالضَّمِيرُ لِلْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهُمْ الْوَصِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ فَصَدَاقُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَوْ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيُّ وَلَا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمَا.
الثَّانِي: قَيَّدْنَا الْوَصِيَّ بِالذِّكْرِ، وَأَمَّا الْأُنْثَى إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً عَلَى ذَكَرٍ فَلَهَا مُبَاشَرَةُ عَقْدِ نِكَاحِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً عَلَى أُنْثَى لَوَجَبَ عَلَيْهَا التَّوَكُّلُ فِي مُبَاشَرَةِ عَقْدِهَا لِوُجُوبِ ذُكُورَةِ وَلِيِّهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَمُعْتَقَةٌ وَإِنْ أَجْنَبِيًّا كَعَبْدٍ أَوْ وَصِيٍّ، وَلَهَا اخْتِيَارُ الزَّوْجِ وَتَقْرِيرُ الصَّدَاقِ.
ثُمَّ صَرَّحَ بِحُكْمِ الطِّفْلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُزَوِّجُ) الْوَصِيُّ مُطْلَقًا (الصَّغِيرَةَ) الَّتِي فِي وِلَايَتِهِ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا) أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطِّفْلِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَ وَكَانَ فِي نِكَاحِهِ مَصْلَحَةٌ دُونَ الطِّفْلَةِ، أَنَّ الطِّفْلَ إذَا بَلَغَ وَكَرِهَ النِّكَاحَ لَهُ الْفَسْخُ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْأُنْثَى لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّ إنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ كَانَ لَهُ جَبْرُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِجْبَارِ وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُنْثَى حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ بِالْقَوْلِ، وَأَمَّا الذَّكَرُ فَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ وَلَوْ أُنْثَى أَنْ يُزَوِّجَهُ إذَا طَلَبَ وَكَانَ فِي نِكَاحِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا يَجُوزُ جَبْرُهُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى الضَّيْعَةِ أَوْ عَلَى التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ لَيْسَ كَالْوَصِيِّ عَلَى ذَاتِ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَطْفَالِ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى قَبْضِ الدُّيُونِ لَا يُجْبِرَانِ، وَلَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَجَبَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مَضَى، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُجْبِرُ فِيهَا الْوَصِيُّ لَوْ جَبَرَ مَضَى بَعْدَ الْوُقُوعِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ وَجْهَ الصِّحَّةِ أَنَّهُ وَصِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ فَرَاجِعْهُ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ الْخَرَشِيِّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دَيْنِهِ صَحَّ مَا نَصَّهُ قَوْلُهُ صَحَّ أَيْ بَعْدَ الْوُقُوعِ إذَا زَوَّجَ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ، إذْ لَيْسَ لَهُ جَبْرُ بَنَاتِهِ اتِّفَاقًا، فَالْمُرَادُ زَوَّجَ مِنْهُنَّ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ بِإِذْنِهَا، وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ مَنْ تُجْبَرُ لَفُسِخَ أَبَدًا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ فَانْظُرْ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَبَقِيَ قِسْمٌ فِي الْوَصِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ الَّذِي أَوْصَاهُ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَنَا وَصِيٌّ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى عَقْدِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَنَاتِي، فَقِيلَ لَهُ الْجَبْرُ وَرُجِّحَ، وَقِيلَ لَا جَبْرَ، وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ وَإِنْ بَعُدَ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَإِذَا قَالَ وَصِيٌّ فَقَطْ أَوْ وَصِيٌّ عَلَى مَالِي، وَقُلْنَا لَا يُجْبِرُ فَإِنْ فَعَلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْضِي، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دُيُونِهِ صَحَّ، انْتَهَى لَفْظُ الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ عِنْدَ وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ إلَى قَوْلِهِ خِلَافٌ، وَرَاجَعْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فَوَجَدْته مُخَالِفًا لِمَا فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَإِنَّ كَلَامَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ كَالصَّرِيحِ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ شَيْخِنَا الْخَرَشِيِّ، وَأَيْضًا قَوْلُ خَلِيلٍ: ثُمَّ لَا جَبْرَ فَالْبَالِغُ أَيْ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَإِذْنِهَا فَرَاجِعْهُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ الْعَصَبَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَهُمْ قَرَابَاتُ الْأُنْثَى مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا كَأَخِيهَا لِأُمِّهَا وَجَدِّهَا لِأُمِّهَا وَخَالِهَا وَأَبْنَائِهِمْ (مِنْ الْأَوْلِيَاءِ) الْخَاصَّةِ (وَ) إنَّمَا تَكُونُ (الْأَوْلِيَاءُ مِنْ) جِهَةِ الْقَرَابَةِ (الْعَصَبَةِ) كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِخْوَةِ بِغَيْرِ الْأُمِّ وَالْأَعْمَامِ، وَبِقَوْلِنَا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ لَا يَرُدُّ الْمُعْتِقَ وَلَا الْكَامِلَ وَكُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا بِقَوْلِهِ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَخْطُبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) وَالْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْتِمَاسُ التَّزَوُّجِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْأَخُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَتَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ.
وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ تَرَتَّبَ الْعَدَاوَةُ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَوْمِ الشَّخْصِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: «وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» وَذَلِكَ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا) التَّقَارُبُ تَفْسِيرٌ لِلتَّرَاكُنِ، وَمَعْنَى التَّقَارُبِ الْمِيلُ إلَى الْأَوَّلِ وَالرِّضَا بِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي الْخِطْبَةِ لِلْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُعْتَبَرُ رُكُونُهَا، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ وَلِيِّهَا بِأَنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً أَوْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ حَيْثُ رَضِيَتْ بِرُكُونِ الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحُرْمَةَ بِالتَّرَاكُنِ لِفَهْمِهِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَسْتَشِيرَهُ فِيمَنْ تَنْكِحُهُ وَقَالَتْ لَهُ: إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ أَيْ لِكَثْرَةِ أَسْفَارِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ فَانْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالرُّكُونِ بِالْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ
الْبُضْعُ بِالْبُضْعِ.
وَلَا نِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ.
وَلَا النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا مَا جَرَّ إلَى غَرَرٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِخِطْبَتِهِمَا فَإِنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَقَدْ خَطَبَ أُسَامَةُ عَلَى خِطْبَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَا مُتَعَاقِبَيْنِ فَالثَّانِي خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَأُسَامَةُ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ بِإِرْشَادِهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا إلَى أُسَامَةَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُكُونُ مَنْ لَهُ الْكَلَامُ، وَمِثْلُهُ رُكُونُ أُمِّهَا حَيْثُ لَمْ تُرِدْ، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا اسْتَمَرَّ الرُّكُونُ، فَلَوْ رَجَعَتْ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ وَلِيُّهَا عَنْ الرُّكُونِ قَبْلَ خِطْبَةِ الْغَيْرِ لَمْ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا عَلَى وَلِيِّهَا أَنْ يَرْجِعَا بَعْدَ الرُّكُونِ، وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي رُجُوعِ الزَّوْجَةِ أَوْ وَلِيِّهَا.
الثَّانِي: مَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا كَانَ الرُّكُونُ لِغَيْرِ فَاسِقٍ وَالْخَاطِبُ الثَّانِي صَالِحًا قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ خِطْبَةُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرِ فَاسِقٍ وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ صَدَاقٌ وَفُسِخَ إنْ لَمْ يُبَيَّنْ، وَأَمَّا خِطْبَةُ الرَّاكِنَةِ لِلْفَاسِقِ فَلَا تَحْرُمُ إلَّا مِنْ فَاسِقٍ مِثْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَةُ غَيْرِ الْفَاسِقِ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ يُعَلِّمُهَا أُمُورَ دِينِهَا، فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّالِحِ وَمَجْهُولِ الْحَالِ يَجُوزُ لَهُمَا الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ، وَالْمُحَرَّمُ خِطْبَةُ الْفَاسِقِ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَجْهُولَ حَالٍ.
(فَإِنْ قِيلَ) : إنَّ قَيْدَ الْأَخِ لَاغٍ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّ الذِّمِّيَّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ عِنْدَ اللَّهِ.
(فَالْجَوَابُ) : أَنَّ الْفَاسِقَ عَلَى حَالِهِ لَا يُقَرُّ عَلَيْهَا شَرْعًا، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ عَلَى حَالٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الْكُفْرِ: الثَّالِثُ: إذَا حَصَلَتْ الْخِطْبَةُ الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّ عَقْدَ الثَّانِي يُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ: فَإِنْ بَنَى بِهَا فَلَا فَسْخَ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ.
الرَّابِعُ: يَخْطُبُ وَيَسُومُ بِالرَّفْعِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ، فَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ النَّهْيِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ.
الْخَامِسُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْخِطْبَةَ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْتِمَاسُ التَّزْوِيجِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ وَهِيَ الْكَلَامُ الْمُسَجَّعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَلَمْ يَذْكُرْهَا مَعَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ الْخِطْبَةِ بِالْكَسْرِ، وَتَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، وَتُسْتَحَبُّ مِنْهُمَا أَيْضًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهِيَ أَرْبَعُ خُطَبٍ، وَيُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا وَتَقْلِيلُهَا، وَالْمُبْتَدِئُ بِهَا الْخَاطِبُ عِنْدَ الْخِطْبَةِ وَالْوَلِيُّ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَصِيغَتُهَا أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ فُلَانًا أَوْ أَنَا أُرِيدُ الِاتِّصَالَ بِكُمْ أَوْ أُرِيدُ نِكَاحَ فُلَانَةَ، ثُمَّ يُجِيبُهُ الْآخَرُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَيَقُولُ الزَّوْجُ: قَبِلْت نِكَاحَهَا، وَالْوَلِيُّ يَقُولُ: أَنْكَحْتُك إيَّاهَا، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ وَالْعَقْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا فِي شَوَّالٍ، وَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُ الْعَقْدِ وَالدُّعَاءُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ: يُبَارَكُ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَنْكِحَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ (نِكَاحُ الشِّغَارِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الرَّفْعِ لِقَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْكَلْبُ رِجْلَهُ إذَا رَفَعَهَا لِيَبُولَ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ الرِّجْلِ هَذَا الْجِمَاعُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ الصَّدَاقِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ:(وَهُوَ الْبُضْعُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ (بِالْبُضْعِ) أَيْ بِالْفَرْجِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: زَوَّجَتْك ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك أَوْ أُخْتَك مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ، وَهَذَا صَرِيحُ الشِّغَارِ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَرِيحٌ وَوَجْهٌ وَمُرَكَّبٌ، فَالصَّرِيحُ الْخَالِي مِنْ الصَّدَاقِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْوَجْهُ الْمُسَمَّى فِيهِ الصِّدْقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمُرَكَّبُ الْمُسَمَّى فِيهِ الْوَاحِدَةُ دُونَ الْأُخْرَى، وَحُكْمُ صَرِيحِ الشِّغَارِ الْفَسْخُ مُطْلَقًا وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا بَعْدَهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ فَسْخِهِ بِطَلَاقٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً أَوْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونٌ قَائِلًا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: وَحُكْمُ الْوَجْهِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَحُكْمُ الْمُرَكَّبِ مِنْ الصَّرِيحِ، وَالْوَجْهُ فَسْخُ نِكَاحِ كُلٍّ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا، وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ إذَا تَوَقَّفَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا عَلَى نِكَاحِ الْأُخْرَى، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَسَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَدَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ فَلَا فَسَادَ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْبَرَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
الثَّانِي: قَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي الْفَسْخِ فِي كَوْنِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى طَلْقَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي عَلَى عِصْمَةٍ كَامِلَةٍ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ، فَعَلَى أَنَّ الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ لَا تَرْجِعُ بِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْفَسْخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَرْجِعُ بِهِ
(وَلَا) يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ (نِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ) بِأَنْ دَخَلَا عَلَى إسْقَاطِهِ وَيَكُونُ فَاسِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّدَاقَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ، وَحُكْمُ هَذَا النِّكَاحِ بَعْدَ الْوُقُوعِ الْفَسْخُ قَبْلَ
فِي عَقْدٍ أَوْ صَدَاقٍ وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِصَدَاقِهِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا مَضَى وَكَانَ فِيهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْبِنَاءِ وَالثُّبُوتُ بَعْدُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، كَكُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِصَدَاقِهِ كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ أَبَقٍ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي الْفَسْخِ: أَوْ بِمَا لَا يُمْلَكُ كَخَمْرٍ وَحُرٍّ أَوْ كَقِصَاصٍ أَوْ عَلَى إسْقَاطِهِ، وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى شَرْطِ إسْقَاطِ الصَّدَاقِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ سَكَتَا عِنْدَ وَقْتِ الْعَقْدِ، أَوْ دَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ بِاللَّفْظِ، أَوْ عَلَى تَحْكِيمِ الْغَيْرِ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَلَا فَسَادَ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ (نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَامَ الْفَتْحِ عَنْهُ» ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ، إذْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ، وَشَرْطُ فَسَادِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إعْلَامُ الزَّوْجَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْكِحُهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْلِمْهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَفْسُدُ وَإِنْ فَهِمَتْ مِنْهُ ذَلِكَ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْأَجَلِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُ أَحَدِهِمَا؟ وَمُقْتَضَى إلْغَاءِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ إلْغَاءَ مَا نَعَيْته فَلَا يَكُونُ فِيهِ نِكَاحُ مُتْعَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْأَجَلَ الْبَعِيدَ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا لَا يَكُونُ النِّكَاحُ إلَيْهِ نِكَاحَ مُتْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهَا أَوْ عُمْرُ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا وَقَعَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يَفْسَخُ: وَمُطْلَقًا كَالنِّكَاحِ لِأَجَلٍ، وَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَقِيلَ بِطَلَاقٍ، وَيُعَاقَبُ فِيهِ الزَّوْجَانِ بِغَيْرِ الْحَدِّ، وَلَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِحُرْمَةِ النِّكَاحِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالزَّوْجِ، وَلِلْمَرْأَةِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَقِيلَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ بِأَنَّهُ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ رُشْدٍ، وَفَسَادُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ خَاصَّةً، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ مَا ضُرِبَ فِيهِ الْأَجَلُ وَتُرِكَ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَالْوَلِيُّ وَالصَّدَاقُ فَالْحَدُّ فِيهِ، رَاجِعْ التَّحْقِيقَ.
(تَنْبِيهٌ) نِكَاحُ الْمُتْعَةِ كَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ، ثُمَّ حُرِّمَ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ رُخِّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ حُرِّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: نُسِخَ مَرَّتَيْنِ كَالْقِبْلَةِ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
(وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ (النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ) مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَكَذَا يَحْرُمُ التَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا وَكَذَا الْمُوَاعَدَةَ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَصَرِيحُ خِطْبَةٍ مُعْتَدَّةٍ وَمُوَاعَدَتِهَا كَوَلِيِّهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَوْ رَجْعِيًّا، دَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِلْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ حِينَ مَاتَ زَوْجُهَا: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» .
وَفِي الْمُوَطَّإِ أَيْضًا: أَنَّ صُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ زَوْجَةَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ وَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ عِدَّتَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَكَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.
وَقَوْلُنَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا صَاحِبُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ دُونَ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُبَانَةً بِالثَّلَاثِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ حُدَّ مَعَ فَسْخِ نِكَاحِهِ؟ وَلَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، كَالْمَنْكُوحَةِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مِنْ غَيْرِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ يُفْسَخُ مُطْلَقًا وَلَوْ عِدَّةَ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَفَسْخُهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَأَمَّا تَأْيِيدُ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَمَشْرُوطٌ بِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ أَوْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَبِالدُّخُولِ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ بِتَقْبِيلِهَا أَوْ التَّلَذُّذِ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ دَاخِلَ الْعِدَّةِ، وَكَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ.
الثَّانِي: مِثْلُ الْمُعْتَدَّةِ فِي حُرْمَةِ خِطْبَتِهَا وَنِكَاحِهَا الْمَحْبُوسَةُ لِلِاسْتِبْرَاءِ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَلَطٍ وَلَوْ مِنْ مُرِيدِ النِّكَاحِ إلَّا تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ فَمَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْفَسْخُ الْوَاقِعُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسْخِهِ، وَيَجِبُ لَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ.
الثَّالِثُ: مِثْلُ الْمُعْتَدَّةِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ الْمَنْكُوحَةُ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ مِنْهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ وَلِيِّهَا وَلَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا، وَمِثْلُهَا فِي الْفَسْخِ أَبَدًا الَّتِي يُفْسِدُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيَتَزَوَّجُهَا، رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا مِنْ الْأَنْكِحَةِ (مَا جَرَّ) أَيْ وَصَّلَ (إلَى غَرَرٍ فِي عَقْدِ) النِّكَاحِ كَالنِّكَاحِ عَلَى خِيَارِ التَّرَوِّي وَلَوْ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ عَلَى إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لِكَذَا فَلَا نِكَاحَ وَجَاءَ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْفَسْخِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْمُسَمَّى وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالدُّخُولِ وَإِنْ فَسَدَ لِعَقْدِهِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَثَّرَ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ، فَأَشْبَهَ مَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ فِي ثُبُوتِهِ
صَدَاقُ الْمِثْلِ.
وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِعَقْدِهِ وَفُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى وَتَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا تَقَعُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِالدُّخُولِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ حَتَّى فَاتَ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْعَقْدُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ.
قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلِي فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ: إنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ يُفْسِدُهُ مَعَ أَنَّهُ يُشَدِّدُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مَا يُفْتَقَرُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا إرْثَ فِيهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ التَّوَارُثَ يَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ أَنَّ نِكَاحَ الْخِيَارِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِيهِ الْإِرْثُ وَالضَّمِيرُ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْإِنْكَاحُ الْمَرِيضُ وَزَادُوا عَلَيْهِ نِكَاحُ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ لَا إرْثَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ (وَ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ مَا جَرَّ إلَى غَرَرٍ فِي (صَدَاقٍ) كَالنِّكَاحِ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ عَلَى جَنِينٍ أَوْ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى شَرْطِ إبْقَائِهَا، أَوْ عَلَى بَيْتٍ يَبْنِيهِ لَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَصِفْهُ لَهَا (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا عَقْدُ النِّكَاحِ (بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) وَإِنْ حَلَّ تَمَلُّكُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ، وَأَوْلَى مَا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلِذَلِكَ كَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَحْسَنَ مِنْ تَعْبِيرِ مَنْ عَبَّرَ بِمَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ كَخَلِيلٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ وَدَفْعُهُ كَدَفْعِ الْعَبْدِ فِي صَدَاقِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَتَمْلِكُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا فِي الْبَيْتِ مَعَ غَيْرِهَا، أَوْ لَا إرْثَ لَهَا مِنْهُ، أَوْ عَلَى أَنَّ لَهَا نَفَقَةً مُسَمَّاةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، أَوْ عَلَى شَرْطِ أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْعَبْدِ عَلَى الْأَبِ أَوْ السَّيِّدِ، أَوْ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْكَبِيرِ الْمَالِكِ لِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَالْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالثُّبُوتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ وَوُجُوبِ الْقَسْمِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا وَقَعَ هَلْ يُفْسَخُ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَعَلَى الْفَسْخِ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ شَيْئًا أَمْ لَا؟ وَعَلَى اسْتِحْقَاقِهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى أَوْ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِقَوْلِهِ:(وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِصَدَاقِهِ) إمَّا لِمُجَرَّدِ غَرَرٍ أَوْ لِوُقُوعِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ أَوْ تَمَلُّكُهُ فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (فُسِخَ) وُجُوبًا (قَبْلَ الْبِنَاءِ) وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ الْمَرْأَةُ رَدَّتْهُ وَيَكُونُ فَسْخُهُ طَلَاقًا.
(وَإِنْ دَخَلَ بِهَا مَضَى) أَيْ ثَبَتَ (وَكَانَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ) وَهُوَ مَا يَرْغَبُ بِهِ مِثْلُهُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ دِينٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ وَمَالٍ وَبَلَدٍ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ، فَاعْتِبَارُ أُخْتِهَا شَقِيقَتِهَا أَوْ لِأَبِيهَا لَا أُمِّهَا وَلَا أُخْتِهَا لِأُمِّهَا، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِصَدَاقِهِ أَوْ لِعَقْدِهِ الْمُوجِبِ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ لَا شَيْءَ فِيهِ إنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بِالدُّخُولِ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، (وَأَشَارَ إلَى الْفَاسِدِ لِعَقْدِهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِعَقْدِهِ) كَوُقُوعِهِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ رَقِيقًا، أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ الْإِحْرَامِ، أَوْ وَقَعَ لِأَجَلٍ، أَوْ كَانَ صَرِيحَ شِغَارٍ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَكِنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِطَلَاقٍ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ فِيهِ.
(وَ) أَمَّا إذَا (فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى) إنْ كَانَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَبِنَاؤُهُ لَا إنْ كَانَ صَبِيًّا، فَوَطْؤُهُ كَالْعَدَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ صَدَاقٌ، وَبِمَا قَرَّرْنَا مِنْ دَعْوَى حَذْفِ الْخَبَرِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ بَعْضٍ إنَّ وَاوَ فُسِخَ زَائِدَةٌ لِصِحَّتِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَا أَوْ تُجْعَلُ لِلْحَالِ، وَقَوْلُهُ: فَفِيهِ الْمُسَمَّى الْخَبَرُ وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ وَعُثِرَ عَلَيْهِ إلَخْ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ لَهَا، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ قَدْ تَلَذَّذَ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ، كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لَهَا الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ وَطْءُ الصَّبِيِّ كَلَا وَطْءٍ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَعِنْدَ التَّنَازُعِ فِي حُصُولِ الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصُدِّقَتْ فِي خَلْوَةٍ وَإِنْ بِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ، وَإِذَا كَانَ الْبَالِغُ تَلَذَّذَ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَهَا شَيْئًا بِحَيْثُ يَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ النَّاسُ حَيْثُ لَا إمَامَ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، قَالَ خَلِيلٌ: وَتُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الْفَسْخِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمُحَصَّلُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَنْكِحَةَ الْمُتَعَرِّضَةَ لِلْفَسْخِ.
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ كُلُّ نِكَاحٍ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْوَلِيَّيْنِ أَوْ لِلسَّيِّدِ أَوْ لِلسُّلْطَانِ فَسْخُهُ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ، وَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَعَ وُجُودِ الْقَرِيبِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَسْخِهِ، أَوْ وُجِدَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَا يُوجِبُ لِلْآخَرِ فَسْخَ النِّكَاحِ، وَكَالْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّ نِكَاحَهُ أَوْ يُجِيزَهُ، فَإِنْ فُسِخَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِطَلَاقٍ وَكَذَا إذَا فَسَخَهُ السُّلْطَانُ.
وَقِسْمٌ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَذَلِكَ كُلُّ نِكَاحٍ مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِنَسَبٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَكَالْمُعْتَدَّةِ وَكَالْمَنْكُوحَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَكَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ.