الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ وَلَا يُنْتَفَعَ بِرِيشِهَا وَلَا بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنْيَابِهَا،
وَكُرِهَ
الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ
،
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَقَدْ أُرْخِصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ.
وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
شُرْبَ الْخَمْرِ
قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَشَرَابُ الْعَرَبِ يَوْمئِذٍ فَضِيخُ التَّمْرِ وَبَيَّنَ الرَّسُولُ عليه السلام أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا خَامَرَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَوْ بِوَضْعِ الْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ فِيهِ لِطَهَارَتِهِ بِالذَّكَاةِ، وَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ السِّبَاعِ بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَجُوزُ بَيْعُ ذَاتِ السِّبَاعِ لِأَخْذِ جُلُودِهَا وَأَعْظَامِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ هِرٌّ وَسَبُعٌ لِلْجِلْدِ، قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: لَا مَفْهُومَ لِلْجِلْدِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السِّبَاعِ لِلَّحْمِ أَوْ لَهُ وَلِلْجِلْدِ فَمَكْرُوهٌ، وَإِذَا ذُكِّيَتْ لِجُلُودِهَا حَلَّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا كَلَحْمِهَا أَيْضًا لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَبْعِيضِهَا، وَرَجَّحَ الْأُجْهُورِيُّ التَّبْعِيضَ وَاللَّقَانِيُّ عَدَمَهُ، وَلَمَّا كَانَ شَعْرُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُهَا قَالَ:(وَيُنْتَفَعُ) عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ. (بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا) وَوَبَرِهَا وَلَوْ مَيْتَةَ خِنْزِيرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا أَيْضًا لِلطَّهَارَةِ بِالْجَزِّ، لَكِنْ يَجِبُ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ.
(وَ) مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَيْتَةِ (مَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ) إنْ جُزَّ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ) وُجُوبًا إنْ ظَنَّ عَدَمَ طَهَارَتِهِ وَنَدْبًا عِنْدَ الشَّكِّ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الظَّاهِرِ: وَشَعْرٌ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُجَزَّ فَتَكُونُ مُتَنَجِّسَةً لِنَجَاسَةِ مَا اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ الْمُتَّصِلِ بِالْجِلْدِ، لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُبَاشِرُ لِلْجِلْدِ، وَلَمَّا كَانَتْ قَصَبَةُ الرِّيشِ كَبَقِيَّةِ الْعَظْمِ لَيْسَتْ كَالشَّعْرِ قَالَ:(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَنْتَفِعَ بِرِيشِهَا) أَيْ قَصَبَةِ رِيشِهَا أَيْ الْمَيْتَةِ. (وَلَا بِقَرْنِهَا وَلَا أَظْلَافِهَا وَلَا أَنْيَابِهَا) لِنَجَاسَتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْأَنْيَابِ الْأَسْنَانُ وَلَوْ مِنْ الْفِيلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ: وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ مِنْ قَرْنٍ وَعَظْمٍ وَظِلْفٍ وَعَاجٍ وَظُفْرٍ وَقَصَبَةِ رِيشٍ وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ قَصَبَةٌ إلَخْ لِأَنَّ الرِّيشَ كَالشَّعْرِ فِي طَهَارَتِهِ بِالْجَزِّ، وَلَمَّا وَقَعَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ غَيْرِ الْمُذَكَّى خِلَافٌ قَالَ:
[الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ]
(وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ) وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) وَقَدْ قَدَّمَ ذَلِكَ فِي الضَّحَايَا مَعَ مُعْظَمِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا
(وَكُلُّ شَيْءٍ) نُزِعَ (مِنْ الْخِنْزِيرِ) مِنْ لَحْمٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ عَظْمٍ (حَرَامٍ) لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ سِوَى شَعْرِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ أَرْخَصَ) أَيْ سَهَّلَ الشَّارِعُ (فِي) جَوَازِ (الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ) بَعْدَ جَزِّهِ لِطَهَارَتِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعِطْفِ عَلَى الطَّاهِرِ: وَشَعْرٍ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ أَجْزَاءِ الْخِنْزِيرِ نَجَاسَتُهُ حَتَّى فِي حَالِ الْحَيَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ حَيٍّ طَاهِرٌ وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ شَيْطَانًا، فَمَنْ حَمَلَ خِنْزِيرًا أَوْ شَيْطَانًا وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
[شُرْبَ الْخَمْرِ]
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى شُرْبَ الْخَمْرِ) طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ وَبِلَا ضَرُورَةٍ وَبِلَا ظَنِّهِ غَيْرًا. (قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا) سَوَاءٌ فِي الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] وَالرِّجْسُ وَالْخَمْرُ قَوْلُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: 33] الْمُرَادُ بِهِ الْخَمْرُ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ لِمَنْ قَالَ لَهُ إنَّهَا دَوَاءٌ:«لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ إنَّمَا هِيَ دَاءٌ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ شُرْبِهَا. وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي التَّدَاوِي بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» .
(وَ) كَانَ (شَرَابُ الْعَرَبِ) وَلَوْ مِنْ الصَّحَابَةِ (يَوْمئِذٍ) أَيْ يَوْمَ أَوْحَى اللَّهُ إلَى نَبِيّه صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ (فَضِيخَ التَّمْرِ) وَهُوَ مَا يُهْرَسُ مِنْ التَّمْرِ وَيُجْعَلُ فِي إنَاءٍ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يُشْرَبَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ رضي الله عنه: «كُنْت سَاقِي الْقَوْمِ حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَمَا شَارِبُهُمْ إلَّا الْفَضِيخُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ» الْحَدِيثَ، وَالْفَضِيخُ بِالْفَاءِ وَالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ. (وَبَيَّنَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ أَظْهَرَ (الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ) أَيْ غَيَّبَ الْعَقْلَ. (كَثِيرُهُ مِنْ) كُلِّ (الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ:«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْحَشِيشَةِ وَحَبِّ الْبَلَاذِرِ وَالدَّاتُورَةِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ بَلْ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَسَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ وَابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَامِدَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الْجَامِدَ إنْ تَحَقَّقَ مِنْ الْإِسْكَارِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يُقَيَّدْ الْمُسْكِرُ بِالْمَشْرُوبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْوَاجِبِ حِفْظُهَا كَالْأَدْيَانِ وَالْأَنْسَابِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى شَارِبِ الْمُسْكِرِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَإِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ أَوْ الْحُرْمَةَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَوُجُوبُ غَسْلِ
الْعَقْلَ فَأَسْكَرَهُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَهُوَ خَمْرٌ وَقَالَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَنَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَذَلِكَ أَنْ يُخْلَطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ وَعِنْدَ الشُّرْبِ،
وَنَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ.
وَنَهَى عليه السلام
ــ
[الفواكه الدواني]
مَا أَصَابَ جَسَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ مِنْهُ لِنَجَاسَتِهِ وَتَقَايُئِهِ قَبْلَ صَلَاتِهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا أَثِمَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ الْخَمْرِ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ قَالَ:(وَكُلُّ مَا خَامَرَ) أَيْ لَابَسَ (الْعَقْلَ فَأَسْكَرَهُ) أَيْ غَيَّبَهُ (مِنْ كُلِّ شَرَابٍ) وَلَوْ مِنْ الْبِطِّيخِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الطَّعَامِ الْمَائِعِ (فَهُوَ خَمْرٌ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَاءِ الْعِنَبِ الْمَغْلِيِّ عَلَى النَّارِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّخْمِيرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ، وَقِيلَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ الْعَقْلَ فَتُغَيِّبُهُ، وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُفْسِدِ، وَيُرَادِفُهُ الْمُخَدِّرُ وَالْمُرَقِّدُ بِأَنَّ الْمُسْكِرَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ. وَالْمُفْسِدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَحَبِّ الْبَلَاذِرِ، وَالْمُرَقِّدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ كَالسَّيْكُرَانِ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالنَّجَاسَةِ فِي الْمُسْكِرِ وَحُرْمَةِ الْقَلِيلِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْكِرِ فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إلَّا مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ عَلَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ تَنَاوُلِ مَا قَلَّ مِنْ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ لِلْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ حُرْمَةَ حَقِّ الْقَلِيلِ. (وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا) وَهُوَ الْبَارِي سبحانه وتعالى (حَرَّمَ بَيْعَهَا) وَإِنْ كَانَتْ حَلَالًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} [النحل: 67] أَيْ خَمْرًا يُسْكِرُ سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] أَيْ الْقِمَارُ، وَالْأَنْصَابُ الْأَصْنَامُ، وَالْأَزْلَامُ أَقْدَاحُ الِاسْتِقْسَامِ رِجْسٌ خَبِيثٌ مُسْتَقْذَرٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُزَيِّنُهُ، فَاجْتَنِبُوهُ أَيْ الرِّجْسَ الْمُعَبَّرَ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَحَدُهَا الْخَمْرُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ بَيْعِهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْبَائِعِ ذِمِّيًّا فَتُرَدُّ لَهُ، فَإِنْ أَرَاقَهَا الْمُشْتَرِي لَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا فَتُرَاقُ عَلَيْهِ بِحَاكِمٍ إنْ كَانَ ثَمَّ حَاكِمٌ يَرَى تَحْلِيلَهَا وَإِلَّا أَرَاقَهَا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَصِحُّ لَهُ تَمَلُّكُ الْخَمْرِ.
الثَّانِي: كَمَا يَحْرُمُ بَيْعُ الْخَمْرِ يَحْرُمُ بَيْعُ الْعِنَبِ لِمَنْ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ وَيُرَدُّ لِبَائِعِهِ وَلَوْ مُسْلِمًا، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَفْعَلُ بِهِ مَا لَا يَحِلُّ كَشِرَاءِ مَمْلُوكٍ لِلْفِعْلِ بِهِ أَوْ خَشَبَةٍ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا نَاقُوسًا أَوْ أَرْضًا لِمَنْ يَعْمَلُهَا كَنِيسَةً.
الثَّالِثُ: هَذَا حُكْمُ الْخَمْرَةِ إذَا اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَحَجَّرَتْ وَتَخَلَّلَتْ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَشُرْبُهَا وَيَطْهُرُ إنَاؤُهَا تَبَعًا لَهَا وَلَوْ فَخَّارًا بِغَوَّاصٍ وَلَوْ ثَوْبًا وَيُصَلَّى بِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمُصَابِ بِالْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْخَمْرِ عَارِضَةٌ بِالشِّدَّةِ وَنَجَاسَةُ نَحْوِ الْبَوْلِ أَصْلِيَّةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَخْلِيلِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى تَخْلِيلِهَا بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، فَإِنْ قِيلَ: حُكْمُ الْخَبَثِ لَا يُزَالُ إلَّا بِالْمُطْلَقِ. فَالْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِحَالَةَ تَحْصُلُ بِهَا الطَّهَارَةُ أَيْضًا، فَقَوْلُهُمْ: لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ أَوْ حُكْمُ الْخَبَثِ إلَّا بِالْمُطْلَقِ الْحَصْرِ إضَافِيٌّ أَيْ لَا يُرْفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا بِالْمُطْلَقِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى قَوْلِنَا الِاسْتِحَالَةُ تَحْصُلُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَسِ يَزُولُ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ الْبَقَاءُ عَلَى التَّنْجِيسِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ اسْتِحَالَةُ الدَّمِ كَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ مِسْكًا أَوْ لَبَنًا أَوْ الْخَمْرِ خَلًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَافْهَمْ، فَإِنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يَرْتَبِكُ فِي هَذِهِ الْأَبْحَاثِ فَلَا يَجِدُهَا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَى حُرْمَتِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَهُوَ الْخَمْرُ، شَرَعَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي حُرْمَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ:(وَنَهَى) عليه الصلاة والسلام (عَنْ) تَنَاوُلِ (الْخَلِيطِينَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَذَلِكَ) النَّهْيُ فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا (أَنْ يُخْلَطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ) بِأَنْ يُفْضَخَ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ مَثَلًا وَبَعْدَ هَرْسِهِمَا أَوْ دَقِّهِمَا مَعًا يُصَبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ وَيُتْرَكَانِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءُ حُلْوًا.
(وَ) الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُنْبَذَ وَاحِدٌ عَلَى حِدَتِهِ فِي إنَاءٍ، فَإِذَا خَرَجَ مَاءُ كُلٍّ يُخْلَطَانِ (عِنْدَ الشُّرْبِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:«مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ» ، وَقَالَ أَيْضًا:«مَنْ شَرِبَ مِنْكُمْ النَّبِيذَ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا» وَاخْتُلِفَ فِي النَّهْيِ فَقِيلَ عَلَى الْحُرْمَةِ لِاحْتِمَالِ تَخَمُّرِ أَحَدِهِمَا بِسَبَبِ مُخَالَطَةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّهُ قَالَ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَشَرَابُ خَلِيطَيْنِ وَمَحَلُّ النَّهْيِ حَيْثُ طَالَ زَمَنُ الِانْتِبَاذِ