الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ حَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ.
وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ الثَّانِي، لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَيَظْهَرُ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الضَّرَرِ الْحُرْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ مُولِيًا.
شَرَعَ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي يَضْرِبُ لَهُ وَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُولِي (الطَّلَاقُ) إلَّا (بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِ الْإِيلَاءِ) الَّذِي ضَرَبَهُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ بَعْدَ إيلَائِهِ (وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ) ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، كَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُك فَوْقَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ إنْ احْتَمَلَتْ الْمُدَّةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَعَدَمَهَا، كَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَجَلُ مِنْ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ أَوْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ، فَمِنْ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ لِأَنَّهُ فِي الْأَجَلِ الَّذِي لَهَا الْقِيَامُ بَعْدَ مُضِيِّهِ.
(وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ) لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ (حَتَّى) تَرْفَعَهُ الزَّوْجَةُ، وَ (يُوقِفُهُ السُّلْطَانُ) أَوْ الْقَاضِي وَيَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ وَهِيَ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ وَعَدَ بِهِ أُمْهِلَ وَاخْتُبِرَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ طَلَّقَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعِدْ بِالْوَطْءِ بِأَنْ قَالَ بِلَفْظِهِ: لَا أَطَأُ وَلَا يُتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَى الْوَطْءَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ، وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ شَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ قَوْلَانِ، وَتَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لِمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى الْمُولِي وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ رَجْعِيٌّ، وَفُهِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُولِي بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْبَقَاءِ وَالْفِرَاقِ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً، فَلَهَا إسْقَاطُ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أَمَةً يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا سَيِّدِهَا عِنْدَ إرَادَتِهَا الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَمَعْنَى فَاءُوا رَجَعُوا إلَى الْوَطْءِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ، وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِ الثَّيِّبِ، وَافْتِضَاضِ الْبِكْرِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ مَعَ جُنُونِ الرَّجُلِ لَا مَعَ إكْرَاهِهِ، فَلَا تَحْصُلُ بِوَطْئِهِ مُكْرَهًا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: وَطْءُ الْمُكْرَهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْتَفِي مَعَهُ قَصْدُ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ لِلرَّدِّ عَلَى أَشْهَبَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُرُورِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَالشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالْمَشْهُورِ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فَتَكُونُ الْفَيْئَةُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُوقِفُ الْمُولِي إلَّا مَعَ عَدَمِ انْحِلَالِ الْإِيلَاءِ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يَعُدْ بِغَيْرِ إرْثٍ، وَكَتَعْجِيلِ الْحِنْثِ، وَتَكْفِيرِ مَا يُكَفَّرُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِانْحِلَالُ فَلَهَا وَلِسَيِّدِهَا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِالْفَيْئَةِ وَهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ إلَى آخِرِهِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ الْمُولِيَ لَهُ أَجَلَانِ: أَحَدُهُمَا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ، وَالثَّانِي الَّذِي يَضْرِبُهُ الْحَاكِمُ لِلْمُولِي حِينَ إخْبَارِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ
[الظِّهَار]
وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْإِيلَاءِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الظِّهَارِ، وَعَرَّفَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَنْ تَحِلُّ أَوْ أَجْزَاءَهَا بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ جُزْئِهِ ظِهَارٌ، وَالْمُسْلِمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ، فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ ظِهَارٌ وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَيْنَا، بِخِلَافِ إيلَائِهِ فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَالْمُكَلَّفُ يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالسَّكْرَانَ، وَتَذْكِيرُ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَحُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهِ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إلَى قَوْلِهِ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ حِينَ جَادَلَتْهُ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي اللَّفْظِ الَّذِي جَادَلَتْهُ بِهِ فَقِيلَ:«إنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَكَلَ شَبَابِي وَفَرَشْت لَهُ بَطْنِي فَلَمَّا كَبِرَ سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي، وَلِي صِبْيَةٌ مِنْهُ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ فِي ابْنِ عَمِّك» فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلَى قَوْلِهِ {تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] أَيْ تَرَاجُعَكُمَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لِيُعْتِقْ رَقَبَةً.
قَالَتْ: لَا يَجِدُ.
قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ
بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.
وَلَا يَطَؤُهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَتُبْ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنْت فَاذْهَبِي وَأَطْعِمِي سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي لِابْنِ عَمِّك» .
وَالْعَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَبِالتَّسْكِينِ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رِطْلًا، وَسُمِّيَ ظِهَارًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ وَالرُّكُوبُ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عَلَى الظَّهْرِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ تَظَاهَرَ) مِنْ الْأَزْوَاجِ أَوْ السَّادَاتِ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ (مِنْ امْرَأَتِهِ) وَلَوْ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمِّ وَلَدٍ وَنَوَى الْعُودَ لِوَطْئِهَا (فَلَا يَطَؤُهَا) وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَمَعْنَى الْمُظَاهَرَةِ أَنْ يُشَبِّهَ مَنْ تَحِلُّ كَزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ:{مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَقَوْلُهُ فِيهَا:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْمُرَادُ لِنَقِيضِ مَا قَالُوا، لِأَنَّ الَّذِي قَالُوهُ التَّحْرِيمُ وَنَقِيضُهُ التَّحْلِيلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ قَوْلِهِ فَلَا يَطَؤُهَا فَلَا يَمَسُّهَا لَفُهِمَ الْوَطْءُ بِالْأُولَى، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ قَبْلَهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ، وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا إنْ أَمِنَ، وَيَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا بِشَرْطِ الِاسْتِتَارِ بِغَيْرِ وَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا لِجَوَازِ نَظَرِهِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ وَتَتَحَتَّمُ بِالْوَطْءِ وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعُودِ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ مَعَ نِيَّةِ الْإِمْسَاكِ.
(بِعِتْقِ رَقَبَةٍ) لَا جَنِينٍ فَلَا يُجْزِئُ وَلَكِنْ يُعْتَقُ بَعْدَ وَضْعِهِ، وَبَيَّنَ وَصْفَهَا اللَّازِمَ بِقَوْلِهِ:(مُؤْمِنَةٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ الْقُرْبَةُ، وَعِتْقُ الْكَافِرِ يُنَافِيهَا، فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِمُؤْمِنَةٍ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الرَّقَبَةَ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
(سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ) فَلَا يُجْزِئُ رَقِيقٌ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ وَلَا أَعْمَى وَلَا أَبْكَمُ، وَلَا مَجْنُونٌ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ جُنُونِهِ، وَلَا مَرِيضٌ مُشْرِفٌ، وَلَا مَقْطُوعُ أُذُنَيْنِ، وَلَا أَصَمُّ، وَلَا ذُو هَرَمٍ وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ، وَلَا مُجْذَمٌ وَلَا أَبْرَصُ وَلَا أَفْلَجُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ ذِي الْعُيُوبِ الْمُنَقِّصَةِ نَقْصًا مُتَفَاحِشًا، بِخِلَافِ ذِي الْمَرَضِ الْخَفِيفِ أَوْ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ أَوْ الْعَوَرِ.
(وَلَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ) فَلَا يُجْزِئُ الرَّقِيقُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُدَبَّرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ أَوْ اُشْتُرِيَ لِلْعِتْقِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الرَّقَبَةُ مُحَرَّرَةً لِأَجْلِ الظِّهَارِ، لَا إنْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ، وَلَا الْمُشْتَرَاةُ عَلَى شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُحَقَّقَةَ الصِّحَّةِ، لَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً مَقْطُوعَةَ الْخَبَرِ، فَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُتَّصِفَةً بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ أَجْزَأَتْ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِحَيْثُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَلَكِنْ كَلَّفَ نَفْسَهُ وَتَدَايَنَهَا فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ فَتَكَلَّفَ الْغُسْلَ، وَكَمَنْ فَرْضُهُ الْجُلُوسُ فَصَلَّى قَائِمًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْمُعْسِرُ جَازَ، وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْغَيْرِ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ إنْ عَادَ وَرَضِيَهُ، وَلَمَّا كَانَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُرَتَّبَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ:(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) عِنْدَهُ رَقَبَةً تُجْزِئُ وَلَا ثَمَنَهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَيَنْوِي تَتَابُعَهُمَا وَيَنْوِي بِهِمَا الْكَفَّارَةَ.
قَالَ خَلِيلٌ: يَنْوِي التَّتَابُعَ وَالْكَفَّارَةَ فَإِنْ ابْتَدَأَهُمَا بِالْهِلَالِ اكْتَفَى بِهِمَا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ صَحَّ وَتَمَّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ الثَّالِثِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ الْعَجْزُ عَنْ الْعِتْقِ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَيْ إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَأَنْ يَمْلِكَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِكَمَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ بِمِلْكِ رَقَبَةٍ فَقَطْ ظَاهَرَ مِنْهَا فَيُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ مِنْهَا وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظَاهِرِ الْمَالِكِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَعَادِمِ الْمَاءِ الْوَاجِدِ لِثَمَنِهِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْعَدَمَ فِي كُلٍّ حَيْثُ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] وَقَالَ فِي الظِّهَارِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المجادلة: 4] قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْمَظَاهِرَ فَعَلَ كَبِيرَةً بِارْتِكَابِهِ الظِّهَارَ فَشُدِّدَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ الْغَالِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ لِضَرُورَةِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَأَيْضًا تَكَرُّرُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا حَصَلَ لَهُ الْيَسَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَيْسَرَ فِيهِ تَمَادَى إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ فَيَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ، وَنُدِبَ الْعِتْقُ فِي كَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الْيَسَارُ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعِتْقِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ، وَمِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِغِلَظِ أَمْرِهِمَا (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الْمَظَاهِرُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (أَطْعَمَ) أَيْ مَلَّكَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ وَمَفْعُولُ أَطْعَمَ الثَّانِي (مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ)
إلَى اللَّهِ عز وجل فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ أَوْ صَوْمٍ فَلْيَبْتَدِئْهَا.
وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ فِي الظِّهَارِ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام وَيَدْفَعُهُمَا بُرًّا إنْ اقْتَاتُوهُ أَوْ مُخْرَجًا فِي الْفِطْرِ فَعَدْلُهُمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا مِنْهُ الْإِطْعَامُ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ هُوَ الَّذِي يُخْرَجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، كَالشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ وَالسُّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدَّخَنِ وَالتَّمْرِ، وَالْمُرَادُ بِعَدْلِهِمَا أَيْ فِي الشِّبَعِ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُدَّيْنِ الْكَائِنَيْنِ مِنْ الْبُرِّ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ فَيُقَالُ كَذَا فَيُخْرَجُ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، فَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ تِلْكَ الْأَمْدَادِ لِأَقَلَّ مِنْ السِّتِّينَ وَلَا لِأَكْثَرَ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ قَدْرُ مُدٍّ وَثُلُثَيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ صلى الله عليه وسلم وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّ هِشَامٍ قَدْرُ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ: شَاهَدْت بِالْمَدِينَةِ مُدَّ هِشَامٍ وَحَقَّقْته فَوَجَدْته قَدْرَ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ صلى الله عليه وسلم، نَقَلَ ذَلِكَ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَغَيْرِهَا لَا تَصِحُّ مُلَفَّقَةً كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَإِطْعَامِ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا وَمِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ لَكِنْ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ وَلِمَنْ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ وَقَدْ الْتَزَمَ عِتْقَ مَنْ يَمْلِكُهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَصُومُ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ مِنْ جِهَةِ خِدْمَتِهِ إنْ كَانَ عَبْدَ خِدْمَةٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ خَرَاجِهِ إنْ كَانَ عَبْدَ خَرَاجٍ، وَإِلَّا أَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْإِطْعَامِ جَازَ لَهُ التَّفْكِيرُ بِهِ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: تَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ مَعْنَاهُ لَا الْعِتْقُ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِطْعَامِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ جَوَازُ الْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ: (وَلَا يَطَؤُهَا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُظَاهِرِ أَنْ يَمَسَّ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا وَلَوْ بِالْقُبْلَةِ.
(فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَحَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: حَتَّى يُكَفِّرَ حَتَّى تَتِمَّ الْكَفَّارَةُ، قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ قَبْلَهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَلَا يَطَؤُهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ نَهَارًا، وَإِنْ كَانَ بِالصَّوْمِ فَلَهُ وَطْءُ غَيْرِهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ بِالنَّهَارِ صَائِمٌ (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَسَّ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَلَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ (فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ عز وجل لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَوُجُوبُ التَّوْبَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَمْدًا لِأَنَّ الْإِثْمَ مَرْفُوعٌ عَنْ النَّاسِي، وَقَيَّدْنَا بِقَبْلِ الشُّرُوعِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ:(فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ) لِلْمُظَاهَرِ مِنْهَا أَوْ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا. (بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ أَوْ صَوْمٍ) وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا يَسِيرًا، كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا، فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَبْتَدِئْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ وَلِبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَانْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِوَطْءِ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ وَإِنْ لَيْلًا نَاسِيًا، وَمِثْلُ وَطْءِ الْمُقَدَّمَاتِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْآيَةَ فِيهَا الْمَسُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَطْءِ، كَبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ وَيُفْطِرُ السَّفَرُ أَوْ بِمَرَضٍ هَاجَهُ، لَا إنْ لَمْ يُهِجْهُ فَلَا يُقْطَعُ كَالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ أَوْ ظَنِّ غُرُوبٍ، فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِالْوَطْءِ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ سَبْقِيَّةَ بَعْضِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ جَمِيعِهَا وَقَدْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ لَوْ تَقَدَّمَ الْوَطْءُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُمَاسَّةَ الَّتِي يُطْلَبُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا هِيَ الْمُمَاسَّةُ الْمُبَاحَةُ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبَاحَ لَهُ الْمُمَاسَّةُ، وَالْمُمَاسَّةُ الْوَاقِعَةُ فِي خِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَيْسَتْ مُبَاحَةً، فَاسْتُؤْنِفَتْ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِقَصْدِ كَفَّارَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى مُمَاسَّةٍ مُبَاحَةٍ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا فَلَا حَرَجَ فِيهِ حَيْثُ وَقَعَ فِي اللَّيْلِ وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ عَالِمًا، كَمَا لَا يُبْطِلُهُ نَهَارًا مَعَ النِّسْيَانِ،
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ الْعُيُوبِ عَدَمُ إجْزَاءِ كُلِّ ذِي عَيْبٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ الْعَيْبُ الْفَاحِشُ لَا الْخَفِيفُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ) وَهُوَ مَا ذَهَبَ نُورُ إحْدَى عَيْنَيْهِ (فِي الظِّهَار) قَالَ خَلِيلٌ: وَيُجْزِئُ أَعْوَرُ وَمَغْصُوبٌ وَمَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ افْتَدَيَا وَذُو مَرَضٍ وَعَرَجٍ خَفِيفَيْنِ وَمَقْطُوعُ بَعْضِ أُصْبُعٍ، وَكَذَا مَقْطُوعُ بَعْضِ الْأُذُنِ أَوْ الْأَنْفِ، كَمَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْغَيْرِ بِشَرْطِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَمِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ غَيْرُهَا، فَلَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: وَجَازَ، وَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَجَازَ مَالِكٌ عِتْقَ الْأَعْوَرِ لِأَنَّ