الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَلِيَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَيُنَوَّى فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ هِيَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَذَلِكَ إلَى أَبِيهَا وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَمَنْ طَلَّقَ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَتَّةٌ أَوْ أَنْتِ الْبَتَّةُ، فَإِنْ قِيلَ: الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ إذَا ادَّعَى صَرْفَ اللَّفْظِ إلَى غَيْرِ الطَّلَاقِ يُقْبَلُ فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ فِي الْبَتَّةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ أَغْلَبِيٌّ فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَلْبَتَّةَ يَلْزَمُ بِهَا الثَّلَاثُ وَلَا تُقْبَلُ لَهَا نِيَّةُ أَقَلَّ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ صَارَتْ مَدْلُولَاتِهَا عُرْفًا وَشَرْعًا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي مُطْلَقًا ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (بَرِيَّةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) أَيْ كَتِفِك أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ وَهَبْتُك أَوْ رَدَدْتُك لِأَهْلِك أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ، أَوْ أَنَا بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ (فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِطَاقَتِهَا وَلَا تُقْبَلُ نِيَّةُ أَقَلَّ (وَيَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) أَيْ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ أَقَلَّ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، إلَّا فِي قَوْلِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَإِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْبَتَّةِ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِيَةٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَالثَّلَاثُ فِي بَتَّةٌ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا إنَّمَا يُبِينُهَا الثَّلَاثُ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك إذَا كَانَ الْعُرْفُ يَسْتَعْمِلُهَا فِي الطَّلَاقِ، وَإِلَّا صَارَتْ فِي الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهَا إلَّا مَعَ النِّيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَادَةِ الْحَالِفِ، فَإِنْ اعْتَادَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَادَهُ أَهْلُ بَلَدِهِ، وَأَوْلَى لَوْ كَانَ عَادَةَ الْجَمِيعِ لَزِمَ الطَّلَاقُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يَدَّعِيَ أَنَّهُ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمُجَرَّدِ الْمُسَطَّرِ فِي الْكُتُبِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْعُرْفِيَّةِ يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ كَخَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْيَمِينِ: إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ، وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَدَّعِيَ نِيَّةَ أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيِّتَةِ وَالدَّمِ، وَوَهَبْتُك وَرَدَدْتُك لِأَهْلِك، وَأَنْتِ أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا وَلَا يَنْوِي وَذَلِكَ فِي بَتَّةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَدَّعِيَ نِيَّةَ أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَدَّعِيَ نِيَّةَ أَقَلَّ فَتُقْبَلُ حَتَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقًا فِي خَلَّيْت سَبِيلَك.
(فَرْعٌ) مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك.
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ الْقَضَاءُ.
الثَّانِي: أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ قَالَ بَعْضٌ وَبِهِ الْفَتْوَى.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْبَتَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ شَرْحُ الشَّيْخِ سَالِمٍ السَّنْهُورِيِّ.
(تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ حَيْثُ لَا بِسَاطَ، وَأَمَّا لَوْ رَفَعَتْهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُفْتِي وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَى نَفْيِ الطَّلَاقِ، لَكِنْ إنْ رَفَعَتْهُ بَيِّنَةٌ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا يُصَدَّقُ بِغَيْرِ يَمِينٍ.
قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ قَالَ لِمَنْ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَهُ: يَا مُطَلَّقَةُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِمَا حَصَلَ إذَا أَكْثَرَتْ فِي مُرَاجَعَتِهِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ لَهَا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ: يَا مُطَلَّقَةُ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ يَا مِثْلَ الْمُطَلَّقَةِ فِي طُولِ اللِّسَانِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي الرَّائِحَةِ وَقَالَ: أَرَدْت بِبَائِنٍ مُنْفَصِلَةً مِنِّي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ، أَوْ أَنْتِ كَالدَّمِ فِي الِاسْتِقْذَارِ إذَا كَانَتْ رَائِحَتُهَا قَذِرَةً أَوْ كَرِيهَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَدِينَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى نَفْيِهِ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَدِينُ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الصَّرِيحَ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَوْ هَزْلًا، لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا حَيْثُ لَا بِسَاطَ وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُوثَقَةً وَقَالَتْ أَطْلِقْنِي فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ) الْمُسَمَّى لَهَا صَدَاقٌ حَلَالٌ وَوَقَعَ عَقْدُهَا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ (يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَتُشْطَرُ وَمَزِيدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهَدِيَّةٌ اُشْتُرِطَتْ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا قَبْلَهُ إلَى أَنْ قَالَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِّ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (إلَّا أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ النِّصْفِ (هِيَ) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ (إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا) رَشِيدَةً فَيَسْقُطُ عَنْ زَوْجِهَا بِعَفْوِهَا عَنْهُ، وَالدَّالُ عَلَى كَوْنِهَا رَشِيدَةً التَّعْبِيرُ بِالْعَفْوِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ:(وَ) أَمَّا (إنْ كَانَتْ بِكْرًا) أَوْ ثَيِّبًا مَحْجُورَةً (فَذَلِكَ) أَيْ الْعَفْوُ مُفَوَّضٌ (إلَى أَبِيهَا) قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ عَفْوُ أَبِي الْبِكْرِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ، ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَبْلَ الطَّلَاقِ لِمَصْلَحَةٍ وَهَلْ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ، فَمَنْ قَالَ خِلَافٌ اكْتَفَى بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَمَنْ وَقَفَ حَمَلَ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَفْوِ عِنْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ تَحَقُّقِ
فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُمَتِّعَ وَلَا يُجْبَرُ وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَلَا لِلْمُخْتَلِعَةِ.
وَإِنْ مَاتَ عَنْ الَّتِي لَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا.
وَلَوْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِشَيْءٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَصْلَحَةِ، وَكَذَا عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْخِلَافِ فَمَالِكٌ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِسْقَاطِ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِ الْأَبِ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْمَصْلَحَةُ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهَا (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ أَبِي الْبِكْرِ (السَّيِّدُ) لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الزَّوْجِ (فِي أَمَتِهِ) الَّتِي زَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يَجِبُ لِلزَّوْجَاتِ الْمُطَلَّقَاتِ وَيَرْجِعُ لَكُمْ الزَّائِدُ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ الزَّوْجَاتُ الرَّشِيدَاتُ فَيَتْرُكُونَهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: الزَّوْجُ وَعَفْوُهُ أَنْ يَدْفَعَ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِلْمَرْأَةِ فَتَأْخُذَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْوَطْءُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي الْآيَةِ لَا مُجَرَّدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا، وَمَفْهُومُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَهُ يَجِبُ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ مِنْ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ كَوَطْئِهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ دُبُرِهَا، كَمَا يَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا وَهِيَ غَيْرُ مُطِيقَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَوْتُهَا بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا كَرَاهِيَةً فِي زَوْجِهَا، أَوْ بِقَتْلِ سَيِّدِهَا لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، كَمَا يَتَقَرَّرُ بِإِقَامَةِ سَنَةٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا حَيْثُ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِتَنْزِلَ إقَامَةُ سَنَةٍ مَقَامَ الْوَطْءِ.
الثَّانِي: لَوْ اخْتَلَى الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ إقَامَةِ سَنَةٍ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ إنْ كَانَتْ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ مَحْجُورَةً، وَأَمَّا خَلْوَةُ الزِّيَارَةِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِهِ هُوَ الزَّائِرُ فَيُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْوَطْءِ، وَكَوْنِهَا الزَّائِرَةَ لَهُ فِي بَيْتِهِ فَتُصَدَّقُ فِي الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَطُ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا زَائِرًا لِلْغَيْرِ.
وَاجْتَمَعَا فِي مَحَلِّ الْغَيْرِ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ، كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، بِخِلَافِ لَوْ اخْتَلَيَا فِي مَحَلٍّ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهَا، وَلَمَّا وَقَعَ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مَا يُعْطِيهِ الْمُطَلِّقُ لِمُطَلَّقَتِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ بَيَّنَ مُخْتَارَ إمَامِهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ) بَعْدَ الْبِنَاءِ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَيَنْبَغِي لَهُ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (أَنْ يُمَتِّعَ) مُطَلَّقَتَهُ وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ أَوْ وَرَثَتَهَا كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَشَرْعًا مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ الْفِرَاقِ تَسْلِيَةً لَهَا لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ، وَتَكُونُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَتُدْفَعُ لِلرَّجْعِيَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلِلْبَائِنِ إثْرَ طَلَاقِهَا لِأَنَّ الْوَحْشَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَتَّعَ فَتُدْفَعُ لِوَرَثَتِهَا حَيْثُ مَاتَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيَّةِ، بِخِلَافِ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُمَتِّعَهَا أَوْ رَدَّهَا لِعِصْمَتِهِ قَبْلَ دَفْعِهَا لَهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ يَنْبَغِي قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ قَالَ:(وَلَا يُجْبَرُ) الْمُطَلِّقُ عَلَى الْمُتْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَدْبِهَا قَوْله تَعَالَى:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَقَالَ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِحْسَانِ صَرَفَ الْحَقَّ عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُحْسِنِينَ وَلَا بِالْمُتَّقِينَ وَأَيْضًا الْحَقُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الثَّابِتُ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ وَلَمَّا كَانَتْ لِجَبْرِ أَلَمِ الْفِرَاقِ وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لَمْ تَتَأَنَّسْ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَتَأَلَّمَ قَالَ: (وَ) الْمُطَلَّقَةُ (الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) الزَّوْجُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ فَرَضَ لَهَا) صَدَاقًا (فَلَا مُتْعَةَ لَهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأَلُّمِهَا بِفِرَاقِهِ، أَوْ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ نِصْفَ صَدَاقِهَا مَعَ بَقَاءِ سِلْعَتِهَا، وَمَفْهُومُ فَرَضَ لَهَا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ تَفْوِيضًا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لَهَا الْمُتْعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَلَا) مُتْعَةَ أَيْضًا (لِلْمُخْتَلِعَةِ) وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ رِضَاهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا تَأَلُّمَ عِنْدَهَا، وَمِثْلُهَا الْمُخَيَّرَةُ وَالْمُمَلَّكَةُ وَالْمُعْتَقَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ تَخْتَارُ الْفِرَاقَ، أَوْ الَّتِي مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ مَلَكَهَا، أَوْ الَّتِي اخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا لِعَيْبِهِ وَأَوْلَى وَلَوْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا لِعَيْبِهَا لِأَنَّهَا غَارَّةٌ، بِخِلَافِ الَّتِي اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ لِتَزْوِيجٍ عَلَيْهَا أَوْ لِعِلْمِهَا بِوَاحِدَةٍ فَأَلْفَتْ أَكْثَرَ فَإِنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِسَبَبِهِ
وَلَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ الَّذِي يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ قَالَ: (وَإِنْ مَاتَ) الزَّوْجُ (عَنْ) زَوْجَتِهِ (الَّتِي) نَكَحَهَا تَفْوِيضًا وَمَاتَ وَ (لَمْ يَفْرِضْ لَهَا) صَدَاقًا رَضِيَتْ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ) لِاسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ