الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنْ شِئْت
وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا وَلْتَمُصَّهُ مَصًّا
وَتَلُوكُ طَعَامَك وَتُنَعِّمُهُ مَضْغًا قَبْلَ بَلْعِهِ
وَتُنَظِّفُ فَاك بَعْدَ طَعَامِك وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ وَاللَّبَنِ فَحَسَنٌ
وَتُخَلِّلُ مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك مِنْ الطَّعَامِ
وَنَهَى الرَّسُولُ عليه السلام عَنْ الْأَكْلِ
ــ
[الفواكه الدواني]
فِي أَثْنَاءِ الْأَكْلِ وَهُوَ الْمَوْضُوعُ فَيَبَرُّ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ يَكُنْ فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِشِبَعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيَعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ.
[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]
(وَ) مِنْ الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ (لَا تَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ وَأَمَرَ مُرِيدَ التَّنَفُّسِ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ عَنْ فِيهِ وَقْتَ تَنَفُّسِهِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْفَصِلُ مِنْ فِيهِ عِنْدَ التَّنَفُّسِ لُعَابٌ وَهُوَ سُمٌّ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ. (وَلْتُبِنْ) أَيْ تُبْعِدُ (الْقَدَحَ عَنْ فِيك) عِنْدَ إرَادَةِ التَّنَفُّسِ حَتَّى تَتَنَفَّسَ. (ثُمَّ تُعَاوِدُهُ إنْ شِئْت) لِخَبَرِ:«إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» وَذُكِرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُ الْقَدَحَ وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يُبِينُهُ وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَالْحَدِيثُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُرِيدِ إعَادَةِ الشُّرْبِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ شِئْت، فَلَا يُنَافِي جَوَازَ الشُّرْبِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُكْرَهُ الشُّرْبُ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَشْرَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ» وَقَالَ: «إنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ» وَلِمَا قِيلَ إنَّهُ يُؤْذِي الْكَبِدَ.
(وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَيْضًا أَنَّك (لَا تَعُبُّ الْمَاءَ عَبًّا) أَيْ لَا تَبْتَلِعُهُ كَابْتِلَاعِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ الْعَبِّ» . (وَلْتَمَصَّهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُضَارِعُ مَصِصَ بِالْكَسْرِ (مَصًّا) أَيْ تَبْتَلِعُهُ بِرِفْقٍ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْك صَوْتٌ بِشُرْبِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمَصَّهُ مَصًّا» وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ أَهْنَأُ وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِعُرُوقِ الْجَسَدِ، بِخِلَافِ عَبِّهِ رُبَّمَا يَأْخُذُ عِرْقٌ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُهُ فَيَتَأَذَّى صَاحِبُهُ، أَلَا تَرَى الْمَطَرَ الرَّقِيقَ الدَّائِمَ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْأَرْضِ مِنْ الْوَابِلِ الَّذِي يَنْقَطِعُ سَرِيعًا قَدْ يَذْهَبُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَا يُدَاخِلُهَا كَالرَّقِيقِ الدَّائِمِ، وَمِثْلُ الْمَاءِ اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُلِّ مَائِعٍ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. .
(وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ أَيْضًا أَنَّك (تَلُوكُ طَعَامَك) أَيْ تَمْضَغُهُ (وَتُنَعِّمُهُ مَضْغًا) أَيْ بِالْمَضْغِ (قَبْلَ بَلْعِهِ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعِدَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَدْخَلَهُ قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ فِي مَضْغِهِ رُبَّمَا يَغَصُّ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ أَوْ الْخَجَلُ مِنْ الْمُصَاحِبِينَ لَهُ. .
(وَ) مِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ لِلْأَكْلِ أَيْضًا أَنَّهُ يُنْدَبُ لَك أَنْ (تُنَظِّفَ فَاك بَعْدَ) أَكْلِك (طَعَامَك) الَّذِي فِيهِ الدَّسَمُ كَاللَّحْمِ وَالزَّيْتِ وَاللَّبَنِ بِالْمَضْمَضَةِ مَعَ الِاسْتِيَاكِ وَلَوْ بِإِصْبَعِكَ لِتُزِيلَ أَثَرَ الطَّعَامِ مِنْ أَسْنَانِك، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ فَاهُ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ دَسَمًا» وَإِنَّمَا نُدِبَ تَنْظِيفُهُ لِدَفْعِ مَا يَبْقَى مِنْ تَغْيِيرِ طَعْمِ الْفَمِ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي نَدْبَ التَّنْظِيفِ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَا دَسَمَ فِيهِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ فِيهِ دَسَمًا يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ لَا يُنْدَبُ تَنْظِيفُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي نَدْبَ التَّنْظِيفِ مُطْلَقًا. (وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ رِيحُ الطَّعَامِ، (وَ) مِنْ (اللَّبَنِ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ دَسَمٌ (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَيُقِلَّ الْغَمَرُ، وَالنَّدْبُ عَامٌّ أَرَادَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا، خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ خَلِيلٍ وَالْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُ الْفَمِ وَتَنْظِيفُهُ وَلَا الْيَدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْكُولُ أَوْ الْمَشْرُوبُ فِيهِ دَسَمٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» . مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا لَا غَمَرَ فِيهِ وَلَا دَسَمَ كَالْعَدَسِ وَالتَّمْرِ لَا يُنْدَبُ لَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ مِنْهُ وَلَا فَمِهِ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إذَا أَكَلَ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ يَمْسَحُ كَفَّهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ الْأَكْلِ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ. وَقَوْلُنَا غَمَرٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ احْتِرَازٌ عَنْ مَضْمُومِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَاهِلُ، وَعَنْ مَكْسُورِ الْغَيْنِ فَهُوَ الْحِقْدُ، وَعَنْ مَفْتُوحِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ السِّتْرُ نَحْوُ غَمَرَ الْمَاءَ وَالْأَرْضَ غَمْرًا سَتَرَهَا.
(وَ) مِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ لِلْأَكْلِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ (تُخَلِّلَ) أَيْ تُزِيلَ (مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك) وَدَخَلَ بَيْنَهَا (مِنْ الطَّعَامِ) لِخَبَرِ: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْحَلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ» وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضَرَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَيُتَخَلَّلُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الِاسْتِيَاكُ بِهِ.
(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَلْعٍ مِنْ مَا يُخْرِجُ الْأَسْنَانُ عِنْدَ تَخْلِيلِهَا، وَالْحُكْمُ الْجَوَازُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي الصَّلَاةِ فِي السَّهْوِ، وَتَعَمُّدِ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ بَلْعُهُ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي نَجَاسَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ، فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ.
وَفِي التَّتَّائِيِّ أَيْضًا: وَإِذَا تَغَيَّرَ لَمْ يَجُزْ بَلْعُهُ.
(وَنَهَى الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام عَنْ الْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ وَتَنَاوَلْ إذَا شَرِبْت مِنْ عَلَى يَمِينِك
وَيُنْهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ
وَعَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا
وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ أَوْ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ نِيئًا أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ) لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ وَيَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَهُ يَمِينٌ. (وَ) مِنْ الْآدَابِ أَيْضًا إذَا صَاحَبَك مَنْ هُوَ عَلَى يَمِينِك وَعَلَى يَسَارِك أَنْ (تُنَاوِلَ إذَا شَرِبْت) أَوْ أَكَلْت (مَنْ) هُوَ (عَلَى يَمِينِك) مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى شِمَالِك لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُقَدِّمُ مَنْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَيَقُولُ: «الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» فَمِنْ جُمْلَةِ مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ» يَعْنِي أَعْطَاهُ، وَهَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ وَهِيَ أَنَّ الْقُرْبَ لَا يُقَدِّمُ الشَّخْصُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ إلَّا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ إذْنُ عَائِشَةَ لِعُمَرَ رضي الله عنهما فِي دَفْنِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ أَعَدَّتْهَا لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تِلْكَ الْقَاعِدَةَ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّ دَفْنَ عُمَرَ عِنْدَ النَّبِيِّ أَقْرَبُ إلَى خَاطِرِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مِنْ دَفْنِهَا، فَآثَرَتْ مَا فِيهِ رِضَاهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِهَا، فَلَمْ تَنْتَقِلْ مِنْ قُرْبَةٍ إلَّا لِأَعَمَّ مِنْهَا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ شَرَعَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ فَقَالَ: (وَيُنْهَى) لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ، وَ) عَنْ النَّفْخِ فِي (الشَّرَابِ) خَوْفَ إصَابَةِ رِيقِهِ لِلْبَاقِي، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ فَقِيلَ لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ وَإِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ لِئَلَّا يُصِيبَ رِيقُهُ الْبَاقِيَ فَيُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ فَمَحِلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
(وَ) يُنْهَى الشَّخْصُ أَيْضًا عَنْ النَّفْخِ فِي (الْكِتَابِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْكِتَابِ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا لَهُ أَوْ كِتَابًا كَتَبَهُ لِغَيْرِهِ خَوْفَ مَحْوِهِ وَإِهَانَتِهِ، أَوْ خَوْفَ التَّفَاؤُلِ بِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ إذَا كَانَ مُرْسَلًا لِلْغَيْرِ، وَالْمَطْلُوبُ فِيهِ التَّتْرِيبُ بَدَلَ النَّفْخِ، فَقَدْ كَتَبَ عليه الصلاة والسلام كِتَابَيْنِ وَتَرَّبَ أَحَدَهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ، فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْمُتَرَّبِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالشَّائِعُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ: مَا خَابَ كِتَابٌ تَرِبَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُنْهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ إذْ النَّاهِي هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِمَّنْ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ. أَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ انْفَرَدَ بِالْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَلِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: انْفَرَدَ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذِكْرِهِ لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ كَرَاهَةُ النَّفْخِ فِي الْكِتَابِ وَلَوْ قَصَدَ تَجْفِيفَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِ بَعْضِ الشُّيُوخِ: وَالتُّرَابُ أَبْرَكُ.
(وَ) يُنْهَى عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ الشَّرَابِ) أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الْوُضُوءِ (فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَأَلْحَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَائِرَ الِاسْتِعْمَالَاتِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَإِنَاءُ نَقْدٍ وَاقْتِنَاؤُهُ وَإِنْ لِامْرَأَةٍ، وَيَتَعَيَّنُ كَسْرُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهَا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُقْتَنِيهِمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا لِمَنْ يَكْسِرُهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُبَاعُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ وَبِغَيْرِ نَوْعِهَا وَلَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ حَيْثُ حَصَلَتْ الْمُنَاجَزَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ أَبَدًا، وَقِيلَ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ لَا إعَادَةَ، وَالْقَوْلُ بِالْأَبَدِيَّةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ بِالْحَرَامِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا أَوْ ذَهَبَا أَوْ سَرَقَ أَوْ نَظَرَ مُحَرَّمًا، وَمَنْ حَضَرَتْهُ صَلَاةٌ وَآلَةُ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ النَّقْدِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ الْمَاءَ بِهَا بَلْ يَتْرُكُهَا وَيَتَيَمَّمُ لِحُرْمَةِ الْوُضُوءِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَأَمَّا الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهُ وَالْمُضَبَّبُ وَذُو الْحَلْقَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْجَوَازِ فِي الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهِ، وَبِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ فِي الْمُضَبَّبِ، وَذِي الْحَلَقَةِ، وَالرَّاجِحُ فِي الْمُغَشَّى الْمَنْعُ وَكِلَاهُمَا رُجِّحَ فِي الْمُمَوَّهِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ نَحْوِ الْيَاقُوتِ وَالْجَوْهَرِ فَفِيهَا تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، أَمَّا أَوَانِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا كَأَوَانِي الْخَشَبِ وَالْفَخَّارِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَ هَذَا الْمَحِلِّ.
(وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ) أَوْ بِالْأَكْلِ حَالَةَ كَوْنِ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ (قَائِمًا) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام شَرِبَ قَائِمًا، وَكَذَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَقِيلَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ فَلَا بَأْسَ لِلْإِبَاحَةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ قِيَامٍ فَضَعِيفٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ قِيَامٍ فَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الشُّرْبِ حَالَ الْمَشْيِ.
(وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَجُوزُ (لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ) بِالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا وَالْمُثَلَّثَةِ. (أَوْ الثُّومَ) بِالْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ. (أَوْ الْبَصَلَ) حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (نِيئًا) بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ أَيْ مَطْبُوخٌ (أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ) أَيْ كُلَّ مَسْجِدٍ وَلَوْ خَالِيًا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَاجِيُّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا
وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا
وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ
وَنُهِيَ عَنْ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ
ــ
[الفواكه الدواني]
يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» .
وَقَالَ أَيْضًا عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» فَأَلْ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَتَنَاوَلُ غَيْرَ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ، وَيَتَنَاوَلُ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَجَالِسُ الْعِلْمِ، وَحِلَقُ الذِّكْرِ، وَمَجْمَعُ الْوَلَائِمِ الْمَطْلُوبُ الِاجْتِمَاعُ فِيهَا، وَأُلْحِقَ بِالْمَذْكُورَاتِ الْفُجْلُ وَمَنْ بِفَمِهِ نَحْرٌ أَوْ بِجَسَدِهِ جُرْحٌ مُنْتِنٌ، وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حُضُورُ مَجَالِسِ الْجَمَاعَاتِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنْ لَا يَنْبَغِيَ بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ خَلِيلٍ حَيْثُ جَعَلَ أَكْلَ كَالثُّومِ أَوْ الْبَصَلِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ مَكْرُوهًا لِمَنْ أَكَلَهَا لِمَا جَازَ لَهُ التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِمَكْرُوهٍ، وَعِنْدَ ابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ نِيئًا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْمَطْبُوخَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُخَلَّلُ لَا يُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أَوْ الثُّومَ نِيئًا أَنْ يَدْخُلَ نَحْوَ السُّوقِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصَ مُرُوءَةٍ.
(وَيُكْرَهُ) لِمَنْ شَرَعَ فِي الْأَكْلِ عَلَى جِهَةِ التَّنْزِيهِ (أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا) بِأَنْ يَأْكُلَ مَائِلًا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ مُتَرَبِّعًا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْلِسَ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ عليه الصلاة والسلام، فَإِنَّهُ كَانَ يَضَعُ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِحْدَى سَاقَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ وَيَأْكُلُ وَيَقُولُ:«أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ إمَّا فِعْلُ الْأَعَاجِمِ وَالْجَبَابِرَةِ أَوْ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَأَكْرَهُهُ، وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَالسُّنَّةُ الْأَكْلُ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةٍ يَطْمَئِنُّ عَلَيْهَا، وَلَا يَأْكُلُ مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ، وَلَا مُتَّكِئًا عَلَى ظَهْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ التَّوَاضُعِ، وَوَقْتُ الْأَكْلِ وَقْتُ تَوَاضُعٍ وَشُكْرٍ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ) بِالْمُثَلَّثَةِ الْخُبْزُ الْمَفْتُوتُ فِي نَحْوِ الْقَصْعَةِ لِمَا وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا» .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّفْحَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَمِثْلُ الثَّرِيدِ سَائِرُ الطَّعَامِ حَتَّى الرَّغِيفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ وَسَطِهِ، بَلْ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَكَلَ مِنْ طَرَفِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ قَسَمَهُ أَجْزَاءً يَجْعَلُ فِي كُلِّ حَاشِيَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ، وَيَقْسِمُهُ بِيَدِهِ وَلَا يَقْسِمُهُ بِنَحْوِ الْخِنْجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعْجَامِ، وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ، وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِهِ النَّهْشُ وَهُوَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» .
(وَنَهَى) الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام (عَنْ الْقِرَانِ فِي) أَكْلِ (التَّمْرِ) حَتَّى يَسْتَأْذِنَ مَرِيدُ الْقِرَانِ أَصْحَابَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى الْقِرَانِ جَمْعُ التَّمْرَتَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، بَلْ الْأَدَبُ أَكْلُ كُلِّ تَمْرَةٍ وَحْدَهَا، ثُمَّ بَيْنَ حَمْلِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ:(وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ) النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ (مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ) أَيْ التَّمْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَنَهَى إلَخْ، وَلِذَا قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَتَبِعَهُ الشَّاذِلِيُّ وَالْقِيلُ تَفْسِيرٌ لِلْعُمُومِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ عَقِبَ كَلَامِهِمَا: فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَكَى الْمَشْهُورَ فِيهَا بِقِيلٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَانِ إذَا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ شُرَكَاءَ فِي التَّمْرِ إمَّا بِمِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ بِتَقْدِيمٍ مِنْ الْغَيْرِ لَهُمْ وَاسْتَوَوْا فِي الشَّرِكَةِ، فَلَا يَأْخُذُ وَاحِدٌ تَمْرَتَيْنِ فِي مَرَّةٍ إلَّا بَعْدَ إذْنِ أَصْحَابِهِ لِيُسَاوُوهُ، وَلَا يَسْتَبِدُّ بِالزِّيَادَةِ دُونَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَهْيَ كَرَامَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِلْحُرْمَةِ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي التَّمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ نَحْوُ التِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْرِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا خَصَّ التَّمْرَ لِأَنَّهُ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِمْ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا أَدْخَلْنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الطَّعَامَ الْمُقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ الْمُقَدَّمَ لِلضُّيُوفِ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ، وَمُقَابِلُهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْأَكْلِ، وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ، وَعَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ الضُّيُوفِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا شَيْئًا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِهِ بِالدُّخُولِ وَالتَّقْدِيمِ.
الثَّانِي: الطَّعَامُ الْمَصْنُوعُ بِالْقَهْرِ عَلَى صَاحِبِهِ كَالْمَصْنُوعِ لِلظَّلَمَةِ وَالْمُحَارِبِينَ، وَمِنْهُ الْوَجْبَةُ الْمَعْرُوفَةُ لِلْفَلَّاحِينَ هَلْ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِهِ؟ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ مِنْهُ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، هَكَذَا قَالَ
فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَعَ أَهْلِك أَوْ مَعَ قَوْمٍ تَكُونُ أَنْتَ أَطْعَمْتهمْ
وَلَا بَأْسَ فِي التَّمْرِ وَشِبْهِهِ أَنْ تَجُولَ يَدُك فِي الْإِنَاءِ لِتَأْكُلَ مَا تُرِيدُ مِنْهُ
وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ مِنْ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا أَذًى وَلْيَغْسِلْ يَدَهُ وَفَاهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مِنْ الْغَمْرِ
وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ مِنْ اللَّبَنِ وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَطَانِيّ وَكَذَلِكَ بِالنُّخَالَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ
وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ
وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ
وَقَدْ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْمُقَدَّمِ لِلضَّيْفِ. وَلِي فِيهِ بَحْثٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، إذْ مَا تَقَدَّمَ يَسْمَحُ بِهِ مَالِكُهُ لِلضَّيْفِ غَالِبًا بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، فَيَقْوَى جَانِبُ التَّمْلِيكِ وَالْمَصْنُوعُ لِلظَّلَمَةِ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ مَالِكِهِ إذَا كَانَ يُؤْكَلُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا لَوْ غَيَّرَهُ الظَّالِمُ كَخَرُوفٍ ذَبَحَهُ وَطَبَخَهُ فَهَذَا يَمْلِكُهُ الظَّالِمُ بِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ مُرِيدُ الْأَكْلِ أَنَّ الظَّالِمَ يَدْفَعُ قِيمَتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ، هَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي أَخْذًا، مِنْ كَلَامِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ الْقِرَانِ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْآكِلِينَ ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُرِيدِ الْقِرَانِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْقِرَانِ (مَعَ أَهْلِك) كَزَوْجَتِك أَوْ أَوْلَادِك اللَّازِمِ لَك نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَك وَلَا يَلْزَمُك التَّأَدُّبُ مَعَهُمْ وَإِنْ لَزِمَهُمْ لَك. (أَوْ) أَيْ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِهِ (مَعَ قَوْمٍ تَكُونُ أَنْتَ أَطْعَمْتَهُمْ) عَلَى وَجْهِ الضِّيَافَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ، وَأَمَّا عَلَى مِلْكِهِمْ بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالدُّخُولِ فَيُنْهَى عَنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ.
وَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ الشَّخْصُ مِمَّا يَلِيهِ إذَا أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ فِي) حَالِ أَكْلِك مِنْ (التَّمْرِ وَشِبْهِهِ) مِنْ سَائِرِ الْفَوَاكِهِ (أَنْ تَجُولَ يَدُك فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي تَأْكُلُ أَنْتَ وَغَيْرُك مِنْهُ تَمْرًا أَوْ شِبْهَهُ فَتُرْسِلَ يَدَك فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا. (فَتَأْكُلُ مَا تُرِيدُ مِنْهُ) لِاخْتِلَافِ أَفْرَادِ التَّمْرِ وَشِبْهِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْأَطْعِمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ نَحْوَ عَدَسٍ وَيَخْنَى وَأَرُزٍّ فَتَأْكُلُ مِمَّا تُرِيدُهُ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَإِذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك أَكَلْت مِمَّا يَلِيك، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ:«أَنَّ عِكْرَاشًا أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَرِيدًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَتَى بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلْت آكُلُ بَيْنَ يَدِي وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّبَقِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت لِأَنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» .
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ الْأَكْلِ مِنْ الْغَمَرِ، بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُهَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ) أَكْلِ (الطَّعَامِ مِنْ السُّنَّةِ) بَلْ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَإِنْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِغَسْلِهَا قَبْلَ الطَّعَامِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَقُولُ: قَدْ تَقَرَّرَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْمَسْأَلَةُ هُنَا مِنْ الْعَمَلِ، فَلَعَلَّ الْأَوْلَى الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَبَعْدَهُ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْفِي اللَّمَمَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الْغَسْلَ الْيَوْمَ قَبْلَ الْأَكْلِ مِنْ شَعَائِرِ الْأَكَابِرِ وَمَا كُلُّ بِدْعَةٍ مَذْمُومَةٌ وَمَحِلُّ النِّزَاعِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) قَدْ حَلَّ (بِهَا أَذًى) أَيْ قَذَرٌ وَلَوْ طَاهِرًا فَإِنَّهُ يُطْلَبُ غَسْلُهُ وُجُوبًا إنْ كَانَ نَجِسًا وَنَدْبًا إنْ كَانَ طَاهِرًا، وَرُبَّمَا يَجِبُ إنْ كَانَ عَدَمَ الْغَسْلِ يُؤْذِي غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ يَمْتَخِطُ بِيَمِينِهِ وَأَرَادَ الْأَكْلَ بِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْلِ مَعَ غَيْرِهِ غَسْلُهَا هَكَذَا يَنْبَغِي، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّعَامِ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا حَارًّا أَوْ بَارِدًا لِامْتِهَانِ الطَّعَامِ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ بِالْيَدِ الْقَذِرَةِ.
(تَنْبِيهٌ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ مِنْ الْأَذَى إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ نَاجِي اتِّصَالُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ مِنْ الْأَذَى إنَّمَا جَاءَ بِالسُّنَّةِ أَيْ عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ نَاسَبَ ذِكْرَ مَفْهُومٍ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلْيَغْسِلْ) نَدْبًا (يَدَهُ وَفَاهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مِنْ الْغَمَرِ) وَيُقَالُ لَهُ الْوَدَكُ.
(وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ مِنْ اللَّبَنِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ، وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ لَوْلَا زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْيَدِ مِنْ الْغَمْرِ جَوَازُ غَسْلِهَا بِكُلِّ مُزِيلٍ لَهُ قَالَ:(وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ) كَالدَّقِيقِ (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَطَانِيِّ) كَدِقَاقِ التُّرْمُسِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ (وَكَذَلِكَ) أَيْ يُكْرَهُ الْغَسْلُ (بِالنُّخَالَةِ) الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ الْقَمْحِ، وَأَمَّا نُخَالَةُ الشَّعِيرِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْغَسْلِ بِهَا. وَلَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا قَالَ:(وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْجَوَازِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَثِيرًا مَا كَانُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَقْدَامِهِمْ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْسَاخِ، وَبِالْكَرَاهَةِ لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ وَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ الْكَرَاهَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَنِ الرَّخَاءِ وَالْغَلَاءِ، وَمُقَابِلُ الْكَرَاهَةِ الْإِبَاحَةُ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجُلُبَّانِ وَالْفُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ وَيُتَدَلَّكَ بِهِ فِي الْحَمَّامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا صُدِّرَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَلْتُجِبْ) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ عَلَى جِهَةِ