الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ
وَالطَّلَاقِ بِيَدِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ وَلَا طَلَاقَ لِصَبِيٍّ
وَالْمُمَلَّكَةُ وَالْمُخَيَّرَةُ لَهُمَا أَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
ثُمَّ رَجَعَتْ الْأُولَى إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُحَرَّمِ فَلَا تَرْجِعُ الْحُرْمَةُ فِيمَنْ حَلَّتْ، كَمَا لَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ رَجَعَتْ الْمَأْسُورَةُ أَوْ رَجَعَتْ الْمَبِيعَةُ.
قَالَ الْحَطَّابُ: مَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ أَقَامَ عَلَى وَطْءِ الْأَمَةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا وَأُخْتَهَا ثُمَّ رَجَعَتَا إلَيْهِ جَمِيعًا وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَطَأَ أُولَاهُمَا رُجُوعًا، وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ بَاعَ أَمَةً بَعْدَ وَطْئِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ حَتَّى اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ لَمْ يَطَأْ إلَّا الزَّوْجَةَ، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ عَقَدَ فَاشْتَرَى فَالْأُولَى أَيْ مُتَعَيَّنَةٌ لِلْبَقَاءِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ وَطْءَ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمَوْطُوءَةِ عَلَى أَصْلِ الْوَاطِئِ وَفَرْعِهِ كَمَا يَحْرُمُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ وَطِئَ) مِنْ الْبَالِغِينَ (أَمَةً بِمِلْكٍ) وَلَوْ فَاسِدًا أَوْ تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا) وَإِنْ عَلَتْ (وَلَا ابْنَتُهَا) وَإِنْ سَفَلَتْ قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْبَالِغِ فَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ أُمَّ مَوْطُوءَتِهِ وَلَا ابْنَتَهَا لِلْقَاعِدَةِ، وَهِيَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ أَوْ التَّلَذُّذِ يُعْتَبَرُ فِيهِ بُلُوغُ الْوَاطِئِ، وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْعَاقِدِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(وَتَحْرُمُ) أَيْضًا تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ أَوْ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا (عَلَى آبَائِهِ) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمُرَادُ أُصُولُهُ وَإِنْ عَلَوْا (وَ) تَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى (أَبْنَائِهِ) الْمُرَادُ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفُلُوا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ بِالتَّلَذُّذِ بِالْمِلْكِ (كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ) أَيْ الْعَقْدِ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وَمَفْهُومُ وَطِئَ أَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الْمِلْكِ لَا يُحَرِّمُ أَصْلَ الْمَمْلُوكَةِ وَلَا فَرْعَهَا عَلَى أُصُولِهِ وَلَا عَلَى فُرُوعِهِ، بَلْ وَلَا تَحْرُمُ ذَاتُهَا عَلَى أَصْلِ الْمَالِكِ وَلَا عَلَى فَرْعِهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كَمَا قَدَّمْنَا.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْوَطْءِ بَلْ مُطْلَقُ التَّلَذُّذِ وَلَوْ بِالنَّظَرِ، كَمَا فُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ بِمِلْكٍ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًا لَمْ يَحْصُلْ التَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الْمَمْلُوكَةِ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ الْحَرَامَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ مَجُوسِيَّةً، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِ الْأُجْهُورِيِّ
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّلَاقُ) كَائِنٌ (بِيَدِ الْعَبْدِ) الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ أَمْضَاهُ لَهُ (دُونَ السَّيِّدِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَهُوَ الزَّوْجُ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَفَسْخُ نِكَاحِهِ بِيَدِ سَيِّدِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً، بِخِلَافِ الْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَيَتَحَتَّمُ عَلَى سَيِّدِهَا رَدُّ نِكَاحِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَبْدَ بِالْمُكَلَّفِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ:(وَلَا طَلَاقَ) صَحِيحٌ (لِصَبِيٍّ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا بِحَيْثُ صَارَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ وَلَوْ بِأَكْلِ حَشِيشَةٍ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَلَا السَّكْرَانِ بِحَلَالٍ وَلَا الْكَافِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا يُطَلِّقُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلِيُّهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي طَلَاقِ الشَّخْصِ لَزَوْجَةِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ أَيْ فَيَصِحُّ بِإِجَازَةِ الزَّوْجِ وَلَوْ كَانَ الْمُطَلِّقُ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ حَقِيقَةً الزَّوْجُ، وَلِذَلِكَ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ يَوْمِ إجَازَتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذُكِرَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَلِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِطَلَاقِهِ، وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَجْوِيزٍ، وَلِذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ الشَّخْصُ عَلَى طَلْقَةٍ فَأَوْقَعَ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ فَطَلَّقَ أَوْ عَكْسُهُ وَعَلَى أَنْ يَهَبَ أَوْ يَبِيعَ الْبَعْضَ فَوَهَبَ أَوْ بَاعَ الْكُلَّ لَا يَلْزَمُهُ لِشَبَهِهِ بِالْمَجْنُونِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِكْرَاهِ كَوْنُهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِوُقُوعِ الْمَخُوفِ بِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَقُدْرَةُ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ عَلَى فِعْلِ مَا خَوَّفَ بِهِ الْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ.
[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: تَوْكِيلٌ وَرِسَالَةٌ وَتَخْيِيرٌ وَتَمْلِيكٌ، فَالتَّوْكِيلُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْمُخَيَّرِ بَاقِيًا مَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ إنْشَائِهِ، فَلَهُ عَزْلُ الْوَكِيلِ مِنْهُ قَبْلَ إيقَاعِهِ اتِّفَاقًا، وَحَقِيقَةُ الرِّسَالَةِ جَعْلُ الزَّوْجِ إعْلَامَ الزَّوْجَةِ ثُبُوتَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ كَفَى أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِهِ حُصُولُهُ مِنْ الزَّوْجِ، وَحَقِيقَةُ التَّمْلِيكِ جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يُخَصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ، وَحَقِيقَةُ التَّخْيِيرِ جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ لِغَيْرِهِ ثَلَاثًا حُكْمًا، أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ فَقَالَ:(وَ) الْمَرْأَةُ (الْمُمَلَّكَةُ) أَيْ الَّتِي مَلَّكَهَا زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا تَمْلِيكًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ: مَلَّكْتُك أَمْرَك، أَوْ طَلَاقَك أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت (وَ) الزَّوْجَةُ (الْمُخَيَّرَةُ) أَيْ الَّتِي خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فِي اخْتِيَارِ نَفْسِهَا أَوْ الْبَقَاءِ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك،
يَقْضِيَا مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ
وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ خَاصَّةً فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ أَنْ تَقْضِيَ إلَّا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ لَا نُكْرَةَ لَهُ فِيهَا.
وَكُلُّ حَالِفٍ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ.
وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بَعْدَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَخَبَرُ الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ جُمْلَةُ.
(لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا) بِالْفِرَاقِ أَوْ الْبَقَاءِ (مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ) الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّخْيِيرُ أَوْ التَّمْلِيكُ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، أَوْ أَوْقَفَهَا قَاضٍ أَوْ وُطِئَتْ أَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ بِحَيْثُ خَرَجَا عَمَّا كَانَا فِيهِ سَقَطَ مَا بِيَدِهَا، إلَّا أَنْ يَهْرُبَ الزَّوْجُ مُرِيدًا قَطْعَ مَا بِيَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ زَمَانٍ تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ تَخْتَرْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ.
قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَمَا أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهِ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مَا جَعَلَ لَهُمَا مَا لَمْ يُوقَفَا عِنْدَ قَاضٍ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الزَّوْجِ تَمْكِينٌ، وَلَوْ حَصَلَ مُفَارَقَةٌ وَخُرُوجٌ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطْلَقِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ لِلْإِمَامِ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا الْمَرْجُوعُ عَنْهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَيْهِ آخِرَ أَمْرِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ مُوهِمًا عَدَمَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَمَفْهُومُ الْمُطْلَقِ أَنَّ التَّخْيِيرَ أَوْ التَّمْلِيكَ الْمُقَيَّدَ بِزَمَانٍ، كَخَيَّرْتُكِ أَوْ مَلَّكْتُك فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا، أَوْ بِالْمَكَانِ كَخَيَّرْتُكِ أَوْ مَلَّكْتُك فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَوْ طَالَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِفَهَا وَلَا يُمْهِلَهَا، قَالَ خَلِيلٌ: وَوُقِفَتْ وَإِنْ قَالَ إلَى سَنَةٍ مَتَى عُلِمَ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ عَزْلُهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ لَوْ وَكَّلَهَا فِي طَلَاقِهَا فَلَهُ عَزْلُهَا قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهَا بِذَلِكَ حَقٌّ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: إنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلًا فَلَهُ الْعَزْلُ إلَّا لِتَعَلُّقِ حَقٍّ لَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُمَلَّكِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُ عَنْ نَفْسِهِ.
الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ جَوَابَ الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ فِي الطَّلَاقِ كَطَلَاقِهِ وَرَدِّهِ كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً، فَإِنْ أَجَابَتْ بِالطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ مِنْك، أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي، أَوْ أَنَا بَائِنَةٌ، أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ مِنِّي، عُمِلَ بِهِ وَتَطْلُقُ مِنْهُ كَمَا تَطْلُقُ مِنْ الزَّوْجِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَرِيحُ طَلَاقٍ، وَإِنْ أَجَابَتْ بِرَدِّ مَا جَعَلَهُ لَهَا عُمِلَ بِهِ كَقَوْلِهَا: رَدَدْت مَا جَعَلْته لِي أَوْ لَا أَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْك، وَمِثْلُ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ الرَّدُّ بِغَيْرِهِ، كَمُضِيِّ زَمَنِ تَخْيِيرِهَا، وَكَتَمْكِينِهَا مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ عِلْمِهَا وَطَوْعِهَا وَلَوْ مَعَ جَهْلِهَا بِالْحُكْمِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا مَكَّنَتْهُ مِنْهُ مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَا إنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ فَلَا يَبْطُلُ مَا جَعَلَهُ لَهَا وَلَوْ وَطِئَهَا بِالْفِعْلِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ الْعِلْمِ، وَإِنْ أَجَابَتْ بِمَا يَحْتَمِلُ الْقَبُولَ وَالرَّدَّ بِأَنْ قَالَتْ: قَبِلْت أَوْ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ مَا مَلَّكْتنِي وَطُلِبَ مِنْهَا التَّفْسِيرُ وَيُقْبَلُ مَا فَسَّرَتْ بِهِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا أَجَابَتْ بِهِ، سَوَاءٌ صَرِيحُ اللَّفْظِ أَوْ الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ لَا الْخَفِيَّةُ، فَلَا تُعْتَبَرُ هُنَا وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ أَصَالَةً فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَصْدُ حِلِّهَا وَلَوْ بِاسْقِنِي الْمَاءَ
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا لَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَنَازَعَهَا الزَّوْجُ مُدَّعِيًا إرَادَةَ أَقَلَّ فَقَالَ: (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ الَّذِي فَوَّضَ لِزَوْجَتِهِ أَمْرَهَا (أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ خَاصَّةً) إنْ أَوْقَعَتْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
(فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا، وَمِثْلُ الْمُمَلَّكَةِ الْمُخَيَّرَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا قَالَ خَلِيلٌ: وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ وَمُمَلَّكَةً مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُنَاكِرُ الزَّوْجُ كُلًّا مِنْهُمَا بِشُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا وَاحِدًا بِقَوْلِهِ: فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: إنْ زَادَ عَلَى طَلْقَةٍ وَأَنْ يَكُونَ نَوَى الْوَاحِدَةَ عِنْدَ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ لَا إنْ نَوَى أَكْثَرَ أَوْ أَطْلَقَ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِالْمُنَاكَرَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الزَّائِدَةِ، لَا إنْ تَأَخَّرَ بَعْدَ السَّمَاعِ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، وَأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزَّائِدَ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمُنَاكَرَةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِيَرْتَجِعَهَا، وَعِنْدَ إرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ كَرَّرَ قَوْلَهُ: أَمْرُك بِيَدِك مَثَلًا مَعَ عَدَمِ قَصْدِ التَّأْكِيدِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ التَّخْيِيرُ أَوْ التَّمْلِيكُ مُشْتَرَطًا لِلزَّوْجَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ لَهَا) أَيْ الْمُخَيَّرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا (فِي التَّخْيِيرِ) الْمُطْلَقِ الْعَارِي عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَدٍ.
(أَنْ تَقْضِيَ إلَّا بِالثَّلَاثِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا وَتَبْقَى فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا بَعْدُ، وَلَهَا عَمَّا جَعَلَهُ الشَّارِعُ لَهَا مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَقَيَّدْنَا التَّخْيِيرَ بِالْمُطْلَقِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِعَدَدٍ فَلَا تُوقِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي سَمَّاهُ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا قَضَتْ بِهِ وَتَسْتَمِرُّ عَلَى تَخْيِيرِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتِيَارِ تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ وَمِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَا تَقْضِي إلَّا بِوَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَإِنْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّ مُنَاكَرَةِ