الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَضَرِ وَلَا فِي دُورِ الْبَادِيَةِ إلَّا لِزَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ يَصْحَبُهَا فِي الصَّحْرَاءِ ثُمَّ يَرُوحُ مَعَهَا أَوْ لِصَيْدٍ يَصْطَادُهُ لِعَيْشِهِ لَا لِلَّهْوِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالنِّدَاءِ لِلصُّبْحِ، وَثَالِثُ الْأَحْوَالِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ النَّظَرُ فِيهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى جِهَةِ مَسِيرِهِ، كَمَا إذَا كَانَ فِي نَحْوِ الْبَحْرِ الْمَالِحِ عِنْدَ اتِّسَاعِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْبَرَّ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] وَقَالَ أَيْضًا: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] بِأَنْ يُمَيِّزَهَا وَيَعْرِفَ الشِّمَالَ مِنْهَا وَالْجَنُوبَ وَوَقْتَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّهُ أَظْهَرَهَا لِذَلِكَ.
(وَ) يُطْلَبُ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَنْ (يَتْرُكَ) النَّظَرَ فِي النُّجُومِ فِي (مَا سِوَى ذَلِكَ) كَالنَّظَرِ فِيهَا لِيَسْتَدِلَّ بِظُهُورِ بَعْضِ النُّجُومِ عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ فِيهَا الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَةِ الْمَسِيرِ إلَى أَمْرٍ مَطْلُوبٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَمُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا يُوصِلُ إلَى نُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ أَوْ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إلَى حُصُولِ الْكُسُوفِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَيُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ إنْ كَانَ مُسْتَسِرًّا لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَبَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ إنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَعَّالُ عِنْدَهَا وَلَا يَتَخَلَّفُ هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ مُبْتَدِعٌ، وَالْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ الْجَزْمَ بِأَنَّ ظُهُورَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ ظُهُورِ بَعْضِ النُّجُومِ أَمْرٌ أَغْلَبِيٌّ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» أَيْ إذَا طَلَعَتْ السَّحَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ وَمَالَتْ إلَى الشَّامِ فَتِلْكَ السَّحَابَةُ غَزِيرَةُ الْمَطَرِ.
1 -
(تَتِمَّةٌ) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَصْدِيقُ الْكَاهِنِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا الْعَرَّافِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا وَقَعَ كَإِخْرَاجِ الْمُخَبَّآتِ وَكَتَعْيِينِ السَّارِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . وَوَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ عَمَلِ الْمُنَجِّمِ بِمَعْرِفَتِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَلَوْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَأَدَّاهُ عِلْمُهُ لِلصَّوْمِ فِي غَدٍ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي غَدٍ، وَلِلشَّافِعِيِّ رِوَايَتَانِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ.
[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهُوَ الْكِلَابُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (يُتَّخَذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (كَلْبٌ فِي الدُّورِ) الْكَائِنَةِ (فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي دُورِ الْبَادِيَةِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْحِلِّ الْكَرَاهَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا فَيَحْرُمُ. (وَإِلَّا) أَنْ يُتَّخَذَ (لِزَرْعٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِلْحِرَاسَةِ. (أَوْ) إلَّا أَنْ يُتَّخَذَ لِحِرَاسَةِ (مَاشِيَةٍ يَصْحَبُهَا فِي الصَّحْرَاءِ ثُمَّ يَرُوحُ) أَيْ يَرْجِعُ (مَعَهَا) لِحِرَاسَتِهَا مِنْ اللُّصُوصِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَبِيتِ. (أَوْ) أَيْ أَوْ إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ (لِصَيْدٍ يَصْطَادُهُ لِعَيْشِهِ) أَوْ عَيْشِ عِيَالِهِ فَلَا حَرَجَ فِي اتِّخَاذِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِزَمَنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَيُطْلَبُ إخْرَاجُهَا مِنْ حَوْزِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا أَوْ الْجَوَازُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ قَوْلَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِيَةِ الْغَنَمُ وَكَذَا غَيْرُهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَى الْحِرَاسَةِ. (لَا لِلَّهْوِ) فَيُكْرَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ يَجِبُ لِقُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا مِنْ الصَّيْدِ، وَيَحْرُمُ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، وَيُنْدَبُ إذَا كَانَ لِلتَّوْسِعَةِ، وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ، وَيُبَاحُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فَاكِهَةً وَنَحْوَهَا مِنْ كُلِّ مُبَاحٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى اتِّخَاذِهَا لِحِفْظِ مَحِلِّهِ أَوْ حِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا جَازَ، كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ حِينَ سَقَطَ حَائِطُ دَارِهِ وَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشِّيعَةِ فَاِتَّخَذَ كَلْبًا، وَلَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَتَّخِذُهُ وَمَالِكٌ نَهَى عَنْ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ زَمَانَنَا لَاِتَّخَذَ أَسَدًا ضَارِيًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فِيمَا أَتْلَفَهُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ عَقُورًا وَيُنْذَرُ صَاحِبُهُ عَلَى يَدٍ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِنْذَارِ عَلَى يَدِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ مَا يُتْلِفُهُ بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَجِنَايَةُ غَيْرِ الْعَقُورِ مِنْ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ جُبَارٌ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَيَضْمَنُ مُتَّخِذُهُ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِمُتَّخِذِهِ إنْذَارٌ.
الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ قَتْلِ الْكِلَابِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمَأْذُونَ فِي اتِّخَاذِهِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَى قَاتِلِهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ لِصِحَّةِ مِلْكِهِ وَإِنْ حَرُمَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ غُرْمِ الْقِيمَةِ، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الضَّحِيَّةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُمَا وَتَلْزَمُ قِيمَتُهُمَا مَنْ أَتْلَفَهُمَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَى قَاتِلِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ وَجَوَازِ بَلْ نَدْبِ قَتْلِهِ.
الثَّالِثُ: الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِغَيْرِ الْحِرَاسَةِ وَالصَّيْدِ مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم -
وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْغَنَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا وَنُهِيَ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ
وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ
وَيُتَرَفَّقُ بِالْمَمْلُوكِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
وَفِي رِوَايَةٍ: «قِيرَاطَانِ» . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ» كَصُورَةِ حَيَوَانٍ كَامِلَةٍ لَهَا ظِلٌّ، وَسَبَبُ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ مَا فِيهِ كِلَابٌ كَمَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لِكَثْرَةِ قَذَارَتِهَا مِنْ تَعَاطِي النَّجَاسَاتِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَنْفِرُ مِنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا وَالْمَلَائِكَةُ أَضْدَادُ الشَّيَاطِينِ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ مَا ذَكَرَهُمْ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ كُلَّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ الْإِنْسَانَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَمَرَهُمْ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَكِتَابَتِهَا، وَأَمَّا الْكِلَابُ الْمَأْذُونُ فِي اتِّخَاذِهَا فَلَا تُمْنَعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ بُيُوتِهَا كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ، خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ التَّعْمِيمَ فِي الْكِلَابِ وَفِي الصُّوَرِ، فَأَدْخَلَ فِي النَّهْيِ الْكِلَابَ الْجَائِزَةَ الِاتِّخَاذِ، وَفِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا ظِلَّ لَهَا كَالْمَرْسُومَةِ فِي الْفُرُشِ أَوْ الْحَائِطِ، وَالْمُرَادُ بِالْجُنُبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ الْمُتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ بِحَيْثُ لَا يَفْعَلُهُ جُمْلَةً لَا مَنْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِلَابِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِصَاءِ فَقَالَ:(وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ) بِالْمَدِّ (الْغَنَمِ) وَمِثْلُهَا الْمَعْزُ (لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ لُحُومِهَا) لِأَنَّهُ يُطَيِّبُهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْغَنَمِ بَلْ الْبَقَرُ وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يَجُوزُ خِصَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَلَا بَأْسَ فِي كَلَامِهِ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِصَاءُ بِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ أَوْ سَلِّهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْجِلْدَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ:(وَنُهِيَ) الْمُكَلَّفُ (عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلرُّكُوبِ وَالْجِهَادِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ يُنْقِصَ قُوَّتَهَا وَيَقْطَعُ نَسْلَهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُكَلَّبَ الْفَرَسُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ، أَمَّا خِصَاءُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَجُوزُ خِصَاؤُهَا لِأَنَّهَا لَا يُجَاهَدُ عَلَيْهَا وَرُبَّمَا يَزِيدُ خِصَاؤُهَا فِي قُوَّتِهَا وَيَكْثُرُ بِهِ نَفْعُهَا كَخِصَاءِ الثَّوْرِ، وَأَمَّا خِصَاءُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَلَوْ رَقِيقًا، بَلْ حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَنْعَ بَيْعِهِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخِصَاءَ إمَّا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ وَذَلِكَ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ.
وَإِمَّا مُتَّفَقٌ عَلَى حُرْمَتِهِ وَذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّ، وَاَلَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ هُوَ الْخَيْلُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَسْمِ بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ بِالنَّارِ أَوْ بِالشَّرْطِ بِالْمُوسَى (فِي الْوَجْهِ) أَيْ وَجْهُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحَيَوَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَايَةُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ وَغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ الشَّرْعِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ عَلَى مَنْ وَسَمَ حِمَارًا فِي وَجْهِهِ لِمَا أَنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْوَسْمِ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ كَالْجَمَلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ وَيُوسِمُهَا فِي رَقَبَتِهَا أَوْ جَنْبِهَا وَالْعَنْزُ فِي أُذُنِهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا فَيَعْرِفُهَا مَالِكُهَا بِوَسْمِ اسْمِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَسْمُهُ بِالنَّارِ فِي وَجْهِهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ النَّارِ فِي وَجْهِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ مَا وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَأَرْخَصَ فِي الْوَسْمَةِ فِي الْأُذُنِ» لِأَنَّ الْوَسْمَةَ فِي الْأُذُنِ عَلَامَةٌ، وَالْمَالِكُ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي مَاشِيَتِهِ لِتَتَمَيَّزَ لَهُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمَمْلُوكِ فَقَالَ: (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ (يَتَرَفَّقَ بِالْمَمْلُوكِ) فِي عَمَلِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ أَنْ (يُكَلَّفَ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ) عَمَلَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ» . وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَلِّفَ رَقِيقَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْفِيفُ عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَطْحَنُ مَعَ الْخَادِمِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ الرَّقِيقُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَمَعْنَى الْمَعْرُوفِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إطْعَامُهُ مِنْ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِإِطْعَامِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ السَّيِّدُ، وَإِذَا كَلَّفَهُ سَيِّدُهُ مَا لَا يُطِيقُهُ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يَرْتَدِعْ وَيَنْزَجِرْ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَكَى الْعَبْدُ الْعَزَبَةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
فَلَا يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ تَزْوِيجُهُ وَلَا بَيْعُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَبْرُ الْمَالِكِ أَمَةً وَعَبْدًا بِلَا إصْرَارٍ لَا عَكْسُهُ، وَلَا يُقَالُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ فِي مَنْ لَهُ حَقٌّ وَالرَّقِيقُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَطْءِ، وَهَذَا حُكْمُ الرَّقِيقِ الَّذِي يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يُؤَجَّرُ أَوْ تُزَوَّجُ أُمُّ الْوَلَدِ.
(تَنْبِيهٌ) تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَمْلُوكِ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ الْبَهِيمِيَّ فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ عَلَفُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ وَدَابَّتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى، وَإِلَّا بِيعَ كَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، وَيَجُوزُ مِنْ لَبَنِهَا مَا لَا يَضُرُّ بِنِتَاجِهَا، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ غَيْرُ الْحَيَوَانِ كَالْأَشْجَارِ وَالزَّرْعِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ وَعِلَاجٍ فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهَا الْقِيَامُ بِمَا يُصْلِحُهَا وَيَحْفَظُهَا مِنْ الْإِتْلَافِ، فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى مَاتَتْ عَطَشًا أَثِمَ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يُجْبَرُ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا يَحْفَظُهُ عَنْ التَّلَفِ كَمَا ذَكَرْنَا.