الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ، وَيَكُونُ إنْ نَزَلَ أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا، وَعَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ.
وَلِلْعَامِلِ كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ إذَا سَافَرَ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
وَكِسْوَتُهُمْ بِشَرْطَيْنِ: التَّسَاوِي فِي الْمَالِ، وَإِلَّا أَنْفَقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ يَتَقَارَبَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا فِي بَلَدٍ أَوْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيِّنًا كَانَ وَطَنًا لَهُمَا أَوْ لَا، كَمَا تُلْغَى نَفَقَةُ وَكِسْوَةُ عِيَالِهِمَا إنْ تَقَارَبَا نَفَقَةً وَعِيَالًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ تَقَارُبٌ فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْعِيَالِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقْنَعُ بِالْجَرِيشِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْغَلِيظِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْآخَرُ عَلَى الضِّدِّ، أَوْ تَخَالَفَا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ حَسَبًا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الْعِيَالِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ
1 -
الْخَامِسُ: الشَّرِيكُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الْخُسْرِ أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ يُنَاسِبُهُ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْمُنَاصَفَةِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ شَرِيكِهِ. (فَائِدَةٌ) . الشَّرِكَةُ فِيهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: إحْدَاهَا، وَهِيَ الْفُصْحَى عَلَى وَزْنِ سِدْرَةٍ، وَيَلِيهَا عَلَى وَزْنِ نَمِرَةٍ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى وَزْنِ نَبْقَةٍ، فَتَكُونُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ مَعَ إجْحَافِ الْمُؤَلِّفِ فِي الِاخْتِصَارِ.
[بَاب الْقِرَاض]
وَلَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ مُنَاسِبًا لِلشَّرِكَةِ فِي كَوْنِ الْعَاقِدِ أَمِينًا فِيهِمَا وَأَيْضًا هُمَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ ذَكَرَهُ عَقِبَهَا فَقَالَ: (وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَهَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَقُولُونَ قِرَاضًا، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ الْمُضَارَبَةُ، وَكِتَابُ الْمُضَارَبَةِ بَدَلَ كِتَابِ الْقِرَاضِ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101]، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ أَوْ غَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِرَاضِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّنْمِيَةِ بِنَفْسِهِ فَاضْطُرَّ فِيهِ لِاسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِأُجْرَةٍ فَرَخَّصَ فِيهِ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَيَدْخُلُ بَعْضُ الْفَاسِدِ كَالْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَدِيعَةِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ قَوْلُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَعْمَلُ لَهُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَبَّرَ بِتَمْكِينٍ دُونَ عَقْدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلِكُلٍّ حَلُّهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ شُغْلِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ لَازِمٌ لِكُلٍّ، وَبَعْدَ تَزَوُّدِ الْعَامِلِ لِلسَّفَرِ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ كَرَبِّهِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْعَامِلَ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ وَلَمْ يَظْعَنْ، وَإِلَّا فَلِنَضُوضِهِ، وَجَوَازُ الْقِرَاضِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ الْمُدَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَمِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحُرْمَةِ الرِّفْقُ بِالْعِبَادِ كَمَا مَرَّ.
1 -
وَأَرْكَانُهُ الْعَاقِدَانِ، وَهُمَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْمَالُ وَالصِّيغَةُ وَالْجُزْءُ الْمَجْعُولُ لِلْعَامِلِ.
وَأَشَارَ إلَى شَرْطِ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ) وَلَوْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً حَيْثُ تُعُومِلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَرُجْ كَالْكَامِلَةِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النَّقْدِ الْخَالِصِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَامَلِ بِهِ فَهُوَ كَالْعَرَضِ (وَقَدْ أَرْخَصَ) أَيْ تُسُوهِلَ (فِيهِ) أَيْ الْقِرَاضِ (بِنِقَارِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَالنِّقَارُ بِكَسْرِ النُّونِ الْقِطَعُ الْخَالِصَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِثْلُهَا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ، فَإِنَّ حُكْمَ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ فِي الْجَوَازِ إنْ تُعُومِلَ بِهَا فِي بَلَدِ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَسْكُوكٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَعَامَلْ بِهَا أَوْ وُجِدَ الْمَسْكُوكُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمُرَادُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالْعَمَلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِنْدَ أَصْبَغَ مُطْلَقًا.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِهِ وَلَوْ حَصَلَ الْعَمَلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ مِنْ تِبْرٍ وَنِقَارٍ وَحُلِيٍّ، لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: التَّعَامُلُ بِهِ فِي بَلَدِ الْعَمَلِ، وَعَدَمُ وُجُودِ الْمَسْكُوكِ، وَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ مَالٍ مَعَ فَقْدِ الشَّرْطَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَضَى بِالْعَمَلِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ الْعَقْدِ.
(تَنْبِيهٌ) . فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَرْخَصَ فِيهِ بِنِقَارِ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْفُلُوسِ الْجُدُدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ النُّقُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا حَيْثُ تُعُومِلَ بِالْمَسْكُوكِ، وَأَمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا لَجَازَ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ.
[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]
ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا مَعَهُمَا بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ) الْقِرَاضُ (بِالْعُرُوضِ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَا قَابَلَ الْعَيْنَ، فَتَدْخُلُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ حَيْثُ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا، وَيَدْخُلُ الْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالْوَدَعُ وَلَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِسَائِرِ الْمُقَوَّمَاتِ وَالْمِثْلِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَالْوَارِدُ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ، وَلَا يُقَالُ: الشَّارِعُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْجُدُدِ وَلَا بِنِقَارِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِمَاذَا رَخَّصَ فِيهَا؟ . لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَذْكُورَاتُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ، وَالْجُدُدُ عِنْدَ انْفِرَادِ التَّعَامُلِ بِهَا قَدْ قِيلَ إنَّهَا مِنْ النُّقُودِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْحُكْمَ لَوْ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَقَالَ:(وَيَكُونُ) أَيْ عَامِلُ الْقِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ (إنْ نَزَلَ) الْعَقْد بِالْعُرُوضِ (أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا) أَيْ الْعُرُوضِ
الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ، وَإِنَّمَا يُكْتَسَى فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ
؟ وَلَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ.
وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ.
فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي تَوْلِيَةِ بَيْعِهَا حَيْثُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهَا، فَقَوْلُهُ أَجِيرًا أَيْ كَأَجِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْعَرَضِ وَالشِّرَاءِ بِثَمَنِهِ أَمْتِعَةً فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَعَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ إذَا اتَّجَرَ بِالثَّمَنِ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ وَقَعَ عَقْدُ الْقِرَاضِ بِعَرَضٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَاسِدًا يَجِبُ فَسْخُهُ، فَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى بَاعَ الْعَامِلُ الْعَرَضَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فَسْخُهُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوْلِيَةِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى اتَّجَرَ بِثَمَنِ الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي تَوْلِيَةِ بَيْعِ الْعَرَضِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَلَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي الِاتِّجَارِ بِالثَّمَنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، هَذَا إذَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ الْعَرَضُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الْعَرَضَ اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالٍ أَوْ قِيمَتَهُ الْآنَ أَوْ يَوْمَ الْمُفَاصَلَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَأَجِيرٍ فِي بَيْعِهَا وَيُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي الِاتِّجَارِ بِالثَّمَنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنَّ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ لَا شَيْءَ لَهُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ فَتَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ عِدْلَ كَتَّانٍ مَثَلًا لِآخَرَ وَقَالَ لَهُ: امْضِ بِهِ إلَى الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ فَادْفَعْهُ لِفُلَانٍ يَبِيعُهُ وَيَقْبِضُ ثَمَنَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ فَخُذْهُ مِنْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا بَيْنِي وَبَيْنِك، فَإِنَّ هَذِهِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ.
1 -
وَمُلَخَّصُ شُرُوطِ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا مَضْرُوبًا، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ يَدِهِ، فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ وَلَا رَهْنٍ وَلَا وَدِيعَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ مَجْهُولَ الْكَمِّيَّةِ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ كَرُبُعِ أَوْ خُمُسِ الرِّبْحِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ وَلَا يَتَقَيَّدُ عَقْدُهُ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ فَلَا وَجْهَ لِتَنْظِيرِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ.
(وَ) يَجِبُ (لِلْعَامِلِ) فِي حَالِ الْقِرَاضِ (كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ) بِشُرُوطٍ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا سَافَرَ) لِلتِّجَارَةِ وَتَنْمِيَةِ مَالِ الْقِرَاضِ مُدَّةَ سَفَرِهِ وَإِقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّتِي يَتَّجِرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ السَّفَرِ إنْفَاقٌ، وَلَوْ شَغَلَهُ التَّزَوُّدُ لِلسَّفَرِ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي كَانَ يَتَمَعَّشُ مِنْهَا خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي إنْفَاقِهِ فِي مَحَلِّ إقَامَتِهِ لِلتَّجْرِ عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَنْفَقَ إنْ سَافَرَ وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَةٍ، فَإِنْ بَنَى بِهَا أَوْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَقَيَّدْنَا السَّفَرَ بِكَوْنِهِ لِلتَّجْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ سَافَرَ بِمَالِ الْقِرَاضِ لِقَصْدِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ لِقُرْبَةٍ أَوْ لِبَلَدِ زَوْجَتِهِ الْمَبْنِيِّ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لَا فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي إيَابِهِ إلَّا فِي السَّفَرِ لِبَلَدِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّمَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ فِي مُدَّةِ الذَّهَابِ وَالْإِقَامَةِ، لَا فِي مُدَّةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ فَإِنَّ لَهُ الْإِنْفَاقَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ أَوْ الْقُرْبَةِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَالذَّهَابِ فَلَا يُنْفِقُ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ مِنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ، وَقَيَّدَ خَلِيلٌ الْبِنَاءَ بِالزَّوْجَةِ بِكَوْنِهِ فِي بَلَدِ التِّجَارَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ فَإِنَّ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا، وَإِيَابًا وَفِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
وَمِنْ شُرُوطِ الْإِنْفَاقِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ (فِي) أَيْ مِنْ (الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْإِنْفَاقَ، فَلَا إنْفَاقَ لَهُ مِنْ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا يَجُوزُ السَّرَفُ فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكِسْوَةِ، فَإِنْ أَسْرَفَ كَانَ عَلَيْهِ كَالْإِنْفَاقِ الزَّائِدِ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ. وَكَمَا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ ضَاعَ مَالُ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَيُلْحَقُ بِالْإِنْفَاقِ الْجَائِزِ أُجْرَةُ نَحْوِ الْحَجَّامِ وَالْمُزَيِّنِ وَصَاحِبِ الْحَمَّامِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ عُرْفًا، لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ فِيهِ، وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ خَادِمًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ الْعَامِلِ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ فَلَهُ اتِّخَاذُهُ فِي السَّفَرِ بِشُرُوطِ النَّفَقَةِ. وَالْمُرَادُ اتِّخَاذُ الْخَادِمِ بِالْأُجْرَةِ لَا بِشِرَاءِ رَقِيقٍ، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ كَثُرَ الْمَالُ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ كَوْنُ الْكِسْوَةِ كَالنَّفَقَةِ فِي جَوَازِ فِعْلِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِي السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ قَصِيرًا قَالَ كَالْمُسْتَدْرَكِ عَلَى مَا سَبَقَ:(وَإِنَّمَا يُكْتَسَى فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ) الَّذِي تَخْلَقُ فِيهِ الثِّيَابُ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ طُولُ زَمَانِهِ، فَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ كِسْوَةٍ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاكْتَسَى إنْ بَعُدَ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي السَّفَرِ وَكَوْنِهِ لِلتَّجْرِ فَقَطْ، لَا لِأَهْلٍ وَلَا لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ قُرْبَةٍ وَاحْتِمَالِ الْمَالِ وَكَوْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَلَمَّا كَانَ عَقْدُ الْقِرَاضِ بَعْدَ شُغْلِ الْمَالِ بِالْعَمَلِ لَازِمًا وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَضُوضَهُ لِإِيجَابِ لِذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ لِلْحَاكِمِ قَالَ: (وَلَا يَقْتَسِمَانِ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (الرِّبْحَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ) أَوْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قِسْمَةٍ، فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَضُوضَهُ قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ اسْتَنَضَّهُ فَالْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فَمَا كَانَ صَوَابًا فَعَلَهُ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْعُرُوضِ إذَا تَرَاضَوْا عَلَيْهَا وَتَكُونُ بَيْعًا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ قَبْلَ نَضُوضِهِ إلَّا بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قُسِمَ قَدْ تَهْلِكُ السِّلَعُ أَوْ تَتَحَوَّلُ أَسْوَاقُهَا فَيَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ لِرَبِّ الْمَالِ بِعَدَمِ جَبْرِ رَأْسِ الْمَالِ بِالرِّبْحِ.
(تَتِمَّاتٌ) . الْأُولَى: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ نَضَّ الْمَالُ وَتَمَّ عَمَلُ الْقِرَاضِ، هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْرِيكُهُ بِغَيْرِ إذْنِ