الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّائِبَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْوَلَاءُ لِلْأَقْعَدِ مِنْ عُصْبَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَوَرِثَا وَلَاءَ مَوْلَى لِأَبِيهِمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَيَّ أَخِيهِ دُونَ بَنِيهِ.
وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَتَرَكَ وَلَدًا وَمَاتَ أَخُوهُ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا.
ــ
[الفواكه الدواني]
فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا مَا أَعْتَقَ أَبٌ لَهُنَّ أَوْ أُمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ ابْنٌ وَالْعُصْبَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ وَلَدَ مَنْ أَعْتَقْنَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، وَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يُوَرَّثُ بِالتَّعْصِيبِ وَالنِّسَاءُ لَا يَرِثْنَ بِهِ.
(وَمِيرَاثُ السَّائِبَةِ) وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: أَنْتَ سَائِبَةٌ أَوْ سَيَّبْتُك قَاصِدًا بِذَلِكَ الْعِتْقَ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ثَابِتٍ (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) وَسَوَاءٌ قَالَ مَعَ ذَلِكَ أَنْتَ حُرٌّ أَمْ لَا، أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عِتْقًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَمَا يَرِثُونَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَلُونَ عَقْدَ نِكَاحِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَيَحْضُنُونَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ السَّيْبُ مُسْلِمًا وَسَيِّدُهُ كَافِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ إنْ أَسْلَمَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ قَائِلًا: الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ ثَبَتَ لَهُ وَوَلَاؤُهُ شَرْعًا، وَلَا نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا وَلَاءَ عَلَيْك لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُك لِي أَوْ عَكْسُهُ لَكَانَ الْحُكْمُ لِأَوَّلِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ عِتْقِ السَّائِبَةِ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْأَنْعَامِ.
الثَّانِي: أَنْظُرُ هَلْ يَدْخُلُ نَفْسُ الْمُعْتَقِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَاءُ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَرِثُ مَعَهُمْ أَوْ لَا يَدْخُلُ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي عَدَمُ دُخُولِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْخُلُ فِي قُرْبَتِهِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ أَوْقَفَ عَلَى بَنِي أَبِيهِ أَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ وَافْتَقَرَ قَبْلَ إعْطَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ فَقَالَ: (وَالْوَلَاءُ) بِالْمَدِّ ثَابِتٌ (لِلْأَقْعَدِ) أَيْ الْأَقْرَبِ (مِنْ عُصْبَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) الْمُرَادُ الْأَقْرَبُ مِنْ عُصْبَةِ الْمُعْتِقِ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ تَرَكَ) الْأَنْسَبُ خَلْفَ الْمُعْتَقِ (ابْنَيْنِ فَوَرِثَا وَلَاءَ) بِالْمَدِّ (مَوْلَى) أَيْ مُعْتَقٍ (لِأَبِيهِمَا) لَا عَاصِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ (ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الِابْنَيْنِ (وَتَرَكَ ابْنَيْنِ) وَأَخَاهُ (رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى أَخِيهِ دُونَ بَنِيهِ) لِأَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ لِلْمُعْتِقِ مِنْ بَنِي الْمَيِّتِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ ثُمَّ عُصْبَتُهُ كَالصَّلَاةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِ الْوَلَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَابَةِ الْمُعْتِقُ ثُمَّ أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، وَالْأَعْلَى يَحْجُبُ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ عَدِمَ بَنُو الْمُعْتِقِ فَأَبُوهُ، فَإِنْ عَدِمَ أَبُوهُ فَإِخْوَتُهُ الْأَشِقَّاءُ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، فَإِنْ اسْتَوَتْ الدَّرَجَةُ فَالشَّقِيقُ أَوْلَى، فَإِنْ عَدِمَتْ أُخُوَّةُ الْمُعْتِقِ وَبَنُوهُمْ فَجَدُّ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَالْأَعْمَامُ وَهُمْ فِي التَّرْتِيبِ كَالْإِخْوَةِ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَقَارِبِ الْمُعْتِقِ مُعْتَقُ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُهُ انْتَقَلَ الْحُكْمُ لِعُصْبَةِ مُعْتِقِهِ إنْ كَانَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ وَإِلَّا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ. مِثَالُهُ: لَوْ أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ قَرِيبٍ لَهَا، فَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ لِابْنِهَا، فَإِذَا مَاتَ ابْنُهَا لَمْ يَرِثْ ابْنُهُ مَا أَعْتَقَتْهُ أُمُّهُ بِالْوَلَاءِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَخَبَرُ:«مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ» غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاصِبِ الَّذِي يَرِثُ الْوَلَاءَ الْعَاصِبُ بِالنَّفْسِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، فَلَا تَرِثُ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ، وَلَا الْأُخْتُ مَعَ الْأَخِ، وَلَا الْأَبُ مَعَ الِابْنِ، وَلَا الْبِنْتُ مَعَ الِابْنِ.
(تَنْبِيهٌ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَوَرِثَ إلَخْ مُسَامَحَةً لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ وَإِنَّمَا يُوَرَّثُ بِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ لِلْأَقْعَدِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ ابْنَيْ الْمُعْتَقِ (وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا وَمَاتَ أَخُوهُ) أَيْ أَخُو الْمَيِّتِ أَيْضًا (وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ) ذَكَرَيْنِ (فَالْوَلَاءُ) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ (بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (أَثْلَاثًا) لِاسْتِوَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْمُعْتِقِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ أَرْبَعَ بَنِينَ وَمَاتَ الْآخَرُ عَنْ ذَكَرٍ فَقَطْ لَكَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا، وَإِذَا كَانَ مَعَ الذُّكُورِ إنَاثٌ فَلَا إرْثَ لَهُنَّ.
(خَاتِمَةٌ) لِلْوَلَاءِ حُكْمُ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ لَوْ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا شَهَادَةُ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى الْبَتِّ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْوَلَاءُ، وَإِنْ كَانَ لِمُقِيمِ الْوَاحِدِ الْحَلِفُ عَلَى صِحَّةِ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْعَتِيقِ إلَّا الْمَالُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ مُسَبَّبٌ عَنْ الْوَلَاءِ، وَكَيْفَ يَثْبُتُ الْمُسَبَّبُ دُونَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ؟ وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ يَدَّعِي زَوْجِيَّةَ مَيِّتٍ وَيُقِيمُ شَاهِدًا فَإِنَّ لَهُ الْحَلِفَ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ حَيْثُ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ لِمُقِيمِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ لِاحْتِمَالِ دَعْوَى آخَرَ وَيُقِيمُ شَاهِدَيْنِ.
[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ، شَرَعَ فِي تِسْعَةِ أَبْوَابٍ بِتَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ:
بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحُبُسِ وَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ وَالْغَصْبِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ (الشُّفْعَةِ) الشُّفْعَةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَفَتْحُ الْعَيْنِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَضُمُّ مَا يَأْخُذُهُ إلَى حِصَّتِهِ فَتَصِيرُ شَفْعًا، وَالْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ يُسَمَّى شَافِعًا وَشَفِيعًا وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخَذَ مَبِيعَ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ، أَيْ طَلَب الشَّرِيكُ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ سَوَاءٌ أَخَذَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، وَالشُّفْعَةُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَعَدَمِهِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْآخِذُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الشَّافِعُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَالشَّيْءُ الْمَأْخُوذُ وَهُوَ الشِّقْصُ الْمُبْتَاعُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ وَالثَّمَنُ أَوْ قِيمَةُ الشِّقْصِ إذَا أَخَذَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ فِي صَدَاقٍ.
(وَ) الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ (الْهِبَةِ) وَهِيَ مَصْدَرُ وَهَبَ هِبَةً وَوَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِفَتْحِهَا، وَاسْمُ مَصْدَرِ وَهَبَ الْمُوهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا، وَالْإِيهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُهَا وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: هِبَةُ ثَوَابٍ وَهِبَةٌ لِمُجَرَّدِ وَجْهِ الْمُعْطِي، فَهِبَةُ الثَّوَابِ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَغَيْرُهَا الْعَطِيَّةُ لِمُجَرَّدِ ذَاتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَتَخْرُجُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا الْعَطِيَّةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْعَارِيَّةُ وَالْوَقْفُ وَالْعُمْرَى فَإِنَّ الذَّاتَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالْمَدْفُوعُ لِلْغَيْرِ إنَّمَا هُوَ الْمَنْفَعَةُ.
(وَ) الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ (الصَّدَقَةِ) اسْمُ مَصْدَرٍ لِتَصَدَّقَ، وَمَصْدَرُهُ التَّصَدُّقُ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ لَهُ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ.
(وَ) الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ (الْحُبُسِ) وَيُرَادِفُهُ الْوَقْفُ وَحْدَهُ، ابْنُ عَرَفَةَ مُصَدِّرًا بِقَوْلِهِ: إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَاسْمًا بِقَوْلِهِ: مَا أَعْطَيْت مَنْفَعَةً مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا فَخَرَجَ عَطِيَّةُ الذَّاتِ فَإِنَّهَا إمَّا هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقْدِيرًا إلَى صِحَّةِ وَقْفِ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ عَلَى تَقْدِيرِ مِلْكِهِ كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْت هَذَا فَهُوَ وَقْفٌ، كَمَا يَصِحُّ الْمُعْتِقُ كَذَلِكَ، وَإِلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَحْوُ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى مَنْ سَيُحَدِّثُهُ اللَّهُ لِزَيْدٍ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: الْوَاقِفُ، وَالْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةُ، فَعَاقِدُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةُ وَالْحُبُسُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا مَالِكًا لِمَا تَبَرَّعَ بِهِ، فَيَدْخُلُ الْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ فِي الثُّلُثِ، فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ.
(وَ) الْبَابُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ (الرَّهْنِ) مَصْدَرُ رَهَنَ الشَّيْءَ رَهْنًا وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَالْحُبُسُ، وَشَرْعًا مَالٌ قُبِضَ مُوثَقًا بِهِ فِي دَيْنٍ وَيَدْخُلُ فِي الْمَالِ أَذْكَارُ الْحُقُوقِ.
(وَ) الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَحْكَامِ (الْعَارِيَّةِ) اسْمُ مَصْدَرِ أَعَارَ وَالْمَصْدَرُ الْإِعَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةً لِلْعَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ، وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، وَبِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ مَالُ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ بِمُدَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَأْيِيدِ الْوَقْفِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ.
(وَ) الْبَابُ السَّابِعُ فِي أَحْكَامِ (الْوَدِيعَةِ) مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ وَهِيَ لُغَةً الْأَمَانَةُ، وَشَرْعًا تَوْكِيلٌ عَلَى حِفْظِ مَالٍ.
(وَ) الْبَابُ الثَّامِنُ فِي أَحْكَامِ (اللُّقَطَةِ) وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَا يَلْتَقِطُهُ، وَالِالْتِقَاطُ أَحَدُ الشَّيْءِ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. (وَ) الْبَابُ التَّاسِعُ فِي أَحْكَامِ (الْغَصْبِ) مَصْدَرُ غَصَبَ الشَّيْءَ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَخْذُ مَالِ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ فَيَخْرُجُ الْأَخْذُ غِيلَةً لِأَنَّهُ بِمَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَيَخْرُجُ التَّعَدِّي لِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَنَافِعِ، وَيَخْرُجُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَكَوْنِ الْأَخْذِ بِالْمَدِّ لَهُ مَالٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، كَمَا تَخْرُجُ السَّرِقَةُ لِأَنَّهَا لَا قَهْرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ خُفْيَةً، وَمِثْلُهَا الْمَأْخُوذُ عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ وَالِاخْتِلَاسِ وَإِنْ شَارَكَتْ الْغَصْبَ فِي الْحُرْمَةِ، وَهَذَا آخِرُ الْأَبْوَابِ الَّتِي تَرْجَمَ لَهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ مَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَرْجَمِ لَهُ مَحْمُودَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي آيَةِ:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] وَفِي السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: «الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمُشَاعِ وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ وَلَا لِجَارٍ.
وَلَا فِي طَرِيقٍ وَلَا عَرْصَةَ دَارٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا.
وَلَا فِي فَحْلِ نَخْلٍ أَوْ بِئْرٍ إذَا قُسِمَتْ النَّخْلُ أَوْ الْأَرْضُ.
وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ.
وَلَا شُفْعَةَ
ــ
[الفواكه الدواني]
ثُمَّ شَرَعَ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ) وَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ (فِي) مَبِيعِ الشَّرِيكِ (الْمُشَاعِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ عَلَى حِدَةٍ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ مُحْتَرِزَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا) أَيْ مَبِيعٍ (قَدْ قُسِمَ) قَبْلَ بَيْعِهِ (وَلَا لِجَارٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَثْبَتَهَا لِلْجَارِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الشُّيُوعَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الَّذِي يَحْصُلُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِيمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ الْعَقَارُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ نَحْوِ حَيَوَانِ الْحَائِطِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا ضَرَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّائِعِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَسْمُومَةِ وَالْجَارُ تَنَاوَلَ الشَّائِعَ لِلِاشْتِرَاكِ بِأَذْرُعٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ الشُّفْعَةُ مَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه:«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَلِذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ مُرْسَلًا:«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» . مَالِكٌ: ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا: وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، لِأَنَّ ضَرْبَ الْحُدُودِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقَارِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِجَارٍ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقِبِهِ» . وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ جَارِهِ أَوْ بِالْأَرْضِ» . وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْجَارُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ» وَيَنْتَظِرُ بِهَا ثَلَاثًا إنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا مُجَابٌ عَنْهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ بِمَعُونَتِهِ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الصَّقَبَ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنَّا نَمْنَعُ صِحَّتَهُ سَلَّمْنَاهَا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَرْضِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يَنْتَظِرُ بِهَا ثَلَاثًا، وَالشَّفِيعُ الْغَائِبُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالثَّلَاثِ، عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَارِ.
(وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِي طَرِيقٍ) قُسِمَ مَتْبُوعُهَا (وَلَا) فِي (عَرْصَةِ دَارٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ قَوْمٍ إذَا اقْتَسَمُوهَا وَتَرَكُوا الطَّرِيقَ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَبَاعَ أَحَدُهُمْ مَا يَخُصُّهُ فِيهَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْبَاقِينَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَوْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ، سَوَاءٌ بَاعَ حِصَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ وَجَدَهَا أَوْ مَعَ مَا نَابَهُ مِنْ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى بُيُوتٍ وَعَرْصَةٍ، وَإِذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ وَتُرِكَتْ الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةً وَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَتْبُوعِهَا مِنْ الْبُيُوتِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ مَتْبُوعُ الطَّرِيقِ وَالْعَرْصَةُ، قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، وَالْعَرْصَةُ هِيَ السَّاحَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْبِنَاءِ تُجْمَعُ عَلَى عَرَصَاتٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَتَعَرَّصُونَ فِيهَا أَيْ يَتَفَسَّحُونَ.
(وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِي فَحْلِ نَخْلٍ) أَيْ وَكَذَا لَا شُفْعَةَ فِي (بِئْرٍ إذْ قُسِمَتْ النَّخْلُ) رَاجِعٌ لِلْفَحْلِ (أَوْ الْأَرْضُ) رَاجِعٌ لِلْبِئْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّخْلَ الْمُشْتَرَكَ إذَا قُسِمَتْ إنَاثُهُ وَبَقِيَ الْفَحْلُ عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِبَقِيَّةِ شُرَكَائِهِ وَلَوْ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْ الْإِنَاثِ، وَكَذَا إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَى الْبِئْرِ وَبَقِيَتْ الْبِئْرُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا لَا شُفْعَةَ لِشُرَكَائِهِ فِيهَا لِقَسْمِ مَتْبُوعِهَا وَهُوَ الْأَرْضُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِئْرِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ ظَاهِرُهُ اتَّحَدَتْ الْبِئْرُ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْقَسْمَ بِمَنْعِ الشُّفْعَةِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: ثَابِتَةٌ، وَاخْتَلَفَ هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ؟ وَعَلَيْهِ الْبَاجِيُّ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْوِفَاقِ، فَحَمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْبِئْرِ الْمُتَّحِدَةِ، وَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْآبَارِ الْمُتَعَدِّدَةِ، أَوْ تُحْمَلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بِئْرٍ لَا فِنَاءَ لَهَا، وَالْعُتْبِيَّةُ عَلَى بِئْرٍ لَهَا فِنَاءٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمُ أَرْضُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَأُوِّلَتْ أَيْضًا بِالْمُتَّحِدَةِ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِي.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالْأَرْضِ مِنْ الْبِنَاءِ، فَظَاهِرُهُ شُمُولُ مَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: عَقَارًا وَلَوْ مُنَاقَلًا بِهِ إنْ انْقَسَمَ وَفِيهَا الْإِطْلَاقُ، وَعَمِلَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي نَحْوِ الْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ الشُّفْعَةِ هَلْ هُوَ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَوْ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبهَا الْبَعْضُ وَأَبَى غَيْرُهُ؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَثْبَتَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَمَنْ قَالَ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ مَنَعَهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، إذْ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ لَهَا مِنْ طَلَبِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْ مَعَ الْإِمْكَانِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ فَسَادُ الْمَقْسُومِ.
الثَّانِي: أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا: وَنَحْوِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِي إلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ، سَوَاءٌ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا قَبْلِي مِنْ