الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّسَاءُ عَنْ
وَصْلِ الشَّعْرِ
وَعَنْ الْوَشْمِ،
وَمَنْ لَبِسَ خُفًّا أَوْ نَعْلًا بَدَأَ بِيَمِينِهِ وَإِذَا نَزَعَ بَدَأَ بِشِمَالِهِ،
وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ قَائِمًا،
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] الْآيَةَ أَيْ مُتَزَيِّنَاتٍ بِزِينَةٍ خَفِيَّةٍ كَقِلَادَةٍ وَخَلْخَالٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَابِ.
[وَصَلّ الشعر]
(وَيُنْهَى النِّسَاءُ عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ) وَالنَّهْيُ لِلْحُرْمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لِخَبَرِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَحُرْمَةُ الْوَصْلِ لَا تَتَقَيَّدُ بِالنِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ النِّسَاءُ لِأَنَّهُنَّ اللَّاتِي يَغْلِبُ مِنْهُنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قِصَرِ أَوْ عَدَمِ شَعْرِهِنَّ يَصِلْنَ شَعْرَ غَيْرِهِنَّ بِشَعْرِهِنَّ، أَوْ عِنْدَ شَيْبِ شَعْرِهِنَّ يَصِلْنَ الشَّعْرَ الْأَسْوَدَ بِالْأَبْيَضِ لِيَظْهَرَ الْأَسْوَدُ لِتُغْرِيهِ الزَّوْجَ، وَمَفْهُومُ " وَصْلِ " أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَصِلْهُ بِأَنْ وَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ غَيْرِ وَصْلٍ لَجَازَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْخُيُوطِ الْمَلْوِيَّةِ كَالْعُقُوصِ الصُّوفِ وَالْحَرِيرِ تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ لِلزِّينَةِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِي فِعْلِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ وَيَلْتَحِقُ بِأَنْوَاعِ الزِّينَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ عَدَمُ حُرْمَةِ إزَالَةِ شَعْرِ بَعْضِ الْحَاجِبِ أَوْ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّرْجِيحِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّحْفِيفِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّلَاةِ بِالشَّعْرِ الْمَوْصُولِ لِلْعِلْمِ بِصِحَّتِهَا مِمَّا مَرَّ إنْ كَانَ مَخْرُوزًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبَاطِلَةٌ إنْ كَانَ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ. (وَ) يُنْهَى النِّسَاءُ أَيْضًا (عَنْ الْوَشْمِ) فِي الْوَجْهِ أَوْ فِي الْيَدِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ النَّقْشُ بِالْإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ وَيُحْشَى الْجُرْحُ بِالْكُحْلِ أَوْ الْهِبَابِ مِمَّا هُوَ أَسْوَدُ لِيَخْضَرَّ الْمَحَلُّ الْمَجْرُوحُ، وَالنَّهْيُ لِلْحُرْمَةِ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، بَلْ النَّهْيُ فِي الرِّجَالِ أَشَدُّ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا يُحْكَى مِنْ إبَاحَتِهِ فَمَرْدُودٌ لِمُخَالَفَتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَة، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة، وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» وَالْوَشْرُ نَشْرُ الْأَسْنَانِ أَيْ بَرْدُهَا حَتَّى يَحْصُلَ الْفَلْجُ وَتَحْسُنُ الْأَسْنَانُ بِذَلِكَ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً فَتَنْشُرُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهَا الْقِصَرُ، وَالتَّنْمِيصُ هُوَ نَتْفُ شَعْرِ الْحَاجِبِ حَتَّى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَوَازُ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ جَوَازُ حَلْقِ جَمِيعِ شَعْرِ الْمَرْأَة مَا عَدَا شَعْرَ رَأْسِهَا، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَرَكَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ كِتَابِيَّةً وَمَفْقُودًا زَوْجُهَا التَّزَيُّنَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحْتَمَلِ عِنْدَ وُجُوبِ الْعَارِضِ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ تَغْيِيرٍ مَنْهِيًّا عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ خِصَالَ الْفِطْرَةِ كَالْخِتَانِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ خِصَاءِ مُبَاحِ الْأَكْلِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ اللَّعْنِ وَبَيْنَ مَا اشْتَهَرَ مِنْ عِنْدِ جَوَازِ الدُّعَاءِ بِاللَّعْنِ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ لَعَّانًا» لِأَنَّ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ بِبُعْدِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الدُّعَاءُ بِاللَّعْنِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْحَدِيثِ، أَوْ إنَّ لَفْظَ لَعَّانٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ إنَّمَا تَصْلُحُ لِمَنْ يَكْثُرُ مِنْهُ ذَلِكَ بِحَيْثُ صَارَ عَادَةً لَهُ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسُوغُ لَهُ لَعْنُ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَشْمَ حَرَامٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الْحَدِيثِ حَتَّى صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ يُلْعَنُ فَاعِلُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَا يُعَارِضُ النَّهْيَ عَنْ الْوَشْمِ مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَيَّنَ بِهَا لِزَوْجِهَا، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَسْمَاءَ رضي الله عنها لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى ذَاتِ الزَّوْجِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ حُرْمَتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ كَالْمُحْتَدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّامِصَةِ الَّتِي تُزِيلُ شَعْرَ بَعْضِ الْحَاجِبِ.
الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ الْوَشْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا لِمَرَضٍ وَإِلَّا جَازَ، لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ قَدْ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ فِي زَمَنِ الِاخْتِيَارِ فَكَيْفَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ؟ .
الرَّابِعُ: الْوَشْمُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ لَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ بِإِزَالَتِهِ بِالنَّارِ بَلْ هُوَ مِنْ النَّجَسِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ، هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ آدَابٍ وَمَكْرُوهَاتٍ فَقَالَ:
(وَمَنْ لَبِسَ) أَيْ أَرَادَ عَلَى حَدِّ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98](خُفًّا أَوْ نَعْلًا) أَوْ سِرْوَالًا. (بَدَأَ) اسْتِحْبَابًا (بِيَمِينِهِ وَإِذَا نَزَعَ بَدَأَ بِشِمَالِهِ) لِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ يُطْلَبُ فِيهِ الْبَدْءُ بِالْيَمِينِ، وَكُلَّ نَقْصٍ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْيَسَارِ، وَالْخُلُوُّ نَقْصٌ لِأَنَّهُ تَعَرٍّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ:«إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ
وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ،
وَتُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ وَالْجُدَرَانِ وَالْخَاتَمِ وَلَيْسَ الرَّقْمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
عَائِشَةَ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» وَالْقَاعِدَةُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ كَاللُّبْسِ وَدُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَسْلِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ فَالتَّيَاسُرُ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرَّأْسِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لِلرَّأْسِ صَارَ مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ) أَيْ لُبْسِ النَّعْلِ حَالَ كَوْنِهِ، (قَائِمًا) كَمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ جَالِسًا فَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِعَالِ حَالَ الْقِيَامِ فَغَيْرُ صَحِيحٌ، وَعَلَى الصِّحَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ مِنْ قِيَامٍ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ التَّعَمُّمِ حَالَ الْقُعُودِ، وَعَنْ التَّسَرْوُلِ حَالَ الْقِيَامِ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ فَلَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْمَشْيُ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ كَرَاهَةُ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا، وَلَكِنْ انْقَطَعَتْ إحْدَاهُمَا وَاسْتَمَرَّ لَابِسًا لِلْأُخْرَى وَهُوَ يَمْشِي، وَأَمَّا وُقُوفُ الشَّخْصِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةِ لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرُوهِ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا فِعْلُ (التَّمَاثِيلِ) جَمْعُ تِمْثَالٍ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهِيَ صُورَةُ الْحَيَوَانَاتِ (فِي الْأَسِرَّةِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَرِيرٍ وَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ لِلرُّقَادِ عَلَيْهِ.
(وَ) كَذَا يُكْرَهُ فِعْلُ التَّمَاثِيلِ فِي (الْقِبَابِ) جَمْعُ قُبَّةٍ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْهَوْدَجِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ أَوْ عَلَى الْخَيْمَةِ.
(وَ) كَذَلِكَ يُكْرَهُ التِّمْثَالُ أَيْضًا فِي (الْجُدَرَانِ) بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جَدْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْحَائِطُ.
(وَ) كَذَا فِي (الْخَاتَمِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخَرُ مَشْهُورَةٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ الَّتِي فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ وَالْمَنَابِرِ وَلَيْسَ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ الَّتِي تُمْتَهَنُ انْتَهَى، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ إلَخْ أَنَّ التِّمْثَالَ مَنْقُوشٌ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ التِّمْثَالُ صُورَةً مُسْتَقِلَّةً لَهَا ظِلٌّ كَمَا لَوْ صُنِعَ صُورَةَ سَبُعٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ آدَمِيٍّ وَوَضَعَهَا عَلَى الْحَائِطِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، حَيْثُ كَانَتْ الصُّورَةُ كَامِلَةً سَوَاءٌ صُنِعَتْ مِمَّا تَطُولُ إقَامَتُهُ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ مِمَّا لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ، كَمَا صُنِعَ صُورَةُ السَّبُعِ أَوْ الْفَرَسِ مِنْ عَجِينٍ أَوْ حَلَاوَةٍ مِمَّا لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ نَاقِصَةً كَصُورَةِ حِمَارٍ أَوْ سَبُعٍ غَيْرِ كَامِلَةٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهَا بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى.
وَالْحَاصِلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّمَاثِيلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَقْسَامِ: الْمُحَرَّمُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ كَامِلَةٍ وَلَهَا ظِلٌّ قَائِمٌ وَحُمِلَ عَلَيْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مِنْ أَنَّ فَاعِلَ تِلْكَ الصُّورَةِ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُ: أَحْيِ مَا خَلَقْت» وَالْمُبَاحُ مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَصُورَةِ الْأَشْجَارِ وَالْفَوَاكِهِ وَالسَّحَابِ مِمَّا هُوَ مَصْنُوعٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ حَيَوَانًا، وَالْمَكْرُوهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَرْسُومَةِ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْحِيطَانِ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَهَنٍ، وَأَمَّا التَّمَاثِيلُ الْمَرْسُومَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُمْتَهَنَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَلَكِنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِمَّا لَهُ ظِلٌّ قَائِمٌ الْمُجْمَعُ عَلَى حُرْمَتِهِ صُوَرُ لَعِبِ الْبَنَاتِ فَإِنَّهُ لَا تَحْرُمُ، وَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصُنْعُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لَهُنَّ لِأَنَّ بِهِنَّ يَتَدَرَّبْنَ عَلَى حَمْلِ الْأَطْفَالِ، فَقَدْ كَانَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها جِوَارٍ يُلَاعِبْنَهَا بِصُوَرِ الْبَنَاتِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ، فَإِذَا رَأَيْنَ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام يَسْتَحِينَ مِنْهُ وَيَتَقَنَّعْنَ وَكَانَ الرَّسُولُ يَشْتَرِيهَا لَهَا، وَأَمَّا فِعْلُهَا لِلْكِبَارِ فَحَرَامٌ، وَلَمَّا كَانَتْ تَمَاثِيلُ الْحَيَوَانَاتِ إنَّمَا تُكْرَهُ فِيمَا لَا يُمْتَهَنُ كَالْمَصْنُوعَةِ فِي الْحَائِطِ، ذَكَرَ أَنَّ مَا صُنِعَ فِي الْمُمْتَهَنِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ الرَّقْمُ) لِصُورَةِ الْحَيَوَانِ (فِي الثَّوْبِ) وَالْبِسَاطِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مُمْتَهَنٍ (مِنْ ذَلِكَ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِقَوْلِ الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ التَّمَاثِيلِ فِي الثِّيَابِ وَالْبُسْطِ.
(وَ) لَكِنْ (تَرْكُهُ) فِي الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ (أَحْسَنُ) مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَوْ فِي الثَّوْبِ فَفِي تَرْكِهِ سَلَامَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ: