المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ.   وَالسَّلَفُ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ٢

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ

- ‌[أَرْكَان النِّكَاح]

- ‌[الْمُحْرِمَات فِي النِّكَاح]

- ‌[الْقَسْمُ بَيْن الزَّوْجَاتِ]

- ‌[شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌ الطَّلَاقُ

- ‌الْخُلْعُ

- ‌[أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ]

- ‌[مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ]

- ‌[عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِخِيَارِ كُلٍّ فِي صَاحِبِهِ]

- ‌[أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[الْإِيلَاء]

- ‌[الظِّهَار]

- ‌اللِّعَانُ

- ‌[صِفَةِ اللِّعَانِ]

- ‌[طَلَاقُ الْعَبْدِ]

- ‌[الرَّضَاع]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[أَسْبَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ]

- ‌عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا

- ‌وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَأَسْبَابُهَا]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[بَاب السَّلَم]

- ‌الْعُهْدَةُ

- ‌[السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ]

- ‌[أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ]

- ‌[بَيْع الدِّين بالدين]

- ‌[الْبِيَاعَات الْمُنْهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]

- ‌[بَاب الْإِجَارَة]

- ‌[حُكْم الْإِجَارَة]

- ‌[شُرُوط الْإِجَارَة]

- ‌[الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ]

- ‌[الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تضمين الصناع]

- ‌[بَاب الشَّرِكَة]

- ‌[حُكْم الشَّرِكَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[بَاب الْقِرَاض]

- ‌[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]

- ‌[بَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[أَرْكَانُ الْمُسَاقَاة]

- ‌[بَاب الْمُزَارَعَة]

- ‌[الصُّوَر الْمَمْنُوعَة فِي الْمُزَارَعَة]

- ‌[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]

- ‌بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَّحِدَةِ الرُّتْبَةِ وَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا]

- ‌[أَحْكَام التَّدْبِير]

- ‌[صفة إخْرَاج الْمُدَبَّرِ وَعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَام الْكِتَابَة]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَامِ الْعِتْق النَّاجِز]

- ‌[الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ]

- ‌[مَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ]

- ‌[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[مَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ]

- ‌[أَحْكَام الْهِبَة]

- ‌[هِبَة الْوَالِد جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مُبْطِلَات الْهِبَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَى]

- ‌[بَيَان حُكْمِ الْحُبُسِ بَعْدَ مَوْتِ بَعْضِ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ]

- ‌[صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[بَاب الرَّهْن]

- ‌ضَمَانُ الرَّهْنِ

- ‌[مُسْتَحِقّ غَلَّةَ الرَّهْنِ]

- ‌[بَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[بَاب اللُّقَطَة]

- ‌[أَحْكَام الضَّالَّةِ]

- ‌[التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ]

- ‌[بَاب الْغَصْب]

- ‌بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ

- ‌[ثُبُوت الْقَتْل بِالْقَسَامَةِ]

- ‌[صفة الْقَسَامَة وَحَقِيقَتَهَا]

- ‌[صِفَةِ حَلِفِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَمَنْ يَحْلِفُهَا]

- ‌[مَا تَكُون فِيهِ الْقَسَامَة]

- ‌[الْعَفْو عَنْ الدَّم]

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[مِقْدَار الدِّيَة]

- ‌[دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَالْمَعَانِي]

- ‌[الْقِصَاص فِي الْجِرَاح]

- ‌[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]

- ‌[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]

- ‌[أَحْكَامِ كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]

- ‌[بَاب الزِّنَا]

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[بَاب القذف]

- ‌ شُرُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ كَرَّرَ فِعْلَ الزِّنَا]

- ‌[صِفَةِ الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَاب السَّرِقَة]

- ‌[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]

- ‌[حُكْم الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ]

- ‌(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)

- ‌[وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ]

- ‌[أَقْسَام الشَّهَادَة]

- ‌[مَا تَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ]

- ‌ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ

- ‌[شَهَادَة الزَّوْج لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[شَهَادَةُ وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ]

- ‌ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ

- ‌[مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ وَمَنْ لَا يَصِحُّ]

- ‌[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَكَالَة]

- ‌[حُكْمِ الصُّلْحِ]

- ‌[بَعْض مَسَائِل الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْفَلَسِ]

- ‌[بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ]

- ‌[شُرُوط الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[شُرُوط الْقِسْمَة]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ]

- ‌[حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَام]

- ‌[بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْوَارِثَاتِ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْفُرُوض فِي الْمِيرَاث]

- ‌[إرْثِ الْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ]

- ‌[أَنْوَاع الحجب]

- ‌[مِيرَاث الْإِخْوَة لإم]

- ‌[مَوَانِعِ الْإِرْث]

- ‌مِيرَاثُ الْجَدِّ

- ‌[إرْث الْجَدَّة]

- ‌[اجْتِمَاعِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَوْل]

- ‌[كَيْفِيَّةُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ وَتَأْصِيلِهَا وَكَيْفِيَّةُ قَسْمِ التَّرِكَةِ]

- ‌بَابٌ: جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[حُكْم السِّوَاك]

- ‌[الْقُنُوت فِي الصَّلَاة]

- ‌[صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[صَلَاة الْوِتْر]

- ‌[جَمْعِ الصَّلَاة]

- ‌رَكْعَتَا الْفَجْرِ

- ‌صَلَاةُ الضُّحَى

- ‌ قِيَامُ رَمَضَانَ

- ‌[الْفِطْر فِي السَّفَر]

- ‌ طَلَبُ الْعِلْمِ

- ‌[صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْجِهَاد قَيْءٍ سَبِيل اللَّه]

- ‌ غَضُّ الْبَصَرِ

- ‌[صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبُيُوت]

- ‌[صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ]

- ‌[الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاس]

- ‌أَكْلِ الطَّيِّبِ

- ‌[أَكْلَ الْمَيْتَةِ]

- ‌ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ

- ‌ شُرْبَ الْخَمْرِ

- ‌[الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ]

- ‌[أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[بِرُّ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[الِاسْتِغْفَار لِلْوَالِدَيْنِ]

- ‌[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

- ‌الْهِجْرَانُ الْجَائِزُ

- ‌[مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ]

- ‌[سَمَاعَ الْأَمْرِ الْبَاطِلِ]

- ‌ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ

- ‌[حُكْم التَّوْبَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ

- ‌ صِبَاغُ الشَّعْرِ

- ‌ لِبَاسِ الْحَرِيرِ

- ‌ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ

- ‌[التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ]

- ‌[جَرّ الرَّجُلُ إزَارَهُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌ وَصْلِ الشَّعْرِ

- ‌بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌[آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ]

- ‌[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]

- ‌[بَابٌ فِي السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي]

- ‌[صِفَةُ السَّلَامِ]

- ‌[الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ]

- ‌[آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابٌ فِي حُكْم التَّعَالُجِ]

- ‌الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ

- ‌[التَّدَاوِي بِالْكَيِّ]

- ‌[الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَة]

- ‌[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]

- ‌[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]

- ‌[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]

- ‌[اللَّعِب بِالنَّرْدِ]

- ‌[اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ]

- ‌[حُكْم المسابقة]

- ‌[صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ]

- ‌[قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ]

- ‌[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]

- ‌[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]

- ‌[أَفْضَلِ الْعُلُومِ]

- ‌[الثَّمَرَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ]

- ‌[الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ.   وَالسَّلَفُ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا

السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ.

وَالسَّلَفُ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْجَوَارِي وَكَذَلِكَ تُرَابُ الْفِضَّةِ

وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَكِبَرِ صَغِيرِ الْحَيَوَانِ، وَهُزَالِهِ، وَبِالْخُرُوجِ عَنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِأَنْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ، وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ، وَبِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ بِأَنْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَقَارِ أَنْ يُرَادَ لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ كَثْرَةُ ثَمَنٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ فَلَا يَفُوتَانِ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ.

وَأَمَّا زَرْعُ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا يُفِيتُهَا وَتُرَدُّ، ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّدُّ فِي الْإِبَّانِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْكِرَاءُ، وَلَا يُقْلَعُ زَرْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ شُبْهَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا غَرْسُهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُ وَكَانَ مُحِيطًا بِهَا فَاتَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ نِصْفِهَا فَاتَ جَمِيعُهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِهَا فَلَا يَفُوتُ مِنْهَا شَيْءٌ وَتُرَدُّ كُلُّهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ غَرْسِهِ قَائِمًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْجِهَةُ الرُّبُعَ فَأَكْثَرَ إلَى الثُّلُثِ أَوْ حَتَّى النِّصْفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ تَفُوتُ تِلْكَ الْجِهَةُ فَقَطْ، وَالْبِنَاءُ حُكْمُ الْغَرْسِ فِي التَّفْصِيلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتَتْ بِهِمَا جِهَةٌ هِيَ الرُّبُعُ فَقَطْ لَا أَقَلُّ وَلَهُ الْقِيمَةُ قَائِمًا.

[بَاب السَّلَم]

وَلَمَّا كَانَ السَّلَفُ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا شَبِيهًا بِالْمَبِيعِ فَاسِدًا فِي وُجُوبِ فَسْخِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ فَوَاتِهِ يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ (سَلَفٌ يَجُرُّ نَفْعًا) لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ يَجُرَّ لِلْمُقْرِضِ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُقْتَرِضِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، فَلَا يَقَعُ جَائِزًا إلَّا إذَا تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَقْصُوصِ لِيَأْخُذَ جَيِّدًا، وَلَا الْحَبِّ الْقَدِيمِ لِيَأْخُذَ جَيِّدًا، وَأَحْرَى الدُّخُولُ عَلَى أَكْثَرِ كَمِّيَّةٍ فَإِنَّهُ مَحْضُ رِبًا لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: مِنْ أَرْبَى الرِّبَا مَا جَرَّ مِنْ السَّلَفِ نَفْعًا، كَشَرْطِ عَفَنٍ بِسَالِمٍ، وَكَدَفْعِ ذَاتٍ يَشُقُّ حَمْلُهَا لِيَأْخُذَ بَدَلَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ إرَاحَتُهُ مِنْ حَمْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةَ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا مَنْعَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكَعَيْنٍ عَظُمَ حَمْلُهَا كَسُفْتَجَةٍ إلَّا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ فَيَجُوزَ أَنْ يُسَلِّفَهَا فِي مَحَلِّهَا وَيَأْخُذَ سَفْتَجَةً أَيْ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا لِوَكِيلِ الْمُتَسَلِّفِ بِإِعْطَاءِ مِثْلِ الذَّاتِ الْمَدْفُوعَةِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَمَحَلِّ الْمَنْعِ، إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ، وَإِلَّا جَازَ كُلُّ مَا مُنِعَ.

1 -

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ الْمَمْنُوعُ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُرَدُّ أَنْ يَفُوتَ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَا يُرَدُّ وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْقِيمَةُ فِي الْمُقَوَّمِ، وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ رَدًّا لَهُ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الَّذِي هُوَ السَّلَفُ فَرْعٌ وَالْبَيْعَ أَصْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ لَا إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ، وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ الْقَرْضِ مِنْ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْقَرْضُ كَذَلِكَ، لَكِنْ أَخْرَجُوا الْقَرْضَ مِنْ الْبَيْعِ حَيْثُ أَجَازُوا فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ إقْرَاضُ الْمَجْهُولِ كَمِلْءِ غِرَارَةٍ بِمِثْلِهَا عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَالدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجُزَافَ الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ جَهْلُ الْأَجَلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَيُقْرَضُ مَا لَا يُبَاعُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِثْنَاءِ الرِّفْقُ بِالْمُتَسَلِّفِ حَيْثُ يَجُوزُ فِي السَّلَفِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ.

(وَلَا يَجُوزُ) أَيْضًا اشْتِرَاطُ (بَيْعٍ وَسَلَفٍ)«؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَحَمَلَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ النَّهْيَ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ، فَاَلَّذِي يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَصْلًا أَوْ إلَّا مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، أَوْ لَا يَطَأَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، أَوْ لَا يَفْعَلَ بِهَا شَيْئًا مِمَّا تُرَادُ لَهُ، أَوْ شَرْطٍ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَشَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَمَعْنَى إخْلَالِهِ بِالثَّمَنِ أَنَّهُ يَقْتَضِي إمَّا كَثْرَتَهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ نَقْضَهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْبَائِعِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ اُتُّهِمَا عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ.

(تَنْبِيهٌ) . إذَا عَلِمْتَ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُسْقِطَاهُ، وَالْأَصَحُّ الْبَيْعُ حَيْثُ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، بِخِلَافِ إسْقَاطِهِ بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الصِّحَّةَ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسَلِّفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّفَ الْبَائِعَ أَخَذَهَا بِالنَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسَلِّفُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ غَابَ عَلَى السَّلَفِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ، وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْمُقَوَّمِ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَالْوَاجِبُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا، هَذَا حُكْمُ الشَّرْطِ الْمُخِلِّ بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا حُكْمُ الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْمَقْصُودِ كَمَوْتِ الْجَارِيَةِ الَّتِي شَرَطَ بَائِعُهَا عَلَى مُشْتَرِيهَا أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا، وَمِنْ ثَمَنِهَا.

(كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ (مَا) أَيْ عَقَدَ (قَارِنُ السَّلَفِ) وَبَيْنَ عُمُومِ مَا يَقُولُهُ (مِنْ إجَارَةٍ أَوْ إكْرَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ» فَكَمَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ السَّلَفِ مَعَ الْبَيْعِ، لَا يَجُوزُ شَرْطُ السَّلَفِ مَعَ الْإِجَارَةِ أَوْ الْكِرَاءِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيْعِ بَلْ النِّكَاحُ وَالشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ السَّلَفِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي

ص: 89

الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ وَلَا التَّأْخِيرُ بِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ وَلَا تَعْجِيلُ عَرْضٍ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ.

وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

النِّكَاحِ مِثْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ، وَالزَّوْجَةَ مِثْلُ الْبَائِعِ، وَصَدَاقَ الْمِثْلِ نَظِيرُ الْقِيمَةِ فِي السِّلْعَةِ، وَالْمُسَمَّى نَظِيرُ الثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ. وَالضَّابِطُ الْحَاصِرُ لِمَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَ السَّلَفِ هُوَ كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ السَّلَفِ مَعَ الصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ إنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ، لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْبَيْعِ مَعَ النِّكَاحِ أَوْ الشَّرِكَةِ أَوْ الْجُعْلِ أَوْ الْمُغَارَسَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا جَمْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ الْآخَرِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ شَرَعَ فِي حُكْمِ السَّلَفِ وَحْدَهُ وَفِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ سَلَفُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ:(وَالسَّلَفُ) ، وَهُوَ الْقَرْضُ (جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ) يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فَيَدْخُلُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ، وَمِلْءُ الظَّرْفِ الْمَجْهُولِ. (إلَّا فِي سَلَفِ الْجَوَارِي) لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مِلْكِهَا، فَلَا يَجُوزُ سَلَفُهَا لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نَفْسَ الذَّاتِ الْمُقْتَرَضَةِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ رَدُّهَا بَعْدَ التَّلَذُّذِ بِهَا، وَلِذَا لَا يَحْرُمُ إقْرَاضُهَا لِمَنْ لَا يَأْتِي مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ كَصَغِيرٍ وَشَيْخٍ فَانٍ، أَوْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ امْرَأَةً وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا تُشْتَهَى، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ وَرُدَّتْ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْقِيمَةُ، وَلَا تُرَدُّ كَاسْتِيلَادِهَا وَلَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَاخْتَلَفَتْ فِي الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا هَلْ تَكُونُ فَوْتًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَ فِيهَا الْوَطْءُ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ لَا تَفُوتُ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَمِثْلُ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حُرْمَةِ إقْرَاضِهَا لَا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ كَتُرَابِ الصَّوَّاغِينَ، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى وَفَائِهِ بِمِثْلِهِ كَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ، وَإِنْ أَمْكَنَ وَصْفُهَا، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ إلَّا فِي الْجَوَارِي (وَكَذَلِكَ تُرَابُ الْفِضَّةِ) لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَةَ السَّلَفِ وَبَيَّنَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ، وَقَالَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا رَدَّ عَيْنَ مَا تَسَلَّفَهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا عَاجِلًا عَنْ الْمُبَادَلَةِ الْمِثْلِيَّةِ، وَقَوْلُهُ تَفَضُّلًا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، لَا إنْ حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ لِلْمُقْرِضِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُقْرِضِ فَلَا يَجُوزُ.

الثَّانِي: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِجَائِزٍ يُوهِمُ إبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْجَائِزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَائِزِ الْمَأْذُونَ فِيهِ شَرْعًا، لَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيصَالِ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ بَلْ قِيلَ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: دِرْهَمُ الْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ سَأَلَ عليه الصلاة والسلام جِبْرِيلَ وَقَالَ: مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُقْتَرِضُ لَا يَقْتَرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَتِهِ» . وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ لَا يَأْخُذُ بَدَلَهَا بِخِلَافِ الْمُقْرِضِ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ

أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ مَعَ قَرْضٍ وَقَعَ لِمَكْرُوبٍ انْدَفَعَتْ بِهِ كُرْبَتُهُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُجُوبُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ كَرَاهَتُهُ وَتَعْسُرُ إبَاحَتُهُ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّدْبُ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ وَقَدْ فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ.

قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بِكْرًا، فَقُلْت: لَا أَجِدُ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلَعَلَّ هَذَا قَبْلَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالرُّبَاعِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ.

1 -

الثَّالِثُ: السَّلَفُ يُمْلَكُ وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَهِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَعُمْرَى وَغَيْرِهَا لِلْمُسْتَلِفِ، وَإِذَا قَبَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ عَادَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ يَمْضِي الْأَجَلُ الْمُشْتَرَطُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَيَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا دَفَعَهُ الْمُقْتَرِضُ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ حَيْثُ دَفَعَهُ لَهُ بِمَحَلِّهِ لَا بِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَخُوفًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ قَبْلَ الْمَحَلِّ كَسَائِرِ الدُّيُونِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَشْيَاءَ نَهَى عَنْهَا الشَّارِعُ فَقَالَ: (لَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ) أَيْ الْحَطِيطَةُ (مِنْ الدَّيْنِ) كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ (عَلَى) شَرْطِ (تَعْجِيلِهِ) قَبْلَ حُلُولِهِ كَأَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنُ عَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ لِأَجَلٍ كَشَهْرٍ مَثَلًا وَيَتَّفِقُ مَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِهِ وَيُعَجِّلُ لَهُ الْبَاقِيَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَهَذَا حَرَامٌ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الصُّورَةُ بِضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ، أَيْ حُطَّ عَنِّي حِصَّةً مِنْهُ وَأُعَجِّلُ لَك بَاقِيَهُ، وَحُرْمَةُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ عَامَّةٌ فِي دَيْنٍ بِالْبَيْعِ

ص: 90

ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ، وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا وَأْيٌ وَلَا عَادَةٌ فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْقَرْضِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَدَائِهِ إلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا بَيَانُهُ أَنَّ مَنْ عَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا لِمَا عَجَّلَهُ لِيَأْخُذَ عَنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ رَدَّ إلَيْهِ مَا أَخَذَهُ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ دَيْنِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْبَاقِيَ الَّذِي كَانَ أَسْقَطَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ.

(وَ) كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِهِ (لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ (بِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ) كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، كَانَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَفِيهِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلِّفٌ، وَهُوَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ الثَّانِي كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمِدْيَانِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ فَسْخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ أَجَلًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوْ مَعَ تَرْكِ بَعْضِهِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ بَلْ مَنْدُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْفَاقِ بِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِهِ.

(وَ) مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ (لَا يُعَجَّلَ عَرَضٌ) أَيْ غَيْرُ نَقْدٍ قَبْلَ أَجَلِهِ (عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْكَمْيَّةِ أَوْ الْكَيْفِيَّةِ، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ. (إذَا كَانَ) الْعَرَضُ (مِنْ بَيْعٍ) أَوْ سَلَمٍ.

وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِ " حُطَّ الضَّمَانَ عَنِّي وَأَنَا أَزْيَدُك "، وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجِنْسِ فِي الْكَمْيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ أَسْيُوطِيَّةٍ لِشَهْرٍ، وَيَتَّفِقُ مَعَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ نِصْفَ الشَّهْرِ مَعَ زِيَادَةِ ثَوْبٍ مِنْ نَوْعِهَا، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجِنْسِ فِي الْكَيْفِيَّةِ أَنْ يُعَجِّلَ الْعَدَدَ عَلَى وَصْفٍ أَجْوَدَ مِنْ الْمُشْتَرَطِ، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَثْوَابَ عَلَى وَصْفِهَا مَعَ زِيَادَةِ دِرْهَمٍ أَوْ طَعَامٍ. وَمَفْهُومُ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ التَّعْجِيلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ جَائِزٌ حَيْثُ رَضِيَ الْمُسَلِّمُ بِتَعْجِيلِهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِمَا فِيهَا. وَأَمَّا التَّعْجِيلُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَدْنَى صِفَةً فَيَمْتَنِعُ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ تَعْجِيلِ أَوْ تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَعَلَى تَعْجِيلِ عَرَضِ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَرَضِ الْقَرْضِ فَقَالَ:(وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِهِ ذَلِكَ) الْعَرَضِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ حَيْثُ كَانَ (مِنْ قَرْضٍ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ) ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا كَانَ دَفْعُ الزِّيَادَةِ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الصِّفَةِ مُتَّصِلَةٌ فَلَا تُهْمَةَ بِسَبَبِهَا، «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَدَّ فِي سَلَفِ بِكْرٍ جَمَلًا رُبَاعِيًّا وَقَالَ: إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلِأَنَّ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك لَا يَدْخُلُ الْقَرْضَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْقَرْضِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَمِنْ حَقِّهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْمُقْتَرِضُ الْقَرْضَ قَبْلَ أَجَلِهِ وَفِي مَحَلِّهِ يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ إنْ كَانَ جَمِيعُ الْحَقِّ أَوْ بَعْضُهُ لِعُسْرِهِ بِالْبَاقِي.

وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلِ صِفَةٍ أَيْ جَائِزٌ، سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَرْضُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا، وَأَمَّا قَضَاؤُهُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا أَوْ فِيهِمَا فَيَجُوزُ إنْ حَلَّ لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ، فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَوْ نَقَصَ صِفَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لِلسَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ أَيْضًا: وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ) الَّذِي عَلَيْهِ (أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) الْمُرَادُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ حُلُولُ أَجَلِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ.

(فَقَدْ اخْتَلَفَ) الْعُلَمَاءُ (فِي ذَلِكَ) بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا وَأْيٌ) أَيْ وَعْدٌ (وَلَا عَادَةٌ) بَيْنَ النَّاسِ بِقَضَاءِ الْأَكْثَرِ، وَبَيَّنَ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ:(فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ «خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» . (وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) أَيْ مَنَعَهُ بِقَرِينَةٍ (وَلَمْ يُجِزْهُ) وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: لَا أَزِيدُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ عَلَى مِيزَانٍ فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: فَحَيْثُ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ يَجُوزُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْعَدَدِ كَانَ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَزْيَدَ فِي الْعَدَدِ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ، فَإِنْ سَاوَى الْأَقَلُّ وَزْنَ جَمِيعِ الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ جَازَ، وَإِلَّا مُنِعَ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْعَامِلُ بِالْوَزْنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْوَزْنَ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ أَوْ سَاوَى.

وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَقَلَّ حَيْثُ حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ وَبِالْوَزْنِ فَاخْتَارَ الْأُجْهُورِيُّ إلْغَاءَ الْعَدَدِ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ إلْغَاءَ الْوَزْنِ رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. وَحَمَلْنَا مَجْلِسَ الْقَضَاءِ عَلَى حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ كَلَامِ خَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا اُتُّفِقَ عَلَى حُرْمَةِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الشَّرْطِ أَوْ الْوَعْدِ أَوْ الْعَادَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ الْعَرَضِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ عَلَيْهِ

ص: 91

قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ بَيْعٍ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرٍ أَوْ حَبٍّ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ، وَإِنْ نَخْلَةً مِنْ نَخِيلٍ كَثِيرَةٍ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْأَنْهَارِ

ــ

[الفواكه الدواني]

دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فَلَهُ) أَيْ فَيَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ) مُسَاوِيًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَعْلَى وَيُجْبَرُ صَاحِبُهُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ أَجَلَ دَيْنِ الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَلَا فَرْقَ فِي جَبْرِ صَاحِبِ الْعَيْنِ عَلَى قَبُولِهَا بَيْنَ كَوْنِ الدَّفْعِ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُلْفَةَ فِي حَمْلِ الْعَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْعَيْنِ غَيْرَهَا مِمَّا يَخِفُّ حَمْلُهُ كَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِالْعُرُوضِ فِي غَيْرِ هَذَا، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ وَفِي مَحَلِّهِ ثُمَّ قَالَ: كَفِيلُ مَحَلِّهِ فِي الْقَرْضِ مُطْلَقًا، وَفِي الطَّعَامِ إنْ حَلَّ إنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إنْ غَابَ.

قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ لُزُومُ قَبُولِ دَيْنِ الْعَيْنِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي دَيْنِ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا لُزُومُ الْقَبُولِ بِأَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُهُ أَوْ بَعْضُهُ مَعَ عُسْرِهِ بِالْبَاقِي، وَقَوْلُنَا مُسَاوِيًا أَوْ أَعْلَى؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْأَقَلِّ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ مِنْ حَقِّك وَتَعَجَّلْ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْقَرْضَ أَيْضًا، وَتَعْجِيلُ الْأَكْثَرِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَوْقَ رُجْحَانِ الْمِيزَانِ فِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْقَرْضِ، بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِأَكْثَرَ إذَا كَانَ عَيْنًا.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ: وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ وَجَازَ بِأَكْثَرَ.

(تَنْبِيهٌ) . إذَا عَرَفْت هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَوْ قَالَ بَدَلَ فَلَهُ أَيْ يُعَجِّلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا قَبُولُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلِأَجْلِ الْإِخْرَاجِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: لَا مِنْ بَيْعٍ فَإِنَّهُ مُخْرَجٌ مِنْ لُزُومِ الْقَبُولِ لَا مِنْ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي عُرُوضِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى التَّعْجِيلِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله لَمْ يَقْصِدْ التَّدْقِيقَ فِي التَّعْبِيرِ نَظَرًا لِحَالِ مَنْ قَصَدَهُ بِكِتَابِهِ، وَلَمَّا كَانَ دَيْنُ الْقَرْضِ يَفْتَرِقُ فِيهِ عَرَضُ الْبَيْعِ مِنْ الْقَرْضِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ:(وَكَذَلِكَ لَهُ) أَيْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ) قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا كَانَتَا (مِنْ قَرْضٍ) وَيُجْبَرُ الْمُقْتَرِضُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْقَرْضِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أُسْقِطَ حَقُّهُ مِنْهُ لَزِمَ الْآخَرَ الْقَبُولُ حَيْثُ كَانَ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ لِكُلْفَةِ الْحَمْلِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا مِنْ بَيْعٍ) فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ دَيْنِ الْعَرَضِ وَالطَّعَامِ قَبُولُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي عَرَضِ الْبَيْعِ، وَمِنْهُ السَّلَمُ مِنْ حَقِّهِمَا، فَإِذَا عَجَّلَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ قَبُولُهُ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الْعَرَضِ تَعْجِيلُهُ إذَا رَضِيَ مَنْ هُوَ لَهُ بِقَبْضِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَيْنَ الْعَيْنِ يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهُ وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ قَبُولُهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فَيُفَصَّلُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَيُجْبَرُ مُسْتَحِقُّهُ عَلَى قَبُولِهِ، وَأَمَّا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يُجْبَرُ مُسْتَحِقُّهُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَجَلُ فِي عُرُوضِ الْبَيْعِ مِنْ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهَا تُرْصَدُ بِهَا الْأَسْوَاقُ طَلَبًا لِلْأَرْبَاحِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَلَخَّصَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ لُزُومُ قَبُولِ دَيْنِ الْقَرْضِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِ الْعَيْنِ حَيْثُ كَانَ الدَّفْعُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ غَيْرِ التَّعَيُّنِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْعَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ.

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ الدَّفْعِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِوُضُوحِ أَمْرِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الدَّفْعِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ الْقَبُولِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إنْ غَابَ وَجَازَ أَجْوَدُ وَأَرْدَأُ لَا أَقَلُّ إلَّا عَنْ مِثْلِهِ وَيُبْرِئُ مِمَّا زَادَ، أَيْ يَجُوزُ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَفِي مَحَلِّ السَّلَمِ الْأَجْوَدَ عَلَى الْأَدْنَى وَالْأَدْنَى عَنْ الْأَجْوَدِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَجْوَدِ حَسَنُ قَضَاءٍ وَالْأَدْنَى حَسَنُ اقْتِضَاءٍ، وَأَمَّا قَبُولُ الْأَقَلِّ قَدْرًا عَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا كَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا كَالْأَطْعِمَةِ وَالنُّقُودِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ الْقَلِيلِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِبْرَاءِ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مِمَّا زَادَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الْقَلِيلِ صُلْحًا عَنْ الْجَمِيعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ ذَكَرْنَاهُ إتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ يُعْلَمُ مِنْهَا شَرْطِيَّةُ الِانْتِفَاعِ وَالْعِلْمِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ (أَوْ حَبٍّ) كَقَمْحٍ وَفُولٍ (لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) ؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا فِي الْبَيْعِ، وَلِذَا «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ لَمَّا ذَكَرَ إنْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عَلَى شَرْطِ الْجَذِّ فَيَجُوزُ إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يَتَمَالَأْ عَلَيْهِ.

وَكَذَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَعَهُ أَوْ الْأَصْلَ أَوَّلًا ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ،

ص: 92

وَالْبِرَكِ مِنْ الْحِيتَانِ.

وَلَا بَيْعُ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَلَا بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا بَيْعُ نِتَاجِ النَّاقَةِ وَلَا بَيْعُ مَا

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْأَصْلُ وَالْأَشْجَارُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَرِ، وَالْأَرْضُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُبُوبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَدَا صَلَاحُهُ إنْ لَمْ يَسْتَتِرْ وَقَبْلَهُ مَعَ أَصْلِهِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ أَوْ عَلَى قَطْعِهِ إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يَتَمَالَأْ عَلَيْهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَإِذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَضَمَانُ الثَّمَرَةِ مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، فَإِذَا جَذَّهَا رَطْبَةً رَدَّ قِيمَتَهَا وَتَمْرًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلَّا رَدَّ مِثْلَهُ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا قِيمَتَهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ ثَمَرٍ وَحَبٍّ (إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ) وَأَوْلَى كُلُّهُ قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَدَا صَلَاحُهُ إنْ لَمْ يَسْتَتِرْ، فَإِنْ اسْتَتَرَ فِي أَكْمَامِهِ كَقَلْبِ لَوْزٍ وَجَوْزٍ فِي قِشْرِهِ وَكَقَمْحٍ فِي سُنْبُلِهِ وَبِزْرِ كَتَّانٍ فِي جَوْزِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ جُزَافًا؛ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَيَصِحُّ كَيْلًا، وَأَمَّا شِرَاءُ مَا ذُكِرَ مَعَ قِشْرِهِ فَيَجُوزُ جُزَافًا وَلَوْ بَاقِيًا فِي شَجَرِهِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ، وَلَمْ يَسْتَتِرْ بِوَرَقِهِ، ثُمَّ بَالَغَ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ (نَخْلَةً مِنْ نَخِيلٍ كَثِيرَةٍ) إذَا لَمْ تَكُنْ بَاكُورَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبُدُوُّهُ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ فِي جِنْسِهِ إنْ لَمْ تُبْكِرْ. وَأَمَّا الْبَاكُورَةُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَحْدَهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرِهَا وَحْدَهَا.

وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الْبَلَحِ لَا يَكْفِي فِي حِلِّ بَيْعِ نَحْوِ الْعِنَبِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمَقَاثِي وَالثَّمَرِ، وَأَمَّا بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ الزَّرْعِ فَلَا يَكْفِي فِي حِلِّ بَيْعِ بَاقِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يُبْسِ حَبِّ جَمِيعِ الزَّرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَرِ وَالْمَقَاثِي يُكْتَفَى بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَعْضِ الْجِنْسِ، وَالزَّرْعُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذْ إنَّ الثَّمَرَ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ يَتْبَعُهُ الْبَاقِي سَرِيعًا، وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْقِثَّاءِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَلِشِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ لِأَكْلِ الثِّمَارِ رَطْبَةً.

1 -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا يَبْدُو بِهِ الصَّلَاحُ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ فِي الْبَلَحِ الزُّهُوُّ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ احْمِرَارُهُ أَوْ اصْفِرَارُهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الزُّهُوِّ ظُهُورُ الْحَلَاوَةِ فِي الْبَلَحِ الْخُضَارِيِّ، وَأَمَّا بُدُوُّهُ فِي نَحْوِ الْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ فَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ وَفِي الْمَوْزِ بِالتَّهَيُّؤِ لِلنُّضْجِ، وَفِي ذِي النَّوْرِ بِفَتْحِ النُّونِ بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَفِي الْبُقُولِ وَاللُّفْتِ وَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْبَصَلِ بِإِطْعَامِهَا وَاسْتِقْلَالِ وَرَقِهَا بِحَيْثُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ قَلْعِهَا، وَأَمَّا الْبِطِّيخُ الْمَعْرُوفُ بالعبدلاوي وَالْقَاوُونِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَصْفَرَّ. وَالثَّانِي يُكْتَفَى بِتَهَيُّئِهِ لِلِاصْفِرَارِ، وَأَمَّا الْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ بِتَلَوُّنِ لُبِّهِ بِالسَّوَادِ أَوْ الْحُمْرَةِ، وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَبِظُهُورِ حَلَاوَتِهِ، وَأَمَّا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ، وَمَا شَابَهَهُمَا فَبِأَخْذِهِ فِي الْيُبْسِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْقَمْحِ وَالْفُولِ وَالْعَدَسِ وَنَحْوِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْحُبُوبِ فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ يُبْسُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ فَرِيكًا فُسِخَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِقَبْضِهِ بَعْدَ جَذِّهِ قَالَ خَلِيلٌ: وَمَضَى بَيْعُ حَبِّ أَفْرُكٍ قَبْلَ يُبْسِهِ بِقَبْضِهِ، وَأَقُولُ: الضَّابِطُ الشَّامِلُ لِكُلِّ مَا سَبَقَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحَالَةَ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْكَامِلِ.

الثَّانِي: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ الَّذِي يَطْرَحُ بُطُونًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ أَنَّ مَا لَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ مِمَّا يُخَالِفُ كَالْيَاسَمِينِ، وَالْمَقَاثِي كَالْخِيَارِ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ الْبُطُونِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَا تَطْرَحُهُ الْمَقْثَأَةُ مُدَّةَ نَحْوِ جُمُعَةٍ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ لِعَدَمِ ضَبْطِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ بِأَنْ تُقْطَعَ الْبَطْنُ ثُمَّ تَخْلُفُهَا أُخْرَى فَحُكْمُهُ أَنْ تُبَاعَ كُلُّ بَطْنٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَلَا يَكْفِي فِي حِلِّ بَيْعِ بَطْنٍ بُدُوُّ صَلَاحِ أُخْرَى.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا بَطْنَ ثَانٍ أَوَّلُ هَذَا حُكْمُ الْبُطُونِ الَّتِي تَأْتِي وَتَنْقَطِعُ أَصْلًا، وَبَقِيَ حُكْمُ مَا تَسْتَمِرُّ ثَمَرَتُهُ زَمَنًا طَوِيلًا فَهَذَا يَجِبُ عِنْدَ بَيْعِهِ ضَرْبُ الْأَجَلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ ضَرْبُ الْأَجَلِ إنْ اسْتَمَرَّ كَالْمَوْزِ.

الثَّالِثُ: مَا قَرَرْنَاهُ مِنْ نَصْبِ " نَخْلَةً " عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِكَانَ الْمُضْمَرَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِكَثْرَةِ حَذْفِهَا مَعَ اسْمِهَا بَعْدَ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَفْعُهَا، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى جَعْلِهِ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، وَإِنْ بَدَا نَخْلَةٌ أَيْ صَلَاحُ نَخْلَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ اسْتِحْسَانِ الرَّفْعِ.

وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِلْمُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْأَنْهَارِ) جَمْعُ نَهْرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا، وَهِيَ الْبِحَارُ.

(وَ) مَا فِي (الْبِرَكِ مِنْ الْحِيتَانِ) لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ وَالنَّحْلُ خَارِجًا عَنْ الْجَبْحِ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَتَسَلُّمِهَا. وَأَمَّا لَوْ كَانَ النَّحْلُ فِي جَبْحِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ بِدُونِ جَبْحِهِ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَصَافِيرِ بِقَفَصِهَا لَكِنْ مَذْبُوحَةً وَأَمَّا حَيَّةٌ فَلَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا مَعَ طَرَفِهَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ تَابِعٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ النَّحْلِ فِي جَبْحِهِ وَيُدَخِّلُ الْجَبْحُ تَبَعًا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى الْجَبْحِ وَسَكَتَ عَنْ النَّحْلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ النَّحْلُ وَلَا يَدْخُلُ الْعَسَلُ فِي الصُّرَّتَيْنِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَيَّدَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ مَحْصُورٍ كَبِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَيُقْدَرُ عَلَى تَنَاوُلِهَا، وَإِلَّا جَازَ.

(تَنْبِيهٌ) . تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَسَكَتَ عَنْ جَوَازِ اصْطِيَادِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ، وَأَرَادَ غَيْرُ الْمَالِكِ لِلْأَرْضِ اصْطِيَادَ مَا فِيهَا فَفِي مَنْعِهِ خِلَافٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَالِكِ

ص: 93

فِي ظُهُورِ الْإِبِلِ

وَلَا بَيْعُ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ.

وَنُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْكِلَابِ، وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنْهَا، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ.

وَلَا بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً إمَّا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا

ــ

[الفواكه الدواني]

الْأَرْضِ مَنْعُ الِاصْطِيَادِ مِنْهَا إلَّا فِي صُورَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ اصْطِيَادُ الْغَيْرِ يَضُرُّ صَاحِبَ الْأَرْضِ، كَأَنْ تَكُونَ الْبِرْكَةُ فِي وَسَطِ زَرْعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعُ الْجَنِينِ) حَالَ كَوْنِهِ (فِي بَطْنِ أُمِّهِ) وَلَا بَيْعُ أُمِّهِ مَعَ اسْتِثْنَائِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يُسْتَثْنَى بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، وَعِلَّةُ الْحُرْمَةِ فِي الْبَيْعِ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأُمِّ يَسْرِي إلَى جَنِينِهَا لِخَبَرِ:«كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا» . (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ) مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ (وَلَا بَيْعُ نِتَاجِ مَا تُنْتَجُ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي بِمَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ (النَّاقَةُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُبَاعُ حَبَلُ الْحَبَلَةِ» فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ بِنِتَاجِ مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ جَنِينُ الْجَنِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ بَيْعِ الْجَنِينِ فَكَيْفَ بِجَنِينِ الْجَنِينِ، وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ حَبَلَ الْحَبَلَةِ بِأَنَّهُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ الصَّغِيرِ وَتَأْجِيلُ ثَمَنِهِ لِيَكُونَ مِنْ نِتَاجِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا أَيْضًا، وَلَا مَفْهُومَ لِلنَّاقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْإِبِلِ) الْمُرَادُ الْفُحُولُ مُطْلَقًا بِأَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْفَحْلِ لِصَاحِبِ النَّاقَةِ مَثَلًا: أَبِيعُك مَا يَتَكَوَّنُ مِنْ مَاءِ فَحْلِي هَذَا فِي بَطْنِ نَاقَتِك أَوْ نَاقَتِي، لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ، وَخَبَرُ الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا:«أَلَّا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ» ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ثَلَاثَةٍ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ.

قَالَ مَالِكٌ: الْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ، وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ بَيْعُ الْجَزُورِ إلَى أَنْ يُنْتَجَ نِتَاجُ النَّاقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعُ) الْعَبْدِ (الْآبِقِ وَلَا الْبَعِيرِ الشَّارِدِ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

قَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الْآبِقِ فِي إبَاقِهِ فَاسِدٌ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَيُفْسَخُ، وَإِنْ قُبِضَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُقَيَّدًا بِبَلَدٍ وَحُبِسَ لِصَاحِبِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ مَوْثُوقًا وَحُبِسَ لِصَاحِبِهِ جَازَ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَيَكُونُ تَحْصِيلُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَيُؤَخَّرُ قَبْضُ الثَّمَنِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ.

قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: تَفْصِيلُ اللَّخْمِيِّ وَتَأَمَّلْ هَذَا الضَّعِيفَ مَعَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ: وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْآبِقَ عِنْدَ رَجُلٍ جَازَ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُوصَفُ لَهُ إذَا وُصِفَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا حَالُهُ الْآنَ وَصِفَتُهُ إنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِيهِ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ لَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْقُرْبِ وَالْمُشْتَرِي يَعْرِفُ صِفَتَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَصْفِ، وَأَنْ لَا يَشْتَرِطَا نَقْدَ الثَّمَنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْكَائِنِ عِنْدَهُ الْآبِقُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى مَا فِي يَدِهِ، فَإِنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مُلَخَّصُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ.

(وَنَهَى) صلى الله عليه وسلم نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ بَيْعِ الْكِلَابِ) وَالْمَنْعُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي اتِّخَاذِهِ بِدَلِيلِ (وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنْهَا) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْجَوَازُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَعَدَمُ نَهْيٍ لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ، وَالْكَرَاهَةُ رَوَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَلَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ نُقِلَتْ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَالْجَوَازُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ مَا فِي مُسْلِمٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا، وَسُمِّيَ مَهْرًا مَجَازًا، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى كِهَانَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَثْمَانُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَبِيثَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَذَلِكَ مَا يُؤْخَذُ عَلَى الْجَاهِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَعَقَدَ عَلَى الْكَلْبِ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْفَسْخَ، وَإِنْ طَالَ، وَعَنْ ابْنِ نَاجِي الْمُضِيُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ، هَذَا حُكْمُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهٍ، وَهُوَ كَلْبُ الزَّرْعِ وَالْحِرَاسَةِ وَالصَّيْدِ وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ، وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ تَعَدِّيًا لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يُنْدَبُ قَتْلُهُ، وَلَمَّا كَانَ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ:(وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْكَلْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ (فَعَلَيْهِ) غُرْمُ (قِيمَتِهِ) يَوْمَ قَتْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، كَغُرْمِ قِيمَةِ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ الضَّمَانِ وَلِذَلِكَ قَالُوا: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ مَثَلًا فَحَرَقَهُ شَخْصٌ وَأَخَذَ الْحَالِفُ قِيمَتَهُ لَا حِنْثَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ.

(وَ) كَذَلِكَ (لَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا (بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) حَيْثُ كَانَ (مِنْ جِنْسِهِ) وَلَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ لِلْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ كَحَيَوَانٍ بِلَحْمِ جِنْسِهِ إنْ لَمْ يُطْبَخْ، وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ، كَبَيْعِ لَحْمِ طَيْرٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ

ص: 94

أَوْ عَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ قَدْ لَزِمَتْهُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَلَا الزَّبِيبُ بِالْعِنَبِ لَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا رَطْبٍ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، وَهُوَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَلَا يُبَاعُ جُزَافٌ بِمَكِيلٍ مِنْ صِنْفِهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ آخَرُ، وَقَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْعَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ اللَّحْمُ، وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ كَانَ الطَّبْخُ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ وَاشْتِرَاطُ الْأَبْزَارِ فِي انْتِقَالِ اللَّحْمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي انْتِقَالِهِ عَنْ اللَّحْمِ لَا عَنْ الْحَيَوَانِ. وَإِذَا بِيعَ الْمَطْبُوخُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ فَشَرْطُ جَوَازِهِ التَّعْجِيلُ، وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ فَيَحْرُمُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ كَجَمَلٍ أَوْ ثَوْرٍ، وَمِثْلُ اللَّحْمِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِالْحَيَوَانِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ أَوْ قُلْت: لَا يَجُوزُ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا لَحْمًا.

وَأَمَّا حَيَوَانٌ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ مَثَلًا فَيَجُوزُ وَلَوْ لِأَجَلٍ كَجَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانِ الْقُنْيَةِ بِلَحْمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ لِأَجَلٍ، بِخِلَافِ حَيَوَانٍ غَيْرِ الْقُنْيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ التَّعْجِيلُ. وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ فَيَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ حَيْثُ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ: بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ. وَصُورَتَانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ. وَصُورَتَانِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ السِّتِّ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَيَكْفِي الْمُنَاجَزَةُ، كَمَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْمُنَاجَزَةِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْقُنْيَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَلَوْ لَحْمًا نِيئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ فَتَقَدَّمَ إنْ كَانَا يُرَادَانِ لِلْقُنْيَةِ فَالْجَوَازُ وَلَوْ لِأَجَلٍ.

وَأَمَّا مَا لَا يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ نَقْدًا لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا لَحْمًا، وَأَمَّا بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ نَقْدًا لَا إلَى أَجَلٍ، وَالْحَيَوَانَاتُ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْقُنْيَةِ كَمَا لَا تُبَاعُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهَا وَلَوْ نَقْدًا وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لِأَجَلٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا كِرَاءً لِأَرْضٍ وَلَا قَضَاءً عَنْ دَارِهِمْ أُكْرِيَتْ الْأَرْضُ بِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» . وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيْثُ لَمْ يُطْبَخْ لِلْمُزَابَنَةِ؛ لِأَنَّ دَافِعَ الْمَذْبُوحِ قَدْ يُذْبَحُ الْحَيُّ فَيَصِيرُ لَحْمًا مَغِيبًا بِلَحْمٍ مَغِيبٍ، وَقَدْ يَزِيدُ لَحْمُهُ عَلَى اللَّحْمِ الْمَدْفُوعِ فِيهِ وَقَدْ يَنْقُصُ، وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحْقِيقِ التَّفَاضُلِ، وَأَمَّا لَوْ طُبِخَ لَجَازَ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ لِانْتِقَالِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ) أَيْ جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَيْ فِي عَقْدٍ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ «نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى صُورَتَيْنِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ إحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ:(وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ) شَخْصٌ (سِلْعَةً إمَّا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ) وَالْحَالُ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ (قَدْ لَزِمَتْهُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ) ، وَإِنَّمَا مُنِعَ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي بِمَ بَاعَ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا اشْتَرَى، وَلِذَلِكَ لَوْ عُكِسَ التَّصْوِيرُ كَأَنْ يَبِيعَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةٍ لِأَجَلٍ لَجَازَ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ إنَّمَا يَخْتَارُ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ، وَمَفْهُومُ قَدْ لَزِمَتْهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ لَجَازَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهَا.

وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ إحْدَى سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِغَيْرِ الْجَوْدَةِ كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ كِسَاءٍ وَالْحَال أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إحْدَاهُمَا عَلَى اللُّزُومِ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ إنْ اخْتَلَفَ أَوْ بِالثَّمَنِ إنْ اتَّحَدَ، وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ فِيمَا يُعَيِّنُهُ فَجَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ اخْتِلَافُهُمَا بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى أَخْذِ الْأَجْوَدِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ أَحَدَ طَعَامَيْنِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا. وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ يَبِيعُهَا بِالْإِلْزَامِ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَجَلٍ، أَوْ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا بِجَوْدَةٍ وَرَدَاءَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا لَا طَعَامَ، وَإِنْ مَعَ غَيْرِهِ.

(وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ) بِالْمُثَنَّاةِ (بِالرُّطَبِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا بَيْعُ (الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ) لَا نَقْدًا وَلَا مُؤَجَّلًا (لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ) كَائِنٍ (مِنْ جِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ (الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ) وَالْحُبُوبِ فَلَا يُبَاعُ الْفُولُ الْحَارُّ بِالْيَابِسِ وَلَا الْقَمْحُ بِالْبَلِيلَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ مَعَ عَدَمِ انْتِقَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَمَّسِ بِالْيَابِسِ وَالْقَمْحِ بِالْهَرِيسَةِ يَدًا بِيَدٍ لِانْتِقَالِ الْمُدَمَّسِ وَالْمَطْبُوخِ عَنْ أَصْلِهِ، كَمَا يَجُوزُ الْيَابِسُ بِالرَّطْبِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الرِّبَوِيِّ.

ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَمَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ:(وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَمَا بَعْدَهُ (مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ) أَيْ لِأَجْلِ (الْمُزَابَنَةِ) أَوْ الَّذِي هُوَ الْمُزَابَنَةُ فَتَكُونُ بَيَانِيَّةً كَهِيَ فِي آيَةِ:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] أَيْ الَّذِي هُوَ

ص: 95