المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

. . . . . . . . . . - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ٢

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ

- ‌[أَرْكَان النِّكَاح]

- ‌[الْمُحْرِمَات فِي النِّكَاح]

- ‌[الْقَسْمُ بَيْن الزَّوْجَاتِ]

- ‌[شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌ الطَّلَاقُ

- ‌الْخُلْعُ

- ‌[أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ]

- ‌[مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ]

- ‌[عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِخِيَارِ كُلٍّ فِي صَاحِبِهِ]

- ‌[أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[الْإِيلَاء]

- ‌[الظِّهَار]

- ‌اللِّعَانُ

- ‌[صِفَةِ اللِّعَانِ]

- ‌[طَلَاقُ الْعَبْدِ]

- ‌[الرَّضَاع]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[أَسْبَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ]

- ‌عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا

- ‌وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَأَسْبَابُهَا]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[بَاب السَّلَم]

- ‌الْعُهْدَةُ

- ‌[السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ]

- ‌[أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ]

- ‌[بَيْع الدِّين بالدين]

- ‌[الْبِيَاعَات الْمُنْهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]

- ‌[بَاب الْإِجَارَة]

- ‌[حُكْم الْإِجَارَة]

- ‌[شُرُوط الْإِجَارَة]

- ‌[الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ]

- ‌[الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تضمين الصناع]

- ‌[بَاب الشَّرِكَة]

- ‌[حُكْم الشَّرِكَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[بَاب الْقِرَاض]

- ‌[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]

- ‌[بَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[أَرْكَانُ الْمُسَاقَاة]

- ‌[بَاب الْمُزَارَعَة]

- ‌[الصُّوَر الْمَمْنُوعَة فِي الْمُزَارَعَة]

- ‌[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]

- ‌بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَّحِدَةِ الرُّتْبَةِ وَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا]

- ‌[أَحْكَام التَّدْبِير]

- ‌[صفة إخْرَاج الْمُدَبَّرِ وَعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَام الْكِتَابَة]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَامِ الْعِتْق النَّاجِز]

- ‌[الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ]

- ‌[مَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ]

- ‌[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[مَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ]

- ‌[أَحْكَام الْهِبَة]

- ‌[هِبَة الْوَالِد جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مُبْطِلَات الْهِبَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَى]

- ‌[بَيَان حُكْمِ الْحُبُسِ بَعْدَ مَوْتِ بَعْضِ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ]

- ‌[صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[بَاب الرَّهْن]

- ‌ضَمَانُ الرَّهْنِ

- ‌[مُسْتَحِقّ غَلَّةَ الرَّهْنِ]

- ‌[بَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[بَاب اللُّقَطَة]

- ‌[أَحْكَام الضَّالَّةِ]

- ‌[التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ]

- ‌[بَاب الْغَصْب]

- ‌بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ

- ‌[ثُبُوت الْقَتْل بِالْقَسَامَةِ]

- ‌[صفة الْقَسَامَة وَحَقِيقَتَهَا]

- ‌[صِفَةِ حَلِفِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَمَنْ يَحْلِفُهَا]

- ‌[مَا تَكُون فِيهِ الْقَسَامَة]

- ‌[الْعَفْو عَنْ الدَّم]

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[مِقْدَار الدِّيَة]

- ‌[دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَالْمَعَانِي]

- ‌[الْقِصَاص فِي الْجِرَاح]

- ‌[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]

- ‌[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]

- ‌[أَحْكَامِ كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]

- ‌[بَاب الزِّنَا]

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[بَاب القذف]

- ‌ شُرُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ كَرَّرَ فِعْلَ الزِّنَا]

- ‌[صِفَةِ الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَاب السَّرِقَة]

- ‌[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]

- ‌[حُكْم الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ]

- ‌(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)

- ‌[وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ]

- ‌[أَقْسَام الشَّهَادَة]

- ‌[مَا تَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ]

- ‌ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ

- ‌[شَهَادَة الزَّوْج لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[شَهَادَةُ وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ]

- ‌ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ

- ‌[مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ وَمَنْ لَا يَصِحُّ]

- ‌[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَكَالَة]

- ‌[حُكْمِ الصُّلْحِ]

- ‌[بَعْض مَسَائِل الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْفَلَسِ]

- ‌[بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ]

- ‌[شُرُوط الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[شُرُوط الْقِسْمَة]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ]

- ‌[حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَام]

- ‌[بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْوَارِثَاتِ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْفُرُوض فِي الْمِيرَاث]

- ‌[إرْثِ الْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ]

- ‌[أَنْوَاع الحجب]

- ‌[مِيرَاث الْإِخْوَة لإم]

- ‌[مَوَانِعِ الْإِرْث]

- ‌مِيرَاثُ الْجَدِّ

- ‌[إرْث الْجَدَّة]

- ‌[اجْتِمَاعِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَوْل]

- ‌[كَيْفِيَّةُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ وَتَأْصِيلِهَا وَكَيْفِيَّةُ قَسْمِ التَّرِكَةِ]

- ‌بَابٌ: جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[حُكْم السِّوَاك]

- ‌[الْقُنُوت فِي الصَّلَاة]

- ‌[صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[صَلَاة الْوِتْر]

- ‌[جَمْعِ الصَّلَاة]

- ‌رَكْعَتَا الْفَجْرِ

- ‌صَلَاةُ الضُّحَى

- ‌ قِيَامُ رَمَضَانَ

- ‌[الْفِطْر فِي السَّفَر]

- ‌ طَلَبُ الْعِلْمِ

- ‌[صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْجِهَاد قَيْءٍ سَبِيل اللَّه]

- ‌ غَضُّ الْبَصَرِ

- ‌[صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبُيُوت]

- ‌[صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ]

- ‌[الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاس]

- ‌أَكْلِ الطَّيِّبِ

- ‌[أَكْلَ الْمَيْتَةِ]

- ‌ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ

- ‌ شُرْبَ الْخَمْرِ

- ‌[الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ]

- ‌[أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[بِرُّ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[الِاسْتِغْفَار لِلْوَالِدَيْنِ]

- ‌[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

- ‌الْهِجْرَانُ الْجَائِزُ

- ‌[مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ]

- ‌[سَمَاعَ الْأَمْرِ الْبَاطِلِ]

- ‌ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ

- ‌[حُكْم التَّوْبَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ

- ‌ صِبَاغُ الشَّعْرِ

- ‌ لِبَاسِ الْحَرِيرِ

- ‌ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ

- ‌[التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ]

- ‌[جَرّ الرَّجُلُ إزَارَهُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌ وَصْلِ الشَّعْرِ

- ‌بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌[آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ]

- ‌[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]

- ‌[بَابٌ فِي السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي]

- ‌[صِفَةُ السَّلَامِ]

- ‌[الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ]

- ‌[آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابٌ فِي حُكْم التَّعَالُجِ]

- ‌الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ

- ‌[التَّدَاوِي بِالْكَيِّ]

- ‌[الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَة]

- ‌[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]

- ‌[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]

- ‌[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]

- ‌[اللَّعِب بِالنَّرْدِ]

- ‌[اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ]

- ‌[حُكْم المسابقة]

- ‌[صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ]

- ‌[قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ]

- ‌[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]

- ‌[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]

- ‌[أَفْضَلِ الْعُلُومِ]

- ‌[الثَّمَرَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ]

- ‌[الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتْبَعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ نَقْلًا عَنْ غَيْرِ الزَّنَاتِيِّ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ وَالِانْتِقَالُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا مَا يُنْقَضُ فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، فَلِذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَالِكٍ فِي مِثْلِ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ، وَتَرْك الْأَلْفَاظِ فِي الْعُقُودِ مِنْ شَرْحِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا اللَّقَانِيِّ عَلَى جَوْهَرَتِهِ مَعَ بَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.

الثَّانِي: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ التَّقْلِيدِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ الْفَضْلَ وَلَوْ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ، لَا إنْ اعْتَقَدَ مَفْضُولًا فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍّ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَعْظِيمُ مُقَلَّدِهِ وَغَيْرِهِ لَا يَذْكُرُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا يَزِيدُهُمْ جَلَالًا وَعَظَمَةً فِي النُّفُوسِ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ عَظَّمَ الْعَالِمَ فَإِنَّمَا عَظَّمَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالْعَالِمِ فَقَدْ اسْتَخَفَّ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» . وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ آذَى فَقِيهًا فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» كَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ اللَّعْنَةَ الْكُفْرُ، لِأَنَّ سَبَّ الصَّحَابِيِّ وَالِاسْتِخْفَافَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ بَلْ النَّبِيُّ وَالْمَلَكُ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ قَتْلُ السَّابِّ لَهُمَا حَدًّا لَا كُفْرًا إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَى ذَلِكَ.

[خَاتِمَة الْكتاب]

وَلَمَّا مَنَّ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَيْهِ بِالْإِتْمَامِ نَاسَبَ أَنْ يَشْكُرَهُ بِحُسْنِ الْخِتَامِ بِقَوْلِهِ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ لُغَةً وَعُرْفًا، وَكَوْنُ الْجُمْلَةِ خَبَرِيَّةً أَوْ إنْشَائِيَّةً، وَاخْتَارَتْ خَتْمَهُ بِتِلْكَ الصِّيغَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْحَمْدِ لِمَا قِيلَ إنَّهَا أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ الْحَمْدَ بِقَوْلِهِ:(الَّذِي هَدَانَا) أَوْ وَفَّقَنَا (لِهَذَا) الْمُؤَلَّفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمَحَاسِنِ خِلْقَتِهِ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحَمْدَ الْمُقَيَّدَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُطْلَقِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ، وَالْمُطْلَقُ وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ لَا لَفْظًا وَلَا نِيَّةَ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ، وَأَمَّا شُكْرُ الْمُنْعِمِ بِمَعْنَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ فَهُوَ وَاجِبٌ شَرْعًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إجْمَاعًا، وَالْحَمْدُ يَقَعُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُحِبُّهُ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَكْرُوهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» وَأَمَّا الشُّكْرُ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى السَّرَّاءِ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ بِالْمُؤَلَّفِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ النُّقُوشُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَلَا يُقَالُ: الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ إلَّا الشَّخْصُ وَهُوَ لَيْسَ مُسَمًّى الْكِتَابِ وَإِلَّا انْحَصَرَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُسَمَّاهُ النَّوْعُ، لِأَنَّا نَقُولُ: فِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِهَذَا أَيْ لِنَوْعِ هَذِهِ النُّقُوشِ أَوْ الْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ: إنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ تَقَدَّمَ تَأْلِيفُ الْكِتَابِ، وَلَا يُقَالُ: الَّذِي فِي الذِّهْنِ مُجْمَلٌ وَالْمُجْمَلُ لَيْسَ هُوَ مُسَمًّى الْكِتَابِ وَإِنَّمَا مُسَمَّاهُ الْمُفَصَّلُ وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ وَالْمُشَارِ إلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا، لِأَنَّا نَقُولُ: فِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُفَصَّلُ هَذَا الْمُجْمَلِ فَالْمُشَارُ إلَيْهِ مُفَصَّلُ الْمُجْمَلِ، ثُمَّ أَكَّدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْوَصْفُ بِقَوْلِهِ:(وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) إلَيْهِ وَلَا لِغَيْرِهِ بِأَنْفُسِنَا لِعَجْزِنَا وَضَعْفِنَا (لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) أَيْ لَوْلَا هِدَايَةُ اللَّهِ لَنَا، وَهَذَا حَمْدُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ فَفِيهِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهُ وَمَنْ يَنْطِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ عَذَابٍ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ فَقَدْ رَآهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَتَبَخْتَرُ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ: بِمَ نِلْت هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ؟ فَقَالَ: بِقَوْلِي فِي الرِّسَالَةِ وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا، وَمِثْلُ هَذَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَا الْمَنَامِيَّةُ لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ وَلَا سِيَّمَا قَالَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ: أَخْبَارُ الْمَيِّتِ صِدْقٌ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: هَدَى وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِاللَّامِ أَوْ بِإِلَى أَوْ بِنَفْسِهِ نَحْوَ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وَمَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ الْمُوَصِّلَةُ، وَإِنْ عُدِّيَ إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِي مَعْنَاهُ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ خَلْقُ الِاهْتِدَاءِ نَحْوَ:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] أَيْ لَا تَخْلُقُ الِاهْتِدَاءَ فِيمَنْ أَحْبَبْت، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ نَحْوَ:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] أَيْ دَلَلْنَاهُمْ إذْ لَا يَصِحُّ خَلَقْنَا فِيهِمْ الِاهْتِدَاءَ، وَالْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ يَجُوزُ إسْنَادُهُ إلَى اللَّهِ نَحْوَ:{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] وَإِلَى غَيْرِهِ نَحْوَ: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 38] .

الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ لَوْلَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ: لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا.

وَفِي كَلَامِهِ رحمه الله هُنَا وَفِي صَدْرِ خُطْبَتِهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الِاقْتِبَاسِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه شَدَّدَ فِي مَنْعِهِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَنْعِهِ عَلَى مَا اقْتَضَى أَمْرًا قَبِيحًا كَقَوْلِهِ:

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

وَرِدْفُهُ يَنْطِقُ مِنْ خَلْفِهِ

لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ

وَالْخِلَافُ فِي الِاقْتِبَاسِ مَشْهُورٌ.

قَالَ السُّيُوطِيّ:

قُلْت وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ

فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ

وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا صَرَاحَهْ

لَكِنَّ يَحْيَى النَّوَوِيَّ أَبَاحَهْ

فِي الْوَعْظِ نَثْرًا دُونَ نَظْمٍ مُطْلَقَا

وَالشَّرَفُ الْمُقْرِي فِيهِ حَقَّقَا

جَوَازَهُ فِي الزُّهْدِ وَالْوَعْظِ وَفِي

مَدْحِ النَّبِيِّ وَلَوْ بِمَدْحِ مَا اقْتَفَى

1 -

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَلَى الْخِتَامِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَفَاءِ بِمَا اشْتَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِتْيَانَ بِهِ بِقَوْلِهِ:(قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ الْمُصَنِّفِ (عَبْدُ اللَّهِ) اسْمُهُ (ابْنُ أَبِي زَيْدٍ) كُنْيَةُ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ يُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ إيهَامُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ لَوْ قَالَ: وَقَدْ أَتَيْت عَلَى مَا شَرَطْت، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَنَّمَا عَدَلَ إلَى هَذَا لِبَيَانِ كُنْيَتِهِ وَاسْمِهِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَمَقُولُ قَالَ:(قَدْ أَتَيْنَا) أَيْ جَرَيْنَا (عَلَى مَا شَرَطْنَا) عَلَى أَنْفُسِنَا (أَنْ نَأْتِيَ بِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا) مِنْ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِنَا فِي أَوَّلِهِ: بِأَجَبْتُكَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا خَوْفًا مِنْ إرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ لَهُ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَبَيْنَ عُمُومِ مَا بِقَوْلِهِ:(مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) وَفَاعِلُ يَنْتَفِعُ (مَنْ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِهِ) أَيْ تَعَلُّمِهِ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفَسَّرَ عُمُومَ مَنْ بِقَوْلِهِ:(مِنْ الصِّغَارِ وَ) كَذَا كُلُّ (مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْكِبَارِ) .

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا أَوَّلْنَا تَعْلِيمَ بِتَعَلُّمٍ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مِنْ الصِّغَارِ إذْ الْوَاقِعُ مِنْهُمْ التَّعَلُّمُ لَا التَّعْلِيمُ، فَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ، هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ، وَرَغْبَةِ الصِّغَارِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ مِنْ الْكِبَارِ فِي التَّعَلُّمِ لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُعَلِّمَ هُوَ مُحْرِزٌ وَأَنَّهُ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِهَا لِأَنَّهُ السَّائِلُ فِي كُتُبِ الْجُمْلَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَى تَعْلِيمٍ عَائِدٌ عَلَى مَا هَذَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِكَلَامِهِ، وَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ، فَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ نِسْبَةِ الرَّغْبَةِ فِي التَّعَلُّمِ لِلصِّغَارِ وَالْحَاجَةِ لِلْكِبَارِ لِأَنَّ الصِّغَارَ لِخُلُوِّ أَذْهَانِهِمْ يَرْغَبُونَ وَقِلَّةُ رَغْبَةِ الْكِبَارِ تُدْرَكُ بِمَا قُلْنَاهُ بِالذَّوْقِ السَّلِيمِ وَالطَّبْعِ الْمُسْتَقِيمِ. (وَفِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ الَّذِي أَتَى بِهِ عَلَى مَا شَرَطَ (مَا يُؤَدِّي) أَيْ يُوَصِّلُ (الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ) أَمْرِ (دِينِهِ) مِنْ الْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْعَقِيدَةِ.

(وَ) فِيهِ أَيْضًا مَا يُوَصِّلُهُ إلَى عِلْمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَعْمَلَ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ) كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَيُفْهَمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَفْهَمَ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْكِتَابِ وَمَفْعُولُهُ (كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ، وَ) كَثِيرًا (مِنْ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالظَّاهِرِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبِالْبَاطِنِ كَحُبِّ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ وَالصَّفْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِآفَاتِ النَّفْسِ.

(تَنْبِيهٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَفِيهِ مَا يُؤَدِّي الْجَاهِلَ إلَخْ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الصَّغِيرُ وَالْوَافِي بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ شَامِلٌ لِمَا يُؤَدِّي الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَقَدْ مَدَحَ النَّاسُ الرِّسَالَةَ وَاعْتَنَوْا بِشَرْحِهَا حَتَّى قِيلَ مُنْذُ وُضِعَتْ: مَا خَلَتْ سَنَةٌ مِنْ شَرْحٍ فَهِيَ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ جَلِيلَةُ الْأَمْرِ. وَالْمُتَقَيِّدُ بِهَا مَعَ الْعَمَلِ بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّنْ كَمَّلَهُ دِينُهُ وَمَعْرِفَتُهُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا مِنْ إخْلَاصِ مُؤَلِّفِهَا. وَلَمَّا كَانَ حُسْنُ الْعِبَارَةِ وَكَثْرَةُ الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ انْتِفَاعَ الْغَيْرِ بِهَا قَالَ:(وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل أَيْ لَا غَيْرَهُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ. (أَنْ يَنْفَعَنَا وَإِيَّاكَ) ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمُصَنِّفِ وَالْخِطَابِ لِلشَّيْخِ مُحْرِزٍ لِأَنَّهُ السَّائِلُ فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَمِيرَ الْخِطَابِ لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. (بِمَا عَلَّمَنَا) مِنْ التَّعْلِيمِ بِأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاَلَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ لِلْمُصَنِّفِ عِلْمُ التَّفْسِيرِ وَالسُّنَّةِ وَسَائِرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَاَلَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ لِلشَّيْخِ مُحْرِزٍ الْقُرْآنُ وَنَحْوُهُ مِمَّا كَانَ يَعْرِفُهُ وَيُفِيدُهُ لِلْأَطْفَالِ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَلِّمًا لَهُمْ، وَالنَّفْعُ مَا أَحْسَنْت بِهِ لِغَيْرِك، وَالِانْتِفَاعُ مَا أَحْسَنْت بِهِ إلَى نَفْسِك، تَقُولُ: نَفَعْتُك بِكَذَا نَفْعًا وَانْتَفَعْت بِكَذَا انْتِفَاعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِأَنَّهُ يَنَالُ الْعَمَلَ بِمَا فِيهِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَإِلَى غَيْرِهِ كَذَلِكَ.

(وَ) أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَيْضًا أَنْ (يُعِينَنَا وَإِيَّاكَ عَلَى الْقِيَامِ) أَيْ الْوَفَاءِ (بِحَقِّهِ) تَعَالَى (فِيمَا كَلَّفَنَا) أَيْ أَلْزَمَنَا بِهِ مِنْ امْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتِهِ، فَيُعِينُنَا مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْفَعُنَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى مِثْلِهِ وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْنَى رِعَايَةِ الْوَدَائِعِ وَحِفْظِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِهِ، وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ نَفْسَهُ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ شَرْعًا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ.

قَالَ: إيَّاكَ إنْ كَانَ الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ يَكُونُ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كُلَّ وَاقِفٍ عَلَى كَلَامِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى الْأَوْلَى مِنْ التَّعْمِيمِ فِي

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الدُّعَاءِ لِخَبَرِ: «إذَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ فَاجْمَعُوا فَلَعَلَّ فِيمَنْ تَجْمَعُونَ مَنْ تَنَالُونَ بَرَكَتَهُ» أَوْ كَمَا قَالَ: وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا قُلْنَا إيثَارُ عَائِشَةَ لِعُمَرَ عَلَى نَفْسِهَا بِدَفْنِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَعَدَّتْهُ لِنَفْسِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِجَزْمِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِخَاطِرِهِ عليه الصلاة والسلام، فَيَكُونُ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ قُرْبَةٍ إلَى أَعْظَمَ مِنْهَا، وَنَدْبُ التَّقْدِيمِ لِنَفْسِ الدَّاعِي عَلَى غَيْرِهِ فِي الْقُرْبِ شَامِلٌ لِلدُّعَاءِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي يُرْسِلُهُ لِغَيْرِهِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: تَقْدِيمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ التَّحِيَّةِ، وَتَقْدِيمُ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ، الثَّالِثُ التَّخْيِيرُ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْكَاتِبِ فِي السِّنِّ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ النَّسَبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ نَدْبِ الْبُدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ جَهْلُ مَنْ قَالَ لَهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ وَبَدَأَ بِكُمْ، بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا إذَا دَعَا الشَّخْصُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لَا إنْ خَصَّ غَيْرَهُ، فَلَا يَتَأَتَّى الدُّعَاءُ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِك لِمَنْ عَطَسَ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَرْحَمُك اللَّهُ. وَلَمَّا طَلَب الْمُصَنِّفُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ تَعَالَى وَكَانَ ذَلِكَ لَا بِحَوْلِ الْعَبْدِ وَلَا قُوَّتِهِ قَالَ: (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) فَقَوْلُهُ: لَا حَوْلَ إلَخْ كَالْعِلَّةِ لِسُؤَالِهِ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ مَنْ قَالَهَا أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا اللَّمَمُ.

وَرُوِيَ بَدَلَ اللَّمَمِ الْفَقْرُ فَهِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَهَا لِقَصْدِ ثَوَابِهَا لَا لِلتَّعَجُّبِ، وَوَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ لَا تَحَوُّلَ لِي عَنْ مَعْصِيَتِك إلَّا بِعِصْمَتِك، وَلَا قُوَّةَ لِي عَلَى طَاعَتِك إلَّا بِتَوْفِيقِك، وَقِيلَ مَعْنَاهَا لَا يُنَالُ مَا عِنْدَك بِالْحِيلَةِ وَالْقُوَّةِ كَمَا يُنَالُ مَا عِنْدَ غَيْرِك بِالْحِيلَةِ وَالْقُوَّةِ، وَوَرَدَ:«أَنَّ مَنْ كَثُرَ هَمُّهُ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَا يُحَاوِلُهُ مِنْ أَمْرِهِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّهَا مُذْهِبَةُ كُلَّ هَمٍّ عَنْهُ وَكُلَّ ضِيقٍ وَفَقْرٍ» . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَلِيُّ أَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ إذَا وَقَعْت فِي وَرْطَةٍ قُلْتهَا؟ قُلْت: بَلَى جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك.

قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَصْرِفُ بِهَا مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ» وَالْعَلِيُّ مَعْنَاهُ التَّامُّ الْقُدْرَةِ وَنَفَاذِ الْأَمْرِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُهَيِّئُ لِقَائِلِهَا كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ قَوْلِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَصْلَهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ أَنْزَلَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْبُولَةً غَيْرَ مَرْدُودَةٍ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ لَا تَزَالُ تُصَلِّي عَلَى رَاقِمِهَا فِي كِتَابٍ مَا دَامَ اسْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَكَانَ حُسْنُ الظَّنِّ وَالرَّجَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَرِيمَ إذَا قَبِلَ صَفْقَةَ مُنْكَسِرٍ فَقِيرٍ مُقِلٍّ مُفْلِسٍ وَرَضِيَهَا وَأَثَابَ عَلَيْهَا وَخُلْدُ الْإِنْعَامِ بِإِزَائِهَا لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْهَا جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ مُكْتَنِفَيْنِ لِمَا أَتَى بِهِ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْآدَابِ تَوَسُّلًا إلَى ذَلِكَ. (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ) الْمُرَادُ أَتْقِيَاءُ أُمَّتِهِ. (وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَقَبُولُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعِيٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَكَابِرِ، وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ قَبُولُهَا قَطْعِيًّا لَقُطِعَ لِلْمُصَلِّي بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، لِأَنَّا نَقُولُ: تَبَعًا لِبَعْضٍ أَنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا إذَا خُتِمَ لِقَائِلِهَا بِالْإِيمَانِ يَجِدُ حَسَنَتَهَا مَقْبُولَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ بِخِلَافِ حَسَنَةِ غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْقَطْعِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ قَائِلِهَا عَلَى وَجْهِ مَحَبَّتِهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَيُقْطَعُ بِانْتِفَاعِهِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ إنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْخُلُودِ لِعِظَمِ مَحَبَّتِهِ عليه الصلاة والسلام، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا طَالِبٍ وَكَذَا أَبُو لَهَبٍ كُلُّ مِنْهُمَا انْتَفَعَ بِمَحَبَّةِ الْمُصْطَفَى، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ يَشْرَبُ مِنْ نَقْرَةِ الْإِبْهَامِ وَيُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعِتْقِهِ ثُوَيْبَةَ لِبِشَارَتِهَا بِوِلَادَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، وَالتَّخْفِيفُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ بِنَقْلِهِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ أَخَفَّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السَّنُوسِيِّ رحمه الله وَذَكَرَ لَفْظَ السَّيِّدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَاسْتِجْوَابِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْبَابُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ» فَقَالَ الْجَلَالُ: لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ وَرَدَ لَأَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تُسَيِّدُونِي سِيَادَةً تُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ النُّبُوَّةِ، وَوَرَدَ أَيْضًا:«أَنَّ الدُّعَاءَ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم» وَوَرَدَ أَيْضًا: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنْتِجَ» أَيْ يُسْتَجَابُ لَهُ، لَكِنْ يَتَوَقَّى الشَّخْصُ الْأَمَاكِنَ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْرُمُ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ وَمِثْلُهَا التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ كُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، وَتُكْرَهُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَالذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَعِنْدَ الْبَيْعِ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ قَذِرٍ، مِمَّنْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ سَحْنُونٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُلُوكِ لِلْعَيْنِيِّ: وَيَحْرُمُ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ عَمَلٍ يَحْرُمُ أَوْ عَرْضِ سِلْعَةٍ، وَيَلْحَقُ بِالتَّعْجِيبِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْغَضَبِ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ: صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْمِلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ، انْتَهَى رَاجِعِ التَّحْقِيقَ.

1 -

ص: 359

وَفِي اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ النَّجَاةُ وَهُمْ الْقُدْوَةُ فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ

وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.

ــ

[الفواكه الدواني]

(خَاتِمَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ) مِنْهَا: مَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا تَخْتَصُّ التَّرْضِيَةُ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمُ بِغَيْرِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَصَحَّ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يَقَعْ فِي نُبُوَّتِهِ خِلَافٌ، فَالْمُخْتَلَفُ فِي نُبُوَّتِهِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

1 -

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ النَّارِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تَنَالُهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مُعَلِّلًا بِمَا يَطُولُ وَلَا يُفِيدُ ذِكْرُهُ.

1 -

وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَوْرَدَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَقِبَ إتْمَامِ عَمَلٍ كَمَا هُنَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا الْإِعْلَامَ بِإِتْمَامِهِ، بَلْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَقْصِدَ إلَّا تَحْصِيلَ فَضِيلَتِهِمَا وَإِلَّا دَخَلَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ عِنْدَ التَّمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَوَاءٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا الْآتِي بِهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُونَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَهُوَ الْحَقُّ، نَعَمْ الْإِتْيَانُ بِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فِي الْأَجْرِ أَكْمَلُ.

وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ صَدْرَ الْكِتَابِ مِنْ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ وَبَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ

1 -

وَمِنْهَا: يَجُوزُ رُؤْيَتُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَرَى الرَّائِي ذَاتَه الشَّرِيفَةَ حَقِيقَةً أَوْ يَرَى مِثَالًا يَحْكِيهَا، فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْيَافِعِيُّ وَآخَرُونَ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ سِرَاجُ الْهِدَايَةِ وَنُورُ الْهُدَى وَشَمْسُ الْمَعَارِفِ كَمَا يَرَى النُّورَ وَالسِّرَاجَ وَالشَّمْسَ مِنْ بُعْدٍ، وَالْمَرْئِيُّ جُرْمُ الشَّمْسِ بِأَعْرَاضِهِ فَكَذَلِكَ الْبَدَنُ الشَّرِيفُ، فَلَا تُفَارِقُ ذَاتُهُ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ، بَلْ يَخْرِقُ اللَّهُ الْحُجُبَ لِلرَّائِي وَيُزِيلُ الْمَوَانِعَ حَتَّى يَرَاهُ كُلُّ رَاءٍ وَلَوْ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ تُجْعَلُ الْحُجُبُ شَفَّافَةً لَا تَحْجُبُ مَا وَرَاءَهَا، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَرَافِيُّ أَنَّ رُؤْيَاهُ مَنَامًا إدْرَاكٌ بِجُزْءٍ لَمْ تَحِلَّهُ آفَةُ النَّوْمِ مِنْ الْقَلْبِ فَهُوَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ لَا بِعَيْنِ الْبَصَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَرَاهُ الْأَعْمَى. وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً. وَرُوِيَ:«مَنْ رَآنِي مَنَامًا فَسَيَرَانِي يَقَظَةً» . وَمُنْكِرُ ذَلِكَ مَحْرُومٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَالْبَحْثُ مَعَهُ سَاقِطٌ لِتَكْذِيبِهِ مَا أَثْبَتَتْهُ السُّنَّةُ أَشَارَ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ.

1 -

(وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا ذِكْرُهُ) .

وَنَعُوذُ بِك يَا خَالِقَنَا مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، نَعُوذُ بِك اللَّهُمَّ مِنْ شَرِّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ، وَنَسْأَلُك يَا رَبِّ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِهِ رَابِعَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْأَلْفِ. وَعَلَّقَهُ بِيَدِهِ جَامِعُهُ أَفْقَرُ عِبَادِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ غُنَيْمٍ، النَّفْرَاوِيُّ بَلَدًا، الْأَزْهَرِيُّ مَوْطِنًا، الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا، يَرْجُو مِنْ اللَّهِ قَبُولَهُ، وَإِلَى أَعَالِي الدَّرَجَاتِ وُصُولَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ص: 360