الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]
(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (الْأَقْضِيَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ، وَأَصْلُ قَضَاءٍ قَضَائِي لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت وَالْهَمْزَةُ تُبْدَلُ مِنْ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ كَسَمَاءٍ وَبِنَاءٍ، وَجُمِعَ عَلَى أَقْضِيَةٍ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ أَوْ فِعَالٍ
…
مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ أَوْ إعْلَالِ
وَالضَّمِيرُ فِي الْزَمْهُ عَائِدٌ عَلَى جَمْعِ أَفْعِلَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقَضَاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ فَيُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ فَيُقَالُ أَقْضِيَةٌ وَمِثْلُ قَضَاءٍ قَضِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَى قَضَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْحُكْمُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حَكَمَ وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ نَحْوُ قَضَيْت حَاجَتِي بِمَعْنَى فَرَغْت مِنْهَا، وَبِمَعْنَى الْفَصْلِ نَحْوُ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِمَعْنَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا وِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَضَاءَ نَافِذٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ، وَلَا تَفْرِيقُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ، وَلَا قَتْلُ الْبُغَاةِ، وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَهِيَ إعْطَاءُ الْأَطْيَانِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ.
(وَ) فِي أَحْكَامِ (الشَّهَادَاتِ) جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْبَيَانُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرَّسُولُ شَاهِدًا وَالْعَالِمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَيِّنَانِ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ قَوْلٌ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَدَلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ، فَقَوْلُهُ: يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ يُخْرِجُ الرِّوَايَةَ وَالْخَبَرَ الْقَسِيمَ لِلشَّهَادَةِ وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ التَّعَدُّدِ أَوْ الْحَلِفِ، وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَبِهَذَا تَمَيَّزَتْ الرِّوَايَةُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْمُجْبَرِ عَنْهُ لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَأَيْضًا الرِّوَايَةُ خَبَرٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالشَّهَادَةُ إمَّا إخْبَارٌ لَفْظًا وَإِنْشَاءٌ مَعْنًى لَا مَحْضٌ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَإِمَّا مَحْضٌ إنْشَاءً وَبِهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا إنْشَاءٌ إذًا لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ، وَأَيْضًا الشَّهَادَةُ يُطْلَبُ فِيهَا التَّعَدُّدُ أَوْ حَلِفُ الطَّالِبِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: الشَّهَادَةُ قَوْلٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ شُرُوطَ الْقَضَاءِ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِي الْقَاضِي وَنَحْنُ نُبَيِّنُهَا بِفَضْلِ اللَّهِ فَنَقُولُ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَاجِبٌ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَقِسْمٌ وَاجِبٌ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُسْتَحَبٌّ، فَالْوَاجِبُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ كَوْنُهُ عَدْلًا ذَكَرًا فَطِنًا مُجْتَهِدًا إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَشْهُورِ مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَالْوَاجِبُ الْغَيْرُ الشَّرْطِيِّ كَوْنُهُ بَصِيرًا سَمِيعًا مُتَكَلِّمًا فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ أَضْدَادِهَا فَإِنْ وَلَّى وَحَكَمَ مَضَى.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ وَوَجَبَ عَزْلُهُ، وَاَلَّذِي لَا يَكْتُبُ كَالْأَعْمَى لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَتَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ لِلْفَتْوَى، وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ غَنِيًّا بَلَدِيًّا وَرِعًا حَلِيمًا مُسْتَشِيرًا لِلْعُلَمَاءِ غَيْرَ مَدِينٍ، وَكَوْنُهُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَغَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ وَغَيْرَ مَحْدُودٍ وَخَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ السُّوءِ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا حُكْمَ الْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَقُولُ: الْقِيَامُ بِهِ تَعْتَرِيهِ أَحْكَامٌ سِتَّةٌ: الْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ
وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَلَا يَمِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ أَوْ الظِّنَّةُ كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَجْرِ، وَالْجَوْرُ فِيهِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ مِحْنَةٌ مَنْ دَخَلَ فِيهِ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ لِتَعْرِيضِهِ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، إذْ التَّخَلُّصُ فِيهِ عُسْرٌ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ وَحَكَمَ لِلنَّاسِ بِالْجَهْلِ فَهُوَ فِي النَّارِ» . وَالْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِشُرُوطِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً - إنْ لَمْ يَتَوَلَّ - أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ.
وَالْمُحَرَّمُ كَوْنُهُ جَاهِلًا أَوْ قَاصِدًا بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا مِنْ الْأَخْصَامِ أَوْ جَائِرًا، وَالْمُسْتَحَبُّ كَتَوْلِيَتِهِ لِإِشْهَارِ عِلْمِهِ، وَالْمُبَاحُ كَقَصْدِ الِارْتِزَاقِ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِفَقْرِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ أَوْ كَرَاهَتَهُ.
وَالْمَكْرُوهُ كَتَوْلِيَتِهِ لِقَصْدِ تَحْصِيلِ الْجَاهِ وَتَصْيِيرِهِ عَظِيمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَوْ قِيلَ بِحُرْمَةِ هَذَا لِمَا بَعْدَ هَذَا.
قَالَ بَعْضٌ: وَأَقُولُ الْقِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ أَنَّ مَعْنَى صَيْرُورَتِهِ مُعَظَّمًا بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَا جَاهٍ وَأَنَفَةٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَمُحَالٌ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقِيلِ يَقْصِدُ هَذَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُرِيدُهُ بِصَيْرُورَتِهِ مُعَظَّمًا أَنْ يَصِيرَ مُحْتَرَمًا بِحَيْثُ لَا يُعَارَضُ فِي أَمْرٍ يَفْعَلُهُ.
الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يُنَصِّبُ الْقَاضِيَ وَاَلَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ الَّذِي يُقِيمُونَهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ السُّلْطَانِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ لِلْقَاضِي بِالْمُشَافَهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَتْ بِإِرْسَالٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ، وَيَكْفِي فِي الْوِلَايَةِ مَعْرِفَةُ خَطِّ الْمُوَلَّى دُونَ إشْهَادٍ وَيَكْفِي فِيهَا الشُّيُوعُ، فَلَوْ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ مَضَى، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَوْ كَانَ زَمَنُ الِاسْتِنَابَةِ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا إذَا كَانَ جَالِسًا وَقْتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ
وَصَدَّرَ الْبَابَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ عُرِّيَتْ دَعْوَاهُ عَنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ.
(وَالْيَمِينُ عَلَى) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَنْكَرَ) وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ أَيْ بِالْمُرَجِّحِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدَّقٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ، أَوْ تَقُولُ: الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ كَانَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَمْ يَكُنْ، أَوْ تَقُولُ: الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي لَوْ سَكَتَ لَتُرِكَ عَلَى سُكُوتِهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي لَوْ سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى سُكُوتِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: مَنْ عَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ عَرَفَ وَجْهَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي رِفْقًا بِالْأُمَّةِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ مُنْكِرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ قَوْلُهُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي إلَخْ مَخْصُوصٌ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّدْمِيَةُ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَفْتَقِرُ فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بَلْ يَكْفِي اللَّوَثُ وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا سَبَقَ.
وَثَانِيهِمَا: الْمَغْصُوبَةُ تَحْمِلُ بِبَيِّنَةٍ وَتَدَّعِي أَنَّ الْغَاصِبَ لَهَا وَطِئَهَا فَلَا تُكَلَّفُ بَيِّنَةً وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا الْوَطْءَ اتِّفَاقًا، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُقَيَّدٍ بِالدَّعْوَى فِي الَّذِي يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، لَا فِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا، فَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ أَوْ عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الدَّعْوَى.
وَمَفْهُومُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا عَلَى وَلِيِّهَا، فَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ فِي الطَّلَاقِ وَالسَّيِّدُ فِي الْعِتْقِ رُدَّتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دَيْنٌ فِيهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ شِدَّةُ ظُهُورِ النِّكَاحِ دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) أَيْ وَلَكِنْ لَا يَطْلُبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (يَمِينَ) بِمُجَرَّدِ إنْكَارِهِ بَلْ (حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَالَةٌ تُرْفَعُ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى لَا لِسُوءِ عَرْضِهِمَا فَيَخْرُجُ السَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ، فَإِنَّ الدَّعْوَى تَتَوَجَّهُ فِيهِمَا عَلَى الْمُتَّهَمِ لِسُوءِ عَرْضِهِمَا؛ لِأَنَّ اتِّهَامَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْخُلْطَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ وَإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ لَا بَيِّنَةٍ جُرِحَتْ، وَلَمَّا كَانَ هُنَاكَ مَسَائِلُ ثَمَانِيَةٌ تَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى خُلْطَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ: إلَّا الصَّانِعَ وَالْمُتَّهَمَ وَالضَّيْفَ وَإِلَّا فِي دَعْوَى فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ الْوَدِيعَةِ
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ.
وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُقْضَ لِلطَّالِبِ حَتَّى يَحْلِفَ فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَيَحْلِفُ قَائِمًا وَعِنْدَ مِنْبَرِ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَلَى أَهْلِهَا وَالْمُسَافِرِ عَلَى رُفْقَتِهِ وَدَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ. (أَوْ الظِّنَّةُ) بِكَسْرِ الظَّاءِ أَيْ التُّهْمَةُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْخُلْطَةِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَيْسَتْ فِي جَمِيعِ الثَّمَانِ مَسَائِلَ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُنْكِرِ حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي حَالَةٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِيهَا إثْبَاتُ الْخُلْطَةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ خَلِيلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ أَوْ الظِّنَّةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَاَلَّذِي لِابْنِ نَافِعٍ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَنَفَاهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِمِصْرَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الشَّامِ إلَى الْآنَ فَإِنَّهُمْ يُوَجِّهُونَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ عِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ خُلْطَةٍ وَلَا تُهْمَةٍ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْيَمِينِ عَلَى الْخُلْطَةِ أَوْ الظِّنَّةِ بِقَوْلِهِ:(كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَيُخَصَّصُ بِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
وَأَيْضًا ذَكَرَ الشَّاذِلِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ» . فَلَعَلَّ اسْتِشْهَادَهُ بِقَضَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْخُلْطَةَ وَالظِّنَّةَ فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْخُلْطَةِ فِي الْحَدَثِ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه) لِأَنَّهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَفِعْلُهُ وَقَوْلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَمَقُولَةٌ.
(تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ) جَمْعُ قَضَاءٍ أَيْ أَحْكَامٌ يَسْتَنْبِطُهَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ. (بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَالْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ بِقَدْرِ مَا يُحْدِثُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ الشَّرْعِ، وَلَكِنْ لَوْ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ لَحَكَمُوا فِيهَا بِذَلِكَ نَحْوُ الْقِيَامِ الْمَطْلُوبِ فِي زَمَانِنَا لِتَرَتُّبِ الضَّرَرِ عَلَى تَرْكِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ سَبَبُهُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَنَحْوُ الْحَلِفِ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ عَلَى مَقَامِ شَيْخٍ أَوْ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَإِنَّ سَبَبَ الْقِيَامِ وَسَبَبَ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعْهَدْ فِي زَمَنِ الْمُصْطَفَى وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي زَمَنِهِمْ لَحَكَمُوا فِيهِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا.
وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَجَدِّدَةُ بِتَجَدُّدِ أَسْبَابِهَا لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الشَّرْعِ بَلْ هِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ عَدَمَ وُقُوعِهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزَمَنِ الصَّحَابَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ أَسْبَابِهَا، وَتَأْخِيرُ الْحُكْمِ لِتَأْخِيرِ سَبَبِهِ لَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُ عَنْ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ رَجْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي زَمَانِ الْمُصْطَفَى عليه الصلاة والسلام وَلَا غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَوُجِدَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْعُقُوبَةِ، وَلَا يُعَدُّ هَذَا تَجْدِيدًا لِشَرِيعَةٍ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُ هَذَا كُلِّهِ بِأَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَيْهِ إبَاحَةُ مُحَرَّمٍ وَلَا تَرْكُ وَاجِبٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَلِكُ لَا يَرْضَى مِنَّا إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالزِّنَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَعَاصِي، أَوْ لَا يَرْضَى مِنَّا إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ لَمْ يَحِلَّ لَنَا أَنَّ نُوَافِقَهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ، إذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَلَا الْحُكْمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ وَقَعَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ الْحُكْمُ بِهِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي فُرُوقِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ عُمَرُ لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ حَدِيثٌ
ثُمَّ قَالَ كَالْمُسْتَأْنِفِ لِجَوَابِ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَغْرَمُ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ أَوْ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعِي؟ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يَعْنِي امْتَنَعَ مِنْ الْحَلِفِ (لَمْ يُقْضَ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ (لِلطَّالِبِ) الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ بَلْ (حَتَّى يَحْلِفَ) أَيْ الطَّالِبُ (فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً) أَيْ عِلْمًا بِأَنْ يَقُولَ: أَتَحَقَّقُ أَنَّ لِي عِنْدَك دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا وَهِيَ دَعْوَى التَّحْقِيقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقُّهُ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حُقِّقَ، وَمَفْهُومُ إنْ حُقِّقَ الَّذِي هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَقِّقْ بِأَنْ كَانَ مُوجِبُ الْيَمِينَ التُّهْمَةَ كَأَنْ يَتَّهِمَ شَخْصًا بِسَرِقَةِ مَالٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الطَّالِبُ بَلْ يَغْرَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ بِوَجْهٍ يَمِينُ التُّهْمَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ، وَيَغْرَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقُّهُ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حُقِّقَ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ لَا يَسْتَحِقُّ الطَّالِبُ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ وَهِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ دَعْوَى اتِّهَامٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ رَدِّ الْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ وَفِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ يَحْلِفُ فِي ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ وَمَوْضِعٍ يُعَظَّمُ مِنْهُ
وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَسَامَةِ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ حِينَ قُتِلَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَمْ نَحْضُرْ فَكَيْفَ نَحْلِفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، قَالُوا: لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ» . فَهَذَا رَدُّ الْيَمِينِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً إلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ إلَّا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ تَقُومُ لَهُ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ يَمِينُ التُّهْمَةِ تَتَوَجَّهُ وَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَّهَمَ غَيْرُ عَالِمٍ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَنْ شَرْطِ الدَّعْوَى وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: أَنْ تَكُونَ بِمَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَأَنْ يَدَّعِي عَلَى رَشِيدٍ بِدَيْنٍ أَوْ قِرَاضٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ إتْلَافِ شَيْءٍ مُتَمَوِّلٍ، أَوْ عَلَى مَحْجُورٍ بِاسْتِهْلَاكِ شَيْءٍ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ تَأْمِينِهِ عَلَيْهِ، لَا إنْ كَانَتْ بِمَا لَا يَلْزَمُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ وَهَبَ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِالْقَوْلِ أَوْ أَنَّهُ نَذَرَ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُقْضَى بِهِ وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ، وَكَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى مَحْجُورٍ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ: وَكَذَا شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ وَكَفَاهُ بِعْت وَتَزَوَّجْت، وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الْمَحْجُورِ فَيُكَلِّفُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ عَلَى الْمَحْجُورِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِعْذَارِ لِلْمَحْجُورِ يَمِينًا زِيَادَةً عَلَى الْبَيِّنَةِ.
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الطَّالِبِ مَعَ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَالْمَسَاكِينِ، أَيْ وَالْحَقُّ لَا يَثْبُتُ عَلَى هَؤُلَاءِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَيَمِينِ الْقَضَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّعْوَى تَصِحُّ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا وَتَتَوَجَّهُ وَلَوْ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ كَمَا يَصِحُّ تَوَجُّهُهَا مِنْهُمَا، فَقَدْ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: لِلْمَحْجُورِ طَلَبُ حُقُوقِهِ كُلِّهَا عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ وَصِيِّهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى بُلُوغٌ وَلَا رُشْدٌ.
الثَّانِي: صِفَةُ الدَّعْوَى أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بِالْكَلَامِ ابْتِدَاءً فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقِ الْأَصْلِ وَلَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ شَيْءٍ عَلَى مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيُبَيِّنُ سَبَبَهُ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ بَيَانِهِ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، فَإِذَا قَالَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَفَى وَيُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَقُولُ فِي دَعْوَى الِاتِّهَامِ: أَتَّهِمُ هَذَا أَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَيِّنُهُ، وَبَعْدَ فَرَاغِ الدَّعْوَى يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي الشُّهُودَ الْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ خَوْفَ جَحْدِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَمَرَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامَهَا سَمِعَهَا، وَأَعْذَرَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَلْ عِنْدَك مَنْ يُجَرِّحُ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ؟ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِجُرْحَتِهَا أَمَرَهُ بِغَيْرِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ طَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ بَعْدَ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ الظِّنَّةَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ لَا بِإِقْرَارٍ وَلَا بِإِنْكَارٍ بَلْ سَكَتَ، أَوْ قَالَ: لَا أُخَاصِمُهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَى عَدَمِ جَوَابِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ أَيْ بِالضَّرْبِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، ثُمَّ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فَرْعُ الْجَوَابِ وَهَذَا لَمْ يُجِبْ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَعُدُّ هَذَا إقْرَارًا مِنْهُ بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا بِذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا الْمُبْتَدِي فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ صِفَةَ الدَّعْوَى. ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْيَمِينِ الَّتِي تُطْلَبُ فِي الْحُقُوقِ بِقَوْلِهِ:(وَالْيَمِينُ) الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ فِي كُلِّ حَقٍّ سِوَى اللِّعَانِ، وَقِيلَ: وَسِوَى الْقَسَامَةِ (بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) وَلَوْ كِتَابِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُؤْمِنًا، وَقَوْلُنَا: تُطْلَبُ فِي الْحُقُوقِ احْتِرَازٌ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي تُكَفِّرُ فَإِنَّهَا أَعَمُّ، إذْ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَقَوْلُنَا: الَّتِي لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ إشَارَةً إلَى أَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ خَصْمَهُ عَلَى الْحَلِفِ.
وَأَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِيهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَقِيلَ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي كُلِّ مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا. وَأَمَّا تَغْلِيظُهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ، وَأَشَارَ إلَى بَيَانِ مَا يَكُونُ بِهِ التَّغْلِيظُ بِقَوْلِهِ:(وَيَحْلِفُ) الْمَطْلُوبُ عِنْدَ إرَادَةِ الطَّالِبِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (قَائِمًا وَعِنْدَ مِنْبَرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم) إذَا كَانَ التَّحْلِيفُ بِمَدِينَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَصِلَةٌ يَحْلِفُ (فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ) وَمِثْلُ الرُّبُعِ دِينَارُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ عَرْضٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ وَإِنْ تَوَجَّهَتْ فِيهِ الْيَمِينُ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِمِنْبَرٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ خَبَرُ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمَةً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .
وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: مِنْبَرِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ الْمِنْبَرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عِنْدَ الْمُجَدَّدِ، وَهَلْ يَكُونُ