الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزْ الْقَسْمُ إلَّا بِتَرَاضٍ
وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَلْ عِوَضًا عَنْ الضَّمِيرِ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ.
[شُرُوط الْقِسْمَة]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَقِسْمَةُ الْقُرْعَةِ) وَتَقَدَّمَ حَدُّهَا (لَا تَكُونُ) أَيْ لَا تَصْلُحُ (إلَّا فِي صِنْفٍ) أَيْ نَوْعٍ (وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّهَا. لَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ تَمْيِيزُ حَقٍّ، فَلَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ، وَلَا يُجْمَعُ فِيهَا حَظُّ اثْنَيْنِ وَتُرَدُّ بِالْغَبْنِ، وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي دُخُولِهَا الْمِثْلِيَّاتِ وَهِيَ: الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ الْمُتَّفِقَةُ الصِّفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ الَّذِي أَتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ، وَعَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ عَدَمُ جَوَازِ الْقُرْعَةِ فِيهَا وَإِنَّمَا تُقْسَمُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَاهُ لِلْبَاجِيِّ الْجَوَازُ كَالْمُقَوَّمَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ إنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعَرْضِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْوِيمِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مِسَاحَتِهِ إنْ كَانَ عَقَارًا، وَلَا عَدَدِهِ إنْ كَانَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقَسْمُ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ بِالْقِيمَةِ، وَأَفْرَدَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَقْسُومِ، فَلَا تُجْمَعُ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ، وَلَا أَنْوَاعُ الثِّمَارِ إلَى بَعْضِهَا، بَلْ كُلُّ نَوْعٍ يُقْسَمُ عَلَى حِدَتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْقَسْمَ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَفِي الثِّمَارِ يُضَمُّ مَا لَا يُحْتَمَلُ إلَى غَيْرِهِ.
وَفِي نَحْوِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ يُبَاعُ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ وَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَأَنْوَاعِ الثِّمَارِ، أَنَّ الْعَقَارَ وَالْحَيَوَانَ تُقْصَدُ ذَاتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِ مَا لَا يُحْتَمَلُ قَسْمُهُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ.
(وَ) مِنْ شُرُوطِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَنْ (لَا يُؤَدِّيَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا) لِشَرِيكِهِ لِزِيَادَةٍ فِي سَهْمِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ ثَوْبَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي دِينَارَيْنِ وَالْآخَرُ يُسَاوِي دِينَارًا وَاقْتَرَعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ الَّذِي يُسَاوِي الدِّينَارَيْنِ يَدْفَعُ نِصْفَ دِينَارٍ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فِي صِنْفَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ: إلَّا أَنْ يَقِلَّ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَوْ قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ) الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلَا عَلَيْهِ (تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزْ الْقَسْمُ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (إلَّا بِتَرَاضٍ) مِنْهُمَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَوَامّ مِنْ الْفِصَالِ وَهُوَ قَسْمُ الْمَوَاشِي مِنْ جَعْلِ نَحْوِ الْبَقَرَةِ قِسْمًا وَبِنْتِهَا مَعَ بَعْضِ دَرَاهِمَ قِسْمًا آخَرَ وَيَدْخُلَانِ عَلَى الْقُرْعَةِ فَاسِدٌ، وَإِنْ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا بِالْمُرَاضَاةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الصَّغِيرَةِ وَتَأْخُذُ كَذَا أَوْ الْكَبِيرَةِ وَتَدْفَعُ كَذَا مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ فَيَجُوزُ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا عَنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزْ الْقَسْمُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَصَدَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ وَهِيَ أَنْ يُعَدَّلَ الْمَقْسُومُ وَيُجَزَّأَ عَلَى حَسَبِ أَدَقِّهِمْ نَصِيبًا، فَإِذَا كَانَتْ دَارُ الثَّلَاثَةِ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهَا وَلِآخَرَ نِصْفُهَا فَإِنَّهَا تُعْمَلُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ تُكْتَبُ أَسْمَاءُ الشُّرَكَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ وَتُوضَعُ فِي شَمْعٍ أَوْ طِينٍ ثُمَّ تُرْمَى وَاحِدَةٌ عَلَى سَهْمٍ مُتَطَرِّفٍ وَتُفْتَحُ، فَإِذَا شُهِرَتْ لِصَاحِبِ الْمُصَنِّفِ أَخَذَ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَمَا يَلِيهِ، ثُمَّ تُرْمَى أُخْرَى وَتُفْتَحُ فَإِذَا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِ السُّدُسِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا.
وَلِلْقُرْعَةِ صِفَةٌ أُخْرَى: أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاءُ الْجِهَاتِ فِي أَوْرَاقٍ بِعَدَدِ الْأَجْزَاءِ وَيُعْطَى لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَرَقَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَفِي هَذِهِ قَدْ تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْمُصَنِّفِ وَالثُّلُثِ.
قَالَ خَلِيلٌ مُشِيرًا لِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: وَكَتَبَ الشُّرَكَاءُ ثُمَّ رَمَى أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومُ وَأَعْطَى كُلًّا لِكُلٍّ.
(فُرُوعٌ) أَوَّلُهَا: الَّذِي يُعَدِّلُ الْمَقْسُومَ هُوَ الْقَاسِمُ وَيَكْفِي الْوَاحِدُ.
وَثَانِيهَا: يَجُوزُ لِلْقَاسِمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الشُّرَكَاءِ الرُّشَدَاءِ.
ثَالِثُهَا: الْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لَا عَلَى الرُّءُوسِ.
(تَتِمَّةٌ) إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تُنْقَضُ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ غَبْنٌ حَيْثُ كَانَتْ مُرَاضَاةً وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا تَعْدِيلٌ؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَهُوَ لَا يُرَدُّ بِالْغَبْنِ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، وَأَمَّا قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فَتُنْقَضُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَبْنُ لَا يُنْقَضُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ وَغَلَطٍ وَحَلِفِ الْمُسْكِرِ، فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ كَالْمُرَاضَاةِ إنْ أَدْخَلَا مُقَوَّمًا أَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ تَعْدِيلٍ، وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْقُرْعَةِ، وَأَمَّا لَوْ انْضَمَّ لَهَا قُرْعَةً كَعَبْدَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ وَتَكُونُ فَاسِدَةً إذَا عَلِمَا بِالتَّفَاوُتِ وَتُرَدُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْغَبْنِ، لَا إنْ ظَنَّا التَّسَاوِي؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَهُ الْقِيَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ كَالْقِيَامِ.
[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهَا فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَصَيْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا وَصَلْته بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ كَأَنَّهُ وَصَلَ تَصَرُّفَهُ.
كَالْوَصِيِّ
وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ
وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ
وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا قَبْلَهُ. وَحَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ عِنْدَ الْقِرَاضِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهَا، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ نَحْوُ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَوْلَادِي مَثَلًا، وَوَجْهُ الْعُمُومِ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لِوَصِيَّةِ الْمَالِ وَوَصِيَّةِ النَّظَرِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفَرْضِيِّينَ فَهِيَ خَاصَّةٌ بِوَصِيَّةِ الْمَالِ، كَأَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ أَوْ الْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَحُكْمُهَا النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَالِيَّةٌ كَأَوْصَيْتُ لِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي، وَنَظَرِيَّةٌ كَأَقَمْت فُلَانًا وَصِيًّا عَلَى أَوْلَادِي وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا.
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمُوصِي وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهُ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْمِلْكُ، وَالْوَصِيُّ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ، وَالْعَدَالَةُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ وَالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْوَصِيِّ عَلَى الْأَيْتَامِ وَقَبْضِ أَمْوَالِهِمْ لَا عَلَى الثُّلُثِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَمَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ صَحَّ كَوْنُهُ وَصِيًّا، وَلَوْ أَعْمَى أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَالْعَبْدُ يَنْصَرِفُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْمُوصَى فِي وَصِيَّةِ النَّظَرِ عَلَى الْمَحْجُورِ الْأَبُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ كَأُمِّ الْمَحْجُورِ إنْ قَلَّ الْمَالُ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَوَرِثَ عَنْهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَبِ الرُّشْدُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ وَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْمُوصَى فِيهِ إمَّا تَفْرِقَةُ الثُّلُثِ أَوْ الْقِيَامُ بِأَمْرِ الْيَتِيمِ.
وَالرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ، لَكِنْ إنْ قُصِّرَتْ عَمَّتْ وَإِنْ طَالَبَ خَصَّتْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَوَصِيٌّ فَقَطْ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ وَيُزَوِّجُ صِغَارَ بَنِيهِ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِنَّ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ فَيُجْبِرُ، وَلَوْ تَعَدَّى الْوَصِيُّ عَلَى التَّرِكَةِ وَزَوَّجَ بَعْضَ بَنَاتِ الْمُوصِي صَحَّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبَضَ دُيُونَهُ صَحَّ.
قَالَ شُرَّاحُهُ: الْمُرَادُ زَوَّجَ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ التَّزْوِيجَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ مَنْ تُجْبَرُ لِفَسْخٍ أَبَدًا فَقَالَ:(وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) الَّذِي أَوْصَاهُ الْأَبُ وَإِنْ تَسَلْسَلَ. (كَالْوَصِيِّ) فِي كُلِّ مَا كَانَ لِلْمُوصِي فِعْلٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يُوصِي لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ وَإِنْ بَعُدَ لَا غَيْرُهُمَا، كَمُقَدَّمِ قَاضٍ أَوْ جَدٍّ سِوَى الْأُمِّ فَإِنَّ لَهَا الْإِيصَاءُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمِثْلُ الْوَصِيِّ فِي صِحَّةِ الْإِيصَاءِ لِغَيْرِهِ الْخَلِيفَةُ وَالْمُجْبِرُ وَإِمَامُ الصَّلَاةِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ إنْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ الْإِيصَاءَ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مِمَّا قَبْلَ التَّوْلِيَةِ فِيهِ يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ، وَمَنْ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْأَمِينِ عَلَى الرَّهْنِ وَالْوَكِيلِ وَالْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاءُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا حَيْثُ كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّحِدًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيصَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِاثْنَيْنِ حَمْلٌ عَلَى التَّعَاوُنِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا فَالْحَاكِمُ وَلَا لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ وَلَا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ وَإِلَّا ضَمِنَا.
وَلَمَّا كَانَ الْوَصِيُّ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الْأَبِ قَالَ: (وَلِلْوَصِيِّ أَنْ) يُعَاقَدَ شَخْصًا (يَتَّجِرُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى) لِخَبَرِ «اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ» . وَإِنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لِلْوَصِيِّ فِعْلُهُ: وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ، فَإِنْ عَمِلَ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَسَارَةَ عَلَيْهِ كَالْمُودِعِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْتِوَاءٌ لَهُ النَّمَاءُ وَمِثْلُهُمَا الْغَاصِبُ لِدَرَاهِمَ يَتَّجِرُ فِيهَا لَهُ رِبْحُهَا وَلَوْ غَصَبَهَا مِنْ تَاجِرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(وَ) لِلْوَصِيِّ أَيْضًا أَنْ (يُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ) أَيْ الْيَتَامَى.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرُهُ لِنَظَرٍ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ، وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ وَعِيدِهِ وَدَفْعِ نَفَقَةٍ لَهُ، قُلْت: وَإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ وَزَكَاتِهِ وَدَفْعٌ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ، وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً، وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ وَلَا اشْتِرَاءً مِنْ التَّرِكَةِ، وَتَعَقُّبٌ بِالنَّظَرِ إلَّا كَحِمَارَيْنِ قَلَّ ثَمَنُهُمَا وَتَسَوُّقٌ بِهِمَا الْحَضَرَ وَالسَّفَرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ الرَّغَبَاتُ فِيهِمَا فَيَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ حِينَئِذٍ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْإِمَامِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يُزَوِّجَ الْعَبِيدَ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْإِمَاءِ، حَيْثُ كَانَ تَزْوِيجُ الْجَمِيعِ نَظَرًا وَمَصْلَحَةً وَظَاهِرَةً، وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَيَّرٌ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يُجْبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَى، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْجَبْرُ وَإِلَّا أُجْبِرَ.
وَالثَّانِي: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَزْوِيجِ إمَائِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى تَزْوِيجِ أَوْلَادِهِ، وَذَكَرَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: لِلْوَصِيِّ الذَّكَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الطِّفْلُ الذَّكَرُ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى التَّزْوِيجِ فَالْأَبُ قَالَ بُرْهَامٌ وَلَا خِلَافَ فِي جَبْرِ الْأَبِ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ غِبْطَةٌ كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقُيِّدَ الْوَصِيُّ بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْقِدُ نِكَاحَ الْأُنْثَى، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الطِّفْلِ الذَّكَرِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا أَيْ يُجْبِرُهَا أَوْ يُعَيِّنُ لَهُ الزَّوْجَ كَمَا فِي
الدَّيْنِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْمِيرَاثِ
وَمَنْ حَازَ دَارًا عَنْ حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ لَا يَدَّعِي شَيْئًا فَلَا قِيَامَ لَهُ
وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ
وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِ
وَمَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
خَلِيلٍ، وَأَيْضًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَاطِفًا: وَلَهُ إنْكَاحُ صِغَارِ بَنِيهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِ وَلَا يُجْبَرُ اتِّفَاقًا، وَالثَّيِّبُ بِإِذْنِهَا، فَيُسْتَفَادُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْكَاحُ الْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِجَبْرِهَا أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَارْتَكَبَ مَا لَا يَجُوزُ صَحَّ فِي الْبَالِغِ بِإِذْنِهَا وَفُسِخَ أَبَدًا فِي الصَّغِيرَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصٍ عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبَضَ دُيُونَهُ صَحَّ، قَالَ شُرَّاحُهُ: هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ تُجْبَرُ وَإِلَّا فُسِخَ أَبَدًا،
وَلَمَّا كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ) أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ (فَإِنَّهُ يُعْزَلُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَطُرُوُّ الْفِسْقِ بِعَزْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ عَدْلٍ أَوْ لِعَاجِزٍ أَوْ لِمَنْ لَيْسَ فِيهِ كَفَاءَةٌ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَهَا مَطْلُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَدَوْمًا
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً كَانَ الْأَوْلَى ذَكَرُهَا فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْفَرَائِضِ فَقَالَ: (وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ) وَسَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيِّتِ مِنْ أُجْرَةِ حَفْرٍ وَدَفْنٍ وَتَغْسِيلٍ وَثَمَنِ حُنُوطٍ الْمَعْرُوفِ (ثُمَّ) بَعْدَ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ يُدْفَعُ (الدَّيْنُ) الْمُتَعَلِّقُ بِذِمَّتِهِ لِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ تُنَفَّذُ (الْوَصِيَّةُ) الَّتِي أَوْصَى بِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ يُدْفَعُ (الْمِيرَاثُ) إلَى الْوَارِثِ بِالْفَرْضِ أَوْ التَّعْصِيبِ أَوْ هُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ مُؤَنَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَدَرَجَ عَلَيْهَا فِي التِّلْمِسَانِيَّة حَيْثُ قَالَ:
إنْ امْرُؤٌ قَدْ قُدِّرَتْ مَنُونُهُ
…
كُفِّنَ ثُمَّ أُدِّيَتْ دُيُونُهُ
وَبَعْدَ ذَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ
…
وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ فِي الْبَقِيَّةِ
وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَعَبْدٍ جَنَى ثُمَّ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْكَفَنُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ عَلَى الدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ شَبِيهٌ بِالْمُفْلِسِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَابْنِ عُمَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُعَيَّنَاتِ مِثْلِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، وَالزَّكَاةِ إذْ حَلَّ حَوْلُهَا فِي مَرَضِهِ، وَالرَّهْنِ إذَا كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا كَانَ بِيَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَزَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ إذْ طَابَتْ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْكَفَنُ وَبَقِيَّةُ الْحُقُوقِ الْخَمْسَةِ، فَالْبَدْءُ فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا بِأَثَرِ الشَّهَادَاتِ لِمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّنَازُعِ فَقَالَ: (وَمَنْ حَازَ) مِنْ الْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ لِلْجَائِزِ (دَارًا) أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ (عَنْ حَاضِرٍ) سَاكِتٍ مُدَّةَ (عَشْرَ سِنِينَ) وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ لَهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا (تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَاضِرِ الْمُتَقَدِّمِ (حَاضِرٌ عَالِمٌ) بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَعَالِمٌ بِحِيَازَةِ هَذَا وَبِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ وَبِدَعْوَى الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْوَضْعِ الْمُحَازِ وَلَوْ مَرَّةً (لَا يَدَّعِي شَيْئًا) مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لَهُ فِي الْكَلَامِ (فَلَا قِيَامَ لَهُ) وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» فَالْحِيَازَةُ تَنْقُلُ الْمِلْكَ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ بُرْهَامٌ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: الْحِيَازَةُ تَكُونُ فِي مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَمَجْهُولِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمُحَازِ عَنْهُ لِلْحَائِزِ اتِّفَاقًا لَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَقُولُ: لَعَلَّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ طَرِيقَةٌ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُشَبَّهِ يُشْبِهُ ظَاهِرَهُ لِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ بُرْهَامٌ: مِنْ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَاحِبُهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَالِكُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهُ نَقْلِهَا لِلْمِلْكِ أَنَّ حُضُورَ صَاحِبِهَا وَعِلْمَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ مَعَ مُشَاهَدَتِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا مَعَ دَعْوَاهُ الْمِلْكِيَّةَ وَالتَّصَرُّفَ لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهَا وَتَسْلِيمِهَا لِلْحَائِزِ، وَأَنَّهُ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمُحَازَ لِذَلِكَ الْحَائِزِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْكَانِ لِلْحَائِزِ أَوْ الْإِعْمَارِ أَوْ الْإِرْفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُفَوِّتُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الْحَائِزِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قُلْنَا وَهُوَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي تِلْكَ الْحِيَازَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ فِيهَا الْمِلْكِيَّةَ فَلَا يَمْلِكُ مَا حَازَهُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْغَيْرِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَأَمَّا التَّصَرُّفُ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِفِعْلِهِ بِمِلْكِهِ، وَهَذَا فِي التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ