الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهَا أَجَلًا وَسَمَّيَا الثَّمَنَ
وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي رَدِّ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بَيْعِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ.
وَلَا شَيْءَ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِيهِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَهَا خَمْسَةٌ: الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالصِّيغَةُ وَالْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ. أَمَّا الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِمَا التَّمْيِيزُ، وَشَرْطُ لُزُومِهِ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ، فَعَقْدُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ عَلَى سِلَعِهِمَا أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِوَلِيِّهَا فَسْخُهُ وَإِمْضَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إنَّ عَقْدَ السَّفِيهِ أَوْ الْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا يَكُونُ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ وَلِلْمُكْرَهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ الْإِجَازَةُ أَوْ الْفَسْخُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْدُ السَّفِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي إجَارَتِهِ نَفْسَهُ مُحَابَاةٌ.
1 -
وَأَمَّا صِيغَةُ الْإِجَارَةِ فَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَأَمَّا الْأُجْرَةُ فَهِيَ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْجُمْلَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَةِ لِئَلَّا نَنْتَقِضَ الْكُلِّيَّةَ بِالطَّعَامِ، وَمِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ لِصِحَّةِ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا، وَعَدَمُ صِحَّةِ كَوْنِهِمَا أُجْرَةَ الْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ، وَيَجِبُ تَعْجِيلُهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَجَّلَ إنْ عَيَّنَ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا إلَّا كُرَى حَجٍّ فَالْيَسِيرُ وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَهِيَ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ.
وَقَالَ خَلِيلٌ بِمَنْفَعَةٍ تَتَقَوَّمُ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا، فَلَا تُسْتَأْجَرُ التُّفَّاحَةُ لِشَمِّهَا؛ لِأَنَّ تَأَثُّرَهَا لَيْسَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُرُورِ الزَّمَانِ، وَلَا الْأَعْمَى لِلْخَطِّ، وَلَا الْأَخْرَسُ لِلْكَلَامِ، وَلَا الْأَرْضُ الَّتِي غَمَرَهَا الْمَاءُ وَلَا يُمْكِنُ انْكِشَافُهَا، وَلَا الْفَقِيهُ لِإِخْرَاجِ الْجَانِّ أَوْ لِحَلِّ الْمَرْبُوطِ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا الْأَشْجَارُ لِثِمَارِهَا، وَلَا الشَّاةُ لِلَبَنِهَا لِأَدَائِهِ إلَى بَيْعِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَلَا الْحَائِضُ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ بِنَفْسِهَا، وَلَا عَلَى فِعْلِ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ كَصَلَاةِ الْوِتْرِ أَوْ الصَّوْمِ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
[شُرُوط الْإِجَارَة]
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى شُرُوطِهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا وَسَمَّيَا الثَّمَنَ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَجَلُهَا مَعْلُومًا بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، أَوْ تَكُونَ مَحْدُودَةً بِعَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ كِتَابَةِ كُرَّاسٍ. وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَوْ بِالْعُرْفِ، كَأُجْرَةِ الْخِيَاطَةِ أَوْ صَبْغِ الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا تَخْتَلِفُ أُجْرَتُهُ عُرْفًا. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَمَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الذَّاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِتَعْلِيمِهَا أَوْ لِرُكُوبِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَيْنُ مُتَعَلِّمٍ وَرَضِيعٍ وَدَارٍ وَحَانُوتٍ وَبِنَاءٍ عَلَى جُدْرَانٍ، وَمَحْمَلٍ إنْ لَمْ تُوصَفْ وَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ، وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِالْأَجَلِ فِيمَا لَا تُعْرَفُ غَايَتُهُ إلَّا بِانْتِهَاءِ الْأَجَلِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الرِّعَايَةِ أَوْ الْحَرْثِ، وَأَمَّا مَا غَايَتُهُ الْفَرَاغُ مِنْهُ كَالْخِيَاطَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالصَّبْغِ فَيَكْفِي تَعْيِينُ الْعَمَلِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالزَّمَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتَسَاوَيَا أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ.
الثَّانِي: مَا قَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ بَيَانٌ لِحُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِلْإِمَامَةِ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ أَوْ لِذِمِّيٍّ لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ مَذَلَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ مُحَرَّمَةً مِثْلُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ يَنَالُهُ بِذَلِكَ مَذَلَّةٌ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِمَعْرُوفٍ بِالْغَصْبِ، وَكَذَا كُلُّ إجَارَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ.
1 -
وَلَمَّا كَانَ الْجُعْلُ مُشَارِكًا لِلْإِجَارَةِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ بِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ، فَخَرَجَ الْعَقْدُ عَلَى كِرَاءِ السُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ وَالْأَرَضِينَ كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ وَشَرِكَةُ الْحَرْثِ، وَزَادَ لَفْظُهُ بِهِ لِيَدْخُلَ: إنْ أَتَيْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَمَلُهُ شَهْرًا مَثَلًا، فَإِنَّهُ جُعْلٌ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لِلْجَهْلِ بِالْعِوَضِ، وَلَوْ سَقَطَ لَفْظَةُ بِهِ لَخَرَجَتْ لِمُشَارَكَتِهَا لِلْقِرَاضِ فِيمَا خَرَجَ بِهِ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا نَشَأَ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ، وَالضَّمِيرُ فِي مَحَلِّهِ عَائِدٌ عَلَى عَمَلِ الْآدَمِيِّ وَبِهِ كَذَلِكَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعِوَضَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْخُوذٍ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبِ عَمَلِ عَامِلِهِ فَدَخَلَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْ عَمَلِ عَامِلِهَا بَلْ أُخِذَ مِنْ عَمَلِ مَحَلِّهَا لَا بِسَبَبِ عَمَلِ عَامِلِهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى إخْرَاجِهَا مَعَ كَوْنِهَا فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ التَّعَارِيفَ لِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ الشَّامِلَةِ لِلْفَاسِدَةِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فَجُعِلَ لِمَنْ جَاءَ بِصُوَاعِ الْمَلِكِ الَّذِي فَقَدُوهُ حِمْلُ بَعِيرٍ مِنْ الطَّعَامِ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً، وَأَمَّا السُّنَّةُ «فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَقِصَّةُ الرَّهْطِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لُدِغَ سَيِّدُهُمْ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُفْرَةٍ سَافِرُوهَا حَتَّى
لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ.
وَالْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبِعْ وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَنَا لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَقَدْ سَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ قَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ الْفَاتِحَةَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ يَمْشِي، وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ أَيْ عِلَّةٌ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ.
فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا» يَرُدُّ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقَضِيَّةِ الرَّهْطِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ، كَمَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«، وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ» مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا أَخَذُوهُ فِي نَظِيرِ الرُّقْيَةِ لَا الضِّيَافَةِ، وَقَدْ مَضَى عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ.
1 -
وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَهُ، وَهِيَ أَرْبَعٌ: الْعَاقِدَانِ وَالْعَمَلُ وَالْعِوَضُ، وَأَشَارَ لَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ، فَشَرْطُ الْعَاقِدِ التَّأَهُّلُ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ صِحَّةً وَلُزُومًا، وَشَرْطُ الْجُعْلِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ كَوْنُهُ أُجْرَةً، وَأَمَّا الْعَمَلُ الْمُجَاعَلُ عَلَيْهِ فَبَعْضُهُ تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَذَلِكَ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُيِّنَ فِيهَا مِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْأَذْرُعِ كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ عَاقَدَهُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ كَانَ جُعْلًا، وَبَعْضُهُ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَذَلِكَ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى إحْضَارِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُجْهَلُ فِيهِ الْعَمَلُ، وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجَعَالَةُ وَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَذَلِكَ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْجَاعِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَمَامِ الْعَمَلِ يَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا مَعَ انْتِفَاعِ الْجَاعِلِ بِعَمَلِهِ، فَبَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ عَلَى التَّحْقِيقِ، خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ: فِي كُلِّ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ.
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْجُعْلِ عَدَمَ تَقْدِيرِ زَمَنٍ لِلْعَمَلِ قَالَ: (وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ) أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يُقَدَّرَ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ (فِي رَدِّ) رَقِيقٍ (آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ) فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ جَاعَلَهُ عَلَى إخْرَاجِ مَائِهَا. (أَوْ) فِي (بَيْعِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْغَرَرِ، إذْ رُبَّمَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا، أَوْ يَتِمُّ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَائِهِ فَيَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْجُعْلَ كَامِلًا؛ لِتَمَامِ الْعَمَلِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَجَلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَرَطَ عَلَى الْجَاعِلِ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ حِينَئِذٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكِهِ مَتَى شَاءَ، وَلَا يُقَالُ: شَأْنُ الْجُعْلِ أَنَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ فَلِمَ امْتَنَعَ مَعَ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَخْيِيرٍ فِي التَّرْكِ وَجَازَ مَعَ الِاشْتِرَاطِ؟ . لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَجْعُولُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ وَعِنْدَ الشَّرْطِ يَخِفُّ غَرَرُهُ لِدُخُولِهِ ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْيِيرِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَمَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي عَقْدِ الْجُعْلِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ نَقْدِ الْعِوَضِ، وَإِذَا وَقَعَ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي عَقْدِهِ أَوْ شُرِطَ نَقْدُ الْعِوَضِ فَسَدَ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ، وَيَجِبُ فِيهِ إنْ تَمَّ الْعَمَلُ جُعْلُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّ لَهُ الْجُعْلَ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ فَيَكُونُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الْفَاسِدِ جُعْلُ مِثْلِهِ إلَّا بِجُعْلٍ مُطْلَقًا فَأُجْرَتُهُ.
الثَّانِي: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَعَالَةَ كَالْإِجَارَةِ فِي الْعَاقِدِ وَالْعِوَضِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْجُعْلَ، وَإِنْ لَمْ يُعَاقِدْهُ رَبُّ الشَّيْءِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلَ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَهُ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَ الْعَبْدَ الْآبِقَ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ رَبِّهِ الِالْتِزَامُ أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِطَلَبِ الْإِبَاقِ فَإِنَّمَا لَهُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْآبِقِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ لَا نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى رَبِّ الْآبِقِ.
الثَّالِثُ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْجُعْلِ إذَا كَانَ الْمُجَاعَلُ عَلَيْهِ عَبْدًا آبِقًا أَوْ بَعِيرًا شَارِدًا جُهِلَ مَكَانُهُ، فَإِنْ عَلِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فُسِخَ الْعَقْدُ، فَإِنْ تَمَّ الْعَمَلُ فَإِنْ كَانَ الْعَالِمُ الْجَاهِلَ وَالْجَاهِلُ الْعَامِلَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجُعْلِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ انْفَرَدَ الْمَجْعُولُ لَهُ بِالْعِلْمِ فَلَا شَيْءَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ بِقَدْرِ تَعَبِهِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ مِنْهُمَا. الرَّابِعُ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ غَيْرَهُ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ وَقَالَ لَهُ: لَا تَبِعْهُ حَتَّى تُشَاوِرنِي لَمْ يَجُزْ إنْ ضَرَبَا لِلْبَيْعِ أَجَلًا؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ يَفْسُدُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَالتَّفْوِيضُ إلَى الْبَائِعِ فِي بَيْعِهِ مَتَى شَاءَ.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ عَاقِدِ الْجُعْلِ كَعَاقِدِ الْإِجَارَةِ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ قَالَهُ: (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ) لِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى -: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ تَمَّ