الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ
وَمَنْ قَالَ رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
مُقِيمِ غَيْرِهَا (فَإِنْ اسْتَوَيَا) كَانَ الْوَاجِبُ اسْتَوَيَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُرَجَّحٌ مِمَّا قَدَّمْنَا.
(حَلَفَا وَكَانَ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مَقْسُومًا (بَيْنَهُمَا) لِتَسَاقُطِهِمَا، وَفُهِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ حِينَئِذٍ
[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ التَّرْجِيحِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ:(وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ) بَتِّ (الْحُكْمِ) بِشَهَادَتِهِ (أُغْرِمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ) بِأَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أُغْرِمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا أُغْرِمَ لِاعْتِرَافِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لَوْ قَالَ شُبِّهَ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: رَجَعْت عَنْ شَهَادَتِي وَسَكَتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ كَمَا قَرَّرْنَا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهَا.
قَالَ خَلِيلٌ مُشِيرًا إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً وَلَوْ تَعَمَّدَا، وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا غُرِّمَ نِصْفَ الْحَقِّ، وَإِذَا كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَةٍ بِقَتْلٍ فَإِنْ قَالَا: غَلِطْنَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَا: تَعَمَّدْنَا فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أَتْلَفَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ عَنْ عِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ عَنْ عَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ فَلَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ سَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ وَالْقِصَاصَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا قِيمَةَ لَهُ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا حُكْمَ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَاسْتِيفَاءُ مَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ وَحُكْمُ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَذَكَرَ فِيهِ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ تَفْصِيلًا بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ مَضَى اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْضِي كَمَا فِي الْحُكْمِ بِالْمَالِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يَمْضِي وَلَا يُسْتَوْفَى الدَّمُ لِحُرْمَتِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَرَجَعَ إلَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَفِي هَذِهِ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ اتِّفَاقًا.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَفِي هَذِهِ يَمْضِي الْحُكْمُ وَلَا يُنْتَقَضُ اتِّفَاقًا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ فَيَمْضِي فِي الْمَالِ اتِّفَاقًا وَفِي الْحُدُودِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
الثَّانِي: الشَّاهِدُ الرَّاجِعُ عَنْ شَهَادَتِهِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ.
[أَحْكَام الْوَكَالَة]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْوَكَالَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا التَّفْوِيضُ وَحَقِيقَتُهَا عُرْفًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ، وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ، فَتُخْرِجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ صَاحِبَ صَلَاةٍ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ إنَّمَا يُقَالُ لَهَا نِيَابَةٌ لَا وَكَالَةٌ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ وَحُكْمُ الْوَكَالَةِ الْجَوَازُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَعَقْدُهَا مُنْحَلٌّ قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَقَعَ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَكَّهُمَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ، دَلَّ عَلَى جَوَازِهَا الْكِتَابُ:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] وَالسُّنَّةُ مِنْ «تَوْكِيلِهِ عليه الصلاة والسلام أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا، وَأَرْكَانُهَا:
الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَالْمُوَكَّلُ فِيهِ وَالصِّيغَةُ، فَالْمُوَكِّلُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْمَحْجُورُ لِصِبًا أَوْ سَفَهٍ أَوْ رِقٍّ، فَلَا يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا الصَّغِيرَةُ فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ، وَإِلَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ لَهُمَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَإِلَّا تَوَكَّلَ الرَّقِيقُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْ سَيِّدِهِ، وَالْوَكِيلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ عَدُوِّ شَخْصٍ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ مِنْهُ، وَلَا تَوْكِيلُ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ كَمَا يَفْعَلُهُ ظَلَمَةُ مِصْرَ مِنْ تَوْكِيلِ النَّصَارَى عَلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَهَذَا حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَلَا تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ لِسَفَهٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ صِبًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا بِإِذْنٍ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ غَيْرِهِمْ؟ وَأَجَازَ اللَّخْمِيُّ تَوْكِيلَهُمْ.
وَالْمُوَكَّلُ فِيهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَابِلَ النِّيَابَةِ، قَالَ خَلِيلٌ: صِحَّةُ الْوَكَالَةِ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ مِنْ عَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضِ حَقٍّ وَإِبْرَاءٍ وَإِنْ جَهِلَهُ الثَّلَاثَةُ، وَالصِّيغَةُ هِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عُرْفًا عَلَى جَعْلِ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ مَعَ قَبُولِ الْمُفَوَّضِ لَهُ، قِيلَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَقَالَ:(وَمَنْ قَالَ) لِمَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ لِشَخْصٍ (رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دَفْعِهِ مِثَالُهُ
وَدِيعَتَك أَوْ قِرَاضَك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
وَمَنْ قَالَ: دَفَعْت إلَى فُلَانٍ كَمَا أَمَرْتنِي فَأَنْكَرَ فُلَانٌ فَعَلَى الدَّافِعِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَكَذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْأَيْتَامِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ فِيمَا يُشْبِهُ
وَالصُّلْحُ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى دَفْعِ دَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ لَمْ يَجِدْهُ فَرَدَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَنَازَعَهُ الْمُوَكِّلُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (أَوْ) قَالَ إنْ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي (عَلَى بَيْعِهِ) لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ (أَوْ) قَالَ بِعْته وَ (دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ) فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ (أَوْ) قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِشَخْصٍ لِصَاحِبِهَا: أَنَا رَدَدْت إلَيْك (وَدِيعَتَك) فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودِعِ فَلَا يُؤَخَّرُ لِلْإِشْهَادِ وَالضَّمِيرُ فِي صُدِّقَ لِلْوَكِيلِ (أَوْ) قَالَ عَامِلُ الْقِرَاضِ لِرَبِّ الْمَالِ: رَدَدْت إلَيْك (قِرَاضَك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) رَاجِعٌ لِكُلِّ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ الْفُرُوعِ السَّابِقَةِ لِدَلَالَةِ الْأَخِيرِ عَلَيْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْوَكِيلِ وَالْمُودِعِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ مَنْ ذُكِرَ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ أَوْ التَّلَفِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، وَشَرْطُ قَبُولِ قَوْلِ مَنْ ذُكِرَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ عَلَى الرَّدِّ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْقِرَاضِ: وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخَسْرِهِ وَرَدِّهِ إنْ قَبَضَ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِبَيِّنَةِ التَّوَثُّقِ هِيَ الَّتِي يَشْهَدُهَا خَوْفَ دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ الْجَحْدِ
وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الرَّدِّ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَالَ) لِمَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ لِشَخْصٍ فِي دَيْنٍ لَهُ أَوْ فِي صَدَقَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ (دَفَعْت إلَى فُلَانٍ) الَّذِي بَعَثْتنِي إلَيْهِ (كَمَا أَمَرْتنِي فَأَنْكَرَ فُلَانٌ) الْمَدْفُوعُ لَهُ (فَعَلَى الدَّافِعِ) إحْضَارُ (الْبَيِّنَةِ) الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ بِالدَّفْعِ (وَإِلَّا ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَضَمِنَ إنْ أَقَبْضَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَلَا مَفْهُومَ لِلدَّيْنِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ كَانَ الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا أَمْ لَا، كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ، وَمَفْهُومُ فَأَنْكَرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ لَهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمُصِيبَةُ الْمَالِ مِمَّنْ هُوَ لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى الدَّافِعِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ وَلِيِّ الْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِ.
(فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ) الْأَوَّلُ: الْوَكِيلُ عَلَى الْخِصَامِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا، بِخِلَافِ وَكِيلِ نَحْوِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ، وَلَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ شَرَطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِاسْتِقْلَالَ بِالتَّصَرُّفِ أَوْ يَكُونَ وَكَّلَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَلِكُلٍّ الِاسْتِقْلَالُ وَلَوْ وَكَّلَ الثَّانِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: إذَا تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بِفِعْلِ الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ وَتَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ أَيْضًا فَالْعِبْرَةُ بِالسَّابِقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ بِعْت وَبَاعَ فَالْأَوَّلُ لَا يَقْبِضُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِتَصَرُّفِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلَيْنِ الْمُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ، فَالْمُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: لَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلَانِ الْمُسْتَقِلَّانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَرَتِّبٍ وَلَكِنْ جُهِلَ الزَّمَنُ اشْتَرَكَا إنْ كَانَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ يُمْكِنُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَالْبَيْعِ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: الْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَلَوْ مُفَوَّضًا حَيْثُ عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَتَأْوِيلَانِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَعَلَى الْعَزْلِ لَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ، وَعَلَى عَدَمِ الْعَدْلِ يَلْزَمُ الْوَارِثَ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: الْوَكِيلُ إنْ كَانَ مُفَوَّضًا فَيَجُوزُ لَهُ تَوْصِيلُ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا كَالْوَكِيلِ عَلَى نَحْوِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ وَرِضَاهُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ لَا يَلِيقُ بِهِ فِعْلُ الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ شَيْئًا كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى فِعْلِ جَمِيعِهِ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: وَكِيلُ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلَا الْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَحْجُورُهُ كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ بِمَنْزِلَتِهِ لِاتِّهَامِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ يُسَمِّي لَهُ الثَّمَنَ، فَيَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ تَنَاهِي الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَكِنْ عَلَى غَيْرِ مَرْضِيٍّ ابْنُ عَرَفَةَ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْحَرَامِ: وَبَيْعُهُ لِنَفْسِهِ وَمَحْجُورِهِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ إنْ لَمْ يُجَبْ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ: يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ الْخَاصِّ أَوْ الْمُفَوَّضِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ مَعْزُولٌ عَنْهُ بِأَنْ زَادَ فِي شِرَاءِ السِّلْعَةِ أَوْ نَقَصَ فِي بَيْعِهَا مَا لَهُ بَالٌ وَتَلْزَمُ السِّلْعَةُ الْوَكِيلَ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْمُوَكِّلُ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَلَا بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، وَمَسَائِلُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ تُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ.
ثُمَّ شُبِّهَ فِي لُزُومِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ) يَجِبُ (عَلَى وَلِيِّ الْأَيْتَامِ) كَالْوَصِيِّ إقَامَةُ (الْبَيِّنَةِ) عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فِي أَصْلِ الصَّرْفِ