الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ وَلِلْحُرِّ ذَلِكَ إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا.
وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى بِقَدْرِ وُجْدِهِ وَلَا قَسْمَ فِي الْمَبِيتِ لِأَمَتِهِ وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
انْقَطَعَ رَضَاعُهُ قَبْلَ وَطْءِ أَبِيهَا، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ تُرْضِعُهُ فَلَا لِأَنَّهُ صَارَ وَلَدًا لَهُ وَأَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ،
وَلَمَّا كَانَ الْعَبْدُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي الْعُقُوبَاتِ وَمِثْلُهُ فِي الْعِبَادَاتِ قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ) الْمُسْلِمَيْنِ (نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ) قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْعَبْدِ الرَّابِعَةُ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّلَذُّذَاتِ فَيُشَارِكُهُ فِيهَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ كَالطَّلَاقِ وَالْحَدِّ فَهُوَ عَلَى النِّصْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرِّقِّ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا نَظَرَ لِمَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ مُسْتَنِدِينَ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] مِنْ إبْقَاءِ الْوَاوِ عَلَى بَابِهَا فَإِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ الْآيَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا، قَالُوا: وَبِمَعْنَى أَوْ فَالْآيَةُ حُجَّةٌ لِلْمَشْهُورِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ الْخَامِسَةِ، وَأَنَّ جَوَازَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ لِغَيْلَانَ حِينَ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ:«اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ، أَيْ بَاقِيهِنَّ، وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُ الْخَمْسِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَطَلَ فِيهِنَّ، وَمِنْ دَخَلَ بِهَا مِنْهُنَّ كَانَ لَهَا صَدَاقُهَا، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ الْعَقْدُ فُسِخَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ فَقَطْ، وَلَمَّا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ نِكَاحِ الْحُرِّ الَّذِي يُولَدُ لَهُ أَمَةُ الْأَجَانِبِ رِقَّ وَلَدِهِ قَالَ:(وَ) يَحِلُّ (لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ) وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ الْحَرَائِرِ لِأَنَّ الْإِمَاءَ مِنْ نِسَائِهِ، وَالْوَلَدُ لَا يَكُونُ أَشْرَفَ مِنْ أَبِيهِ.
(وَ) كَذَا يَحِلُّ (لِلْحُرِّ ذَلِكَ) أَيْ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) أَيْ الزِّنَا إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ (وَلَمْ يَجِدْ لِلْحَرَائِرِ) وَلَوْ الْكِتَابِيَّاتِ (طَوْلًا) أَيْ مَهْرًا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ غَيْرَ الْمُغَالِيَةِ، وَتَفْسِيرُنَا الطَّوْلَ بِالْمَهْرِ هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَالنَّفَقَةِ.
قَالَ بَعْضٌ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَيَدْخُلُ فِي الطَّوْلِ الَّذِي يُعَدُّ بِهِ قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ الدَّيْنُ الْكَائِنُ عَلَى مَلَأٍ، وَمَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَخِدْمَةِ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَدَابَّةِ رُكُوبِهِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا، وَمِنْ الطَّوْلِ أَيْضًا لَوْ وَجَدَ حُرَّةً تَتَزَوَّجُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ لَا دَارِ سُكْنَاهُ وَلَا خِدْمَةِ مُدَبَّرٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الطَّوْلِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْحُرَّةِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ وَلَا تُعِفُّهُ لَا يُعَدُّ طَوْلًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُغَالِيَةِ الَّتِي تَطْلُبُ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا زِيَادَةً لَا يُغْتَفَرُ مِثْلُهَا فِي التَّيَمُّمِ وَفِي شِرَاءِ النَّعْلَيْنِ لِلْإِحْرَامِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً وَأَشَرْنَا لَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرَّ الَّذِي يُولَدُ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ غَيْرِ أَصْلِهِ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، وَأَنْ يَعْجَزَ عَنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً كَمَا ذَكَرْنَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةَ أَصْلِهِ كَأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ الْأَحْرَارِ لَجَازَ لَهُ نِكَاحُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلِلْحُرِّ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِنِكَاحِ الْإِمَاءِ بِقَيْدِ الْأَرْبَعِ، لِأَنَّ مَا أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ يَتَحَدَّدُ بِزَوَالِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَزْيَدَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ.
الثَّانِي: لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْأَمَةَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ زَالَ الْمُبِيحُ بِأَنْ طَرَأَ لَهُ الْمَالُ أَوْ أَمِنَ مِنْ الزِّنَا لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ إذَا تَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ بِشَرْطِهِ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهِ، بِخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَ مَعَ فَقْدِ الشُّرُوطِ وَلَوْ بَعْضِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ.
الثَّالِثُ: عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا: نِكَاحُهُ أَمَةَ أَصْلِهِ الْحُرِّ، ثَانِيَتُهَا: نِكَاحُهُ أَمَةَ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يُولَدُ لَهُ، ثَالِثُهَا نِكَاحُ أَمَةِ الْغَيْرِ وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لَهُ مَعَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقِسْمٌ غَيْرُ جَائِزٍ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا تَزَوُّجُهُ بِأَمَةِ نَفْسِهِ أَوْ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ فِيهِ الْخِلَافُ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ وَهُوَ نِكَاحُ أَمَةِ الْفَرْعِ أَوْ أَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُولَدُ لَهُ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ الشُّرُوطُ.
(خَاتِمَةٌ) إذَا صَحَّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَلَوْ عَبِيدًا، وَيُنْفِقُ الْعَبْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ كَالْمَهْرِ إلَّا لِعُرْفٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَفَقَةُ أَوْلَادِ الْأَمَةِ مِنْ الزَّوْجِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ عِتْقِهِمْ فَعَلَى سَيِّدِهِمْ وَهُوَ سَيِّدُ أُمِّهِمْ، وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُمْ السَّيِّدُ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى أَبِيهِمْ كَإِرْضَاعِهِمْ إلَّا أَنْ يَعْدَمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ فَعَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْعَبِيدِ فَإِنْ كَانُوا أَرِقَّاءَ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ أَوْلَادُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَرِقَّاءَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ سَيِّدُهُمْ، وَالْأَحْرَارُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا ذَكَرْنَا،
[الْقَسْمُ بَيْن الزَّوْجَاتِ]
وَلَمَّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
كَانَ يَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ وَكَانَ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَبِيتِ وَاجِبًا شَرَعَ فِي بَابِ الْقَسْمِ بِقَوْلِهِ: (لِيَعْدِلْ) الزَّوْجُ (بَيْنَ نِسَائِهِ) فِي الْمَبِيتِ وَإِنْ امْتَنَعَ وَطْؤُهُنَّ.
قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ عَادَةٍ أَوْ عَقْلًا دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأَمَةِ، سَوَاءٌ كُنَّ حَرَائِرَ أَوْ إمَاءَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ صَحِيحَاتٍ أَوْ مَرِيضَاتٍ كَبِيرَاتٍ أَوْ صَغِيرَاتٍ، كَانَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا حَيْثُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَالِ، وَأَمَّا مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِانْتِقَالِ فَيَمْكُثُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ، وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ لَكِنْ بِشَرْطِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِهِ وَعَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُ عَلَيْهِنَّ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْوَلِيِّ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إطَاقَةُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِنَّ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُجْتَهِدُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَعَلَى عِصْيَانِ تَارِكِهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا إمَامَتُهُ عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِارْتِدَادِهِ بِجَحْدِهِ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ أَوْ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ لَا عَلَى وَلِيِّ صَبِيٍّ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهَا بِحُضُورِ الصَّبِيِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَاتِ الدُّخُولُ بِهِنَّ وَإِطَاقَتُهُنَّ الْوَطْءَ؛ فَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَا لِصَغِيرَةٍ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا.
الثَّانِي: إطْلَاقُهُ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَالْمُجْمَعِ مِنْهُمَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَمَةُ أَيْ الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: تَعْبِيرُهُ بِالنِّسَاءِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ عِنْدَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الْبَيَاتِ عِنْدَهَا أَوْ يُحْضِرَ لَهَا مُؤْنِسَةً لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْفَسَادُ أَوْ الْخَوْفُ مِنْ نَحْوِ اللُّصُوصِ.
وَفِي التَّوْضِيحِ: إذَا اشْتَكَتْ الْمَرْأَةُ الْوَحْدَةَ ضُمَّتْ إلَى جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيَاتِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: الْوَطْءُ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا انْتَفَى الْعُذْرُ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَالْأُجْهُورِيُّ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَلَّفُ مَا لَا يُطِيقُهُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا إذَا شَكَتْ قِلَّةَ الْوَطْءِ يُقْضَى لَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ بِلَيْلَةٍ، كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا شَكَا الزَّوْجُ مِنْ قِلَّةِ الْجِمَاعِ أَنْ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهَا بِمَا تُطِيقُهُ كَالْأَجِيرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يُقْضَى بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَقَدْ لَا تُطِيقُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: إنَّمَا جَعَلْنَا وُجُوبَ الْعَدْلِ فِي الْمَبِيتِ فَقَطْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَحَبَّةٍ قَلْبِيَّةٍ، وَلَا فِي وَطْءٍ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ إضْرَارِ الْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَمِيلَ نَفْسُهُ إلَى وَطْءِ وَاحِدَةٍ فَيَكُفَّ عَنْ وَطْئِهَا لِيُوَفِّرَ لَذَّتَهُ وَقُوَّتَهُ إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا حَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْكَفِّ وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْكَفِّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ وَقْتَ الْكَفِّ لِأَنَّ الْكَفَّ مَظِنَّةُ قَصْدِ الضَّرَرِ.
قَالَ خَلِيلٌ مُخَرِّجًا لَهُ مِنْ الْوَاجِبِ لَا فِي الْوَطْءِ إلَّا الْإِضْرَارَ كَكَفِّهِ لِتَتَوَفَّرَ لَذَّتُهُ لِأُخْرَى.
الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَأَقَلُّهَا الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصَ عَنْهُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْبُدَاءَةُ بِاللَّيْلِ وَيُكَمَّلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُقِيمُ الْقَادِمُ مِنْ السَّفَرِ نَهَارًا عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ أَحَبَّ وَلَا يَحْسِبُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّيْلُ، قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ الِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ كَنَدْبِ الْبَيَاتِ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَاتُ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقْنَ فِي أَمَاكِنَ بِبُلْدَانٍ مُتَبَاعِدَةٍ فَإِنَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُنَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي يَوْمِ ضَرَّةٍ مَحَلَّ أُخْرَى إلَّا لِحَاجَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَسْكَنٍ ذِي مَرَافِقَ بِحَيْثُ تَسْتَغْنِي عَنْ مَحَلِّ الْأُخْرَى، وَيَجُوزُ جَمْعُهُنَّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِرِضَاهُنَّ، وَالْمُحَرَّمُ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ الْجَمْعُ وَلَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي فَرْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ وَلَوْ بِرِضَاهُنَّ، وَإِنْ لَازَمَ الْبَيَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ لَيْلَةَ الْمَظْلُومَةِ تَفُوتُ عَلَيْهَا وَلَا تُحَاسَبُ بِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتَ إنْ ظَلَمَ فِيهِ وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.
السَّادِسُ: مَنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلثَّانِيَةِ بِسَبْعِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَبِثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَأَمَّا تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ فَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْدِيمَ السَّابِقَةِ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ اسْتَوَيَتَا فَالسَّابِقَةُ عَقْدًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا بِالْقُرْعَةِ وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَتْ اسْتَحَقَّ مَا يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ سَبْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ.
السَّابِعُ: لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ لِقُرْبَةٍ كَحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، وَكَذَلِكَ إذَا مَرِضَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّوَرَانَ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ الْإِقَامَةَ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ شَاءَ.
الثَّامِنُ: كُلُّ مَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ إطَاعَةِ الزَّوْجِ فِي أَمْرٍ مِنْ شَأْنِهَا فَلَهُ وَعْظُهَا وَهَجْرُهَا،