الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجَعَ أُقِيلَ.
وَغَرِمَ السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مَعَهُ وَإِلَّا اُتُّبِعَ بِهَا.
وَمَنْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْحِرْزِ وَكَذَلِكَ الْكَفَنُ مِنْ الْقَبْرِ.
وَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ.
وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَإِنَّمَا حُسِمَتْ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ جَرَيَانُ الدَّمِ بِحَرْقِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ، لِأَنَّ دَوَامَ جَرْيِهِ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِ الْمَقْطُوعِ، وَالْحَسْمُ مِنْ حَقِّ الْمَقْطُوعِ لَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ: أَنَّ حُكْمَ الْحَسْمِ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْمَقْطُوعِ فَيَأْثَمَانِ بِتَرْكِهِ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ قُطِعَ لَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى مَا يُفِيدُ بَيَانُ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَعَمَّدَ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ يُسْرَاهُ أَوَّلًا فَالْقَوْدُ وَالْحَدُّ بَاقٍ، وَخَطَأٌ أَجْزَأَ حَيْثُ وَقَعَ الْخَطَأُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا وَالْحَدُّ بَاقٍ وَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ.
(ثُمَّ إنْ سَرَقَ) السَّالِمُ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً خَامِسَةً أَوْ النَّاقِصُ الْيَمِينِ مَرَّةً رَابِعَةً.
(جُلِدَ وَسُجِنَ) بَعْدَ التَّعْزِيرِ، قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَا يُقْتَلُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مُنْتَهَى الْحَبْسِ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِ تَوْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَأُجْرَةَ حَبْسِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْمُغَرَّبِ فِي الزِّنَا وَالْحِرَابَةِ.
[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَقَرَّ) طَائِعًا (بِسَرِقَةِ) طِفْلٍ أَوْ نِصَابٍ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ.
(قُطِعَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَثَبَتَ أَيْ الْقَطْعُ بِإِقْرَارٍ إنْ طَاعَةً وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ فَشَرْطٌ فِي الْقَطْعِ بِالْإِقْرَارِ وَالطَّوْعِ، فَإِنْ أَقَرَّ مُكْرَهًا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُقِرَّ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِرُّ مُكْرَهًا مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ أَمْ لَا.
وَفِي ابْنِ عَاصِمٍ مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا حُبِسَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِهَا فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ، وَذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ وَعَزَّاهُ لِسَحْنُونٍ وَقَالَ فِي مَنْظُومَتِهِ:
وَإِنْ يَكُنْ مُطَالَبًا مَنْ يُتَّهَمْ
…
فَمَالِكٌ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمْ
وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ
…
مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِيَارِ
فَإِنْ قِيلَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّوْعِ فِي الْإِقْرَارِ فَمَا فَائِدَةُ حُكْمِ مَالِكٍ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ أَوْ تَظْهَرُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ، وَبَقِيَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَيَسْتَفْسِرُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْمَسْرُوقِ مَا هُوَ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَإِلَى أَيْنَ أُخْرِجَ؟ فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ ثَبَتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ إقْرَارِ السَّارِقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ فَحَلَفَ الطَّالِبُ أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَلَفَ أَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ فَالْغُرْمُ بِلَا قَطْعٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ فَالْعَكْسُ.
وَلَمَّا كَانَ قَطْعُ الْمُقِرِّ مَشْرُوطًا بِالتَّمَادِي عَلَى الْإِقْرَارِ قَالَ: (وَإِنْ رَجَعَ) السَّارِقُ عَنْ إقْرَارِهِ (أُقِيلَ) أَيْ تُرِكَ قَطْعُهُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقِيلَ رُجُوعُهُ وَلَوْ بِلَا شُبْهَةٍ، وَمِثْلُهُ الزَّانِي وَالشَّارِبُ وَالْمُحَارِبُ وَمَنْ أَقَرَّتْ بِالْإِحْصَانِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ،
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَطْعِ السَّارِقِ عَدَمُ غُرْمِهِ الْمَالَ مُطْلَقًا لِئَلَّا تَجْتَمِعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ قَالَ: (وَغَرِمَ) السَّارِقُ (السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مَعَهُ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ قَهْرًا عَلَى رَبِّهِ وَيَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ، وَإِلَّا فَرَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُطِعَ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُوجَدْ السَّرِقَةُ مَعَهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ (اُتُّبِعَ بِهَا) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا أَوْ يُقْطَعُ حَيْثُ اتَّصَلَ يَسَارُهُ لِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَّصِلَ كَالْمَالِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا أَوْ قُطِعَ إنْ أَيْسَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ، وَسَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا آخِرِ الْبَابِ.
وَلَمَّا كَانَ قَطْعُ السَّارِقِ مَشْرُوطًا بِإِخْرَاجِ النِّصَابِ مِنْ الْحِرْزِ قَالَ: (وَمَنْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ) قَبْلَ إخْرَاجِ النِّصَابِ (لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْحِرْزِ) وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهَا لَقُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي وَصْفِ النِّصَابِ: يُخْرَجُ مِنْ حِرْزٍ بِأَنْ لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ أَوْ ابْتَلَعَ دُرَّا أَوْ ادَّهَنَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ نِصَابٌ أَوْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَوَاءٌ بَقِيَتْ أَوْ أُخِذَتْ، وَيَخْتَصُّ الْقَطْعُ بِمَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهَا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ حِرْزِهَا.
(وَكَذَلِكَ الْكَفَنُ) لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ (مِنْ الْقَبْرِ) وَلِلْبَحْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ مُكَفَّنًا كَالْقَبْرِ فَهُوَ حِرْزٌ لِكَفَنِ الْمَيِّتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِثْلُ سَرِقَةِ الْكَفَنِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ سَرِقَةُ نَفْسِ اللَّحْدِ وَهُوَ غِشَاءُ الْقَبْرِ الَّذِي يُسَدُّ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ رُخَامٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَرَقَ الْخَيْمَةَ أَوْ مَا فِيهَا أَوْ مَا فِي الْحَانُوتِ أَوْ مِنْ فِنَائِهِمَا، أَوْ سَرَقَ الْمَحْمَلَ أَوْ مَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَإِنْ غَيَّبَ عَنْهُنَّ،
فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ وَمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا إقْرَارَ لَهُ.
وَلَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا فِي الْجُمَّارِ وَلَا فِي النَّخْلِ وَلَا فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ حَتَّى تُسْرَقَ مِنْ مُرَاحِهَا وَكَذَلِكَ التَّمْرُ مِنْ الْأَنْدَرِ.
وَلَا يُشْفَعُ لِمَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا
ــ
[الفواكه الدواني]
أَوْ سَرَقَ مِنْ الْجَرِينِ أَوْ مِنْ سَاحَةِ الدَّارِ حَيْثُ كَانَ السَّارِقُ أَجْنَبِيًّا مَحْجُوزًا عَلَيْهِ فِي دُخُولِهَا، أَوْ مِنْ السَّفِينَةِ حَيْثُ سَرَقَ مِنْ خِنِّهَا أَوْ سَرَقَهُ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ مِنْ رُكَّابِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ حَيْثُ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّارِقَ مِنْ خِنِّهَا أَوْ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مَا عَلَى ظَهْرِهَا وَفِي غِيبَةِ رَبِّهِ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا.
وَلَمَّا كَانَ السَّارِقُ هُوَ الدَّاخِلُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَتَاعِ وَيَأْخُذُ الشَّيْءَ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ كَذَلِكَ ذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ) كَالضَّيْفِ وَالْخُدَّامِ (لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ خَائِنٌ وَهُوَ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ وَيُتَّبَعُ بِهِ إنْ أَعْدَمَ (وَ) كَذَلِكَ (لَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ) وَهُوَ مَنْ يَخْرُجُ جَهْرَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيَجْمَعَهُ مَعَ نَظِيرِهِ وَهُوَ الْخَائِنُ.
وَلَمَّا كَانَ إقْرَارُ الْعَبْدِ تَارَةً يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِبَدَنِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ) الْعَاقِلِ الْبَالِغِ (فِيمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ فِيمَا يَكُونُ بِعُقُوبَةٍ (فِي بَدَنِهِ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ) كَإِقْرَارِهِ بِشُرْبٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ.
(يَلْزَمُهُ) خَبَرُ الْإِقْرَارِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي إقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةَ بَدَنِهِ.
(وَمَا كَانَ) مِنْ إقْرَارِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِشَيْءٍ (فِي رَقَبَتِهِ) كَإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ أَخْذَ رَقَبَتِهِ فِيهِ.
(فَلَا إقْرَارَ لَهُ) صَحِيحٌ يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْمُقِرِّ لَهُ، إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ الْمَحْضِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ.
(وَلَا قَطْعَ فِي) سَرِقَةِ (ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ) عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ أَصْل خِلْقَتِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ مَغْلُوقٌ، وَقِيلَ الْمَغْلُوقُ عَلَيْهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا قَطْعَ فِيهِ: أَوْ ثَمَرٌ مُعَلَّقٌ إلَّا بِغَلْقٍ فَقَوْلَانِ، وَهَذَا فِي الْمُعَلَّقِ فِي الْبَسَاتِينِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الثَّمَرِ فِي الدُّورِ أَوْ الْبُيُوتِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَارِقُهُ لِأَنَّهُ فِي حِرْزٍ.
وَقَوْلُنَا: مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قُطِعَ وَعُلِّقَ عَلَى الشَّجَرِ فَهَذَا لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَلَوْ بِغَلْقٍ، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ وَوُضِعَ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِوَضْعِهِ فِيهِ قِيلَ الْجَرِينُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَطْعُ مُطْلَقًا، عَدَمُ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا إنْ كُدِّسَ، وَيُقْطَعُ لِشَبَهِهِ بِمَا فِي الْجَرِينِ وَإِلَّا فَلَا لِشَبَهِهِ بِمَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّمَرَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: كَوْنُهُ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ وَعَلَيْهِ غَلْقٌ أَوْ لَا، أَوْ يَجُذُّ وَيُوضَعُ بِمَكَانٍ لِيُنْقَلَ مِنْهُ إلَى الْجَرِينِ أَوْ يُوضَعُ فِي الْجَرِينِ، فَفِي السَّرِقَةِ مِنْهَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ غَلْقٍ لَا قَطْعَ وَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيُغْلَقُ قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَتْ وَقَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْجَرِينِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ، وَأَمَّا سَرِقَتُهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْجَرِينِ فَالْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا يَأْتِي.
(وَلَا) قَطْعَ أَيْضًا (فِي الْجُمَّارِ) وَهُوَ الْقَلْبُ الْكَائِنُ (فِي النَّخْلِ) لِأَنَّهُ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ.
(وَلَا) قَطْعَ أَيْضًا (فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ) حَالَ رَعْيِهَا كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُعَدُّ حِرْزًا فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ جَالِسًا بِهِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا فِي حَالِ رَعْيِهَا تَكُونُ مُتَفَرِّقَةً غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِرَبِّهَا.
وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (حَتَّى تُسْرَقَ مِنْ مُرَاحِهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعِ مَقِيلِهَا وَمَوْضِعِ رُقَادِهَا عَقِبَ الرَّوَاحِ مِنْ الْمَرْعَى وَقَبْلَ الذَّهَابِ إلَى الرَّعْيِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ لَهَا وَهِيَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَاعٍ أَمْ لَا، وَمِثْلُ السَّرِقَةِ مِنْ الْمَرَاحِ السَّرِقَةُ مِنْهَا حَالَ سَيْرِهَا لِلْمَرْعَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً، وَلِذَلِكَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْإِبِلِ الْمَجْمُوعَةِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْجَامُوسِ فِي حَالِ سَيْرِهَا إلَى الْمَرْعَى، وَيُقْطَعُ السَّارِقُ لِشَيْءٍ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ إبَانَتِهِ عَنْ بَاقِيهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْإِبَانَةُ بَيِّنَةً، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ الْإِبَانَةِ سَرِقَةُ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ حُصُرِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ سُقُوطِهَا، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلَ خَلِيلٍ: أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ أَوْ بُسُطَهُ قَائِلًا: الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ إزَالَتِهَا عَنْ مَحَلِّهَا فَرَاجِعْهُ.
(وَكَذَلِكَ) لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ (الثَّمَرِ) حَتَّى يُسْرَقَ (مِنْ الْأَنْدَرِ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْجُرْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا جُمِعَ الْحَبُّ أَوْ التَّمْرُ فِي الْجَرِينِ وَغَابَ رَبُّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَمِنْ غَيْرِ حَارِسٍ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ (يَشْفَعَ لِمَنْ بَلَغَ) أَمْرُهُ (الْإِمَامَ) فِي عَدَمِ حَدِّهِ (فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا) بَلْ يَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا وَلَوْ تَابَا وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُمَا، لِأَنَّ الْحَدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ يَصِيرُ حَقًّا لِلَّهِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِي إسْقَاطِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ فِي مُوَطَّئِهِ: «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ طَارِقٌ