الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ.
وَدِيَةُ الْخَطَإِ خَمْسَةٌ عِشْرُونَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا.
وَإِنَّمَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الْأَبِ يَرْمِي ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ فَيَقْتُلُهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيلَ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا فِي الْمُثَلَّثَةِ فَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الدِّيَتَيْنِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي فِي كُلِّ إقْلِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْخَيْلُ وَالْبَقَرُ فَلَا نَصَّ، وَالظَّاهِرُ تَكْلِيفُهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرَتِهِمْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَدِيَةُ الْعَمْدِ، وَكَوْنُ دِيَةِ الْخَطَإِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا أَمْرٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ خِلَافَ ذَلِكَ، إذْ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ جِنَايَةَ أَحَدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]{وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَالْجَاعِلُ لَهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» وَالْجَاعِلُ لَهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا أَنَّهُ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «إنَّ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ» .
وَفِي الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه الْأَمْرُ الْمَجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ إبِلٌ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ وَرِقٌ وَلَا إبِلٌ، أَيْ فَدَفْعُهَا مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَاجِبٌ، وَلَعَلَّ هَذَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ.
وَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ قَالَ: (وَدِيَةُ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ (الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ) بِأَنْ حَصَلَ عَفْوٌ عَلَيْهَا أَوْ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِفَقْدِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً) وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ (وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ.
(وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ) وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِ سِنِينَ (وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) وَهِيَ بِنْتُ سَنَتَيْنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَرُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ فَهِيَ نَاقِصَةٌ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْوَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ تَغْلِيظًا عَلَى الْقَاتِلِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ لَا تُغَلَّظُ بِالتَّرْبِيعِ إلَّا عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَا تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ تُغَلَّظُ، وَصِفَةُ تَغْلِيظِهَا أَنْ تُقَوَّمَ دِيَةُ الْعَمْدِ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ وَحَالَةٌ، وَعَلَى أَنَّهَا مِنْ خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ وَمُؤَجَّلَةٌ، فَإِذَا قِيلَ: قِيمَةُ دِيَةِ الْخَطَإِ الْمُخَمَّسَةُ مِائَةٌ وَالْمُغَلَّظَةُ لِمُرَبَّعَةِ قِيمَتِهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَبِتِلْكَ النِّسْبَةِ يُزَادُ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ، فَيُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ مِثْلُ خُمُسِهَا.
الثَّانِي: إنَّمَا قَالَ إذَا قُبِلَتْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصَ أَوْ الْعَفْوَ مَجَّانًا، إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْجَانِي بِدَفْعِ الدِّيَةِ وَيَقْبَلَهَا الْمُسْتَحَقُّ لِدَمِ الْقَاتِلِ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا طَلَبَهَا وَامْتَنَعَ الْقَاتِلُ مِنْ دَفْعِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا خِلَافًا لِأَشْهَبَ.
[مِقْدَار الدِّيَة]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى دِيَةِ الْعَمْدِ شَرَعَ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ فَقَالَ: (وَدِيَةُ) الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (الْخَطَإِ) عَلَى الْقَاتِلِ الْبَادِي (خَمْسَةٌ) أَيْ تُؤْخَذُ مِنْ خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ.
(عِشْرُونَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْأَسْنَانِ فَيَجِبُ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ.
(وَ) يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ (عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَدِيَةُ الْخَطَإِ عَلَى الْبَادِئِ مُخَمَّسَةٌ بِنْتُ مَخَاضٍ وَوَلَدُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ، وَإِنَّمَا خُمِّسَتْ دِيَةُ الْخَطَإِ رِفْقًا بِمُؤَدِّيهَا، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ، وَأَقَرَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:«أَنَّ كُلَّ نَفْسِ آدَمِيٍّ مِائَةٌ» وَلَمَّا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مُخَمَّسَةٌ وَهِيَ دِيَةُ الْخَطَإِ، وَمُرَبَّعَةٌ وَهِيَ دِيَةُ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ وَكَانَ الْقَاتِلُ لَيْسَ أَصْلًا لِلْمَقْتُولِ، وَمُثَلَّثَةٌ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَا فَرْعَهُ وَإِنْ سَفَلَ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الْأَبِ) الْمُرَادُ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَا فَيَشْمَلُ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ.
(يَرْمِي ابْنَهُ) أَيْ فَرْعَهُ وَإِنْ سَفَلَ (بِحَدِيدَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا (فَيَقْتُلُهُ) مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِقَتْلِهِ.
(فَلَا يُقْتَلُ بِهِ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَلَكِنْ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ بِالتَّثْلِيثِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَثُلِّثَتْ فِي الْأَبِ وَلَوْ مَجُوسِيًّا فِي عَمْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ إزْهَاقَ رُوحِهِ بِفِعْلٍ لَيْسَ شَأْنَهُ الْقَتْلَ لَا إنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَكُونُ دِيَتُهُ مُخَمَّسَةً كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَلَا إنْ قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ شَيْئًا شَأْنُهُ الْقَتْلُ بِأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ
ذَلِكَ فِي مَالِهِ.
وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّينَ وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْمَجُوسِيُّ دِيَتُهُ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَدِيَةُ جِرَاحِهِمْ كَذَلِكَ.
وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
شَقَّ جَوْفَهُ وَإِلَّا قُتِلَ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ لَا يُقْتَلُ بِفَرْعِهِ إلَّا إذَا اعْتَرَفَ بِقَصْدِ قَتْلِهِ أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا شَأْنُهُ الْقَتْلُ بِأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهُ، وَبَيَّنَ صِفَةَ التَّثْلِيثِ بِقَوْلِهِ:(وَ) حَيْثُ قُلْنَا لَا يُقْتَلُ بِهِ (يَكُونُ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَصْلَ دُونَ عَاقِلَتِهِ لِوَارِثِ فَرْعِهِ الْمَقْتُولِ.
(ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْمِائَةِ، وَإِنَّمَا غَلَّظْنَا عَلَى الْأَبِ بِالتَّثْلِيثِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِفَرْعِهِ، لِأَنَّ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، لِأَنَّ تَعَمُّدَ الرَّمْيِ يُنَاسِبُهُ التَّغْلِيظُ، وَمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ يُنَاسِبُهُ إسْقَاطُ الْقَتْلِ كَالْخَطَإِ.
(وَقِيلَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي دِيَةِ الْفَرْعِ.
(عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْأَصْلِ وَهِيَ عَصَبَتُهُ وَلَوْ بِالْوَلَاءِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَقِيلَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ تَثْلِيثِهَا مَا فِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَا جُرْحُهُ حَتَّى مَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ: اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قَدِيدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا، فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ مَقْتُولِهِ شَيْءٌ» وَفِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ: دَعَا أُمَّ الْمَقْتُولِ وَأَخَاهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِمَّنْ قَتَلَ» .
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَغْلِيظِهَا بِالتَّثْلِيثِ عَلَى الْأَصْلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ مِنْ أَهْلِ النَّقْدِ وَفِي تَغْلِيظِهَا عَلَيْهِ خِلَافٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُثَلَّثَةِ فَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الدِّيَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّغْلِيظِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إلَّا هَذَا الْمِيزَانُ، فَتُقَوَّمُ الْمُثَلَّثَةُ حَالَةً وَالْمُخَمَّسَةُ عَلَى تَأْجِيلِهَا، وَيُؤْخَذُ مَا زَادَتْهُ الْمُثَلَّثَةُ عَلَى الْمُخَمَّسَةِ وَيُنْسَبُ إلَى الْمُخَمَّسَةِ، فَمَا بَلَغَ بِالنِّسْبَةِ يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا قِيلَ: الْمُخَمَّسَةُ عَلَى أَجَلِهَا تُسَاوِي مِائَةً وَالْمُثَلَّثَةُ عَلَى حُلُولِهَا تُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يَزْدَادُ عَلَى الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ مِثْلُ خُمُسِهَا، فَتَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَبَّعَةَ لَا تُغَلَّظُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ، لَا إنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَمْدِ مِنْ الْعَيْنِ فَلَا تُغَلَّظُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْجَانِي أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ الْاِثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِّ خَلِيلٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ بَلْ لَوْ فَعَلَهُ الْكَافِرُ بِابْنِهِ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لَغُلِّظَتْ عَلَى الْأَبِ الدِّيَةُ وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا، وَلَفْظُ خَلِيلٍ وَتُثَلَّثُ فِي الْأَبِ وَلَوْ مَجُوسِيًّا فِي عَمْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ) الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَتَكُونُ مُخَمَّسَةً فِي الْخَطَإِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ عَشَرَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، وَفِي الْعَمْدِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ، وَفِي الْمُغَلَّظَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَعِشْرُونَ خَلِفَةً، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ سِتَّةُ آلَافٍ دِرْهَمٍ.
(وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّينَ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ» وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
(وَنِسَاؤُهُمْ) فِي الدِّيَةِ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأُنْثَى كُلٍّ كَنِصْفِهِ، فَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ، وَهَكَذَا دِيَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ،
وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَجُوسِيُّ) وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ (دِيَتُهُ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَجُوسِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَجُوسُ وَالْمُرْتَدُّ ثُلُثُ خُمُسِ الدِّيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَثُلُثُ الْخُمُسِ مِنْ الذَّهَبِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ، وَمِنْ الْإِبِلِ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَا بَعِيرٍ، فَتَكُونُ دِيَةُ الْمُرْتَدَّةِ وَمِثْلُهَا الْمَجُوسِيَّةُ مِنْ الْوَرِقِ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ الذَّهَبِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ دِينَارًا وَثُلُثَ دِينَارٍ، وَمِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَ بَعِيرٍ، وَقَوْلُهُ:(وَدِيَةُ جِرَاحِهِمْ كَذَلِكَ) قَصَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى نِسَاءِ الْمَجُوسِ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ لِتَأَوُّلِهِمْ بِالْأَشْخَاصِ، وَمَعْنَى كَذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ جِرَاحِ الذَّكَرِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ مُسَاوَاةِ الْأُنْثَى لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَتُعَاقِلُ الرَّجُلَ الْمَرْأَةُ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ: أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تُسَاوِي الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا فِي دِيَةِ الْجِرَاحِ إلَى بُلُوغِ الثُّلُثِ، فَإِذَا