الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ.
وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَقِسْمٌ فِيهِ الْخِلَافُ هَلْ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ؟ وَهُوَ نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَكَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. أَوْ نِكَاحِ الْمَرِيضِ أَوْ الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ أَنَّ فَسْخَهُ بِطَلَاقٍ، بَلْ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ نَقْلًا عَنْ الْحَطَّابِ: إنَّ فَسْخَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَهُوَ طَلَاقٌ إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَمُحَرَّمٍ وَشِغَارٍ.
الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا كَخَلِيلٍ كَوْنَ الْفَسْخِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ لَا، وَبَيَّنَهُ الْأُجْهُورِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ: إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَى مَنْ نَكَحَتْ فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفَسْخِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، هَكَذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، وَلِي فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ مُجَرَّدَ فَسْخِهِ يَكُونُ طَلَاقًا وَلَوْ لَمْ يُلْفَظْ فِيهِ بِطَلَاقٍ، وَالطَّلَاقُ يَحُلُّ الْعِصْمَةَ فِي الصَّحِيحِ فَكَيْفَ بِالْفَاسِدِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَحُرِّرَ مُنَصَّفًا، وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى حُكْمٍ لِمَا عَرَفْت مِنْ فَسْخِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَوْ لُفِظَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ، وَمِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ صِحَّةُ الْعَقْدِ عَلَى مَنْ عُقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا فَاسِدًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ بِحُكْمٍ وَلَا طَلَاقٍ، لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ الزَّوْجِ وَفُرُوعِهِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بَيَّنَ مَا تَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ:(وَتَقَعُ بِهِ) أَيْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْفَسْخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ (الْحُرْمَةُ) أَيْ حُرْمَةُ الْمَنْكُوحَةِ عَلَى أُصُولِ الْعَاقِدِ وَعَلَى فُصُولِهِ، وَكَذَا حُرْمَةُ أُصُولِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا أَوْ فُصُولِهَا عَلَى الْعَاقِدِ الْمَذْكُورِ.
(كَمَا تَقَعُ) تِلْكَ الْحُرْمَةُ (بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ) وَالتَّشْبِيهُ فِي تَرْتِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلٍّ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّلَذُّذِ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَمِثْلُ الصَّحِيحِ الْفَاسِدُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ: وَالتَّحْرِيمُ بِعَقْدِهِ وَفِيهِ الْإِرْثُ إلَّا نِكَاحَ الْمَرِيضِ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُنْفِقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا إرْثَ كَخَامِسَةٍ وَحَرُمَ وَطْؤُهُ فَقَطْ أَيْ لَا الْعَقْدُ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْرِيمُ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ كَالصَّحِيحِ فِي حُصُولِ التَّحْرِيمِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فِيمَا يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ وَفِي التَّوَارُثِ بِهِ وَفِي تَوَقُّفِ فَسْخِهِ عَلَى طَلَاقٍ عَلَى مَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ لَا تَوَارُثَ بِعَقْدِهِ، وَلَا طَلَاقَ فِي فَسْخِهِ، وَلَا تَحْرِيمَ بِعَقْدِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِالتَّلَذُّذِ الْمُسْتَنَدِ إلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) كُلُّ مَا يَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِعَقْدِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ صَاحِبِ الْعَقْدِ بُلُوغُهُ بِخِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ فَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَكَوْنُ وَطْئِهِ يَدْرَأُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مُعْتَدَّةً أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ رَضَاعٍ مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الزَّوْجِ بِحُرْمَتِهَا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَدْرَأْ الْحَدَّ لَمْ يُنْشَرْ كَالتَّزْوِيجِ بِوَاحِدَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهَا، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَفْسُوخِ لِفَسَادِهِ بِالصَّحِيحِ فِي حُصُولِ التَّحْرِيمِ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي حِلِّ الْمَبْتُوتَةِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ بِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ الْمُسْتَنِدِ لِلْعَقْدِ الَّذِي فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى فَسَادِهِ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ (الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا) أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، وَأَمَّا لَوْ نُكِحَتْ الْمَبْتُوتَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَطَلُقَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ بِحَيْثُ ثَبَتَ النِّكَاحُ حَلَّتْ، وَأَمَّا لَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ أَوَّلِ وَطْئِهِ فَفِي حِلِّهَا تَرَدُّدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ وَطْءٌ أَوْ غَيْرُ وَطْءٍ، وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّحْلِيلِ احْتِيَاطًا فِي الْجَانِبَيْنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَبْتُوتَةُ حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ بِلَا مَنْعٍ وَلَا نُكْرَةَ فِيهِ بِانْتِشَارٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ إلَى أَنْ قَالَ: لَا بِفَاسِدٍ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَهُ بِوَطْءٍ ثَانٍ، وَفِي الْأَوَّلِ تَرَدُّدٌ (وَ) كَمَا لَا تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ بِالْفَاسِدِ (لَا يُحَصَّنُ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (الزَّوْجَانِ) لِأَنَّ التَّحْصِينَ كَالتَّحْلِيلِ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ الَّذِي حَلَّ وَطْؤُهُ مِنْ الْبَالِغِ وَبِانْتِشَارٍ مَعَ إبَاحَةِ الْوَطْءِ.
(تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَفْسُدُ مِنْ الْأَنْكِحَةِ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الْعَقْدِ، وَسَكَتَ عَمَّا يَفْسُدُ لِذِكْرِ بَعْضِ شُرُوطِهِ، قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: إنَّمَا سَكَتَ عَمَّا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِمَا فِي الشُّرُوطِ مِنْ التَّفْصِيلِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ كَشَرْطِ الْإِنْفَاقِ أَوْ الْمَبِيتِ فَهَذَا اشْتِرَاطُهُ وَعَدَمُهُ سِيَّانِ، أَيْ لَا يُوقِعُ فِي الْعَقْدِ خَلَلًا وَلَا يُكْرَهُ اشْتِرَاطُهُ وَيُحْكَمُ بِهِ ذُكِرَ أَوْ تُرِكَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: عَكْسُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُنَاقِضًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُنْفِقَ، وَهَذَا النَّوْعُ يُمْنَعُ اشْتِرَاطُهُ وَيُؤَدِّي إلَى الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ، فَيُفْسَخُ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيُلْغَى.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَنْفِيهِ وَلَا يَقْتَضِيه، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا، وَهَذَا يُكْرَهُ اشْتِرَاطُهُ، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِاشْتِرَاطِهِ وَلَا يُفْسَخُ لِأَجْلِهِ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، رَاجِعْ التَّحْقِيقَ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ
[الْمُحْرِمَات فِي النِّكَاح]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ نِكَاحُهُ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى عَلَى مُرِيدِ النِّكَاحِ مِنْ الرِّجَالِ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: (سَبْعًا مِنْ النِّسَاءِ بِالْقَرَابَةِ) حَرَّمَ عَلَيْهِ أَيْضًا (سَبْعًا) بَعْضُهُنَّ
وَالصِّهْرِ فَقَالَ عز وجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فَهَؤُلَاءِ مِنْ الْقَرَابَةِ.
وَاَللَّوَاتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بِالرَّضَاعِ وَ) بَعْضُهُنَّ تَحْرِيمُهُ بِسَبَبِ (الصِّهْرِ) وَهُنَّ قَرَابَاتُ الزَّوْجَةِ وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ كَمَا يَأْتِي، فَعُلِمَ مِنْ تَقْدِيرِنَا لَفْظَ بَعْضٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ السَّبْعَ مِنْ مَجْمُوعِ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ، فَلَا تَفْهَمْ أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعٌ بِالرَّضَاعِ وَسَبْعٌ بِالصِّهَارَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالرَّضَاعِ اثْنَتَانِ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَبَقِيَّةُ السَّبْعِ حَرَّمَهَا اللَّهُ بِالصِّهْرِ، وَقَوْلُنَا: حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَهُنَّ سَبْعٌ، لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي الْمُحَرَّمِ بِالسُّنَّةِ، وَمَا هُنَا فِي الْمُحَرَّمِ بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُنَّ سَبْعٌ بَعْضُهُنَّ بِالرَّضَاعِ وَبَعْضُهُنَّ بِالصِّهْرِ، وَالصِّهْرُ وَاحِدُ الْأَصْهَارِ وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ الصِّهْرَ مِنْ الْأَحْمَاءِ وَالْأَخْتَانِ جَمِيعًا، يُقَالُ: صَاهَرْت فِيهِمْ إذَا تَزَوَّجْت مِنْهُمْ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ فِي الْجَلَالَيْنِ: الصِّهْرُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى طَلَبًا لِلتَّنَاسُلِ، وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: الْمُحَرَّمُ بِالصِّهْرِ أَرْبَعٌ: زَوْجَةُ الِابْنِ وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَأُمُّ الزَّوْجَةِ وَابْنَتُهَا، وَيُمْكِنُ ضَابِطُهُ بِأَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْك بِسَبَبِ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ حَرُمَ عَلَيْك بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك عَلَيْهِ أَوْ عَقْدِ فَرْعِك، وَهَذَا شَامِلٌ لِلْأَرْبَعِ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَبَسِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الضَّابِطِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّمِ بِالصِّهْرِ وَفِيهِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ السُّنَّةُ جَعَلَتْ الْمُحَرَّمَ بِالْجَمْعِ مُلْحَقًا بِالْمُحَرَّمِ بِالصِّهْرِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى السَّبْعِ اللَّاتِي مِنْ الْقَرَابَاتِ بِقَوْلِهِ: (فَقَالَ عز وجل حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) مُعَاشِرَ الرِّجَالِ (أُمَّهَاتُكُمْ) وَهِيَ مَنْ لَهَا عَلَيْك يَا مُرِيدَ النِّكَاحِ وِلَادَةٌ وَلَوْ بِوَسَائِطَ لِتَشْمَلَ الْجَدَّاتِ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيَحْرُمُ عَلَيْك نِكَاحُ الْجَمِيعِ (وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (بَنَاتُكُمْ) جَمْعُ بِنْتٍ وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى لَك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ تَخَلَّقَتْ مِنْ مَائِك الْفَاسِدِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَلَوْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَيَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ أَصْلِك عَلَيْك حُرْمَتُك عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَتَحْرُمُ عَلَى أُمِّك كَمَا تَحْرُمُ هِيَ عَلَيْك وَهَكَذَا (وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (أَخَوَاتُكُمْ) جَمْعُ أُخْتٍ وَهِيَ كُلُّ مَنْ لِأَبِيك أَوْ أُمِّك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الْأَخَوَاتُ مَنْ اجْتَمَعْت مَعَهُنَّ فِي صُلْبٍ وَرَحِمٍ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا.
(وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (عَمَّاتُكُمْ) جَمْعُ عَمَّةٍ وَهِيَ كُلُّ مَنْ اجْتَمَعَ مَعَ أَبِيك فِي صُلْبٍ وَرَحِمٍ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا (وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (خَالَاتُكُمْ) جَمْعُ خَالَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّك فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ.
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَكَذَلِكَ عَمَّةُ الْأَبِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ الْأُمِّ وَخَالَتُهَا، وَكَذَلِكَ عَمَّةُ الْعَمَّةِ، وَأَمَّا خَالَةُ الْعَمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ أُخْتَ أَبٍ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلَا تَحِلُّ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْجَدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ إنَّمَا هِيَ أُخْتُ أَبٍ لِأَبٍ فَقَطْ فَخَالَتُهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ بَنِي أَخِيهَا فَتَحِلُّ لَهُ، وَكَذَلِكَ عَمَّةُ الْخَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ أُخْتَ أُمٍّ لِأَبٍ فَعَمَّتُهَا حَرَامٌ لِأَنَّهَا أُخْتُ جَدٍّ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ أُخْتَ الْأُمِّ لِأُمٍّ فَقَطْ فَعَمَّتُهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ بَنِي أَخِيهَا، وَضَابِطُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ يَرْجِعُ نَسَبُك إلَيْهِ بِالْوِلَادَةِ فَأُخْتُهُ عَمَّتُك، وَكُلَّ أُنْثَى يَرْجِعُ نَسَبُك إلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ فَأُخْتُهَا خَالَتُك، ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ (وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (بَنَاتُ الْأَخِ) وَبِنْتُ الْأَخِ كُلُّ أُنْثَى لِأَخِيك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَإِنْ سَفَلَتْ، كَانَ الْأَخُ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (بَنَاتُ الْأُخْتِ) وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى لِأُخْتِك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَإِنْ سَفَلَتْ، كَانَتْ الْأُخْتُ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (فَهَؤُلَاءِ) السَّبْعُ اللَّوَاتِي يَحْرُمْنَ (مِنْ الْقَرَابَةِ) وَأَشَارَ إلَيْهِنَّ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَحَرُمَ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَلَوْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ، وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ غَيْرِ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَالْأُصُولُ الْأُمَّهَاتُ وَالْجَدَّاتُ فَيَحْرُمْنَ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالْفُصُولُ الْأَوْلَادُ فَيَحْرُمْنَ وَإِنْ سَفُلْنَ، وَفُصُولُ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُنَّ فَيَحْرُمْنَ وَإِنْ سَفُلْنَ، وَالْأَصْلُ غَيْرُ الْأَوَّلِ الْجَدُّ، وَفُرُوعُهُ عَمَّاتٌ وَخَالَاتٌ وَبَنَاتُهُنَّ غَيْرُ مُحَرَّمَاتٍ، وَالْحَرَامُ فَصْلُ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَتَجُوزُ بِنْتُ الْعَمَّةِ وَبِنْتُ الْخَالَةِ
(وَ) السَّبْعُ (اللَّوَاتِي) يَحْرُمْنَ (مِنْ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ) يَجْمَعُهَا قَوْله تَعَالَى: وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ صَغِيرَةً لَا يُولَدُ لَهَا، أَوْ كَانَتْ مَيِّتَةً حَيْثُ كَانَ فِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَوْ كَانَتْ الذَّاتُ الْمُرْضِعَةُ خُنْثَى مُشْكِلًا كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، (وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (أَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) كَانَ رَضْعُكُمْ مُصَاحِبًا لِرَضْعِهِنَّ أَوْ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، لِأَنَّ الَّذِي يَرْضِعُ مِنْ امْرَأَةٍ يُقَدَّرُ كَأَنَّهُ نَزَلَ مِنْ بَطْنِهَا، فَجَمِيعُ أَوْلَادِهَا إخْوَةٌ لَهُ، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَلَمْ يُنَصَّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ إلَّا عَلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَبِوَاقِي السَّبْعِ
الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ {بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23]{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]
ــ
[الفواكه الدواني]
بِالصِّهْرِ، وَأَشَارَ إلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ:(وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا عَلَى زَوْجَتِك وِلَادَةٌ أَوْ رَضَاعٌ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، فَيَشْمَلُ جَدَّةَ الزَّوْجَةِ وَإِنْ عَلَتْ سَوَاءٌ جَدَّتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَالْمُرَادُ زَوْجَتُك مَنْ عَقَدْت عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَلَذُّذٌ بِهَا، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَسَوَاءٌ عُقِدَ لَهُ عَلَيْهَا فِي حَالِ بُلُوغِهِ أَوْ صِبَاهُ (وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (رَبَائِبُكُمْ) وَهِيَ بَنَاتُ الزَّوْجَةِ (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ) وَوَصْفُ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي الْحُجُورِ طَرْدِيٌّ أَوْ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، بِخِلَافِ وَصْفِ الْأُمَّهَاتِ بِقَوْلِهِ:(اللَّاتِي دَخَلْتُمْ) أَيْ تَلَذَّذْتُمْ (بِهِنَّ) لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ غَيْرُ مُحَرِّمٍ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ مِنْ أَنَّ التَّلَذُّذَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَالْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى حُرِّمَ: وَبِتَلَذُّذِهِ وَإِنْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَوْ بِنَظَرٍ فُصُولُهَا.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تُشْتَهَى، أَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ يَصِفُ حَيْثُ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَأَمَّا لَوْ انْضَمَّ لِلنَّظَرِ فِعْلٌ كَلَمْسٍ فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ وَلَوْ لِلْوَجْهِ أَوْ الْكَفَّيْنِ حَيْثُ وُجِدَتْ اللَّذَّةُ لَا إنْ لَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ قُصِدَتْ فَلَا تَحْرُمُ، كَمَا لَا يَحْرُمُ الِالْتِذَاذُ بِالْكَلَامِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ قُوَّةُ الِالْتِذَاذِ بِالنَّظَرِ دُونَ الْكَلَامِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ دَخَلْتُمْ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) أَيْ بِنِسَائِكُمْ بَلْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا (فَلَا جُنَاحَ) أَيْ لَا حَرَجَ (عَلَيْكُمْ) فِي نِكَاحِ بَنَاتِهِنَّ لِمَا عَرَفْته مِنْ أَنَّ الْبَنَاتِ إنَّمَا تُحَرَّمُ بِالتَّلَذُّذِ بِالْأُمَّهَاتِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى التَّلَذُّذُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاءٍ بِالزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِهَذَا وَمَا قَبْلَهُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ فُقَهَائِنَا وَهِيَ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِالْأُمَّهَاتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمْ يُحَرِّمُ بَنَاتِهِنَّ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ قُوَّةُ مَحَبَّةِ الْأُمِّ لِلْبِنْتِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَالْأُمُّ أَشَدُّ بِرًّا بِالْبِنْتِ دُونَ الْعَكْسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِهِ مُحَرِّمًا بِنْتَهَا.
(وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (حَلَائِلُ) جَمْعُ حَلِيلَةٍ وَهُنَّ زَوْجَاتُ (أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) وَالْمُرَادُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ الْأَبْنَاءُ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ لَهُ صَغِيرًا جِدًّا وَالْمُرَادُ الْفَرْعُ وَإِنْ سَفُلَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَصْلَابِكُمْ مِنْ الِابْنِ بِالتَّبَنِّي، فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْك حَلِيلَتُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَقَدْ «تَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّاهُ حَتَّى كَانَ يُدْعَى زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ» ، حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا صلى الله عليه وسلم قَالُوا: تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَلِيلَةَ ابْنِهِ وَكَانَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ:{لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] الْآيَةَ، تَكْذِيبًا لَهُمْ وَتَصْرِيحًا بِالْجَوَازِ (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: جَعَلْنَا مُحْتَرِزَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ابْنَ التَّبَنِّي فَقَطْ، لِأَنَّ الِابْنَ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ ابْنِ الصُّلْبِ فِي حُرْمَةِ حَلِيلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرْمَةُ حَلِيلَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ مُسْتَنِدَةً لِلْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ ابْنَ الرَّضَاعِ يُقَدَّرُ كَأَنَّهُ مِنْ ظَهْرِ الرَّجُلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ، وَمِنْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، فَلَا يَحِلُّ لِأَبِيهِ فَرْعُهُ وَإِنْ سَفُلَ، وَلَا يَحْرُمُ لَهُ هُوَ أَخْذُ أُمِّ أَوْ جَدَّةِ أَبِيهِ، وَلَا أَوْلَادِ أَبِيهِ، وَلَا أَوْلَادِ أُمِّهِ وَإِنْ سَفُلْنَ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ وَأَوْلَادُ أَخَوَاتٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّرَ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَلِصَاحِبِهِ مِنْ وَطْئِهِ لِانْقِطَاعِهِ وَإِنْ بَعْدَ سِنِينَ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ أَنَّ جِوَارِي الْأَبْنَاءِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْآبَاءِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهِنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يَشْتَرِطُ فِي الْمَعْقُودِ لَهُ الْبُلُوغَ، بِخِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُتَلَذِّذِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَالِكٍ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ مُقَدَّمَاتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ فِيهِ الشَّكُّ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ الْأَبُ نَكَحْتهَا أَوْ وَطِئْت أُمَّهُ عِنْدَ قَصْدِ الِابْنِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ، وَفِي وُجُوبِهِ إنْ فَشَا تَأْوِيلَانِ، وَفِي الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: مَنْ مَلَكَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَطِئَهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَحِلُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ فِي الْعَلِيِّ وَقَالَ: يُنْدَبُ فِي مَا لَوْ خَشِيَ أَنْ لَا يُصِيبَ وَلَا تَحْرُمَ، وَكَذَا إنْ بَاعَهَا الْأَبُ لِابْنِهِ وَالِابْنُ لِأَبِيهِ ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ.
الثَّالِثُ: الْوَطْءُ الْمُسْتَنِدُ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالْوَطْءِ الْمُسْتَنِدِ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَيَحْرُمُ وَطْؤُهُ، وَمَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهُ إلَّا إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
الرَّابِعُ: قَدْ قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِي التَّحْرِيمِ بِالْعَقْدِ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بِالْإِكْرَاهِ فَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: الَّذِي
وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ.
وَنَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَعَلَى عَدَمِ الْحَدِّ يُحَرِّمُ، وَعَلَى الْحَدِّ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الزِّنَا
(وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (أَنْ تَجْمَعُوا) أَيْ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ (بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ فَقَطْ، أَوْ وَاحِدَةٍ لِلْوَطْءِ وَالْأُخْرَى لِلْخِدْمَةِ، أَوْ وَاحِدَةٍ بِالنِّكَاحِ وَالْأُخْرَى لِلْخِدْمَةِ فَلَا حَرَجَ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْوَطْءِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: فَمَنْ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُمَّ أَرَادَ التَّلَذُّذَ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا وَيَمْتَنِعَ مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْأُخْرَى، وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ تَلَذُّذِهِ بِمَنْ أَرَادَ التَّلَذُّذَ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْأُخْرَى بِمَا سَبَقَ، أَيْ مِنْ زَوَالِ مِلْكٍ أَوْ عِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ.
(إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) أَيْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَسَخَهُ الْإِسْلَامُ فَلَا يُؤَاخَذُ فَاعِلُهُ بِهِ لِأَنَّهُ يُغْفَرُ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى: لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ لَا إثْمَ فِيهِ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعِ اللَّاتِي يُحَرِّمْنَ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ هِيَ السَّادِسَةُ، وَأَشَارَ إلَى تَمَامِ السَّبْعِ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ} [النساء: 22] أَيْ عَقَدَ عَلَيْهِ {آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى فَرْعِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ سَفُلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ عَقَدَ عَلَيْهِ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَصْلِ تَلَذُّذٌ بِهِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالصِّهَارَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَلَذُّذٍ بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، إلَّا فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ بِسَبَبِ نِكَاحِ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّلَذُّذِ بِأُمِّهَا، وَحُرْمَةُ حَلِيلَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ وَلَوْ كَانَ عَقَدَ الْأَبُ عَلَيْهَا فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَقَيَّدْنَا الْفَاسِدَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يُحَرِّمُ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، وَمِثْلُ حَلِيلَةِ الْأَصْلِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى فَرْعِهِ وَإِنْ سَفُلَ مَوْطُوءَتُهُ بِالْمِلْكِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا الْأَصْلُ وَلَوْ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَسْمِيَتِهَا حَلِيلَةً قَبْلَ التَّلَذُّذِ، وَلَكِنْ تُقَيَّدُ الْحُرْمَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ تَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الزَّوْجِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَأَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ فَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِ الْمُتَلَذِّذِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَتْمِيمُ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ:{إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَالْمُتَقَدِّمِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لِأَنَّ نِكَاحَ حَلِيلَةِ الْأَبِ لَمْ تَسْبِقْ بِهِ شَرِيعَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَدُ يَعْقِدُ عَلَى حَلِيلَةِ أَبِيهِ جَهْلًا، خِلَافَ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ شَرِيعَةَ قَوْمٍ وَنَسَخَهُ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ.
قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَلَنَا فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّهُ، لِأَنَّ مَا كَانَ شَرِيعَةً لِقَوْمٍ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ حَتَّى يُقَالَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَنْ يُعَلِّلُ غُفْرَانَ حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِجَبِّ الْإِسْلَامِ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ شَرِيعَةً وَتَأَمَّلْهُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بَيَانُ عِدَّةِ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا السَّبْعُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالرَّضَاعِ مِنْهُنَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ فَقَطْ، وَالْخَمْسُ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ: بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَأُمُّهَا وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ، وَعَدَّ مِنْهُنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا، مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَةَ بِالصِّهْرِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك أَوْ فَرْعِك عَلَيْهَا، أَوْ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهَا كَأُمِّ الزَّوْجَةِ، وَأُمِّ الْمُحَرَّمَةِ بِالْجَمْعِ فَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا الضَّابِطُ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ أَلْحَقَتْهَا بِالْمُحَرَّمَةِ بِالصِّهْرِ وَمَضَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ غَلَّبَ الْمُحَرَّمَ بِالصِّهْرِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالْجَمْعِ، فَأُطْلِقَ عَلَى مَا عَدَا الْمُحَرَّمِ بِالنَّسَبِ وَالْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالصِّهْرِ، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَمْرٍو لِمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ آيَةِ:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] عَدَمُ حُرْمَةِ غَيْرِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالرَّضَاعِ سَبْعٌ عَلَى عَدَدِ الْمُحَرَّمِ بِالنَّسَبِ قَالَ:(وَحَرَّمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى (السَّلَامِ) مِنْ النِّسَاءِ (بِالرَّضَاعِ) مِثْلَ (مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) وَهُنَّ السَّبْعُ اللَّاتِي فِي الْآيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى آخِرِهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» .
فَكَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأُمُّك رَضَاعًا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ رَضَعَتْ عَلَى زَوْجَتِك بِابْنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَأَخَوَاتُك كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ وُلِدَ لِفَحْلِهَا، فَإِنْ جَاءَ مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ لَك مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ أُمِّك مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيك، وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ، وَأَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ، وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الْأَخَوَاتُ، وَكُلُّ هَذَا دَخَلَ تَحْتَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، نَعَمْ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْحَدِيثِ بَعْضَ إنَاثٍ تَحْرُمُ
فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ دُونَ أَنْ تُمَسَّ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ.
وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَطْءَ
ــ
[الفواكه الدواني]
مِنْ النَّسَبِ وَلَا تَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ، الْأُولَى: أُمُّ أَخِيك أَوْ أُخْتُك.
الثَّانِيَةُ: أُمُّ وَلَدِ وَلَدِك.
الثَّالِثَةُ: جَدَّةُ وَلَدِك.
الرَّابِعَةُ: أُخْتُ وَلَدِك.
الْخَامِسَةُ: أُمُّ عَمِّك وَعَمَّتِك.
وَالسَّادِسَةُ: أُمُّ خَالِك وَخَالَتِك، وَأَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إلَّا أُمَّ أَخِيك أَوْ أُخْتِك، وَأُمَّ وَلَدِ وَلَدِك، وَجَدَّةَ وَلَدِك، وَأُخْتَ وَلَدِك، وَأُمَّ عَمِّك وَعَمَّتِك، وَأُمَّ خَالِك وَخَالَتِك، فَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْ وَيَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ وَفَّى كَلَامَهُ لِلتَّحْقِيقِ
وَلَمَّا كَانَ الْمُحَرَّمُ بِالْجَمْعِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مُخْتَصًّا بِالْأُخْتَيْنِ وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِالْأُخْتَيْنِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالسُّنَّةِ: (وَنَهَى) عليه الصلاة والسلام عَنْ (أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ) عَلَى (خَالَتِهَا) أَوْ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا أَوْ أُخْتِهَا وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ:«لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ بِقَوْلِهِ: وَجَمْعُ خَمْسٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا حَرُمَ أَيْ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَهَذَا الضَّابِطُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ بِالْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ أَوْ الصِّهَارَةِ، فَلَا يَرِدُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَمَتِهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا لَوْ قُدِّرَتْ كُلٌّ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأُخْرَى، لِأَنَّ الشَّخْصَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ عَمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَبِنْتُ أَخِيهَا لَوْ قُدِّرَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ أَخِيهِ، وَلَوْ قُدِّرَتْ بِنْتُ الْأَخِ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ عَمَّتِهِ، وَضَابِطُ خَلِيلٍ رُبَّمَا يَشْمَلُ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ، وَمِثَالُ الْعَمَّتَيْنِ يُوجَدُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ، وَالْخَالَتَيْنِ يُتَصَوَّرُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ يُتَصَوَّرُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا أُمَّ الْآخَرِ، وَالْآخَرُ بِنْتَ الْآخَرِ اُنْظُرْ التَّتَّائِيُّ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَحُكْمُهُ الْفَسْخُ وَلَوْ حَصَلَ دُخُولٌ بِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ وَلَا مَهْرٍ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَأَمَّا إنْ تَرَتَّبَتَا فِي الْعَقْدِ فَإِنْ عُلِمَتْ الْأُولَى فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَمِثْلُ الْعِلْمِ لَوْ صُدِّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيُفْسَحُ نِكَاحُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَكِنْ بِطَلَاقٍ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ الْعِلْمَ بِأَوَّلِيَّةِ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ صُدِّقَتْ وَإِلَّا حَلَفَ لِلْمَهْرِ بِلَا طَلَاقٍ كَأُمٍّ وَابْنَتِهَا بِعَقْدٍ.
الثَّانِي: الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ كَالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَتَحْرُمُ أُصُولُ الْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ وَفُرُوعُهَا عَلَى وَاطِئِهَا، وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أُصُولِ الْوَاطِئِ وَفُرُوعِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى وَاطِئِهَا الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فِي الْوَطْءِ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ التَّلَذُّذُ، فَلَوْ تَلَذَّذَ بِأَمَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ فَرْجَ الْأُولَى حَيْثُ أَرَادَ اتِّخَاذَهَا لِلْوَطْءِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَلَّتْ الْأُخْتُ بِبَيْنُونَةِ السَّابِقَةِ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ بِعِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ نِكَاحٍ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى أُصُولِهِ وَفُصُولِهِ بِالصِّهَارَةِ أَعَادَهَا لَيُبَيِّنَ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ:(فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا (حُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ) وَلَوْ فَسَدَ إنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ (دُونَ أَنْ تُمَسَّ عَلَى آبَائِهِ) أَيْ أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا (وَ) حُرِّمَتْ أَيْضًا عَلَى (أَبْنَائِهِ) أَيْ فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفُلُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22](وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (أُمَّهَاتُهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ مُحَرِّمٌ الْأُمَّهَاتِ (وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا) أَيْ فُرُوعُهَا (حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا بِنِكَاحٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ (أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ) وَلَوْ كَانَ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ لِبَاطِنِ الْجَسَدِ.
قَالَ خَلِيلٌ: بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَأُصُولِ زَوْجَتِهِ وَبِتَلَذُّذِهِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَوْ بِنَظَرِ فُصُولِهَا، وَهَذَا إشَارَةٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَطْرُوقَةِ وَهِيَ الْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَالتَّلَذُّذُ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مَا يَشْمَلُ الْفَاسِدَ إنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى فَسَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
وَلَمَّا كَانَتْ شُبْهَةُ النِّكَاحِ كَالنِّكَاحِ قَالَ: (أَوْ بِشُبْهَةٍ مِنْ نِكَاحٍ) عَطْفٌ عَلَى بِنِكَاحٍ أَيْ إنْ تَلَذَّذَ الشَّخْصُ بِالْمَرْأَةِ بِسَبَبِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِأُصُولِ الْمُتَلَذِّذِ بِهَا وَفُرُوعِهَا عَلَى الْمُتَلَذِّذِ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ يَتَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَكِنْ يَدْرَأُ الْحَدَّ، كَأَنْ يَتَزَوَّجَ بِمُعْتَدَّةٍ أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ غَيْرَ عَالِمٍ وَيَتَلَذَّذَ بِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ وَأَصْلُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ الْعَقْدُ وَإِنْ فَسَدَ إنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَوَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، فَلَا عِبْرَةَ بِعَقْدِ الْمُكْرَهِ وَلَا عَقْدِ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ وَوَلِيِّ الصَّبِيِّ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ الْمُقَدِّمَاتُ وَقَدْ قُدِّمَتْ
الْكَوَافِرِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ وَيَحِلُّ وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ إمَائِهِنَّ بِالنِّكَاحِ لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ.
وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا، وَلَا الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَلَا أَمَةَ وَلَدِهِ وَلَهُ أَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْإِشَارَةَ إلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ التَّلَذُّذُ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ:(أَوْ) يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشُبْهَةِ (مِلْكٍ) كَأَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً وَيَتَلَذَّذَ مِنْهَا وَلَوْ بِقِبْلَةٍ ثُمَّ تُسْتَحَقَّ أَوْ يَظْهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَيَرُدَّهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ أُصُولُهَا وَلَا فُرُوعُهَا، كَحُرْمَةِ أُصُولِ وَفُرُوعِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِتَلَذُّذِهِ بِهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ التَّلَذُّذِ وَالنِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهُ بِهَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ أُصُولُهَا وَلَا فُرُوعُهَا، بَلْ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا الَّتِي لَمْ تَتَخَلَّقُ مِنْ مَائِهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى يَجُوزُ لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ نِكَاحُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا نِكَاحُهَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ.
قَالَ سَحْنُونٌ؟ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ رَوَى فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفَارَقَةِ هَلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ؟ قَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ: وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي الْمُعْتَمَدِ هَلْ هُوَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؟ وَاخْتَصَرَ الْبَرَادِعِيُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ عَنْ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَمَاعَةٌ إلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَوُجُوبِ التَّعْوِيلِ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ الْأَصْحَابِ خَلَا ابْنَ الْقَاسِمِ، فَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُوَافِقِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَلَوْ ثَبَتَ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ عَدَمُ نِسْبَةِ التَّحْرِيمِ بِالزِّنَا مَعَ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ؟ مَعَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ لَا يُنْسَبُ إلَى قَائِلِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ رَاجِحًا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصْحَابَهُ أَخَذَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَصَارَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَسْتَنْبِطُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مِنْ قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ فِيهَا نَصٌّ، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَصْحَابِهِ وَتُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِهِ كَغَالِبِ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالدِّينِ بِقَوْلِهِ: (وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى الْمُسْلِمِ (وَطْءَ الْكَوَافِرِ) جَمْعُ كَافِرَةٍ (مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) كَالْمَجُوسِيَّاتِ وَالصَّابِئَاتِ وَعَابِدَاتِ الْأَوْثَانِ وَنَحْوِهِنَّ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالنَّهْيُ عَامٌّ فِي الْوَطْءِ (بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ) وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ سَائِرُ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ:(وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (وَطْءُ) الْإِمَاءِ (الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3](وَيَحِلُّ لَنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) لِلْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَنَا وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ لَنَا وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ وَلَوْ يَهُودِيَّةً تَنَصَّرَتْ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا الْمَجُوسِيَّةُ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا تُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ.
قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5] إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ فِي آيَةِ:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] غَيْرُ الْكِتَابِيَّاتِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَمَّا تَشَرَّفَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِتَمَسُّكِهِمْ بِالْكِتَابِ وَأَضَافَهُمْ الْبَارِي سبحانه وتعالى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64] أُبِيحَتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَحَلَّ لَنَا طَعَامُهُمْ أَيْ ذَبَائِحُهُمْ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِيَحِلُّ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلِّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَمَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ لِأَنَّهَا قَوْلُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَالْكَافِرَةُ إلَّا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ بِكُرْهٍ وَتَأَكَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ نِكَاحُهَا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهَا، وَأَيْضًا رُبَّمَا تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْوَلَدُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِهَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَظِنَّةُ الْمَوَدَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الْمِلْكِ فِي الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَحِلُّ) لَنَا (وَطْءُ إمَائِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ) وَالْمُرَادُ بِإِمَائِهِنَّ الْكَائِنَاتُ عَلَى دِينِهِنَّ، فَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ، وَحُرْمَةُ نِكَاحِ
يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ وَأَمَةَ أُمِّهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ وَتَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجَةِ أَبِيهَا مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَلَوْ عَجَزَ عَنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ، لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ لِمَنْ عَدِمَ صَدَاقَ الْحُرَّةِ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ مَشْرُوطٌ بِإِسْلَامِ الْأَمَةِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ وَلَدُهَا رَقِيقٌ، فَيَلْزَمُ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمِ لَهَا اسْتِرْقَاقُ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَبَاهُ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَوْ تَزَنْدَقَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ بِأَنْ أَظْهَرَتْ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ وَأَخْفَتْ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَا وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ إنْ كَانَتْ أَمَةً، بِخِلَافِ لَوْ أَظْهَرَتْ النَّصْرَانِيَّةَ وَأَخْفَتْ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ عَكْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ.
الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْحُرَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ، وَالْحُكْمُ فَسْخُ النِّكَاحِ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ أَوْ أَسْلَمَتْ، وَيُرْجَمُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوْ تَعَمَّدَ الْمُسْلِمُ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِمَجُوسِيٍّ أَوْ بِكَافِرٍ غَيْرِهِ لَمْ يَحُدَّا وَإِنْ تَعَمَّدَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يُحَدُّ فِي تَزَوُّجِهِ بِالْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالْمَجُوسِيِّ لَا حَدَّ عَلَيْهَا، أَنَّ إسْنَادَ النِّكَاحِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَإِسْنَادَهُ إلَى الْمَرْأَةِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ أَوْ الْحَقِيقَةِ الضَّعِيفَةِ، وَانْظُرْ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ لَا حَدَّ لِحِلِّ وَطْءِ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ الْمَجُوسِيَّةِ، وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ، فَتَلَخَّصَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَوَافِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَنْ لَا تَحِلُّ حَرَائِرُهُنَّ وَلَا إمَاؤُهُنَّ وَهُنَّ غَيْرُ الْكِتَابِيَّاتِ، وَمَنْ يَحِلُّ حَرَائِرُهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَإِمَاؤُهُنَّ بِالْمِلْكِ وَهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ
(وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا) لِأَنَّهُ كَعَبْدِهَا وَالْمِلْكُ يُنَافِي الزَّوْجِيَّةَ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُطَالِبُ الزَّوْجَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَخِدْمَةِ الرِّقِّ، وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِنَفَقَةِ الرِّقِّ وَخِدْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ؟ وَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ ابْنَ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَلَ، وَيَشْمَلُ الْأُنْثَى أَيْضًا.
(تَنْبِيهٌ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُرْمَةِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا وَجَوَازِ تَمْكِينِهَا لَهُ مِنْ نَظَرِهِ شَعْرَهَا الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلِعَبْدٍ بِلَا شِرْكٍ وَمُكَاتَبٍ وَغْدَيْنِ نَظَرُ شَعْرِ السَّيِّدَةِ كَخَصِيٍّ وَغْدٍ لِزَوْجٍ، وَأُلْحِقَ بِشَعْرِهَا بَقِيَّةُ أَطْرَافِهَا الَّتِي يَنْظُرُ إلَيْهِ مَحْرَمُهَا، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ مَيْلِ النُّفُوسِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ نَظَرِ عَبْدِ زَوْجِهَا لِأَطْرَافِهَا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ خَصِيًّا وَوَغْدًا أَيْ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ، لَا إنْ كَانَ فَحْلًا أَوْ حَسَنَ الْمَنْظَرِ.
(وَلَا) يَحِلُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ (الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَلَا أَمَةَ وَلَدِهِ) قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَحْرَمِ وَمِلْكِهِ: أَوْ لِوَلَدِهِ وَفُسِخَ وَإِنْ طَرَأَ بِلَا طَلَاقٍ كَمَرْأَةٍ فِي زَوْجِهَا وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ لِيُعْتَقَ عَنْهَا، وَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ بِمِلْكِهِ بَيْنَ الْمِلْكِ الْكَامِلِ وَالْبَعْضِ، وَلَا بَيْنَ الْقَبَّةِ الْمَحْضَةِ وَذَاتِ الشَّائِبَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ، فَهُوَ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِكِ، وَلَا فَرْقَ فِي الرَّجُلِ بَيْنَ كَوْنِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ أَمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَمَةِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَلَا يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ، فَإِنْ وَقَعَ هَذَا الْمَمْنُوعُ بِأَنْ تَزَوَّجَ الْمَالِكُ أَمَتَهُ أَوْ أَمَةَ فَرْعِهِ أَوْ تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ مَمْلُوكَهَا أَوْ مَمْلُوكَ فَرْعِهَا فُسِخَ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، كَمَا يُفْسَخُ لَوْ كَانَ سَابِقًا وَطَرَأَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَ وَإِنْ طَرَأَ بِلَا طَلَاقٍ، كَمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا أَوْ مَلَكَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ الْآخَرَ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَمِلْكُ الْبَعْضِ كَمِلْكِ الْكُلِّ فِي الْفَسْخِ (وَ) لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ فِي مَالِ وَالِدِهِ شُبْهَةٌ جَازَ (لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ وَأَمَةَ أُمِّهِ) الْحُرَّيْنِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ أَصْلِهِ وَإِنْ دَنَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ حَيْثُ كَانَتْ مُسْلِمَةً لِتَخَلُّقِ الْوَلَدِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَيَّدْنَا الْوَالِدَ وَالْوَالِدَةَ بِالْحُرَّيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرَّقِيقَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَتِهَا لِأَنَّ وَلَدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْلِكَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ وَأُمِّهِ وَلَوْ رَقِيقَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ جَوَازِ نِكَاحِ أَمَةِ الْوَالِدِ وَالْأُمِّ الْحُرَّيْنِ بِتَخَلُّقِ الْوَلَدِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ مَنْعُ نِكَاحِ الْحُرِّ أَمَةَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ وَلَا عَلَى أُخْتِهِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْحُرَّ الرَّشِيدَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ إلَّا الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَا وَالْفَرْعُ وَإِنْ سَفُلَ، وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ وَهِيَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لَا أَوْلَادُهُمْ وَلَا الْأَعْمَامُ وَلَا الْعَمَّاتُ.
وَلَمَّا كَانَتْ بِنْتُ زَوْجَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَلَمْ تُرْضَعْ مِنْ لَبَنِ أَجْنَبِيَّةٍ قَالَ: (وَلَهُ) أَيْ مُرِيدِ النِّكَاحِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيهِ) الْمَخْلُوقَةَ (مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) حَيْثُ لَمْ تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهَا بَعْدَ نِكَاحِ أَبِيهِ وَإِلَّا حَرُمَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا أَبُوهُ بَعْدَ وَطْئِهَا وَتَزَوَّجَهَا آخَرُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْقِطَاعُ اللَّبَنِ مِنْ الْأَوَّلِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاشْتَرَكَ مَعَ الْقَدِيمِ وَلَوْ بِحَرَامٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ فَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِ الْمُطَلِّقِ، كَمَا تَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِ مَنْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ.
(وَ) كَذَا يَحِلُّ أَنْ (تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجَةِ أَبِيهَا) الْكَائِنَ (مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ أَبِيهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ