الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَيْنَا
وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ
وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ
وَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
«مَا يُؤْذِيك فَلَكَ إذَايَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِيَك» وَمَا خُلِقَ لِلْإِذَايَةِ فَابْتِدَاؤُهُ بِالْإِذَايَةِ جَائِزٌ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذَايَةٌ بِالْفِعْلِ.
[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]
وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ النَّمْلِ مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَتْلِ النَّمْلِ) وَلَوْ بِالنَّارِ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إذَا آذَتْ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا) وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَذِيَّةُ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْمَالِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ: وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ إلَّا الْمُؤْذِيَ مِمَّا ذُكِرَ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ لِإِذَايَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ الْجَوَازِ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ وَتُقَدِّسُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ بِقَوْمِهِ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَوَجَدَ نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةً قَوَائِمَهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ أُجِبْتُمْ بِغَيْرِكُمْ فَمُطِرُوا. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا وَقَدْ آذَتْ لَكُرِهَ قَتْلُهَا وَلَوْ بِالنَّارِ وَإِنْ لَمْ تُؤْذِ مُنِعَ قَتْلُهَا، وَلَا يُرَاعَى هُنَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا عَدَمُهَا. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ جَوَازَ قَتْلِهَا بِشَرْطَيْنِ صَرَّحَ هُنَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ لَمْ تُقْتَلْ) أَيْ النَّمْلُ (كَانَ) ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ قَتْلِهَا مَعَ أَذِيَّتِهَا (أَحَبُّ إلَيْنَا) إنْ كَانَ يُقْدَرُ عَلَى تَرْكِهَا، وَأَحَبُّ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٌّ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَتْلَ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَتْلَهَا حَالَ عَدَمِ الْإِذَايَةِ لَا يَجُوزُ، وَحَالَ الْإِذَايَةِ جَائِزٌ جَوَازًا مُسْتَوِيًا إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا، وَجَوَازًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنَّ تَرْكَهُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَتْلُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ فَيَصِيرُ مَفْهُومُ الشَّرْطَيْنِ مُعْتَبَرًا، لِأَنَّ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ مَنْعُ الْقَتْلِ وَمَفْهُومُ الثَّانِي كَرَاهَتُهُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُعَطَّلٌ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ جَوَازُ الْقَتْلِ الْمُسْتَوِي، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الثَّانِي الْجَوَازُ الْمَرْجُوحُ لِكَرَاهَتِهِ الْقَتْلَ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ عِنْدَ الشَّرْطَيْنِ وَلَوْ بِالنَّارِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْجَوَازِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ تُؤْذِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ النَّارِ، وَأَمَّا عِنْدَ كَرَاهَتِهِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا آذَتْ وَقُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا بِالنَّارِ، وَلَكِنْ وَقَعَ اضْطِرَابٌ فِي النَّمْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَتْلِهِ، فَقِيلَ مُطْلَقُ النَّمْلِ، وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الطَّوِيلُ الْأَرْجُلِ لِعَدَمِ أَذِيَّتِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ شَأْنَهُ الْإِيذَاءُ.
(تَنْبِيهٌ) مِمَّا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ النَّحْلُ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَقْتُلْ النَّحْلَةَ لِنَفْعِهَا وَقِلَّةِ لَحْمِهَا، وَالنَّمْلَةَ إلَّا أَنْ تُؤْذِي انْتَهَى.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَإِنْ آذَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا كُرِهَ لَهُ قَتْلُهَا وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَتْلِهَا كَمَا قِيلَ فِي النَّمْلِ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْ النَّمْلِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ نَفْعُ النَّحْلَةِ دُونَ النَّمْلَةِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُقْتَلَ الْوَزَغُ) بِفَتْحِ الزَّايِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وُجِدَ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِئْذَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ وَلَا كَثْرَةٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَثٌّ وَرَغَّبَ فِي قَتْلِ الْوَزَغَةِ حَيْثُ قَالَ:«مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً، وَقِيلَ خَمْسُونَ حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّالِثَةِ فَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ» وَفِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَاعِدَةِ كَثْرَةِ الْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ لِمَا فِي تَأْخِيرِ الْقَتْلِ مِنْ التَّهَاوُنِ، وَإِنَّمَا خُصَّ عليه الصلاة والسلام فِي قَتْلِ الْوَزَغِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَزَغَةَ كَانَتْ يَهُودِيَّةً مَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ الَّتِي أَحْرَقَتْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوْ نَارَ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَكَانَ الْوَطْوَاطُ يُطْفِئُهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السَّمُومِ حَتَّى قَالَ إنَّهَا أَكْثَرُ سُمًّا مِنْ الْحَيَّةِ.
(وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ) جَمْعُ ضِفْدَعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يُلَازِمُ الْمَاءَ غَالِبًا، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيَوَانَاتِ تَسْبِيحًا حَتَّى قِيلَ: إنَّ صَوْتَهَا جَمِيعَهُ ذِكْرٌ، وَلِأَنَّهَا أَطْفَأَتْ مِنْ نَارِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام ثُلُثَيْهِمَا، وَصِيغَةُ تَسْبِيحِهَا: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي الْأَرْضِ الْقِفَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ بِكُلِّ شَفَةٍ وَلِسَانٍ، هَكَذَا وَجَدْته بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا فَلَهُ أَكْلُهَا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةً، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ تُؤْذِ وَإِلَّا جَازَ قَتْلُهَا حَيْثُ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا، فَإِنْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا اُسْتُحِبَّ عَدَمُ قَتْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّمْلِ.
(تَنْبِيهٌ) كُلُّ مَا قُلْنَا بِجَوَازِ قَتْلِهِ لِدَفْعِ الْإِيذَاءِ يُطْلَبُ مِنْ قَاتِلِهِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْقَتْلِ دَفْعَ الْإِيذَاءِ لَا عَبَثًا وَإِلَّا مُنِعَ حَتَّى الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ الَّتِي يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْأَوْلَى لِلْعَاقِلِ لِيَلْزَمَهُ وَمَا لَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ فَيَجْتَنِبَهُ فَقَالَ: (وَقَالَ عليه الصلاة والسلام إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ (عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَبْلَ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشَدَّدٌ أَيْ كِبْرَهَا وَتَجَبُّرَهَا مِنْ الْعِبْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ، وَيُسْتَعَارُ لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الْعِظَامِ.
قَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ، وَقِيلَ: الْعُبِّيَّةُ هِيَ وَقْرُ الدَّوَابِّ بِالْأَثْقَالِ أَيْ ثِقْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتُرْوَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ التَّنَاهِي فِي الْجَهْلِ وَالْجَهَالَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ الْكِبْرِ وَهُوَ بَطَرُ الْحَقِّ أَيْ رَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَغَمْصُ النَّاسِ أَيْ احْتِقَارُهُمْ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَمَنْ نُحِبُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَفْظُ أَذْهَبَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ يَنْهَاكُمْ عَنْ
بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ «عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ» وَقَالَ عُمَرُ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ
وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا وَلَا يُعَبِّرُهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
عُبِّيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. (وَ) أَذْهَبَ عَنْكُمْ أَيْضًا (فَخْرَهَا بِالْآبَاءِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّلَبُّسِ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَمِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ وَالطِّيَرَةِ وَالنِّيَاحَةِ وَالِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ وَمِنْ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ لِأَنَّكُمْ مَا بَيْنَ (مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ) أَيْ مُمْتَثِلٍ لِلْمَأْمُورَاتِ مُجْتَنِبٍ لِلْمَنْهِيَّاتِ فَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عِنْدَ اللَّهِ بِتَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسِيبًا. (أَوْ فَاجِرٍ) أَيْ كَافِرٍ (شَقِيٍّ) خَاسِرٍ بِعَدَمِ تَقْوَاهُ وَلَوْ كَانَ نَسِيبًا، فَالتَّفَاضُلُ بِالْآبَاءِ لَا يُكْسِبُ شَيْئًا، وَأَيْضًا (أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ) لِأَنَّهُ أَبُو الْبَشَرِ جَمِيعًا. (وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ) وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا فَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْفُرُوعِ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ فِي خِلَالِ الْخَيْرِ، وَأَيْضًا الْأَصْلُ مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَرْجُلِ، فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ فَرْعُ مَنْ يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ مَعَ إهَانَةِ أَصْلِهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الرَّبُّ وَاحِدٌ، وَالْأَبُ وَاحِدٌ، وَالْأُمُّ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ، وَمَنْ أَسْرَعَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُبْطِئْ بِهِ نَسَبُهُ» وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَمَلُهُ السَّيِّئُ أَوْ تَفْرِيطُهُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ أَيْ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرَفُ نَسَبِهِ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَأَيْضًا التَّفَاخُرُ يُؤَدِّي إلَى إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَلَمَّا أَفَادَ أَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَتَى بِحَدِيثٍ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ فَقَالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ) بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ أَنَّ زَيْدًا ابْنَ عُمَرَ، وَعُمَرَ ابْنَ فُلَانٍ وَابْنَ فُلَانَةَ وَهَكَذَا، لِأَنَّ لَفْظَ رَجُلٍ عَامٌّ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ نَحْوَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَمَقُولُ قَوْلِ الرَّسُولِ عليه السلام (عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ. (وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ) مُرْتَكِبَهَا بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ وَالْإِثْمُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي.
قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» بَلْ قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَإِذَا كَانَ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى عِلْمِ مَا يَخُصُّهُ فِي دِينِهِ فَاشْتِغَالُهُ بِهِ حَرَامٌ، وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفُهُ إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ فِعْلِ وَاجِبٍ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ النَّفْعِ بِمَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ عُمُومُ ذَلِكَ لِنَسَبِ نَفْسِهِ رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ:(وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ رضي الله عنه (تَعَلَّمُوا) وُجُوبًا (مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) لِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتَوَصَّلُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحِمِ الَّذِي تَجِبُ صِلَتُهُ كُلُّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا خُصُوصُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ، وَنَظَرَ ابْنُ نَاجِي قَائِلًا: وَانْظُرْ هَلْ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَنْسَابِهِ إلَى مُنْتَهَى أَجْدَادِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَجْدَادٍ وَنَحْوِهَا، وَأَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ مَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِزِيَارَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا كَثُرَتْ أَرْحَامُهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِلَةُ الْأَقْرَبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُورُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ النَّسَبِ مَا يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ قَالَ:(وَقَالَ مَالِكٌ) الْإِمَامُ رضي الله عنه (وَأَكْرَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّاذِلِيُّ، وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ (أَنْ يَرْفَعَ فِي النَّسَبِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ) بَلْ إذَا وَصَلَ إلَى جَدٍّ كَافِرٍ أَمْسَكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدٌّ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَهُ لِآيَةِ:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [المجادلة: 22] إلَى قَوْلِهِ {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] وَأَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الرَّفْعِ فِي النَّسَبِ مِنْ التَّفَاخُرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْآبَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ بِالْكُفَّارِ، وَنَصُّوا هُنَا عَلَى أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ مُقَدَّمٌ عَلَى شَرَفِ النَّسَبِ، فَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ الْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ
وَأَعَادَ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فِيهِ جَمْعٌ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَهُ وَأَعَادَ أَيْضًا قَوْلَهُ (وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ) أَوْ يَنْفُثْ أَيْ يَبْزُقُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ (عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ) بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ مَا رَأَى) لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْكَذِبِ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِ كَذِبٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا بِأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أُصُولَ التَّعْبِيرِ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَأَشْعَارُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَفِرَاسَةٌ يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ تَعْبِيرُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْبِيرُهَا