الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ وَقَدْ قِيلَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. .
وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرَانِ ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَذَلِكَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَرْضِهِ لَهَا ابْتِدَاءً، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْفَرْضِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي اعْتِبَارِ صَدَاقِ الْمِثْلِ فَقِيلَ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَبْنِ، وَيَوْمَ الدُّخُولِ إنْ بَنَى.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا جَوَازُ نِكَاحِ التَّحْكِيمِ وَالتَّفْوِيضِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الْفَرْضِ فِي التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا فِي التَّحْكِيمِ فَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِيهِ: إنْ كَانَ الْمُحَكَّمُ الزَّوْجَ وَفَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُهُ، وَاخْتُلِفَ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُحَكَّمَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَقِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ إنْ فَرَضَ الْمِثْلَ لَزِمَهُمَا وَأَقَلَّ لَزِمَهُ وَأَكْثَرَ فَالْعَكْسُ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجِ وَالْمُحَكَّمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: إنَّ التَّحَكُّمَ عَكْسُ التَّفْوِيضِ،
وَلَمَّا اشْتَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ اللَّازِمَ لَا يُزِيلُ الْعِصْمَةَ فِيهِ إلَّا الطَّلَاقُ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ انْحِلَالِهِ بِالرِّدَّةِ قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) الْمُسْلِمَيْنِ أَيْ قَطَعَ إسْلَامَهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ هِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ بِكَلِمَةٍ مُكَفِّرَةٍ أَوْ بِإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَاذُورَاتٍ وَأَوْلَى رِدَّتُهُمَا مَعًا (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) اللَّازِمُ بَيْنَهُمَا (بِطَلَاقٍ) بِأَنْ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ لِدِينِ زَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الِارْتِدَادَ نَفْسَهُ يُعَدُّ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفَسَخَ لِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ لَا رِدَّتِهِ فَبَائِنَةٌ وَلَوْ لِدِينِ زَوْجَتِهِ، وَقِيلَ يُعَدُّ الِارْتِدَادُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَثَمَرَةُ الْقَوْلَيْنِ تَظْهَرُ فِي عَوْدِهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِعَقْدٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكْفِي الرَّجْعَةُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الرِّدَّةِ يُقَدَّرُ فَسْخُهَا طَلَاقًا، وَإِسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ لَا يُقَدَّرُ فَسْخُهُ طَلَاقًا؟ فَيُجَابُ: بِأَنَّ الرِّدَّةَ طَرَأَتْ عَلَى نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَأَيْضًا الْمُسْلِمُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.
(وَقَدْ قِيلَ) إنَّ الِارْتِدَادَ فَسْخٌ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) أَيْ لَا يُعَدُّ طَلَاقًا، وَعَلَيْهِ لَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ لِلْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الزَّوْجِ يَكُونُ لَهُ فِيهَا ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ يَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ، فَنُلَخِّصُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الْفَسْخِ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ وَلَوْ قَصَدَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا بِرِدَّتِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُرْتَدُّ بِرِدَّتِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ وَإِلَّا عُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَلَا يُفْسَخُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، وَعَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ الزَّوْجُ إلَى عَقْدٍ وَلَا رَجْعَةٍ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ كَامِلَةً، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَصَدَ الْمُرْتَدُّ بِرِدَّتِهِ حِرْمَانَ وَارِثِهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ، وَيُعَامَلُ الْمُرْتَدُّ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ فِي الْإِرْثِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا وَحَرَّرَهُ، وَنَظِيرُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْهُ قَاصِدَةً تَحْنِيثَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا، وَاخْتَارَ هَذَا أَشْهَبُ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ بِالْحِنْثِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ تَزَلْ أَشْيَاخُنَا وَأَشْيَاخُهُمْ تُرَجِّحُهُ وَتُضَعِّفُ كَلَامَ أَشْهَبَ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ مَالِكٍ فِي عَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْقَاصِدَةِ بِرِدَّتِهَا فَسْخَ نِكَاحِهَا، وَفَرَّقَ الشُّيُوخُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ وَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ، بِأَنَّ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِ الزَّوْجَةِ أَمْرٌ وَقَعَ مِنْ الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: يَحْنَثُ بِفِعْلِهَا وَلَوْ قَصَدَتْ تَحْنِيثَهُ لِأَنَّهُ الْمُعَلِّقُ لِلطَّلَاقِ فَكَأَنَّهُ الْمَوْقِعُ لَهُ، لِأَنَّهُ حِينَ التَّعْلِيقِ مُجَوِّزٌ فِعْلَهَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ رِدَّتِهَا وَقَعَتْ مِنْهَا بِاخْتِيَارِهَا قَاصِدَةً طَلَاقَهَا وَالْعِصْمَةُ لَيْسَتْ بِيَدِهَا فَلَمْ يَقَعْ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَوْ وَقَعَ لَتَوَاطَأَتْ النِّسَاءُ عَلَى فِرَاقِ الْأَزْوَاجِ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، فَافْهَمْ هَذَا الْفَرْقَ بِإِيضَاحٍ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيْنُونَةُ الزَّوْجَةِ بِالرِّدَّةِ وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ بَالِغٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ بَالِغَيْنِ أَوْ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَقَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُمَا فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُمَا وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَدَمِ تَوْبَتِهِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ هَلْ لِلْمَرْأَةِ شَيْءٌ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا؟ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ مُحَصَّلُهُ: إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ غَرِمَ لَهَا النِّصْفَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ قِبَلِهَا.
الرَّابِعُ: إنْ ادَّعَى رَجُلٌ رِدَّةَ زَوْجَتِهِ وَخَالَفَتْهُ بَانَتْ مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ بِرِدَّتِهَا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهَا، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ مِنْ كُلٍّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا وُقُوعَ الْعَقْدِ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ قَبْلَهُ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي ادَّعَى وُقُوعَ الْعَقْدِ حَالَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيَغْرَمُ لَهَا النِّصْفَ.
الْخَامِسُ: لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مُفَارَقَةَ زَوْجِهَا فَامْتَنَعَ فَأَفْتَاهَا رَجُلٌ عَالِمٌ تَرْتَدُّ فَارْتَدَّتْ لِتَبِينَ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ مِنْهُ وَلَكِنْ تُسْتَتَابُ؟ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَجْ زَوْجُهَا إلَى عَقْدٍ لِعَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِهَا، وَيَرْتَدُّ الْمُفْتِي لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ
[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ ارْتِدَادِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَرَعَ فِي حُكْمِ إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا
فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا إنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ وَكَانَتْ كِتَابِيَّةً ثَبَتَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَكَانَهَا كَانَا زَوْجَيْنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ.
وَإِذَا أَسْلَمَ مُشْرِكٌ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ فَلْيَخْتَرْ أَرْبَعًا وَيُفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ.
وَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا وَكَذَلِكَ الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فِي عِدَّتِهَا وَيَطَؤُهَا فِي عِدَّتِهَا. .
وَلَا نِكَاحَ لِعَبْدٍ وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
أَسْلَمَ) الزَّوْجَانِ (الْكَافِرَانِ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِحَضْرَتِنَا أَوْ جَاءَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ حَيْثُ كَانَ إسْلَامُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُ أَنْكِحَتَهُمْ الْفَاسِدَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا الْوَاقِعِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ حَيْثُ اتَّحَدَ وَقْتُ إسْلَامِهِمَا، وَشَرْطُ ثُبُوتِ نِكَاحِهِمَا بِإِسْلَامِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُقَرَّانِ إنْ كَانَا أَخَوَيْنِ أَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَحْرَمًا مِنْ مَحَارِمِهِ.
(وَ) أَمَّا (إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) عَلَى وَجْهٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ مَحَارِمِهِ مَثَلًا (فَذَلِكَ) أَيْ الْفَسْخُ (فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) قَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَ لِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ حَيْثُ وَجَبَ الْفَسْخُ لِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ كَكَوْنِهَا غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ أَوْ مَحْرَمًا فَهُوَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِقَوْلِنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: إنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُ الْمَرْأَةِ وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ فِي زَمَنِ اسْتِبْرَائِهَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا يُقَرُّ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ إسْلَامِهِ، وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ مَا قَالَ فِيهِ يُفْسَخُ سَرِيعًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَسْلَمَا عَلَى حَالٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهٍ بِحَيْثُ يَجُوزُ إقْرَارُهُمَا عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ) دُونَهُ وَكَانَ إسْلَامُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ (كَانَ أَحَقَّ بِهَا إنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ) اتِّفَاقًا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا لَا يُقَرُّ عَلَيْهَا، لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَالرَّجْعَةِ وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْإِسْلَامَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ وَيَتَلَذَّذْ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِإِسْلَامِ زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا وَإِلَّا تَفُوتَ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا كَمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهَا لِبَيْنُونَتِهَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ مَكَانَهَا.
(وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ دُونَهَا (وَكَانَتْ) حُرَّةً (كِتَابِيَّةً ثَبَتَ عَلَيْهَا) قَالَ خَلِيلٌ: قُرِّرَ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ وَالضَّمِيرُ لِلْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ.
(فَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً) وَأَسْلَمَ قَبْلَهَا (فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَكَانَهَا) أَيْ بِقُرْبِ إسْلَامِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ إسْلَامُهَا فَوْقَ الشَّهْرِ.
(كَانَا زَوْجَيْنِ) أَيْ اسْتِمْرَارٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَجُوسِيَّةُ الَّتِي أَسْلَمَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ بَقِيَّةُ شُرُوطِ تَزَوُّجِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ عَلَى الرَّاجِحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ إسْلَامِ الْمَجُوسِيَّةِ تَهَوُّدُهَا أَوْ تَنَصُّرُهَا وَمَفْهُومُ مَكَانِهَا (إنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ) أَيْ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ فَوْقَ الشَّهْرِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذَلِكَ (فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى الْأَمَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إنْ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ وَلَمْ يَبْعُدْ كَالشَّهْرِ، وَهَلْ إنْ غَفَلَ أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْكَافِرَيْنِ إنْ أَسْلَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُقَرَّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَا مَجُوسَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ مُطْلَقًا، وَعَلَى الْمَجُوسِيَّةِ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إنْ أَسْلَمَتْ وَلَوْ لَمْ تُعْتَقْ الْأَمَةُ، وَمِثْلُ إسْلَامِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ عِتْقُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ ابْتِدَاءً فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ أُقِرَّ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا لَا إنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ عَنْ عِدَّتِهَا فَلَا يُقَرَّ عَلَيْهَا لِبَيْنُونَتِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْكَافِرِ يُسْلِمُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَسْلَمَ مُشْرِكٌ) الْمُرَادُ كَافِرٌ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (عِنْدَهُ) الْمُرَادَ فِي عِصْمَتِهِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (فَلْيَخْتَرْ) إنْ شَاءَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ صَبِيًّا (أَرْبَعًا وَيُفَارِقُ بَاقِيَهُنَّ) وَلَوْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ فِي مَرَّةٍ أَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ أَحْرَمَ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِهِ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ النِّسَاءُ إمَاءً حَيْثُ أَسْلَمْنَ مَعَهُ، وَلَوْ فُقِدَتْ شُرُوطُ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَدَّمْنَا أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاخْتَارَ الْمُسْلِمُ أَرْبَعًا وَإِنْ أَوَاخِرَ وَإِحْدَى أُخْتَيْنِ مُطْلَقًا، وَإِحْدَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا لَمْ يَمَسَّهُمَا وَإِنْ مَسَّهُمَا حَرُمَتَا وَإِحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ اخْتِيَارِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ أَنْ يُسْلِمْنَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِالْقُرْبِ أَوْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ إمَّا بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِالطَّلَاقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاخْتَارَ بِطَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ لِعَانٍ مِنْ الرَّجُلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ مِنْهُمَا فَسْخٌ وَلَهُ الِاخْتِيَارُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخْتَارَةِ، وَفَائِدَتُهُ إرْثُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً.
الثَّانِي: لَا شَيْءَ لِمَنْ لَمْ يَخْتَرْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِنَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِ وَهَذَا مَعَ اخْتِيَارِ بَعْضِهِنَّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدًا فَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِأَرْبَعٍ
لِأَمَةٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ.
وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مَنْ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ
ــ
[الفواكه الدواني]
مِنْهُنَّ غَيْرِ مُعَيَّنَاتٍ صَدَاقَانِ صَحِيحَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ صَدَاقِهَا وَهُنَّ غَيْرُ مُعَيَّنَاتٍ، فَيُقْسَمُ الصَّدَاقَانِ عَلَى عَشَرَةٍ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خُمُسُ صَدَاقِهَا، لِأَنَّ نِسْبَةَ الِاثْنَيْنِ لِلْعَشَرَةِ خَمْسٌ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَخْتَرْ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَةٍ، أَوْ لَيْسَ فِي عِصْمَتِهِ سِوَى أَرْبَعٍ وَلَكِنْ غَيْرِ مُعَيَّنَاتٍ فَتَقْسِمُ الْعَشْرُ عَلَى الْأَرْبَعِ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ خُمُسَا صَدَاقِهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَوْ دَخَلَ بِغَيْرِهَا، وَالْمَدْخُولُ بِهَا يَكُونُ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَلَوْ دَخَلَ بِثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَيْهِ أَرْبَعُ صَدَاقَاتٍ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَخْتَرْ.
الثَّالِثُ: لَوْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ سِتٌّ وَتَخَلَّفَ أَرْبَعٌ فَلَا إرْثَ لِلْمُسْلِمَاتِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا إرْثَ إنْ تَخَلَّفَ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ عَنْ الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ اخْتِيَارِهِنَّ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا دُونَ الْمُسْلِمَاتِ، وَأَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ فَالْإِرْثُ وَهُوَ الرَّابِعُ حَيْثُ لَا فَرْعَ، وَالثُّمُنُ مَعَ وُجُودِهِ يُقْسَمُ عَلَى الْمُسْلِمَاتِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحِدَةً قُسِمَ عَلَى تِسْعٍ، وَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَصْدِقَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ صَدَاقِهَا، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ يَحْصُلُ بِالْقَرَابَةِ وَبِالصِّهَارَةِ وَبِالرَّضَاعِ.
ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَاللِّعَانِ وَكَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ لَاعَنَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (زَوْجَتَهُ) الْمُسْلِمَةَ وَلَاعَنَتْهُ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَبِلِعَانِهَا تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا وَإِنْ مُلِكَتْ أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا، وَأَمَّا مُجَرَّدُ لِعَانِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانِهَا فَلَمْ يَتَأَبَّدْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَلَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِينَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْكُفْرِ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا فَإِنَّا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِاللِّعَانِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ فَلَمَّا الْتَعَنَتْ فَرَقَّ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَصَّتْ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا: وَسَيَأْتِي حَقِيقَةُ اللِّعَانِ وَصِفَتُهُ فِي بَابِهِ، لِأَنَّ ذِكْرَ حُكْمِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ هُنَا قَبْلَ مَحَلِّهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِطْرَادِ، وَهُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ قَبْلَ مَحَلِّهِ لِمُنَاسَبَةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا (الَّذِي يَتَزَوَّجُ) أَيْ يَعْقِدُ عَلَى (الْمَرْأَةِ فِي) زَمَنِ (عِدَّتِهَا) مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ طَلَاقِ غَيْرِ الْمُتَزَوِّجِ لَهَا الْبَائِنِ (وَيَطَؤُهَا) بَعْدَ ذَلِكَ الزَّوَاجِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ التَّلَذُّذُ بِهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنْ (فِي عِدَّتِهَا) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا بِوَطْءٍ وَإِنْ بِشُبْهَةٍ وَلَوْ بَعْدَهَا وَبِمُقَدِّمَتِهِ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَكَمَ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَقَيَّدْنَا الطَّلَاقَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ ذَاتُ زَوْجٍ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرَامًا وَيُفْسَخُ لَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى مَنْ تَزَوَّجَهَا، وَقَيَّدْنَا الْعِدَّةَ بِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مُتَزَوِّجَ الْبَائِنِ مِنْهُ بِدُونِ الثَّلَاثِ جَائِزٌ، وَالْمَبْتُوتَةُ وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ لَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَإِنْ كَانَ يُفْسَخُ وَيَجِدُ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَحَلِّ.
(تَنْبِيهٌ) مِثْلُ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِالْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَمِثْلُ الْمُعْتَدَّةِ الْمُسْتَبْرِئَةُ مِنْ زِنًى أَوْ غَصْبٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَتُوطَأُ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى وَاطِئِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً بَيَانُهَا أَنَّ الْمَحْبُوسَةَ إمَّا فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ فِي اسْتِبْرَاءٍ مِنْ وَطْءٍ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ فِي اسْتِبْرَاءٍ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ وَيَطَؤُهَا شَخْصٌ آخَرُ فِي الْجَمِيعِ إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، أَوْ تَكُونُ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ وَيَطَؤُهَا شَخْصٌ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ أَيْضًا كَمَّلَتْ السِّتَّ عَشْرَةَ، وَالصُّوَرُ الَّتِي لَا يَتَأَبَّدُ فِيهَا التَّحْرِيمُ عِشْرُونَ بَيَانُهَا أَنْ يَطَأَهَا شَخْصٌ بِزِنًا أَوْ غَصْبٍ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ بِعِدَّةِ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ مِنْ وَطْءٍ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ وُطِئَتْ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ بِوَطْءٍ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ فَهَذِهِ ثَمَانٌ تَضُمُّ لِمَا قَبْلَهَا الْجُمْلَةُ عِشْرُونَ،
هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ رحمه الله، وَلَمَّا كَانَ الرَّقِيقُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَحِقَ السَّيِّدَ قَالَ:(وَلَا نِكَاحَ) جَائِزٌ (لِعَبْدٍ وَلَا لِأَمَةٍ) وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُكَاتَبٍ وَمُكَاتَبَةٍ (إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) لِأَنَّ تَزْوِيجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ، وَإِذَا وَقَعَ تَحَتَّمَ فَسْخُ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ رَدُّ نِكَاحِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَوَارِثُ السَّيِّدِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ لِمُرِيدِ الرَّدِّ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهَا إنْ دَخَلَ رُبُعُ دِينَارٍ وَتَرُدُّ الزَّائِدَ إنْ قَبَضَتْهُ، وَرُبُعُ الدِّينَارِ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ وَفِي حُكْمِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الرُّبْعِ دِينَارٍ يُتْبَعُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ إنْ غَرِمَا لَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ أَسْقَطَ ذَلِكَ عَنْ الْعَبْدِ قَبْلَ عِتْقِهِ، أَوْ السُّلْطَانُ بِأَنْ رَفَعَ السَّيِّدُ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَوْ يَكُونُ غَائِبًا لِأَنَّ السُّلْطَانَ يَذُبُّ عَنْ مَالِ الْغَائِبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطَ الزَّائِدِ عَنْ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، وَعَنْ الْمُكَاتَبِ إنْ لَمْ يَغِرَّ أَوْ غَرَّ وَرَجَعَ رَقِيقًا إلَّا إنْ خَرَجَ حُرًّا، وَأَمَّا الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ فَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ زَوَّجَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تُنْكَحُ أَمَةٌ وَلَا عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، فَإِنْ عَقَدَ لِلْأَمَةِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ
امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُحِلُّهَا ذَلِكَ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْقِدُ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَيُفْسَخُ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا، وَيَكُونُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمُسَمَّى عَنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَتَمَّ لِلْغَائِبِ نِصْفَ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى، اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ رحمه الله.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحَتُّمِ فَسْخِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُخَالِفٌ لِمَا إذَا بَاعَهَا الْغَيْرُ أَوْ بَاعَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ فِي الْبَيْعِ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْبَيْعِ لِلسَّيِّدِ، وَكَوْنُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَاقِعًا مِنْ السَّيِّدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
الثَّانِي: إنْ قِيلَ السَّيِّدُ لَهُ جَبْرُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَيْثُ خُيِّرَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الذَّكَرِ وَوَجَبَ فَسْخُ نِكَاحِ الْأُنْثَى بِحَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: شِدَّةُ الِاعْتِنَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى مُرَاعَاةِ شُرُوطِ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، لِأَنَّ زَوَاجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ، وَلَوْ خُيِّرَ السَّيِّدُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ كَالذَّكَرِ لَبَادَرَتْ النَّاسُ إلَى تَزَوُّجِ الْجَوَارِي بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بَلْ إلَى الزِّنَا، وَيَدَّعُونَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَهَذَا فَسَادٌ كَبِيرٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فِي وَجْهِ الْفَرْقِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ بِذِكْرِ الْأَضْدَادِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ (تَعْقِدَ امْرَأَةٌ) نِكَاحَ نَفْسِهَا وَلَا امْرَأَةَ غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَيَجِبُ أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا يَعْقِدُ عَلَى مَمْلُوكَتِهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا، لِأَنَّ شَرْطَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الذُّكُورَةُ، فَإِنْ عَقَدَتْ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ بَاطِلًا لِحَدِيثِ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا.
(وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ (عَبْدٌ) نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَه أَوْ أَمَتَهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْوَلِيِّ الْحُرِّيَّةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَمُعْتَقَةٌ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا كَعَبْدٍ أَوْ وَصِيٍّ وَمُكَاتَبٍ فِي أَمَةٍ طَلَبَ فَضْلًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَنَاتِهِ وَلَا إمَائِهِ وَالْحَقُّ لِسَيِّدِهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ قَهْرًا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ غِبْطَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، بِأَنْ دَفَعَ لَهَا الزَّوْجُ صَدَاقًا وَاسِعًا بِحَيْثُ يُجْبَرُ عَيْبَ التَّزْوِيجِ وَيَزِيدُ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ الْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ مَنْ فِي وَصِيَّتِهِ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَعْقِدَ (مَنْ كَانَ) مِنْ الرِّجَالِ (عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ) وَمَفْعُولُ يَعْقِدَ (نِكَاحَ امْرَأَةٍ) فَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي وَلِيِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا الْكَافِرُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَافِرَةِ وَلِيٌّ خَاصٌّ كَافِرٌ فَأَسَاقِفَتُهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلسُّلْطَانِ جَبَرَهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا لِأَنَّهُ مِنْ رَفْعِ التَّظَالُمِ، وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ خُصُوصِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ مَالِكًا لِكَفَّارَةٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَافِرَةُ أَمَةً لَهُ أَوْ مُعْتَقَتَهُ حَيْثُ أَعْتَقَهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا وَيُزَوِّجُهَا، لَكِنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُزَوِّجُهَا لِكَافِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ الْكَائِنَةَ عَلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَطَؤُهَا الْمُسْلِمُ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَأَمَّا مُعْتَقَتُهُ الَّتِي لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ بِأَنْ أَعْتَقَهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ إسْلَامِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ كَافِرًا فِي الْأَصْلِ فَيُزَوِّجُهَا وَلَوْ لِمُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْكَافِرَةُ غَيْرُ الْأَمَةِ وَغَيْرُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَتَوَلَّى عَقْدَهَا لَا لِكَافِرٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] لَكِنْ إنْ تَجَرَّأَ وَعَقَدَ لَهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى كَافِرٍ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ لِأَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي الزِّنَا إذَا لَمْ يُعْلِنُوهُ فَأَوْلَى النِّكَاحُ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ لَهَا عَلَى مُسْلِمٍ لَفُسِخَ أَبَدًا، وَإِلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ مُشَبِّهًا فِي الْحُرْمَةِ: كَكُفْرٍ لِمُسْلِمَةٍ وَعَكْسِهِ إلَّا لِأَمَةٍ وَمُعْتَقَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ وَزَوَّجَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ عَقَدَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ تُرِكَ، وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْوَلِيَّ إمَّا مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَمَنْ فِي وِلَايَتِهِ إمَّا مُسْلِمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا أَحْكَامَ الْجَمِيعِ بِفَضْلِ اللَّهِ.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ جَعْلِ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ شُرُوطًا فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي وَلِيِّ الرَّجُلِ إنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَصِحُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُوَكِّلَ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ امْرَأَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ الْجَمِيعَ سِوَى الْمُحَرَّمِ وَالْمَعْتُوهِ لَا وَلِيٍّ إلَّا كَهُوَ، أَيْ أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ شُرُوطِهِ،
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً مُنَاسِبَةً لِمَا قَبْلَهَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً) مَبْتُوتَةً (لِيُحِلَّهَا لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا (وَ) إنْ وَقَعَ تَزَوُّجُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (لَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ) لِفَسَادِهِ فَيُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَيُسَمَّى هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الدُّلْسَةِ بِضَمِّ الدَّالِ، وَالزَّوْجُ فِيهِ يُسَمَّى بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، وَقَالَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم:«لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَإِنَّمَا
الْمَرِيضِ وَيُفْسَخُ وَإِنْ بَنَى فَلَهَا الصَّدَاقُ فِي الثُّلُثِ مُبَدَّأً وَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
لَمْ يُحِلَّهَا لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا يُحِلُّهَا إلَّا نِكَاحُ الرَّغْبَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ عَلَى قَصْدِ الدَّوَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَحْرَمِ وَالْمَبْتُوتَةِ: حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرَهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُسْلِمًا، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لَازِمًا، وَيَطَؤُهَا مُبَاحًا بِلَا مَنْعٍ وَلَا نُكْرَةَ فِيهِ بِانْتِشَارٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ وَعِلْمِ خَلْوَةٍ وَلَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَعِلْمِ زَوْجَةٍ بِالْوَطْءِ فَلَا تَحِلُّ بِوَطْئِهَا فِي حَالِ نَوْمِهَا أَوْ جُنُونِهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا، بِخِلَافِ لَوْ وَطِئَهَا حَالَ جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ حَيْثُ كَانَتْ عَاقِلَةً، لِأَنَّ الْحِلْيَةَ وَعَدَمَهَا مِنْ أَوْصَافِهَا فَلِذَا اُعْتُبِرَ عِلْمُهَا فَقَطْ، وَحُصُولُ الْحِلِّ بِوَطْءِ الْمَجْنُونِ لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ عَاقِلًا زَمَنَ الْعَقْدِ حَتَّى يَتَأَتَّى كَوْنُ النِّكَاحِ رَغْبَةً، وَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا أَوْ عَبْدًا وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ إنْزَالٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُسَيْلَةِ فِي الْحَدِيثِ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ، وَالْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ إنَّمَا هُوَ قَصْدُ الزَّوْجِ، وَأَمَّا قَصْدُ الْمَبْتُوتَةِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ الْبَاتِّ لَهَا فَهُوَ لَغْوٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنِيَّةُ الْمُطَلَّقِ وَنِيَّتُهَا لَغْوٌ أَيْ لَا تُوجِبُ فَسَادًا وَلَا تُنَافِي الْحِلْيَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْحِلْيَةُ إلَّا بِثُبُوتِ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَعِلْمِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُنَاكَرَةٌ لِلْوَطْءِ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَارِئَةً وَالْبَاتُّ لَهَا حَاضِرٌ عِنْدَنَا وَادَّعَتْ التَّزْوِيجَ الْمُوجِبَ لِحِلِّهَا فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ لِمَشَقَّةِ الْإِثْبَاتِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْحَاضِرَةُ بِالْبَلَدِ فَتُصَدَّقُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً، وَأَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا وَدَعْوَاهَا التَّزْوِيجَ بِحَيْثُ يَكُونُ الزَّمَانُ يُمْكِنُ أَنْ تَمُوتَ فِيهِ الشُّهُودُ وَالْعَارِفُونَ بِالنِّكَاحِ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَيَنْدَرِسُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مَأْمُونَةً وَلَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ فِي تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ وَعَدَمِ تَصْدِيقِهَا، فَقَوْلُهُمْ: لَا بُدَّ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْخَلْوَةِ، وَاتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْوَطْءِ مَخْصُوصٌ بِهَذِهِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ
(وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (نِكَاحُ الْمُحْرِمِ) وَلَوْ بِعُمْرَةٍ (لِنَفْسِهِ وَلَا) يَصِحُّ أَنْ (يَعْقِدَ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَمَنَعَ إحْرَامٌ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْوَلِيُّ، فَلَا يُقْبَلُ الزَّوْجُ وَلَا تَأْذَنُ الزَّوْجَةُ وَلَا يُجِيبُ الْوَلِيُّ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَلَا يُوَكِّلُونَ وَلَا يُجِيزُونَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الْعَقْدِ، فَإِذَا صَدَرَ الْعَقْدُ وَوَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُحْرِمٌ كَانَ يُفْسَخُ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَعْقِدَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْطُبَ أَوْ يَحْضُرَ نِكَاحًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ بَاطِلًا:«لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» .
وَيَسْتَمِرُّ النَّهْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، فَإِنْ عَقَدَ بَعْدَ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَانَ عَقْدًا صَحِيحًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إنْ قَرُبَ لَا إنْ بَعُدَ وَهَذَا فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا فِي الْعُمْرَةِ فَيَصِحُّ بَعْدَ تَمَامِ سَعْيِهَا، وَيُنْدَبُ تَأَخُّرُهُ حَتَّى يَحْلِقَ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْإِحْرَامِ زَمَنَ الْعَقْدِ، أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ بَعْضُ الثَّلَاثَةِ مُحْرِمًا وَالْجَمِيعُ مُحْرِمُونَ وَلَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ حَتَّى تَحَلَّلَ كُلٌّ مِنْهُمْ وَتَحَلَّلَ الْوَكِيلُ أَيْضًا صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ أَوْ الْوَلِيُّ وَهُوَ حَلَالٌ شَخْصًا حَلَالًا وَلَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا.
الثَّانِي: هَذَا حُكْمُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ الْعَامُّ كَالْحَاكِمِ يَكُونُ مُحْرِمًا وَوَكَّلَ حَلَالًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لِمُحْرِمِ السُّلْطَانِ صَحَّ عَقْدُ نَائِبِهِ الْحَلَالِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الْقَاضِي فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ نَائِبِهِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ، بِخِلَافِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي أَيْضًا، فَيَكُونُ كَنَائِبِ السُّلْطَانِ فِي صِحَّةِ عَقْدِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ حَلَالًا وَإِنْ كَانَ مَنْ أَنَابَهُ مُحْرِمًا، وَمَفْهُومُ النِّكَاحِ أَنَّ شِرَاءَ الْجَوَارِي جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ مُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ النِّكَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ وَحَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مُتَلَبِّسٌ بِعِبَادَةٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَعَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُصُولِ لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، وَلِأَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِكَافِ، وَلَمَّا كَانَ نِكَاحُ الْمَرِيضِ مُشَارِكًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْكِحَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ذُكِرَ عَقِبَهُ، بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا (نِكَاحُ الْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الْوَارِثِ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام.
قَالَ خَلِيلٌ: وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ وَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ أَوْ إنْ لَمْ يَحْتَجْ خِلَافٌ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَيُلْحَقُ بِالْمَرَضِ فِي الْمَنْعِ كُلُّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مِنْ حَاضِرِ صَفِّ الْقِتَالِ وَمُقَرَّبٍ لِقَطْعٍ وَمَحْبُوسٍ لِلْقَتْلِ وَحَامِلِ سِتَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ وَأَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ حَمْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لَهَا لِأَنَّهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
(وَ) إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَوْ فِيهِمَا أُلْحِقَ بِهِ فَإِنَّهُ (يُفْسَخُ) وُجُوبًا (وَإِنْ بَنَى بِهَا) الزَّوْجُ (فَلَهَا) عَلَيْهِ جَمِيعُ (الصَّدَاقِ) الْمُسَمَّى حَالَةَ كَوْنِهِ (فِي الثُّلُثِ مَبْدَأً) عَلَى الْوَصَايَا بَعْدَهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى